كلمة آية الله قاسم في مولد الامام علي (ع) بالسنابس 1430هـ

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

 

ليس من السهل أن نعرف أهل البيت عليهم السلام، كما هو ليس من السهل أن نعرف القرآن الكريم، أناس بمستوى القرآن تصعب معرفتهم، يصعب الرقي إليهم، لو كانوا فلاسفة لكانوا ناس من الناس، ولو كانوا مخترعين لكانوا ناس من الناس، ولو كانوا فقهاء لكانوا ناس من الناس، ولكنهم فوق كل أولئك؛ ولذلك هم سادات الناس. من الصعب أن نعرفهم، من الصعب أن نأخذ طريقنا إليهم حتى الوصول، ولكن من الواجب أن نتحرك في اتجاههم، أن نطلب الهدى من طريقهم، أن نتعلم الحياة على يدهم، أن لا نتجاوزهم، أن لا نتأخر عنهم، هذه هي وظيفة الناس كل الناس صغارا كانوا أو كبارا.

 

وإذا كان من الصعب أن نفهم أهل البيت عليهم السلام بصورة تفصيلة ومن خلال الدراسة فإنه ليس من الصعب أن نعرف علو منزلتهم، بما يتجاوز وسعنا في العلم، وبما يتجاوز وسعنا في العمل من خلال قضية واحدة، نستطيع معرفة منزلتهم العليا من خلال قضية واحدة، اعرف ما هي الإمامة؟ منزلة الإمامة، ومن أعطى الإمامة لأهل البيت عليهم السلام.

 

تتوقف في شأن الشخص حتى إذا ما وجدت مرجعية عليا في العالم ترشح ذلك الشخص لأكبر المناصب عرفت أنه كبير، لو كانت الأمم المتحدة ليست خاضعة لألاعيب السياسية، واختارت لرئاسة مجلس الأمم المتحدة رئيسا كان عليك أن تعرف منزلته فيما أسند إليه من وظيفة في العلم الذي تحتاجه تلك الوظيفة، والأمانة التي تحتاجها، حين يكون المختار هو الله، حين يكون الذي اصطفى هو الله، وتكون الوظيفة المصطفى إليها هي وظيفة الإمامة تعرف أن من اختاره الله عز وجل للإمامة هو سيد الخلق وفوق الخلق.

 

علي أمير المؤمنين عليه السلام لن تستطيع الدنيا أن تعرف كنهه، ولن تستطيع الدنيا أن تقترب من مستواه، لكن عليها أن تذعن له، وأن تسلم له القياد حين تعلم ما وزن الإمامة، ومن الذي اختار علي عليه السلام للإمامة.

 

الإمامة منزلة

 

المنصب الذي اختير إليه أمير المؤمنين عليه السلام تقول عنه الآية الكريمة “اليوم أكملت لكم دينكم وأتمتت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” إنما رضي الله بحسب ما عليه تفاسير أكابر العلماء ورأي المذهب، يكون أن رضي الله عز وجل بالإسلام دينا يمثل حكمته، ويمثل رحمته، ويمثل بالغ علمه، ولا يمكن أن يسجل عليه عيب ولا نقص، إنما كان يوم ولّي علي عليه السلام.

 

بلا الإمامة يمكن أن يسجل نقص على الإسلام، إلا أن أكبر شيء في الإسلام هو أشهد أن لا إله إلا الله، وليس أن عليا ولي الله. لكن هذه الشهادة والشهادة التي بعدها، وكل مقدسات الإسلام تذوب كما يذوب الملح في المحيط على المستوى العملي بلا الإمامة الحقة، حين تضيع الإمامة من الإسلام، حين تحدث ثلمة في الإسلام تأتي على الإمامة يتحول الإسلام إلى شيء آخر، إلى دين يستغل، إلى دين يركب للشهوات، ويركب للمطامع السياسية، ويمتطى للدنيا، متى يكون الإسلام تاما؟ ومتى يكون نعمة كاملة؟ ومتى يرضى الله عز وجل عن الإسلام الذي أنزله؟ كل ذلك مربوط بقضية الولاية، وأن تكون الجزء الأصيل من الإسلام، والذي لا تكتمل هندسته إلا به.

 

“وأتمتت عليكم نعمتي ورضيكم لكم الإسلام دينا” قبل ذلك اليوم، بعدُ لم يتنزل الإسلام المرضي لله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. إسلام يحفظ لا يحرف، وإسلام يطبق، وإسلام ينعش الدنيا، وإسلام تكتمل على يده شخصية الإنسان، وإسلام يرتفع بالمستوى الإنساني إلى أكبر مستوً محلق يحتاج إلى الإمامة، وإلا بقي الإسلام نظرية من النظريات المخزونة في بطون الكتب، أو القابعة في الأفكار. حتى يتحول الإسلام إلى الواقع العلمي الكبير، على مستوى العقل، والروح، والنفس، والواقع العملي لابد من إمامة رشيدة. والإمامة الرشيدة هي إمامة إسلامية بحجم لإسلام، وبحجم القرآن.

 

بني الإسلام على خمس، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية، لم ينادى بشيء مهم من فروع الإسلام من بعد الشهادتين، وقرن بينها وبين الصلاة والصوم والزكاة والحج، كل ما بعد الشهادتين والإيمان باليوم الآخر، لم ينادى بشيء منه بمثل ما نودي بالولاية أهمية وضرورة، ولم يركز على شيء كما ركز على الولاية في الدعوة ونداء الرسالات. الإمامة الحقة ليست نداء الإسلام الذي تنزل على يد رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وحده، وإنما نداء الإسلام من يوم آدم إلى يوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

فمن ناحية إكمال الدعوة والتبليغ، كما الإمامة أكبر اهتمام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الشهادتين، ولذلك بكرت الدعوة بها قبل الصلاة، من يوم الدار. الدعوة للإمامة و التركيز على الإمامة، من يوم أن جمع رسول الله صلى الله عليه وآله قرابته من قريش يدعوهم للإسلام، واستمرت الدعوة إلى هذا الركن الركين، والدعامة التي لا بقاء للإسلام من ناحية عملية إلا بها، حتى يوم الوفاة.

 

ومن ناحية أخرى لم ينادى بشيء كما نودي بالولاية أهمية في ذاتها، الصلاة مهمة وهي عمود الدين، ولكن إما أن البقاء للصلاة شكلي، حين لا تكون الإمامة، ولا يكون الحكم بيد الإسلام. الصلاة تنتهي كلمات وحركات، وإذا بقت تبقى شكل خاويا بلا مضمون، على الأقل أنها تسلب في بعدها السياسي والاجتماعي وحتى في بعدها الروحي في الحقيقة، حين يتحول كل شيء حولك إلى ملهاه، فماذا ستعطي الصلاة؟ وحين لا تكون الإمامة الحقيقة متواجدة على الأرض يمكن جدا وباسم الإسلام أن يتحول كل شيء حولك إلى ملهاه. وقد تحول، ويوم عيدنا هو يوم رقص ومجون وخمر وزنا وغيرها.

 

” وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال أني جاعلك للناس إماما، ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين” أن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، فالنبوة فوق العبودية، وما العبودية؟ مرتبة كبيرة جدا، العبودية أنت تعيش بفكرك، ومشاعرك، وخطواتك العملية واقع العبودية لله فتنشد إليه وترتبط به، وتأخذ فعلية وجودك الإرادي من إرادته، أن تستضيء في فكرك، في مشاعرك، في كل خطوة عملية بأسماء ربك الحسنى، ألا تتمايل من هنا وهناك عن خط الله عز وجل، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فهي مرتبة عليا، مع ذلك تأتي النبوة فوق العبودية.

 

أن الله أتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، فلما أجاد العبودية دخل من إلى عالم النبوة، واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، النبوة كمالا في النفس، ورسالة إلى النفس تترشح عنها هدايات للآخرين، ولكن لا تعني تحمل مسئولية الآخرين، مسئولية أخذهم على الطريق، والعمل والنصب من أجلهم وأن تسبح وحدك، غير أن تسبح بالملايين، والرسالة فيها سباحة بالملايين.

 

واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، فالنبوة مرحلة إعداد للرسالة، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، فهي مرتبة فوق الرسالة، وتأتي بعد ذلك مرتبة الإمامة، واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فهي أرقى المراتب، فالإمامة أرقى مراتب الكمال البشري في سلم الترقي في الوظائف المسندة من الله عز وجل لأوليائه. هذه هي النبوة. النبوة ليست معالجة اقتصادية، الإمامة. الإمامة تعالج المشكلة الاقتصادية، مرحلة ابتدائية عادية، ما هي المشكلة الاقتصادية؟ أنت قبل اقتصادك، أنت قبل بيتك، أنت قبل لقمتك، القمة ضرورة، البيت ضرورة، ولكن أنت الهدف، والهدف دائما أكبر من طريق.

