الفيروس المعلِّم

‎بسم الله الرحمن الرحيم

‎الفيروس المعلِّم

‎١- كلُّ العالم يشهد مرضًا ينتشر انتشار النّار في الهشيم، ويشهد أنَّ الموت من هذا المرض يأخذ مأخذه في النَّاس كما يشهد عجزه لحدّ الآن عن إنهائه أو إيقاف زحفه في كلِّ مكان، وكلُّ العالم فرض عليه الوباء حالةً غير عاديّة من الطوارئ، وأربك سير حياة العالم كلِّه، وعطَّل الحركة بمقدارٍ واسعٍ.

‎٢- هذا كلّه يشهده العالم، ويلمسه لمس اليد، ويراه رأي العين، ويشدّ إليه عقول النَّاس وقلوبهم، ولا يجادل في وجوده أحد.

‎٣- لكن ما وراء هذا الوباء؟ وراءه فيروس كورونا كما بيَّن العلماء والأطباء المختصُّون اعتمادًا على خبرتهم العلميَّة، والنتائج التي أعطتهم إياها مختبراتهم العلميّة المختصة، وتعاملهم العلميّ مع المصابين وهم معتمَدون في مثل هذا الأمر.

‎٤- لكن كم هي نسبة هؤلاء العلماء والأطباء على حجمها الكبير من مجموع المليارات التي تسكن العالم اليوم؟ لا شكّ أنّها ضئيلة جدًا.

‎٥- إذا كيف صدَّق بقية العالم كلّه بأنَّ ما وراء هذا البلاء المنتشر هو مخلوقٌ ضئيلٌ لا تناله حواسهم كلّها حتى لو وُجد من لم يصدِّق بذلك، لرمي بالرجعية، والتخلُّف والتحجُّر، وألف نعتٍ من هذه النعوت؟

‎كيف تمّ لبقية العالم من المليارات من النَّاس هذا التصديق؟

‎٦- السبب الأول والأقوى هو الآثار التي لا تُنكر من انتشار الوباء، وإفرازاته.

‎هذا الوباء وآثاره هي التي دلّت الأكثرية العظمى من العالم على أنّ وراء الوباء القائم، وآثاره الكارثية فاعلاً ما، وإن لم يعرفوا له اسمًا ولم يعيِّنوا هم له اسمًا، ولم يحددوا هويته، وكيفية تأثيره.

‎وما أضافه العلماء هو وصفهم لهذا الفاعل وكما عرّفهم العلم من صفاته وقدرة فاعليته.

‎٧- وهنا سؤالان: هل صحيحٌ أنَّ التعليل لهذا الوباء ينتهي إلى فيروس كرونا؟ أو أي سبب آخر مثله؟

أ‎و أنَّ الصحيح أنّ هذا السبب أو أي سبب آخر قبله منتهٍ إلى المسبِّب القادر على الخلق وإعطاء الحياة، وقدرة الفاعلية والتأثير، والعالم بكلِّ ذرّةٍ من ذرات كلّ مخلوق وخاصيّة من خواصِّه وشرط من شروط فاعليته، وهو الله الخالق العظيم؟!

‎السؤال: كيف قبِل العالم كلُّه دون العلماء الذين أوقفتهم التجارب ونتائج المختبر العلمي المتراكمة وكلّ الخبرة العلميّة المتجّمعة، والعالم من دون هؤلاء لم يُرِهِ واقع الوباء إلا آثاره أما سببه فلم تصل إليه

‎مليارات البشر عن طريق الحسّ والمشاهدة، وإنما أوصلهم إلى التصديق بوجوده وقدرته الفتّاكة العقل الذي لا يقبل وجود شيء بلا سبب، إلا أن يكون ذلك الشيء موجودًا بذاته. وكلّ ما هو غير الوجود، وماهيته غير الوجود، وإنما هو ماهية متّصفة بالوجود، فهو محتاجٌ في وجوده لشيء يعطيه الوجود، ليكون متّصفًا به، بعد أن لم يكن له.

‎والعقلية المادية السطحية وعلى طريقتها الثابتة الغبيّة تقف في التعليل للبلاء القائم عند وجود فيروس كورونا الذي لم يوجد نفسه ابتداءً، ولا يملك وجود نفسه استمرارًا، وليست قدرته من خلقه، ولا أنّ فتكه بقرارٍ من عنده، ولم يضع مخططًا لما يتمّ بتأثيره.

‎وهو بواقعه الذاتيّ هذا، يعلن للنَّاس كلّهم أنَّ العقلية المادية التي ترجع المسبَّب الفقير إلى سببٍ فقيرٍ تمامًا مثله، ولا تنتهي بأيِّ سلسلة من المخلوقات ومنها سلسلة الكون كلّه بكلّ أسبابه ومسبباته مما كان بعد أن لم يكن، والتي فرض الفقر الذاتي لكلّ حلقاتها أن تنتظر لكي تخرج من عدمها إلى الوجود أن يأتيها الخلق من الغني بالوجود ذاتًا، والحياة ذاتًا، العلم ذاتًا، والقدرة ذاتاً، والفعّال لما يريد..

‎يعلن فيروس كورونا أنَّ هذه العقلية كافرة وجاحدة ومعاندة، أكثر منها قاصرة وغبيّة وفاقدة للرؤية البعيدة، ومضللة.

‎وهل يملك فيروس كورونا أن يتّخذ قرارًا بعدم الاستمرار في نشر الوباء الذي يسبِّبه، وهل يملك أن يرحم أو أن يخفف آثاره المدمِّرة؟

‎لا شيء من ذلك؛ لأنّه خاضعٌ للقوّة القاهرة، كما نحن مقهورون له، ولا يملك من نفسه أن ينفع أو يضرّ، وذلك على حدِّ ما نحن عليه.

‎إنَّ فيروس كورونا يلقي على العالم كلّه درسًا عملياً بليغًا بأن يذعنوا لجبروت الله، ويتعلَّقوا برحمته، ويخضعوا لما كتب عليهم من نظام التكوين، ومن نظام التشريع، ويقيموا كلّ حياتهم على ذلك، وينهي كلّ ذي طاغوتية طاغوتيته، وتطوى كلّيًّا صفحة العبادة لغير الله.

‎وإنَّ كلاً من المؤمن والكافر إنما يقاوم البلاء بما أعطاه الله من قدرة على مقاومته، ولا توسّل له إلى ذلك إلا بالأسباب التي وفّرها الله له.

‎ويضيف المؤمن إلى ما أُمر به من الوقاية والعلاج ما أمكن، أن يلجأ إلى مسبِّب الأسباب، ومالك الأسباب، والقاهر لكلِّ سببٍ.

‎وعلى صاحب العقلية الماديّة إن رأى أن يتضرّع إلى فيروس كورونا ليرفع الضرّ عن أهل الأرض بقدرته، ومنّه وإحسانه.

‎وإن قال قائلٌ بأنّه لا يلجأ إلى الفيروس وإنّما يرجع للعلماء، كان جوابه أنّ العالم فقير كلّ الفقر ذاتًا وصفةً فقر الفيروس، أو لا يرى هذا القائل أنَّ العلماء والأطباء المختصّين الذين يعالجون المرض يفتك بهم الفيروس كما يفتك بغيرهم؟! وإن كان الله لا يضيع أجر المحسنين.

‎هدى الله الجميع إلى الصواب والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

عيسى أحمد قاسم

٢٥ مارس ٢٠٢٠

زر الذهاب إلى الأعلى