10 سنوات من الدَّعوة إلى الحوار! ( آية الله قاسم )

10 سنوات من الدَّعوة إلى الحوار!
قراءة في خُطب الجمعة لآية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى)

إعداد: الشيخ سعيد حسن المادح

* مقدمة
«لعشر سنوات والشعب يطالب بالحوار، فتواجه مطالبته بالسُّخرية، والإعراض، والاستخفاف والتَّسلُّط، ولا زلنا نرحِّب بالحوار ولكنَّه الحوار الذي يحقِّق مطلب الشَّعب بصورة مضمونة قاطعة تعطي للبلد استقراره العادل، وتحقِّق آمال الشَّعب» – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء) -.
هذه الكلمة قالها سماحة الشيخ في خطبة الجمعة 25 فبراير 2011م، أي بعد أيَّام من تفجُّر الأوضاع في البحرين، وبعد مجزرتي دوَّار اللُّؤلؤة وما رافقهما من شهداء وجرحى، وفجائع لا تعدُّ ولا تحصى، ولا زال الوطن ليومنا هذا يتجرَّع غصصها ومراراتها.

حقيقة إنِّي لأعجب من موقفين:
– موقف شعب دعى للحوار لأكثر من عشر سنوات وبالأساليب السِّلميَّة، وهو يقول: لا زلت أريد الحوار، ولا حلَّ في غير الحوار.
– وموقف حكومي دعى لحوار ليومين أو ثلاثة، ولم يصبر حتى على الاستيضاح عن بعض نقاط الحوار، وإذا به ينزل بكلِّ قوَّته العسكريَّة، بل ويعزِّزها بقوَّات من الخارج، ولسان حاله يقول: لا زلنا نرفض الحوار ولا حلَّ غير القمع!
إنَّ الدَّعوة للحوار هي خيار استراتيجيٌّ في فكر الشيخ ومواقفه العمليَّة، فلا مجال للمزايدات، ولكن في نفس الوقت ليس كلَّ ما يُسمى حوار هو حوار حقيقة، وأمَّا تشخيص الحوار الصَّادق من الكاذب في وضعنا الرَّاهن، فلا يحتاج إلى أيِّ خبرة سياسيَّة!

* ملاحظات:
– اعتمدت خطب الجمعة فقط، ولم أستقصِ محاضرات الشيخ وبياناته وهي كثيرة جدًّا.
– فحصت 457 خطبة، فوجدت أنَّ مفردة (حوار) قد وردت في 325 موردًا، أي بمعدل أنْ لا تخلو سنة، ولا يخلو شهر، بل لا تخلو خطبتان في طوال العشر سنوات المنصرمة إلا وتحدَّث سماحته عن (الحوار)!!
– تم وضع عناوين جانبية للتوضيح، وهي خارجة عن نص الخطب.

* مقاطع من خطب الجمعة بحسب التَّسلسل الزَّمنيِّ:

عام 2001م
(بدء الدَّعوة للحوار في خطب الجمعة)

ونؤمن بالحوار، ونؤكِّد على أنْ يعرف كلَّ إنسان واجبه وحقّه، ونطالب بمعرفة الحقوق والواجبات.(1)

عام 2002م
(في هذا العام ازدادت دعوات الشيخ للحوار)

دعوا النَّاس في هذا البلد الطَّيِّب يعيشون إخوة متحابِّين آمنين، ولنطلب الأمن والخير للجميع، والاستقرار للوطن كلِّه شعبًا وحكومة من خلال الحوار الصَّادق، والعدل والإنصاف والمساواة والاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم.( 2)

عام 3003م
(بدأت بعض بوادر الحوار بين الجمعيَّات والحكومة، وكان الشيخ يدفع؛ لإنجاحها)

* الأسلوب الأنجح
التَّواصل بين الجمعيَّات السِّت وغيرها من جهة والحكومة من جهة أخرى لقاءً جادًّا، – أي على مستوى اللِّقاء الجاد -، وحوارًا مثمرًا … يمثِّل الأسلوب الأنجح في نظرنا للخروج من حالة الأزمة والاحتقان في جهات كثيرة إلى فضاء المصالح المشتركة، والأجواء الآمنة، ومسارات التَّقدُّم على مستوى الرُّوح والبدن – وأنا أؤكِّد في كلِّ مرَّة ضرورة الجانب الرُّوحي وأهميته -.
* قيمة الحوار
وقيمة الحوارات واللِّقاءات لا تبرز، ولا تصدق إلا بالاستجابة العمليَّة للحلول الأكثر فاعليَّة في تحقيق العدل والمساواة، ورفع مستوى المواطن معيشة وخُلُقًا وإنسانيَّة ودينًا وكرامة وقدرة.

* ندعو بقوَّة..
وأخشى ما يخشى على اللِّقاءات والحوارات أنْ تتوقَّف لفقد معناها حين تفرغ من العطاء العملي، ولا تسهم في التَّخلُّص من مأساة الواقع والنواقص على الأرض. ولا يفرَّط بفرص الحوار أبدًا ما دامت توقُّعات إثماره للنفع مفتوحة وجدية ونحن ندعو إلى هذا الحوار بقوَّة وإخلاص على كل المستويات. (3)

عام 2004م
(تعقدت الأمور بسبب ملف المعتقلين، والشيخ يطالب بإزالة العقبات، ويحذِّر من العاصفة إذا أُغلق باب الحوار)

* افتحوا الباب..
والحوار يحتاج إلى باب مفتوح، وأجد أنَّ إطلاق المعتقلين وبسرعة يفتح باب القلوب لحوار صادق واعد، فأجواء الحوار المنتِج محتاجة للتّسريع بهذه الخطوة المنتظرة جدًّا لصالح حوار مباشر بين الجهة الحكومية والجمعيات السياسيَّة من غير وسيط، ومن غير دخول طرف ثالث وذلك في المسألة السياسيَّة الآنيَّة، متمنِّين التلاقي على وجهة نظر واحدة مشتركة فيما فيه الخلاف بحيث تخدم المصلحة الوطنيّة، وتؤسس لتعاون مثمر في سبيل الخير.
ونقول: إنَّ البحرين كانت جميلة بخلو سجونها مدَّة معيَّنة وإلى وقت قريب من السجناء السياسيِّين، وكانت بذلك محل افتخار للحكومة والشعب، وقد خسرنا متعلق هذا الفخر، وخسرنا جمالًا من جمال هذا الوطن بأنْ عاد هناك سجناء سياسيّون لا لحدث ملحوظ، ولا لمناسبة تستحق ذلك.(4)

تحذير (1) احذروا رياح الفتن ..
إنَّ رياح الفتن في كثير من البلدان عاصفة، وعلى جميع الأطراف في البحرين أنْ تنأى بالسَّفينة عن مسار الرِّياح العاتية، والأعاصير المجنونة، ولا يحقق هذا الأمرَ غيرُ الحوار في هذا المجرى، وغير التَّفاهم والتَّشاور في المجرى الآخر والبحث الهادئ عن الحلول المبكرة لأيِّ مشكل ناشئ.( 5)

* احذروا الحوار العقيم!
ورؤيتي أن حواراً عقيماً سينتج وضعا وطنيا عقيما بل سيئاً جداً، وأن حوارا منتجا توافقياً مرضيا سيعني وضعا وطنيا مثمرا رابحا فلابد أن نكون بكل جد مع الحوار الجاد المنتج.( 6)

عام 2005م
(اتَّسم هذا العام بتعزير خيار الحوار بعد أنْ أغلقت الحكومة باب الحوار)

* سدُّوا باب الشَّارع بفتح باب الحوار..
تكرَّر عندي أنِّي لست مع كثرة المسيرات والمظاهرات، ولكن سد باب الحوار في كثير من المسائل والبطء في حلِّ المشاكل يجعل المظاهرات والمسيرات والاعتصامات وسيلة معاشة بكثرة في بلدنا.
أنا أسأل هل للدولة مصلحة في هذا الأمر: في كثرة المظاهرات والمسيرات والاعتصامات؟
قد يكون ذلك، ليقال: إنَّ عندنا ديموقراطية، وتكون هذه المظاهر شاهدًا لها، هذا معقول. والناس إذا ضاق بها الأمر ليس أمامها إلا الكلام والتَّظاهر.
سدُّوا هذا الباب بفتح الحوار وبجدِّية الحوار.(7)

* هذه ثوابت في موقفنا السياسيِّ..
… في ظروف الاختلاف، وفي المطالبة بالحقوق نتمسك بالحوار، ثم بالوسائل السلمية الأخرى، ونرفض أساليب العنف والتخريب.(8)

