الحديث القرآني الرمضاني السادس 1444هـ

الحديث القرآني الرمضاني السادس لسماحة آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم – 13 شهر رمضان 1444هـ / 04 ابريل 2023 في قم المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

توكلتُ على الله، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
اللهم لا تزلّ لنا قدماً عن دينك الحقّ.

بعضُ الأحاديث الشريفة عن الوالدين:

  • علي بن إبراهيم، وهو المحدّث المعروف المشهور صاحب التفسير، (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنًا)، قال هما اللذان ولداه، ثم قال: (وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ ۚ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)، ثم قال علي بن إبراهيم، أخبرنا الحسين بن محمد، إلى آخر السند، عن الأصبغ بن نباتة أنّه سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلّ (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير)، قال الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم، وأُمر الناس بطاعتهما.
    من هذان الوالدان؟ هم النبي “صلَّى الله عليه وآله”، وعليٌّ “عليه السلام”.
    ثم قال (إِلَيَّ الْمَصِير)، فمصيرُ العباد إلى الله، والدليل على ذلك الوالدان، ثم عطف الله القول على إبنه.

-السيّدُ الرضيّ في الخصائص بإسناده عن سلمة بن كهيل عن أبيه في قول الله عزَّ وجلّ (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْه)، قال أحد الوالدين علي بن أبي طالب “عليه السلام”، -طبعاً الأول هو النبي “صلَّى الله عليه وآله”.

-الإمام أبو محمد العسكري في قوله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً) قال، قال رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”: أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمدٌ وعلي.

-وقال علي بن أبي طالب “عليه السلام”: سمعتُ رسول الله “صلَّى الله عليه وآله” يقول: أنا وعلي أبوا هذه الأمّة، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبويّ ولادتهم فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار.
هناك أبوا الولادة، جاء الولد من رحم الأم ومن ظهر الأب، هؤلاء لهم حقٌّ وكما تقدّم، وحقٌّ كبير، ولكن حقّ محمد وعلي عليهما السلام على الناس أعظم من حقّ أبويّ ولادتهم. مَن تُقدَّم طاعته؟ طاعة النبي أو طاعة الوالدين؟ طاعة النبي، طاعة علي أو الوالدين؟ طاعة عليّ عليه السلام.
(فإنّا ننقذهم) الإنقاذ من ماذا؟ الإنقاذ ينقذ، لكن ما ينقذان منه الأب والأم دون ما ينقذ منه رسول الله وعليّ بدرجاتٍ ودرجاتٍ ودرجات.
(فإنّا ننقذهم إنْ أطاعونا)، وليس بالتبعية الإسمية الشكلية.
(ننقذهم من النار إلى دار القرار)، الجنّة بنعيمها وخلودها.
(ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار)، من موقع العبودية إلى اللحوق بخيار الأحرار، من هم خيار الأحرار؟ هم من تحدّثت عنهم الآية، الصالحون، الأنبياء، إلى آخره. أيُّهما أكبر؟ أيُّهما أحقُّ بالطاعة؟ طبعاً النبي وعليّ-.

-وقالت فاطمة “صلوات الله عليها”: أبوا هذه الأمة محمدٌ وعليّ يُقيمان أودهما -والأود هو العوج، ما يبقى في العقل ولا في النفسية ولا في السلوك عوج ولا في الإرادة عوج بإتّباع النبي وعليّ عليهما السلام-، وينقذانهم من العذاب الأليم إن أطاعوهما، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما”.
مشروطة بالإتّباع والاقتداء.

-وقال الحسين بن علي “عليهما السلام”: “محمدٌ وعليٌّ أبوا هذه الأمّة، فطوبى لمن كان بحقّهما عارفاً ولهما في كلّ أحواله مطيعاً، يجعله الله من أفضل سكّان جنانه، ويسعده بكراماته ورضوانه”.
يرضيه هذا المقام أو لا يرضيه؟ نعطيه الثمن أو لا نعطيه الثمن؟ إن شاء الله نكون ممن نعطي هذا الثمن لنربح هذا الربح العظيم.

أنتقل إلى الآية التي بعدها، وهي الآية العاشرة من سورة العنكبوت: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ).

