خطاب سماحة آية الله قاسم ليلة العاشر 1431هـ

 

 

خطاب ليلة العاشر وسط العاصمة المنامة

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على قضائه في أولياءه، الحمد لله على مكروه القضاء، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين وآله الهداة.

 

السلام عليك أيها الثائر في سبيل الله، إخلاصا لله وإنقاذ لدينه وشفقة على  عبيدة، السلام عليكم الثائر العظيم، يا إمام الحق، سرت ليعود الحق إلى نصابه، وإلى الإنسان رشده وصوابه، وإلى المسيرة البشرية استقامتها على خط الله تبارك وتعالى، السلام عليكم يا صوتا لا يقهر، يا ثورة لا تقبر، يا حقا لا يموت، يا بركانا لا يخمد، يا إعصارا لا يهدأ، يا كلمة لا توارى، وكلمات السماء دائما لا يمكن أن توارى، وأنت من أصدق كلمات السماء يا بن رسول الله، يا دما غلبا، يسقط عروشا، ويزلزل جبلا، ويثير أجيال، ويبعث حياة، ويذكي ثورات، ويهد قلعا، ولكنه يرشد العقول، ويهدي النفوس، ويأخذ بالإنسان في مسيرة صاعدة إلى الله.

 

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، السلام على أضاحي كربلاء، على الرؤوس الشامخات على القنا، السلام على النحور تغرقها الدماء، السلام على أسود الله على الوغى، السلام الثاكلات النائحات من قلوب لظى، وعلى رضع قضوا قتلا ومن ظمأ، السلام عليك سيدي، السلام على تربكِ المضوع بدم الشهادة يا كربلاء، السلام على الشفاه الذاكرة لله ، والأكف الضارعة إليه، والجباه الساجدات خشوعا لعظمته، وهي تخر على الثرى.

 

يوم كربلاء يوم هول كبير، ودم غزير، لكن مثله في هذا أو ما يشبهه، ما هو قبله وما هو بعده؟ فمما الخلود؟ ومما العشق والهيام؟ ومما الانشداد كله؟ ومما هذه اللحمة والالتحام؟ الذي لا يفله طغيان، ولا رعب ولا حرمان، من أين هذه الرفعة؟ من أين هذا الشموخ؟ من أين كل ذلك السمو؟ من أين يعجز الزمن؟ وتنهد الجبال وتتفتت القلاع؟ وتسقط الطواغيت، في مواجهتا للحسين عليه السلام والحسين لا يسقط. أنها المبدئية، أنه الصدق مع الله، إنه الإخلاص لله، إنها الشرعية الدقيقة، أنه التقيد الدائم الثابت بحكم الله في كل صغيرة وكبيرة، أنه الخط الذي لا يفارق الحكم الفقهي لحظة واحدة[1]، حيث المبدئية، وحيث الشرعية، وحيث الإخلاص لله، يكون الصمود والصمود الواعي، وتكون الحركة والحركة الواعية، ويكون الخلود، ويكون السمو، ويكون الشموخ، وتعجز هناك كل المحاولات أن تقطع على السائرين طريقهم فلا تستطيع، وبلا شرعية،

وبلا تفقه، وبلا مبدئية، ومع الانفلات الأخلاقي، ومع تسيب الكلمة هو الضياع، هو الانحدار، هو التمزق، هو كل سوء.