* لا للاستعلاء على الحوار
إذا ذهب فكر الحكومة إلى أنَّ استعمال القوّة المفرطة، أو القوَّة من غير حقٍّ سيحقق حلًّا على طريقة التَّركيع، فهو خطأ بيِّن بدلالة الكثير الكثير من شواهد الساحة العالمية والمحليَّة.
وللشهادة العادلة أقول: بأن الحكومة – ومع الأسف الشَّديد – تُبدي موقفًا استعلائيًّا ضدَّ قضية الحوار، وتسكت طويلًا عن الإصلاحات الجذريَّة، وتميل أحيانًا إلى أسلوب البطش والقوة بانفعال غير لائق.(9)

* الحوار الدستوريُّ هو الحلُّ
ولقد كان لغلق الجهة الرَّسميَّة باب الحوار في المسألة الدستوريَّة من غير وجهٍ مقبول بعد البدايات الأوليَّة له أثر بالغ السوء على الوضع العام في المسألة السياسيَّة برمَّتها.
ولن يميل المؤشِّر في التَّقدير الدَّقيق لصالح تحسن الوضع السياسيِّ والأمني، وجملة الأوضاع العامَّة في الوطن العزيز إلا بدستور متوافق عليه يتناسب والمرحلة الحاضرة، وهي مرحلة قافزة في بعد الوعي السياسيِّ للشَّعب.( 10)

عام 2006م
(دعوة للعودة إلى فتح باب الحوار من جديد)

* لماذا أُغلق باب الحوار؟!
وكاد فتح باب الحوار في محطَّة من المحطَّات أنْ يُعيد القطار إلى السكة من جديد، والأمور إلى نصابها.
ولا ندري بالضبط لماذا أغلقت الحكومة هذا الباب سريعًا في صورة تبرير افتعاليٍّ غير مقبول، فعاد الشرخ يتَّسع، والهوة تتعمَّق، والأمور تشتدُّ في تأزُّمها.( 11)

* لكي لا ينفلت الزمام..
هذه المظاهرات يمكن أنْ تقف بمشاريع إصلاحيَّة، وليس بقوانين قاسية، وسجون ومعتقلات، بحوار جادٍّ يريد أنْ يصل إلى حلٍّ، ويريد أنْ يطفئ النَّار.
… أنا أقول: بأنَّ على الحكومة إذا أرادت أنْ لا ينفلت الزّمام من يد كلِّ عاقل أنْ تجلس إلى طاولة الحوار، وأنْ تفتح الملفات الساخنة على مائدة الحوار.( 12)
وعلى الحكومة بدل اللُّجوء إلى اللُّغة الجهنميَّة أنْ تتحدَّث بلغة العقل والمنطق والحكمة والحوار الهادئ والجاد المخلص المنقذ مع المعارضة التي كثيرًا ما نادت بالأخذ بهذه اللغة وطرقت الباب لتحكيمها.( 13)

* دعوة من طرف العلماء..
العلماء يطالبون النِّظام بالإصلاح، ولا يخوضون صراعًا أحمر معه، ويميلون جدًّا إلى أنْ تكون الحالة حالة حوار وتفاهم لا يُظلم فيها الشعب.( 14)

عام 2007م
(محاولة إنقاذ الحوار بعد أنْ أفقدت الحكومة قيمته العمليَّة)

* لا حل غير الحوار..
ولا حلَّ في النَّظر الموضوعي لرزمة المشكلات وحالات التَّدهور المخوف إلا عمليَّة حوار جاد هادف مخلص يسلك بالجميع إلى نتيجة التَّوافق الشامل على مجمل الوضع، وإلا فالساحة ستبقى تتراوح بين يوم هدأة، ويوم زلزال إنْ لم يعصف بها زلزال عنيف؛ لتعيش حالته على طول الخط.( 15)

* الزَّاهدون في الحوار سيضطرون إليه..
وأقول بأنَّ كلَّ الذين يزهدون، أو يُزهّدون في خيار الإصلاح اليوم في وطننا الكريم أو غيره، ويختارون سياسة كسر العظم لا بدَّ أنْ يضطَّرهم الزَّمن إلى لغة الحوار والأخذ بقضيَّة الإصلاح والمصالحة.( 16)

* أمَّا ما نريد لهذا البلد، فهو:
… أنْ لا تُنهي الحكومة فاعليَّة أسلوب الحوار، ولا تسقط قيمته العمليَّة، فتزرع بذلك في النُّفوس قناعة عامَّة بعدم جدواه وجدوى التَّجربة النيابيَّة، فتفتح الباب على مصراعيه بمواجهات مؤذية مكلفة للجميع، والتي لا ينبغي فتح بابها ومن سدِّ باب الحوار الفاعل المجدي، ولم يرتّب أي نتيجة إيجابيَّة، فقد اختار فتح أبواب أخرى ضارة بالوضع كلِّه، ودفع في اتِّجاه الانزلاقات الخطيرة التي يتوجَّب أنْ يتوقَّاها كلُّ العقلاء، ويقيموا من دونها السُّدود.(17)

عام 2008م
(عتب شديد على تجاهل دعوات الحوار طيلة هذه السنوات)

* لماذا؟؟
فلماذا تسقط الحكومة القيمة العمليةَّ لأسلوب الكلمة النَّاصحة والمطالبة بالحوار، فتؤزِّم الوضع؟!
لماذا اعتماد أسلوب القمع والغطرسة والفوقيَّة الماديَّة والزُّهد في أسلوب الحوار وردّ الدعوة إليه؟!(18)

* انزعوا فتيل الأزمات بالحوار
ولا زلنا نطالب بإطلاق سراح المحكوم عليهم، ومعالجة كلَّ الخلفيَّات التي تسبِّب تأزُّم السَّاحة معالجة مخلصة قائمة على الحوار، والتَّفاهم، والاحترام، وتبادل الثقة.
ولا نرى طريقًا آخر آمن وأنتج لخير هذا البلد، والنَّأي به عن التَّشنُّجات والتَّأزمات يتقدَّم هذا الطَّريق، أو يعدلُه قيمة.( 19)

* الحوار هو خيار الشَّعب ومؤسساته وعلمائه
والحوار الجادُّ المنتِج سعى إليه العلماء أكثر من مرَّة، وبذلت بعض الجمعيَّات السِّياسيَّة جهودًا من أجله، ولم يكن منه شيئ.
فلتبحث الحكومة عن قناة تخلص من وضع المواجهات نهائيًّا.( 20)

عام 2009م
( بعد سنوات من المناشدات يظهر أنَّ الحكومة لا تريد الحوار!)

* الحكومة والأُذُن الصَّمَّاء!
وقد مرَّت سنوات منذ أسَّس الخلل الدستوري بعد الميثاق لحالة الخلاف، ومناشدات عقلاء المجتمع من مؤسَّسات أهليَّة، وأفراد وجماعات لا تتوقَّف داعية الحكومة إلى الحوار الهادئ والجادِّ والمخلص، بينما الحكومة لا تُعطي لكلِّ هذه النِّداءات والمناشدات أي أُذُن صاغية، وإذا فتحت الحكومة – نادرًا – نافذة ما للحوار لا تفتحها إلا بتوقيت خاصٍّ، وفي ظروف سياسيَّة محسوبة، وللتَّلميع السِّياسيِّ الذي قد يدعو إليه ظرف معيَّن بصورة ضروريَّة وعاجلة؛ لتسدّ هذه النافذة نهائيًّا بعد ارتفاع المقتضي العابر وحالة الضرورة المؤقَّتة.( 21)

* لسان الحال: لا حوار!!
الحكومة تقول بلسان حالها: لا إصلاح، ولا أقبل احتجاجًا، ولا أفتح باب حوار!!
أَوَصَلنا قمّة الإصلاح حتّى لا يكون احتجاج، وحتى لا نفكِّر في مزيد إصلاح، أو هو الإصرار على التَّخلُّف والتَّحكم والتَّهميش والإلغاء؟!
… أطلقوا سراح الأستاذ مشيمع، وفضيلة الشيخ محمد حبيب، وسراح كلِّ السُّجناء المحسوبين على قضايا سياسيَّة وأمنيَّة كما عندكم عاجلًا، وأنهوا هذا الملف بصورة كاملة، وادخلوا حوارًا جادًّا مع ممثلّي المعارضة، وجنّبوا البلد تداعيات هذه الأحداث تستريحون وتُريحون، ويعيش الكلُّ في حال من الأمن والأمان والثِّقة المتبادلة، وهذا ما نطمح إليه.(22)

* الشَّعب أوعى..
إنَّنا أمام شعب واعٍ متعقِّل لطالما رفع شعار الحوار الهادف صادقًا مخلصًا؛ لتجنيب البلد كلّ المآزق والمنزلقات المؤسفة.( 23)

* الحوار.. حاجة الجميع
وإذا تحدّثنا لمرَّات عديدة عن الحوار، فنحن لا نتحدَّث عن حاجة الشَّعب فحسب، وإنَّما الحوار حاجة الحكومة والشَّعب معًا.
وإذا شعرت الحكومة بأنَّ ليس لها حاجة في الحوار، وأنَّ اعتماد القوَّة يكفيها، فإنَّ مثل هذا الشعور، وما وراءه من تفكير من طبيعته لكافٍ جدًّا للبرهنة على أنَّ الحكومة بعيدة كلّ البعد عن تفهُّم التَّجارب والاستفادة السياسيَّة من دروس الدول والشعوب، وأنَّها مصابة بدرجة من الغرور القاتل الذي يهدد الوطن كلَّه بالمحق.( 24)

تحذير (2) قبل فوات الأوان..
لا بدَّ من طلب مخرج يُسارع إليه قبل فوات الأوان؛ لإنقاذ البلد من مستقبل مخيف، وأيَّام سوداء يتنكّر فيها كلُّ طرف لحرمة الطَّرف الآخر، وحقّه في الدِّين والإنسانيَّة كحقِّ الحياة وغيره من الحقوق، ومن فتنة متسعِّرة، ومعركة دامية تحرق يابس هذا البلد العزيز وأخضره.
والمخرج الحوار العاجل بنيَّة الخروج من خطِّ الحريق إلى الخطِّ الآمن، ولن يكون كذلك إلا بأنْ يكون الحوار جادًّا، ومؤدِّيًا إلى أوضاع سليمة عادلة.( 25)

عام 2010م
(ولا زال الشيخ يدعو للحوار!)

* الحوار مسؤوليَّة..
ومن مسؤوليَّة الخطاب الدِّينيِّ أنْ يقول عن الظُّلم بأنَّه ظلم ويدينه، وعن ردّ الفعل المتجاوز بأنَّه متجاوز ويرفضه، وأنْ يصرف عن العنف ما استطاع، ويدعو إلى الحكمة والحوار.( 26)

* المطلوب..
والمطلوب لهذا التَّوجُّه الإصلاحيِّ وهو محلٌّ للتّثمين أنْ يتَّسع؛ ليشمل كلَّ مواضع الخلل والاختلاف، والفساد، وما يسبَّب إرباك العلاقات الوطنيَّة، وفي مقدمتها العلاقة بين الشَّعب والحكومة؛ ليشملها بالإصلاح لإنهاء كثير من الأزمات، وترميم كثير من التَّصدُّعات، وردم كثير من الفجوات، وإنقاذ العلاقات المتهدّمة أو التي تكاد أنْ تتهدّم، ومن ذلك على سبيل المثال تبييض السجون من نزلائها السياسيِّين، وإنهاء المحاكمات، وأنْ يضمّ وجهات النَّظر المتباينة حوار واحد جامع يخرج بنتيجةٍ تنقذ الوطن.( 27)

عام 2011م
(التَّحذير الأخير، ووقع المحذور! ولكن الشيخ كثَّف دعوته إلى الحوار، وتكرَّرت كلمة (حوار) في خطب هذا العام بصورة غير مسبوقة!)

تحذير (3) هذا التَّحذير الأخير قبل تفجُّر الأوضاع بأيَّام :
هذا الذي يعرض للأجواء السياسيَّة في البلاد العربيَّة هو من رياح التّغيير العاتية، والزِّلزال العنيف، والطّوفان الجارف، والتَّحوُّلات الكاسحة.
ما يحدث ليس صدفة، ولا مفاجئة كاملة، ولا شذوذًا في سير التَّاريخ، ولا خروجًا عن سُننه.
… والطُّوفان بدأ لا ليهدأ، ولا ليقف عند حدِّ بلدٍ وشعب، وهو غير قابل للالتفاف والمغالطة، والتَّخدير والتَّأجيل…
… وإنَّ في الاستجابة المضمونة لمطلب الدُّستور، وتفريغ السُّجون السِّياسيَّة من نزالها، وإنهاء المحاكمات، وإعلان براءة المتَّهمين، والمعالجة السَّريعة للفساد لا احتياطًا عُقلائيًّا وحكمة لا غنى عنها اليوم، والتَّأخير سيكون ضارًّا جدًّا.( 28)

* عمليَّة ذبح الحوار في مجزرة الدَّوار!
المجزرة وما بعدها كشفت بكلِّ جلاء للقريب والبعيد قيمة هذا الشَّعب عند حكومته، ومدى استخفافها بدمه وكرامته، وقسوتها الوحشيَّة في التَّعامل معه.( 29)
حكومة تُصمُّ مسامعها عن دعوات الحوار، وتدير ظهرها لنداءاته وطلباته، وتهزأ بها عمليًّا، ومجلس نيابي صُمِّم تصميمًا دقيقًا؛ لحماية الوضعيَّة السِّياسيَّة المتخلِّفة، وتأمينها من النقد والحفاظ عليها من أنْ يطرأ عليها تطوير، ومن أنْ يُلامس الدّستور المفروض بالقوّة شيئ من التَّعديل، وقوانين مرّرها المجلس عبر الموالاة تُوصد كلَّ باب للاحتجاج السِّلميِّ لا تلتقي معه رغبة الحكم في تكميم الأفواه، ثم إذا ضاق النَّاس، وقالوا كلمة، وأعلنوا رأيًا بشأن مأساتهم انصبَّ عليهم عذاب السُّلطة وجحيمها، وارتفعت أصوات الموالاة بتخطئتهم، وتعذير البطش الحكومي.( 30)

* كيف نخرج الحوار من غرفة الإنعاش سالمًا؟
أمَّا مسألة الحوار، فلا حوار من أجل الحوار، ولا حوار؛ لتضييع الوقت، وتمييع المطالب، وامتصاص مشاعر الغضب بالتَّدريج، ومع طول الوقت.
لا حوار بلا مقدّمات عمليَّة تفتح الجوَّ للحوار، ولا مبادئ معلنة موافق عليها من قبل الدولة تُعطي وضوحًا كافيًا لموضوع الحوار، وقيمةِ وإنتاجيَّة الحوار، ومن غير ضمانات التزام بهذه المبادئ، وجدولةٍ واضحة جدّية تضمن تنفيذ منجزات الحوار.

* عشرٌ عِجاف!
لعشر سنوات والشَّعب يطالب بالحوار، فتواجه مطالبته بالسُّخرية، والإعراض، والاستخفاف، والتَّسلُّط، ولا زلنا نرحِّب بالحوار ولكنَّه الحوار الذي يحقِّق مطلب الشَّعب بصورة مضمونة قاطعة تعطي للبلد استقراره العادل، وتحقّق آمال الشَّعب.(31)

* اليوم لا يجدي أيُّ حوار شكليٍّ
وإنَّ الحوار الذي يستهدف حلًّا شكليًّا لا يصلح اليوم أنْ يكون مهدِّئًا وقتيًّا فضلًا عن أنْ يمتلك درجة من الوجاهة والثَّبات، وأنْ يُعدَّ حلًّا ولو لوقت قصير.
لا بدَّ أنْ يكون الحلُّ معالجة جذريَّة قابلة للحياة، مقنعة لروح التَّغيير، قادرة على البقاء، مستجيبة للمطالب العادلة.
وقد قلت في خطبة ما قبل التَّفجُّر الجديد للأحداث بأنَّه كلَّما أَعطى شعبٌ مزيدًا من التَّضحيات ارتفع سقف مطالبه، وهو قول ثابت لا مجانبة فيه أبدًا للصَّواب، وكلُّ وقائع الخارج الخاصّ والعامّ تؤكِّد هذا القول.(32)

فيما يتعلَّق بالدعوة إلى ما سُمِّي بـ(حوار التَّوافق الوطني)

* الشَّعب هو الفيصل
وأيُّ حوار على خلاف رغبة الشَّعب، وخارجَ إرادته، ويأتي بعيدًا عن طرحه لا قيمة له، ولا يؤدِّي إلى حلٍّ أو تهدئة، وهو من نوع عقد الفضولي الذي يحتاج إلى إمضاء الشَّعب ومباركته.(33)

* كم نادينا بالحوار؟!
وقد بحَّ الصَّوتُ من هذا الشَّارع ورموزه وهم ينادون بالحوار، ويدعون إليه، على أنْ يكون حوارًا جادًّا ومؤدِّيًا إلى الحلِّ، ملبِّيًا لما تقضي به الضَّرورة من المطالب، ويحتاجه الإصلاح.

* الحوار طريق وليس هدفًا
والحوار طريق وليس هدفًا، وقيمته من قدرته على تحقيق الهدف، والهدف دائمًا الإصلاح، والإصلاح الصَّادق القادر على الإقناع ونيل الرِّضا والثَّبات، على أنَّ مباشرة الإصلاح عملًا من القادرين عليه هو الطَّريقة الأمثل، والتي لا يمكن لأحد أنْ يشكِّك في جدِّيَّتها، وليس فيها تطويل ولا مجادلات وتوترات.

* لا نرفض أصل الدَّعوة إلى الحوار
وليس هناك ردٌّ لدعوة الحوار في أصلها، ولا استخفافًا بها ولا استعلاء عليها، ولا إدارة ظهر لها من أناسٍ يبحثون عن الحلِّ، ويحرصون عليه، ولكنَّ هناك أجواء ومقدّمات وملابسات وإجراءات عمليَّة، وتصميم خاصٍّ لقضيَّة الحوار، وإعلام محارب للشَّارع، وإلهاب ظهرٍ متواصلٍ للمعني الأوَّل فيما يجب لدعوة الحوار، وتهميش واضح لهذا الطّرف، وكلُّ ذلك تيئيس له من قيمة الحوار، وطرد له من ساحة الحوار، فماذا يفعل اليائس المطرود بعد ذلك؟(34)

* سؤال: هذه مقدمات للحوار؟!
توجد دعوة للحوار وواقع على الأرض، والعلاقة بينهما علاقة مشرق ومغرب لا يلتقيان.
هناك دعوة للحوار، ولكن هناك سدٌّ لبابها عملًا وطرد لمدعوِّين للحوار!!
دعوة للحوار والأحكام المشدَّدة على أبناء الشَّعب، ونخبه، ورموزه تتوالى!!( 35)
دعوة للحوار يهمَّش فيه أوَّل طرف معنيٌّ به، حتَّى كأنَّه لاحقة من اللَّواحق الصَّغيرة، وزعنفة من الزَّعانف، ونقطة في الهامش.( 36)
دعوة للحوار مع استمرار عمليَّات القتل، والسِّجن، والتَّحقيق، والفصل من الأعمال، والسَّب والشَّتم، والاتِّهام، والتَّحقير العلنيِّ، والإعلام المعادي!!
دعوة لحوارٍ لا يبشر شيئ من مقدماته وأجواءه بنتائج إجابيَّة ملموسة!!
دعوة لحوارٍ تصاحبها خطوات محبطة للجماهير وهي المعني الرَّئيس في الحوار!!
حوار يضع المسؤولون بالدَّرجة الأولى عن إنجاحه العصا في عجلته قبل أنْ يتحرَّك!!

* الشُّروط الرَّسميَّة للحوار!
حوار يقال عنه غير مشروط، ولكن هناك شرط فيه على الطَّرف الرَّئيس في الخلاف، ذلك أنْ يتلقَّى استمرار الضَّربات الموجعة، وكلَّ الإهانة والتَّحقير والتَّهميش، وسيل الاتِّهامات الظَّالمة، وألوان التَّعديات برحابة صدر، ويدخل الحوار بوجه بشٍّ، وابتسامة عريضة وقهقهة عالية، وصدر منشرح حتى لا تتعكَّر أجواء الحوار!!
أدخل الحوار مظلومًا، مقهورًا، مشتومًا، مسبوبًا، وأنت تضحك.(37)

* النَّتيجة تابعة لمقدماتها
واضح أنَّ لكلِّ أمر مقدماته، ولكلِّ نتيجة أسبابها، ولا يطلب الأمر من مقدمة نافية له، ولا النتيجة من سبب يقود إلى عسكها.
مقدمات الحوار في بلدان أخرى تمهيدات إجابيَّة، وقدر من التَّداركات والتَّصحيح والإصلاح، أمَّا المقدمات عندنا فمختلفة.
أرأيت مَن أراد أنْ يخفِّف من غليان مرْجَل على النَّار يزيد في قوَّة الاشتعال تحته؟
ومَن أراد أنْ يهدأ الخواطر يثيرها؟
ومَن أراد سيادة أجواء السِّلم يصرُّ على لغة الحرب؟
من الصَّعب التَّوفيق بين ما يجري على الأرض وبين دعوة الحوار…

