“الحكومة لا تريد لكم نصراً”.. ولكنّكم انتصرتم
للطليعة : أحمد العصفور
انتخابات هزيلة، هي أقلّ كلمة يمكن استخدامها لوصف المشهد في انتخابات الحكم البحريني. نظامٌ انتخابي رديء تديره الحكومة لتبدو الشرعيةّ الشعبيّة بخير، أنتج مهزلة انتخابات، رَقَصَ فيها صائدوا الفرص والمتملقون والطارئون والعملاء التقليديّون؛ على جراح أغلبيّة شعب البحرين من الأحرار والشرفاء والمطالبون بالحقوق.
مترشّحون من أصحاب الضمائر الميّتة، والقلوب المتحجِّرة، مَثَلُهم مَثَلُ الخُشب المُسنّدة، لا يسمعون ولا يعقلون، ألقى عليهم سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم الحُجج الوطنيّة والدينيّة، قبل ساعاتٍ من العمليّة المزيّفة، لكنّ أسماعهم أصابها وَقْرُ رنين الأموال الطائلة، واحتشاد الآراء الزائغة، فلم ينسحب منهم أحد، ولم تهتزّ منهم شَعرَة!
وتقديماً لحُسن الظن، قال آية الله قاسم في الكلمة التي وجّهها عشية الانتخابات (نوفمبر 2022) بأن “الكلمة الحقَّانيّة” إذا وُجدت في المجلس القادم، فمستحيلٌ أنْ تُمّرَّر، لاعتبارات التسلّط من خلال اللائحة الداخلية، فإذا تسلّلَت من هذه، فحاكميّة مجلس الشورى المُعيّن لها بالمرصاد.
حُججٌ لم تلقى آذاناً صاغية، وأحداً من مترشحي “النوايا الحسنة”، لم يُعِر بالاً لكلام قاسم، واستمر الجميع راقصين في “حفلة الزيف”.
لا سياسيون بين المترشّحين، ولا أصحاب نضالاتٍ وطنية، ولا نُشطاء اجتماعيون، ولا أصحاب فكرٍ أو ثقافة، إنّما طارئون أوغاد يتحيّنون فرصة المقاطعة الشعبيّة الباسلة، ليركبوا موجة المصالح الدونيّة، والأهواء الخسيسة، والأحلام الحقيرة!
مترشّحون ليس فيهم من وزنٍ وطنيٍّ أو إسلاميّ، ليردّوا كلمة آية الله قاسم من حيث جائت، وهو عضو المجلس التأسيسي (1971)، وعضو المجلس النيابي (1973/1975)، والخبير السياسي، والمناضل الوطني، والمجاهد الإسلامي، وصاحب الرأي والعقل وما دار وما يدور.
“الحكومة لا تريد لكم نصراً”، بهذه العبارة وجّه إيّان هندرسون، مدير مباحث البحرين، البريطاني الجنسيّة (1966/1998) كلامه لرموز المبادرة السياسيّة (1995)، بعد نكوص الحكومة عن وعودها في القبول بالمبادرة المُنقِذة، والتي قدّمها الرموز السياسيون من السجن، (على رأسهم العلامة الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري “رضوان الله تعالى عليه”).
وبهكذا كلمة، تسير عقيدة الحكم في البلاد، تجاه شعب البحرين ورموزه، لا يريدون لكم نصراً ولا وجوداً ولا صوتاً ولا حياةً ولا نَفَس!
وأنتم، أنتم يا شعب البحرين الكرام، يا أصحاب المبدأ والنخوة والشهامة.. انتخبتُم -يوم السبت- تاريخ النضالات الطويل الممتد من العشرينات، أو أطول من ذلك بكثير، بآلاف شهدائه وجرحاه ومهجريه وآلامه، بآهات معذبيه والمسحوقين تحت أرجل القبيلة، بأحزان حوزاته الأثيلة، ومدارسه التليدة.. انتخبتم كل الغصص التي لم يدوّنها التاريخ، والدماء التي سالت على مذبح الحقّ، والقبضات التي تدوّي أصواتها في سماء الحريّة، وكسبتم وطنكم ودينكم.
نعم كسبتُم كلّ حبّةٍ من تراب وطنكم الغالي، وكلّ ما يخبىء من أحلامكم المجيدة، في وطنٍ تقرّرون أنتم مصير حاضره ومستقبله، وتهنئون في ظلال حُكمه العادل، وترون فيه وطنيّتكم العريقة، وانتماؤكم الأصيل، وامتزاج طين أبدانكم بطين ترابكم.
انتصرتُم لأنّكم وجّهتُم صفعةً قويّة للتطبيع مع كيان الشرّ الصهيوني، هي الأقوى على وجهه القبيح السيّء، منذ إعلانه على الملأ في سبتمبر قبل عامين (2020)؛ فعَرَّيتُم نظامكم الذي يدّعي رضاكم عن خيانته هذه.. انتصرتُم لأنّكم لم تميلوا عن مطالبكم التي يتصوّرون أنّكم تقهقرتم عنها، فإذا بكم مثل الطوفان الفبرايريّ الأوّل، ومثل ما عَهِدوكم عند البأس، وفي أوقات الشدّة.. انتصرتُم لأنّ دبابات “السلامة الوطنية” لم تُركعكُم، ولا خُدع وحِيَل السياسة النجسة.. انتصرتم على رصاص الأمن الذي قَتَلَ شهدائكم، وعلى عصا القمع الغليظة التي استحلَّت محارمكم، ولا زالت تأسر سجنائكم.. وانتصرتم أيضاً، على المخدّرات السياسيّة السامّة، واليأس السياسيّ المُعلّب، الذي يريدون لكم أن تأكلونه مثل وجبةٍ وطنيّةٍ لذيذة، فتنام إرادتكم الناهضة.
الحكومة أيضاً، لا تريد نصراً لقائدكم الوطنيّ آية الله قاسم، لا تريد لقِيَمه ومبادئه الصلبة أن تجري في عروقكم، لا تريد لصوته أن يحيا في أسماعكم، وتريد، نعم تريد لصورته أن تغيب من حيطانكم، قبل أن يغيب في عقولكم، فتُساقون إلى العبودية راضين، وتنكّسون رؤوسكم خانعين، حتى لو كان الحكم يريد أن يذهب بكم إلى التطبيع مع عدوّكم الصهيوني الغاصب.
يعرف النظام مَن هو قاسم، وما هو تاريخه وشعبيته، ويتذكّر جيّداً، أن هذا الرجل هو مَن أخرج أكبر تظاهرتين في تاريخ البحرين كلّه، وعلى مستوى المنطقة، الأولى رفضاً لقانون الأحوال الشخصية (2005)، والثانية في التاسع من مارس (2012)، والتي جائت ردّاً على دعوى السلطة بأنّ -أنصار حراك الرابع عشر من فبراير- ما هم إلا شرذمة، حتى تبيّن لها من يكونون، فضجّت القصور العاجيّة، بهتافات شارع البُديّع!
ولذلك، جائت هلوسات النتائج المزيّفة، التي انتصرتُم عليها بمواقفكم الشاهدة، ولقّنتم هذا الحكم الذي لا يفهم، درساً آخراً وليس أخيراً من دروسكم القاسية، درساً شديداً لا يُنسى، يُحفر على صفحات التاريخ الوطني الناصع: نحنُ شعب البحرين العظيم لا نُهزَم.