مسألة أولية في البداية: (ومن الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ) ضمير الجمع، وبعد ضمير الجمع يأتي (فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّه) هذا ضمير الغائب والراجع على المفرد.
(فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ).
تجد أنّ الآية الكريمة فيها ضمائر كلها ترجع إلى من الناس، الضمائر تارة ترجع إلى المعود عليه بحسب اللفظ وهو المفرد، ومرّة تعود عليه بما يعنيه من معنى وهو الجماعة. فمرّةً يُلتفت إلى أن المعود عليه هو اللفظ واللفظ مفرد، ومرّة يُلتفت إلى معناه وهو جمع.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ)، “من” كلفظ مفرد، تستعمل في حدّ كونها لفظاً هي مفرد، فعندما يرجع الضمير عليها يرجع على مفرد، وعندما يرجع عليها بما هي معنىً يرجع على جماعة،(ومن الناس من يقول آمنا بالله) طبعاً من يقول ليس واحد، أنا أقول، ذاك يقول، إلى آخره، فهذه الطائفة الكبيرة من الناس التي تقول “آمنا بالله” فإذا أوذيت في الله جعلت فتنة الناس كعذاب الله. هذه مسألة راجعة للصياغة.

الآيات السابقة تحدّثت عن المؤمنين والمشركين الصرحاء في إيمانهم وفي شركهم، الكلام هنا بقت فئة ثالثة وهي فئة المنافقين.
النفاق الاصطلاحي هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، ليس عنده في داخله أي إيمان، لا يشهد أن لا إله إلا الله، ولا أنّ محمد رسول الله، ولا بوجود آخرة ولا بوجود منهج إلهي تنزل على الناس، كل هذا لا يؤمن به، ولكن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمد رسول الله، وقد يصلّي ويقوم بوظائف إيمانية في الخارج، هذا هو المنافق بحسب الإصطلاح، فهل المعني هنا هو المنافق؟ (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) يعني معنى ذلك أنّه قبل أن يُفتتن لا يساوي بين عذاب الله وعذاب الناس، فإذا أوذي في الله هناك يجعل فتنة الناس كعذاب الله، هذا معناه أنّه مؤمن من قبل أو غير مؤمن؟ مؤمن من قبل، في نفسه، في دخيلته، في باطنه؛ لا يرى أنّ عذاب الناس يساوي عذاب الله، هذا في حال سعته والرخاء وكون الدنيا مع المؤمنين، وإذا كانت الحكومة حكومة إيمانية هذا يأتي كثير.
يقول “آمنا بالله” وفي قلبه هو أنّه مؤمن، دليل إيمانه أنّه لا يساوي بين عذاب الله وعذاب الناس.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ) لكن يأتيه انقلاب وتحوّل هائل كبير جدّاً وارتكاسة شديدة، متى؟ أن يؤذى في الله، يؤذى بسبب إيمانه بالله، أو يؤذى في سبيل الله، يعني لممارسته وظائفه الإيمانه من صلاةٍ وصومٍ وحجٍّ وما إلى ذلك، هنا يأتي أذى الكفّار له الذين يحاربون الله ورسوله على طول الخط لتصادم مصلحة تصادماً شديداً مع عبادة الناس لله ومع الإيمان بالله عزَّ وجلّ، فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله، هؤلاء منافقون أو غير منافقين؟ هؤلاء قد يلحقون بالمنافقين، أين نفاقهم؟ نفاقهم في أنّ دعواهم الإيمان هي دعوى الإيمان غير المشروط بشيء، عندما يقول نحن مؤمنون، هذه الدعوى ماذا تقول؟ يعني آمنت بالله مطلقاً سواء كانت هناك فتنة أو لم تكن، هناك أذىً أو لم يكن أذى، هذا الذي أعلنه في المؤمنين، وهذا الذي فهمه منه المؤمنون وأنّه مؤمن في كلّ الأحوال، ارتخت الأحوال أو توتّرت واشتدّت، هناك فقر، هناك غنى، هناك حرب، هناك سلم، كانت الدولة دولة إيمان أو دولة كفر، هو يقول آمنت بالله، لكن في واقع الأمر أنّ إيمانه مشروط، يكشف عن ذلك انقلابه عن خط الإيمان حال الفتنة والأذى، فيتبين أن إيمانه ليس مطلقاً، وإنما مشروطٌ ومُغَيّى، يعني له غاية ونهاية، نهايته أن يؤذى في الإيمان.
هذه النقطة الأخيرة في إلتزامه بالإيمان، النهاية الأخيرة في مصاحبته للإيمان وأخذخ به هو أن يُبتلى، هو أن يُفتتن بالفتنة التي لا يتحمّلها.
أليس هناك مؤمنون يفتتنون فيقولون كلمة الكفر؟ عمّار ألم يقل كلمة الكفر تحت وطأة العذاب الشديد؟ بلى قالها، مع فارق، عمّار وأمثال عمّار في الماضي وفي الحاضر يقول هذه الكلمة على خلاف ما في قلبه، ما في قلبه راسخ ومتمسك به، موقفه الحقيقي أنّ الله واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأن لا حقّ إلا الله وكل ما عدا الله حقّانيته من الله عزَّ وجلّ.
أبو ذر هكذا، من يحدث لهم هذا في الدنيا هم هكذا من المؤمنين الحقيقيين، لكن هذا لا (فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) انقلب، كفر بالإيمان، كفر بالله، وذهب في طريق الكفر تماماً، هذا فرق بين من قال كلمة الكفر وهو مطمئن القلب بالإيمان وبين هذا الذي يقول كلمة الكفر على لسانه وفي قلبه، الفتنة تجعله يقول أنّ هذا العذاب كعذاب الله، هو عذاب الله بلى، هذا عاجل وعذاب الله آجل، فأتّقي هذا العاجل، أتقيه بكفر. ليس هناك فرق بين الإثنين، دعه يكون كذلك، فلماذا نتصبّر على العذاب الشديد؟ فينقلب، يخرج من قضية الإيمان خروجاً نهائياً، ذاك لا يخرج، الذي يقولها عن تقوى وهو على إيمانه لا يخرج، ولذلك أبو ذر عندما قال هذه الكلمة شَعَر بزلزال في نفسه، زلزال كبير يؤذيه في نفسه، قال أنّه خسر الإيمان في نظره، متى اطمأن؟ حينما جاءت الآية فعذّرت في مثل هذا الظرف مع البقاء حقيقةً على الإيمان.

