بيان آية الله قاسم : الدَّم الأرخص

بسم الله الرَّحمان الرحيمالحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّد المرسلين محمد بن عبد الله وآله الطاهرين، وعلى أصحابه المخلصين.
الدَّم الأرخص
      إن سألت عن الدم الأرخصِ في الأرض من دم الحيوان فإنّ الإجابة العمليَّة عند المنظمات الإرهابية من أبناء الأمة الإسلاميّة… من المنظمات التي تدّعي العمل على عودة الإسلام تقول بأنه دم المسلمين الموحِّدين وهم يصلّون في المساجد، والحسينيات وهم يحيون الشعائر، وفي الجمعيات الإسلامية وهم يسهرون من أجل الإسلام، ودم المسلمين وهم في أيّ مكان، وفي ليل أو نهار، ومن أيّ سنٍّ، ومن أيِّ مذهب.
      هذا منطق الجماعات الإرهابية التي تقدِّم نفسها على أنها داعية الإسلام، ومنقذة الإسلام من الإنحراف عن خطّه، ومنقذة المسلمين من الذلّ والتخلّف والضلال.
      بينما لو ننظر بعين الدين والعقل إلى المجازر التي ترتكب باسم الإسلام في حقّ الأبرياء من المسلمين الموحِّدين على يد هذا البغي الإرهابي الذي تقشعرّ منه الجلود، ويتصادم مع أبجديات الأحكام الشرعيَّة وحرمة الدَّم المسلم وبيوت الله لكان الحكم الثابت في هذا النظر أن هذه المجازر لا تنمُّ إلّا عن ضلال كبير، وبعد فاحش عن الإسلام، وجاهلية مقيتة، ولا تصدر إلّا عن سوء نيّة بالإسلام والمسلمين بحسب ما تنطق به طبيعة هذا الفتك الجاهلي سواء كان الفاعل مدركاً لطبيعة ما يفعل وأثر ما يفعل أو كان مغموراً في الضلال، محكوماً للتغرير.
      وللجهل وسقوط الفهم والوقوع في خداع المخادعين وتغرير المغررين الذي من ورائه نيّة سوداء وقصد خبيث للقضاء على الإسلام، وتحويله في نظر الأجيال المستجدة من أبناء الأمَّة ونظر العالم الخارجيّ… لذلك الجهل والوقوع في التغرير صار الإرهاب في شعور الأتباع من المنظّمات الإرهابية عقيدة مقدّسة، وديناً لا يتمّ لأحد دينه إلّا به، وأساساً من أساسات الإسلام العدل الرَّحيم القويم.
      وصارت بطولة المؤمن في نظر هؤلاء الإرهابيين أنْ يفاجىء المساجد التي تكتظّ بالمصلّين، والحسينيات التي فيها ذكر الله، والدعوة للإسلام، والجمعيَّات الرساليّة الصّادقة وأيّ تجمع للمسلمين الموحِّدين الآمنين المسالمين بوسائل القتل والحرق والتدمير للوصول إلى حصد أكبر عدد ممكن من الجرحى والقتلى من النفوس البريئة.
      وها هو حادث زاريا في نيجيريا تسوقه هذه الجماعات مثالاً من الأمثلة البشعة الفتاكة المخالفة للإسلام في واضحاته وبديهيّات شريعته لما هي عليه من الإجرام المتواصل.

      وهو الحادث الذي ذهب العدد الكبير من قتلى وجرحى ومنهم الشيخ إبراهيم الزكزكي ضحايا بسببه لا لذنب إلّا أنّهم من الدعاة إلى الله سبحانه وولايته ثم ولاية أوليائه من نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
      وتعد الحكومة النيجيرية متورطة في هذه الجريمة بدرجة وأخرى. وكيف تبرأ من جريرة هذه المجزرة الظالمة وهي لم تبذل لحد الآن أيّ جهد واضح يعرفه الرأي العام الإسلاميّ والعالميّ في تعقّب الجناة من المخططين للحادث ومنفذيه وهو أمر في متناول يدها، ومع ذلك تَسْجنُ ضحايا الإرهاب الذين أثخنتهم الجراح ظلماً وعدواناً وتبقي الجناة يتمتعون بكامل حريّتهم ؟!
      ثم أين كلّ المعتدلين من المسلمين بمختلف مذاهبهم، وأين المجامع الثقافية والدينية والسياسية والحقوقية من مؤسسات إسلامية وعالمية من إطلاق الصوت المزلزل بالإدانة الصريحة والإستنكار الصريح لهذا الإجرام المناقض للإسلام ؟!
      وهل صار الإسلام في نظر المسلمين أن يترك المظلوم يستغيث فلا يغاث، وأن ترتكب أكبر الجرائم ولا تواجه بالإنكار ؟!
      أو أنّ من خالفك من المسلمين في رأي اجتهادي، أو كان من مذهب آخر من المذاهب الإسلاميَّة لا شأن لك بمصيبته، وما يحلّ عليه من ظلم، وأن الظلم إذا حلَّ عليه هو عدل ؟!
      وأين الحسّ الإنسانيّ عند عموم أبناء الإنسانيَّة وأين شعارات محاربة الإرهاب ؟! ولم غياب كلّ ذلك في هذه المظلمة وأمثالها من مظالم ؟!

      المسلم الحقّ هو من حارب الظلم بما يستطيع من أصابه، أو أصاب أيّ مسلم آخر في شرق أو غرب. والإنسان المحتفظ بإنسانيّته لا بُدَّ أن ينتفض ضميره في وجه الظلم في أيّ مكان.
      نسألك اللهمَّ الهدى لهذه الأمَّة، والرّشد والتّلاحم فيما يرضيك، والتعاون على البرِّ والتقوى، وإنكار المنكر والبغي والعدوان، وأنت أرحم الراحمين.
عيسى أحمد قاسم

8 ربيع الأوَّل 1437هـ

الاحد 20 ديسمبر 2015

زر الذهاب إلى الأعلى