 

كان للحسين عليه السلام في كربلاء صرخة دين وضمير وشفقة على الأمة والإنسان،هل من ناصر؟ [2] لبيك يا حسين، لبيكِ يا شريعة الله، لبيك دين الله، لبيك خط الالتزام، لبيكِ يا ولاية من له الولاية على الأمة وهم أصحاب دين وورع وتعقل ووعي، حين يقول الحسين عليه السلام: هل من ناصر؟ وتقول أنت الآن لبيك يا حسين، نداءات الحسين على أي لسان تأتيك؟ هل تأتيك نداءات الحسين عليه السلام، بأقرب صدق لأمام الحسين لأكبر الحسين، بأكبر إخلاص من إخلاص الإمام الحسين عليه السلام، بأكبر أمانة تقترب من أمانة الإمام الحسين عليه السلام، تأتيك على أي لسان؟ أو تأتيك من ألسنة نصبهم الأئمة خلفاء بعدهم؟ زنوا، أنصفوا، إنما لبيك يا حسين تأتي كما ينبغي، إذا كان النداء نداء إسلام ونداء من له الولاية الحقة على المسلمين، وهم الفقهاء العدول.[3]

 

أيها الأخوة والأخوات الكريمات، حتى لا نقتل الحسين عليه السلام في امتداداته الرسالية مرة وثانية وأخرى، وحتى ننتصر له وننصره وهما متغايران، قد أنتصر للقضية، ولكن ليس بأسلوبها، ولا بأخلاقيتها، ولا بفقهها، ولا برؤاها ومفاهيمها، وأن كانت شعاراتي هي شعارات القضية، هذا انتصار ولكن فيه هزيمة القضية، فيه سحقها، فيه طمس معالمها. فالقضايا المبدئية، قضايا الدين، رسالات السماء، تحتاج إلى وعي، تحتاج إلى صدق، تحتاج إلى إخلاص، تحتاج إلى فقه.

 

فأقول حتى لا نقتل الحسين عليه السلام في امتداداته الرسالية مرة، ثانية ثالثة، وحى ننتصر وننصره، وننتصر للدين وننصر، لابد لنا من أمر، وحتى لا يكون انتصار للحسين، للدين قتلا له، قتلا لخطه، دفنا لمعالم الدين الذي ثار من أجله، لابد أن نتعلم الإسلام، عقيدة، فقها، أخلاقا، خطوطا عامة، لتخيل الأسلوب، نظافة أسلوب، وأن نطبقه، وأن يكون مرجعنا في كل مسألة مسألة، وفي كل مفصل مفصل، وفي كل قضية قضية، لكي نكون إسلاميين، وتحركنا إسلاميا، وكلماتنا إسلامية، لابد أن نطلب مطابقة كل ذلك مع فهم الإسلام، وفقه الإسلام.

 

قضيتان تطرحهما كلمة علي الأكبر عليه السلام، “ألسنا على الحق؟ أذن لا نبالي أوقع الموت علينا، أم وقعنا عليه” كن الحر الذي لا تحبسه الشهوات والرغبات وأماني الدنيا ورغائبها وخوفها ورعبها من أن يضحي من كل شيء في سبيل القضية، كن الحر الذي يتفلت من كل قيود النفس، وقيود العرف، وكل القيود في نصرة دين الله تبارك وتعالى، ولكن علي الأكبر أكد للأجيال أن تتبين مسارها قبل ذلك، “ألسنا على الحق؟”

بعد أن تتيقن أنك على الحق، أمضي ولا تبالي في بعيد أو قريب، هذا التبين للحق هو سمة رئيسة لا بدية في خيارات الإنسان المسلم في حياته، في تعامله مع بيته، في محيطه الصغير، مع محيطه الكبير، مع كل قضايا الحياة والعالم.

 

ما دخلت دين الله إلا بعد أن تبينت أنه الحق، أي مسلم، أتكلم عني بما أني مسلم أن شاء الله، وكلكم مسلمون، لا يدخلنا أحدكم الإسلام مقدما له على ألا دين، أو النصرانية واليهودية، إلا بعد أن يتبن أنه الأحق بالإتباع، وما اخترت مذهبي إلا على أساس هذا، وما أختار أي سلوك أن شاء الله وإياكم إلا على هذا الأساس، رؤية أولا، تثبت أولا، معرفة الحق أولا ثم الانطلاق.