 

إمامة تقود إلى اقتصاد متقدم، تقود إلى سياسية متقدمة، تقود إلى استقلال، تقود إلى حرية، لكن أكبر من ذلك كله إمامه تقود إلى الله سبحانه وتعالى، على طريق الله. يأتي الإمام القائم عليه السلام، هذا الآن الخلق المتقدم، هذا العالم المتقدم فيضع يده على رأسه، يعني مجانين، هذا العالم بتقدم مجنون، يقدر أشياء بيده أكبر مما يقدر نفسه، ويبذل عمره من أجل بيته و يهمل نفسه، ويعبد طاغوتا ولا يعبد الله ربه، عالم مجنون. يحتاج إلى قيادة، يحتاج إلى تربية، يحتاج إلى تكميل، يحتاج إلى أن يفهم نفسه، فالإمامة تعني صناعة إنسان أكثر من صناعة أوضاعه، تصنع أوضاعه راقية إيجابية متقدمة، وتعطي عملقة للأوضاعة، ولكن تجعله العملاق الأكبر الذي يحكم أوضاعه، ولا تحكمه أوضاعه.

 

الحديث يقول”واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له هذه الأشياء” كل هذه المراتب جمعها لإبراهيم عليه السلام، التي هي العبودية، النبوة، الرسالة، أن كان خليلا، حينها قال له يا لإبراهيم “أني جاعلك لناس إماما” أعرفت منزلة الإمامة؟ بعد أن نعرف منزلة الإمامة ونعرف أن عليا عليه السلام فعلا قد اختاره الله عز وجل إماما، حينئذ نستسلم لعلي عليه السلام، نكبر عليا عليه السلام، وهو الكبير العبد إلى الله تبارك وتعالى، هذا عن الإمام الباقر عليه السلام، في الكافي حسب نقل ميزان الحكمة.

 

هذا المنصب الكبير كان على الطامحين للإمامة، ولحكومة المسلمين، من مثل معاوية ويزيد أن يُصغروه، هذا الحجم -حجم الإمامة وقدسية الإمامة ومنزلة الإمامة ومسئولية الإمامة، ووظائف الإمامة- لو بقيت تحكم عقلية المسلمين وشعور المسلمين، لحذف كل المسلمين يزيد بحصى حين يظهر على لسانه لفظه أنه يريد أن يكون إماما. فكان لابد أن تصغر الإمامة، فقد صغرت النبوة، ونوقش في شرط العصمة، وتُقوِلَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتدي على شخصية صلوات الله وسلامه عليه بأن نسب إليه أنه يدخل فيسمع المغني أو المغنية فلا يكترث، ويدخل غيره فيقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله دخل عليكم من لا يحب الباطل، أو أن يخرج مع زوجته الشريفة عائشة أن تنظر إلى المغنين وهي على كتفه.

 

كان على الحكم الأموي أن يصغر من شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يتنكر العصمة، أن يُناقش في عدل الله فيكون الله جبريا، يدخل النار من أجبره على معصيته، حتى يتسنى للحكم الأموي أن يستقر، أريت كيف أن فراغ الإمامة يعني ذاهب الدين؟ أقول من هنا تلمس أهمية الإمامة المعصومة،أهمية الإمامة الشريعة، نقوش في عدل الله، نقوش في عصمة الأنبياء، تُقوِلَ من الأحاديث على علي وأهل بيته ما تُقوِلَ من أجل إسقاط شخصيتهم، والإمامة فصلت عن الدين، وكلها هي تدبير شؤون مسلمين، فليكن علي هم الأقضى عليه السلام، وليكن هو الأعلم، لكن معاوية يقول: بأن هذا لا يلزم منه أن يكن الإمام هو علي عليه السلام.

 

لقد نعى معاوية أمير المؤمنين عليه السلام، وأن الدين فقد العلم وغير ذلك، وبعد التصغير صار الاضطرار لفصل الدين عن السياسة بشكل مبكر. تعرف الإمامة، تعرف من هو الإمام، اعرف منزلة الإمامة المورثة، تعرف من يملئ هذا المقام، عندنا بأن الإمامة المعصومة بعدها يبقى الإسلام منقوصا من الناحية العملية، ولا يسدها هذا النقص بأكبر درجة ممكنة إلا الفقيه العادل.

 

 

غفر الله لي ولكم.

زر الذهاب إلى الأعلى