* ثم كلمة..
كيف يريد التَّخلُّف عن الحوار بقصد إفشاله(38) من لا يستقيم تخلفه عن الحوار الجادِّ الصَّادق وحاجته في الإصلاح، وأي مقدمة من مقدماته؟
نحن نعرف أنَّ أطراف الأزمة كلها متضرِّرة، ولكن ليس هناك طرف أكثر تضرُّرًا منَّا، فكيف يسمح لنا عقلنا أو ديننا لو رأينا في الحوار جدية وصدقًا، وأنَّه يمثِّل حلًّا فعلًا أنْ نتأخر؟ تأخرنا لأنَّ الحوار يعلن عن نفسه بأنَّه فاشل.( 39)

————————————–
1- خطبة الجمعة (36) بتاريخ 21 رمضان 1422هـ الموافق 7-12-2001 م.
2- خطبة الجمعة (70)22جمادى الأولى 1423هـ الموافق 3-8-2002م.
3- خطبة الجمعة (125) 23 جمادى الثاني 1424هـ 22 أغسطس 2003م.
4- خطبة الجمعة 154 24 ربيع الأول 1425هـ 14 مايو 2004م.
5- خطبة الجمعة (163) 28 جمادى الأولى 1425هـ 16 يوليو 2004م.
6- خطبة الجمعة (165) 25 رجب 1425هـ 10 سبتمبر 2004م.
7- خطبة الجمعة (190) 30 محرم الحرام 1426هـ 11 مارس 2005م.
8- خطبة الجمعة (209) 15 جمادى الثاني 1426هـ 22 يوليو 2005م.
9- خطبة الجمعة (209) 15 جمادى الثاني 1426هـ 22 يوليو 2005م.
10- خطبة الجمعة (226) 27 ذي القعدة 1426هـ 30 ديسمبر 2005م.
11- خطبة الجمعة (234) 17 صفر 1427هـ 17 مارس 2006م.
12- خطبة الجمعة (235) 24 صفر 1427هـ 24 مارس 2006م.
13- خطبة الجمعة رقم (241) 7 ربيع الثاني 1427هـ – 5 مايو 2006م.
14- خطبة الجمعة رقم (257) 11 شوال 1427هـ – 3 نوفمبر2006م.
15- خطبة الجمعة (271) 20محرم الحرام 1428هـ 9 فبراير 2007م.
16- خطبة الجمعة (274) 12 صفر1428هـ 2مارس2007م.
17- خطبة الجمعة (304) 19 ذو القعدة 1428هـ 30 نوفمبر 2007م.
18- خطبة الجمعة (330) 16 جمادى الثاني 1429هـ 20 يونيو 2008م.
19- خطبة الجمعة (334) 14 رجب 1429هـ 18 يوليو 2008م.
20- خطبة الجمعة (343) 1 و القعدة 1429هـ 31 أكتوبر 2008م.
21- خطبة الجمعة (354) 3 صفر 1430هـ 30 يناير 2009م.
22- خطبة الجمعة (356) 17 صفر 1430هـ 13 فبراير 2009م.
23- خطبة الجمعة (357)24 صفر 1430هـ 20 فبراير 2009م.
24- خطبة الجمعة (357) 24 صفر 1430هـ 20 فبراير 2009م.
25- خطبة الجمعة (362) 29 ربيع الأول 1430هـ 27 مارس 2009م.
26- خطبة الجمعة (420) 7 شوال 1431هـ 17 سبتمبر 2010م.
27- خطبة الجمعة (433) 10 محرم الحرام 1431هـ 17 ديسمبر 2010م.
28- خطبة الجمعة (438) 7 ربيع الأول 1432هـ 11 فبراير 2011م
29- هتاف جموع المصلين بـ(الله أكبر، النصر للإسلام).
30- خطبة الجمعة (439) 14 ربيع الأول 1432هـ 18 فبراير 2011م.
31- هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).
32- خطبة الجمعة (440) 21 ربيع الأول 1432هـ 25 فبراير 2011م.
33- خطبة الجمعة (441) 28 ربيع الأول 1432هـ 4 مارس 2011م.
34- هتاف جموع المصلين: (هيهات منَّا الذلة).
35- هتاف جموع المصلين: نطالب بالإفراج عن المساجين.
36- هتاف جموع المصلين: (هيهات منَّا الذلة).
37- هتاف جموع المصلين: (لن نركع إلا لله).
38- متهمون بأننا نتخلف عن الحوار؛ لإفشاله.
39- خطبة الجمعة (457) 21 رجب 1432هـ 24 يونيو 2011م ـ جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز.

زر الذهاب إلى الأعلى