 

درس قي كلمة أبي الفضل العباس عليه السلام في خطابه للشمر: “لعنك الله ولعن أمانك” دول تبيع غزة، تطلب الأمان من المعسكر الغربي، وجماعات قد تضع يدها في يد حكم ظالم تطلب البقاء، ورجل تعطيه جهة من الجهات الأمن فبيع بلده، أمته، جماعته، لا تجزئة في أمان الأمم، البلاد الإسلامية صدق الحكام أم لم يصدقوا منظور إليها من العدو الاستكباري العالمي على أنها أمم تهدد رساليتها جاهليتها، فالسحق السحق، والمحق المحق، ليس بجزء من الأمة في نظر الغرب إنما للأمة كلها.

 

وغزة اليوم تعاني من هذه البيعة، ومن هذا اللجأ، ثم أمان شمر، وأمان الغرب إنما هو أمان الذلة والخسة والانحطاط، والدخول في الأسر المقيت.[4] في العراق مأساة، وهي مأساة جهل وباسم الإسلام، وهنا منبع من منابع الخطورة الكبرى على الأمة، على الجماعات والبلدان، وهو أن نفهم الإسلام خطأ، وأن نصوغ لنا أسلاما من ثقافاتنا الخاصة، ومن عندياتنا،ومن مطالعاتنا المحدودة. هذا الإسلام أدى بجماعة من المسلمين أن يكونوا غيارى على إسلامهم كما كان الخوارج غيارى في داخلهم على الإسلام، أدى بهم أن يقتلوا أخوتهم في الدين، ويذبحوا الرضيع، والشيخ الكبير، والمرأة العجوز في حالة من السرور والغبطة والارتياح والهناء، ثم خطوا الخطوة الثانية، صاروا يقتلون بلا رحمة أخونهم في المذهب، كل المجتمعات، وكل الأديان، وكل المذاهب في داخلها، إذا فهم دين الله مقلوبا.

 

وفي غزة معركة أمة لكنها تأخذ صورة مصغرة من صورة كربلاء. الإمام الحسين عليه السلام كان يخوض معركته مع الجاهلية عن الأمة كلها، وللأمة كلها، لحاضر الأمة، لمستقبلها، لدينها، لدنياها، لعزتها، لكرامتها، لتقدمها، كم هم الذين وقفوا معه؟ لا يساوون شيئا من مجموع الأمة. اليوم غزة تتعرض لمثل هذا، خذلان، تآمر، وإعانة للعدو، وتمرير للوقت لتنفيذ المشروع الصهيوني، في انطلاقة من    غزة، ومن هزيمة غزة، ومن حرق غزة، ومن نسف غزة، ومن إذلال غزة، إلى إذلال أمة بكاملها،

والهيمنة الساحقة الشاملة عليها، الحرب ليس مع غزة، وإنما مع جبهة  الصمود، مع الدول التي تقف مع المخطط الاستكباري العالمي. جربوها مع لبنان وعلى حد ما هو الهدف هناك، وعلى حد ما هو الطموح هناك، يجربونها مع غزة، وبنفس المنطلق، وبنفس الرؤية، ونفس الهدف، فالمسئولية مسئولية أمة لا تقل لي أنك في البحرين والقضية قضية غزة، وقضية فلسطين، نحن لسنا طائفيين ولسنا جغرافيين، ولا نقبل غير الإسلام، وبالإسلام عزتنا، وفي الإسلام كرامتنا، ولابد أن تبرهن جماهير البحرين  على كل ما تستطيعه من وقفة رجولية إسلامية رسالية شجاعة صادقة مع معركة غزة.

 

أرى الآن أن أمتنا تفتك بنفسها، تقتل نفسها، تمردغ أنفها الترب من خلال موقفها المتخاذل المتآمر المتفرج الداعم للعدو على غزة، هذا الموقف من الأمة الموقف السلبي، والموقف ألا مسئول، أذل الأمة بقتل الإمام الحسين عليه السلام ذل طويلا بقي إلى اليوم، وتضاف مثل هذه الهزائم، والتي هي هزائم أمة، تنضاف إلى الرصيد الذي يحفر في نفس الإنسان المسلم، وفي عقليته،  ويأخذ به بعيدا عن الاعتزاز بإسلامه ومجده وكرامته.

ستعاني الأمة أن لم تكن انتفاضات طاغية وكبيرة جدا بعد هزيمة غزة لا سمح الله بذلك، ستتعرض الأمة إلى ذل جديد، وإلى هوان جديد، أنه نصر الجبهة الاستكبارية العالمية في أرض الإسلام. حتى نصرت الحناجر من الشعوب الإسلامية لإخوانهم المسلمين في غزة تواجه بالسجن، وبالجرح، بالقتل وبلا رحمة، كانت المنافذ ولا زالت تفتح على الفتنة الطائفية في العراق وتغذيها، ويدخل المال والسلاح والرجال. واليوم تحكم الحدود حتى لا يدخل رجل واحد، ولو من الأطباء للمشاركة في إنقاذ المثقلين بالجروح، والمهددين بالموت في مستشفيات غزة.

 

تتوقعون أني أتحدث عن قضايا محلية والقضايا المحلية كثر الحديث فيها ويكثر، ولكن ليس هنا إلا كلمة واحدة: مع هذه الملفات الكثيرة الخطيرة، الحكومة أما أن تنوي خير، وأما تنوي شرا، فإن كان من نيتها الخير فلابد أن تبادر بأي صورة من الصور لإعادة الجسور، ودرجة من الثقة تبقى على الوضع الأمني في البلد؛ وذلك من خلال حلحلة هذه الملفات وحل هذه القضايا. وحيث تزيد من المحنة فهذا إنما يكشف بدقة أن نية الحكومة نية شر، وأعاذ الله الوطن وأهله من نيات السوء، وعند ذاك فالشر يعم ولا يخص، والحريق يأخذ بتلابيب الجميع، والمحنة ستكون ثقيلة، ويجب أن نعمل جميعا أن نجنب الوطن تلك المحن الثقيلة الباهظة الكلفة، التي لا تكاد تبقي ولا تذر، من أجل هذا الوطن، من أجل دينه ومصلحته، من أجل أمنه واستقراره ووحدته، لابد أن تكف ألسن السوء عن تغذية الصراعات. وللمسجد تشريعاته وحرمة، والوصاية على دور العبادة من أخطر ما يهدد الحاضر الإسلامي ومستقبله وهو مرفوض جذريا وبكل قوة.[5]

 

مع الحاج هاشم الكعبي،

 

ما انتظار الدمع ألا يستهلا          أو ما تنظر عاشوراء أهلا

هلّ عاشور فقم جـدد به                       مأتم الحزن و دع شربا و أكلا

كيف ما تلبس ثوب الحزن في                مأتم أحزن أملاكا و رسلا

كيف ما تحزن في يوم به                     أصبحت فاطمة الزهراء ثكلا

كيف ما تحزن في يوم به                      أصبحت آل رسول الله قتلى

كيف ما تحزن في يوم به                     ألبس الإسلام ثوبا ليس يبلى

كيف ما تحزن في يوم به                    رأس خير الخلق في رمح معلى

 

السلام على سيدي يا أبا عبدالله، على خطك أن شاء الله، معك في الدنيا، معك في الآخرة، نحيى معك، ونموت على طريقك، ونبعث في جمعك وزمرتك، زمرة رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم

 

 

[1] هتفت الجماهير (لبيك يا فقهيه)، (لا غير الفقهاء)، (هيهات منا الذلة)

[2]  تهتف الجماهير(لبيك يا إسلام)

[3]  تهتف الجماهير(لبيك يا فقيه)

[4]  هتفت الجماهير (الموت لإسرائيل) (الموت لأمريكا)

[5] هتفت الجماهير (معكم معكم يا علماء).

زر الذهاب إلى الأعلى