جعْل عذاب الناس كعذاب الناس الله أو خطأ أو صح؟ مقايسة عذاب الناس بعذاب الله، سجون، ووسائل حديثة في التعذيب فوق التحمّل، المصائب التي تواجه أهل المقاومة، من قتل وتشريد وإلى آخره، مصائب كبيرة لا شك، لكن هذا الأذى هو كعذاب الله؟ لا.. فارق.
كعذاب الله إذا لم يريد المماثلة وأنّ هذا مثل ذاك، وعلى حدّه تماماً، يعني أذى الناس بالضبط مثل عذاب الله، إمّا أن يريد هذا أو أقلّ من هذا، تشبيه أذى الناس بعذاب الله، أذى الناس مقارب لعذاب الله، لو حملناه على هذا. هذا كلام باطل، وبعيد عن العلم والحقيقة، لماذا؟
عذاب الناس مؤقت، له مدى محدود، ممكن أن تسقط الحكومة، لو كان المعذِّب فرداً يموت هذا الفرد، يمكن أن يحصل المعذَّب فرصة هروب من السجن، عفوٌ من هذا المعذِّب، يتوقّف يملّ ينتهي، كم سيكون شدّة هذا العذاب؟
بقدر ما يملك الإنسان من قدرة على التفنن في وسائل التعذيب، من خبرة في وسائل التعذيب، ولكن يبقى الإنسان محدوداً أو غير محدود؟ المعذب محدود أو غير محدود؟طبعاً محدود، إذا هو محدود وسائله تكون محدودة، وسائله التي يخترعها تكون محدودة العدد ومحدودة الكيفية والقدرة، لكن عذاب الله له محدودية؟ وسائل التعذيب عند الله لها محدودية؟ ألوان التعذيب عند الله لها محدودية؟ لا، هناك خلود وهناك ألوان من العذاب، وعذاب الناس لا يسقط قيمة المؤمن الحقّ الواثق من دينه تماماً، لا يسقط قيمة نفسه في نفسه، يحسّ بالعذاب والألم الشديد والضغط النفسي وبالحراجة ، هذا كلّه يشعر به بلا إشكال، ولكن هل يشعر بأنّه دونيٌّ وأنّه سافل، وأنّه ساقط كما يقول سجّانه؟ طبيعي لا.
يشعر بأنّه على حقّ، وأنّه من أشرف الشرفاء، وأنّ قيمته الإنسانية محفوظة وإنْ كان بدنه مألوماً، كلّ هذا يشعر به، يشعر بأنّ هذه الآلام في قبالها عوض من الله عظيم، يشعر بعزّة الآن، عزّة نفس، وهو تحت أشد العذاب يشعر بأنّه كبير، أكبر من سجّانه، ويشعر بوضاعة سجّانه، وبرفعته هو وعزّته، هذا بالنسبة لعذاب الدنيا.
عذاب الآخرة ليس بهذه الطريقة، هناك شدّة ألم بدني لم يعرفه في الدنيا، وهناك حكم على النفس، نفس هذا المعذَّب حاكمٌ على نفسه بالحقارة والسوء والرداءة والتسافل، لأنّه عصى الله عزَّ وجلّ، أنكر نعمة المنعم، فوَّت فرصة الارتباط بالكامل، وراح ينخدع في نفسه مرتبطاً بإنسانٍ لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّا، أنّه خسر إنسانيته. يجتمع الألم البدني والنفسي والروحي، يعني مع شعوره بالعذاب، ذاك يشعر بالعزة في العذاب في الدنيا، وهذا في أذى الآخرة من الله عزَّ وجلّ وعذابه يشعر بالمهانة، ويشعر بأنّ الكون كلّه ضدّه، وحتّى أهل النار ليسوا معه في موقفه، لأنّ كلٌّ منهم يتبرأ من الثاني ويحقّر ذاته، فلا أحد في الكون، ولا شيء فيه يُعذّره، هذا الذي لا عذير له أبداً على الإطلاق في الكون، وحتّى من نفسه التي تدرك ذنبها، وكم ارتكبت من إثمٍ عظيم في مفارقتها لخطّ الله، هذا عذاب شديد جدّاً، فعذاب الناس أو أذاهم ليس كعذاب الله عزَّ وجلّ، فليكُن أشدَّ ما يكون، وعلى أشدّه، ولكنّه لا يساوي عذاب الله عزَّ وجلّ، فهذا عذاب مؤقت، وذاك عذاب دائم (خالدين فيها).

(وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ)
“لَيَقُولُنَّ” طبعاً الضمير هنا راجعٌ على الجماعة وليس على الفرد، هي في أصلها كانت “ليقولون”، التقى ساكنان فحذف أحد الساكنين .
أولئك الذين كانوا يقولون آمنّا بالله إذا جائتهم الفتنة ارتدّوا، في يوم دولة الكفر وغلبة الكفر وظهور الكفر هم أعداءٌ للإسلام، يظهرون عداوتهم للإسلام بعد دعوى الإيمان، وفي يوم نصر الإسلام يكونون أصدقاء الإسلام، ويحاولون أن يرضى بهم المسلمون أتباعاً، أن يصدّق المسلمون بأنّهم من المسلمين ومن المؤمنين. على كلّ حال هم أعداء للإسلام في الشدّة، رفاقه وأصدقاءه في حالة اللين والرخاء والعطاء والراحة والأمن.

(وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ)
المؤمنون الضعفاء الذين سبق القول فيهم، وأنّهم كانوا مؤمنين إيماناً مشروطاً بعدم الفتنة، وعندما جاءت الفتنة انقلبوا، هؤلاء عندما يقولون “كنّا معكم”، بلى ربما كانوا حاربوا مع المؤمنين حرباً وقاموا بدور هامشي في الحرب، ممكن.
صاحب التفسير الكبير يمثّل هؤلاء بالجبان الذي يدخل الحرب مع الفارس المقدام والجريء والمضحّي والذي هو أمام الصفوف، الجبان معهم في الحرب، يقول فتحنا، وانتصرنا، أبدينا شجاعة بطولية، انهزم العدو أمام جرئتنا وقوّتنا وصمودنا وإقدامنا، وما إلى ذلك، المستضعف يمكن أن يقول هذا الشي، وهو مسكين لم يشارك في النصر، إسم فقط، طبعاً يقول ذلك توسُّلاً بأن يرضى عنه المؤمنون ويشركونه في الغنائم يوم تحقّق نصر الدولة، يوم حصول مكاسب وغنائم خاصةً عندما تكون ملك دولة، يكون معكم، فلابد أن يقاسم في الغنائم.
المنافق كيف؟ يقول كنت على خطّ الإيمان، ألم أكن معكم أصلّي؟ أصوم؟ أحجّ؟ إلى آخره، فيطالب أيضاً بحصّة من الغنائم التي كسبتها جهود المخلصين المؤمنين المكافحين.

وغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى