حيٌ يهوديٌّ في المنامة.. ولكن بلا قبّة حديديّة

حيٌ يهوديٌّ في المنامة.. ولكن بلا قبّة حديديّة: يهزُّ جسد البحارنة المُثخن.. ويُزلزل الجغرافيا والمشهد السياسي

للطليعة: أحمد العصفور

حيٌّ يهودي تقيمه سلطات البحرين في المنامة، تريد زرعه قهراً بين أحيائها الشيعية الخالصة، بين العشرات من مآتمها ومآذنها الضاربة في أصلها وفصلها، لتُكرِّر قصة فلسطين المغتصبة.

مخططٌّ بأهدافٍ هرميّةٍ وخطواتٍ متتابعة، تنتهي بطرد المواطنين المسلمين من أحيائهم، بعد أن يبيعوا بيوتهم وأراضيهم، حسب ما جاء في بيان سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم الأخير (أغسطس 2022).

انتبهوا، يقول الشيخ المقاوم، للمواطنين الذين يستعدّون لمواجهة جزرة الترغيب المالي، وعصا الترهيب الأمني، والذي بدأ على الأرض، لإنشاء حيٍّ لأصدقاء السلطة الجُدد، من أجل أنْ يُدنِّسوا المنامة.

وفي بيانٍ يحمل نبرة التنبيه، لكنّه يشير إلى فتوى شرعيّة قاطعة، يذهب آية الله قاسم في التشديد على تجريم بيع اليهود أراضٍ وبيوتات في المنامة، ليؤكد بأنّه انتحارٌ مادّةً ومعنى، وبيعٌ للإسلام الذي لا يساويه شيء، والوطن والتاريخ والحاضر والمستقبل.

مجرّد مكوّن هامشي ضمن مكوّنات مصطنعة، مسيحية ويهودية وهندوسية، تقتسم أحياء المنامة مع سكّانها الأصليين، من الشيعة والسنة، فيذوب تاريخها وتراثها من أجل رغبات السلطة الخائنة، إضعافاً للغالبية الشيعية غير المرغوب فيها.

لا تُشبه المنامة في تركيبتها وتراثها وبُعدها التاريخي شيئاً من ملامح الغزاة، ولا تحمل طينتهم، فيجعلها ذلك؛ مُهددةً على الدوام.

ولهذا، أصدرت هيئة البحرين للثقافة مؤخراً (أغسطس 2022)، خارطة سياحية للمنطقة، تستحضر معالم المكونّات الجديدة (معبد كريشنا وكنيس البحرين)، وأسقطت منها عمداً، معالم الشيعة وتراثهم.

هويّةٌ تاريخية ضاربة في القِدَم، تتداخل فيها البيوت بالسوق، وتصدح مكبرات الصوت فيها بالمراثي الحسينية، وتتشح بالسواد، وتجوبها مواكب العزاء بالآلاف، فتَدِلّ في صورتها أمام العالم، على أصالة سكّانها وهويّتهم، ما يشكّل عائقاً مزعجاً، وحائطاً صلباً؛ أمام مشاريع التغيير الديموغرافي، والطَمْس والتغييب.

هذا المشروع، ليس الأوّل على مستوى البحرين، ولن يكون الأخير، فقد سَعَت السلطات منذ تسعينيات القرن الماضي، وبوتيرة أسرع مع بداية الألفيّة الجديدة؛ لتغيير التركيبة السكانية عبر مُخطّط التجنيس، إلا أنّها لم تستطع دمج مجنسيها في القرى والمدن الشيعية، بما فيها المنامة، العاصمة الشوْكة، رغم غرقها في “تسونامي العمالة الآسيوية”!

ولم تتكشّف كلّ الأبعاد الاستراتيجية لمشروع تهويد المنامة بَعْد، إلا أنّ ما يجري بين سلطات البحرين والكيان اللقيط، هو أكثر من كونه تطبيعاً سياسياً أو اقتصادياً، وإنّما يحمل أبعاداً عسكريةً على المدى الطويل.

إلا أنّ ما يَظْهَر في هذا المشروع؛ هو اجتماع رغبات السلطة في التغيير السكاني والثقافي للمنامة، وتغييب الهوية التاريخيّة، مع طموحات الكيان الصهيوني في التمدد جيوسياسياً، وتكرار النموذجين القبرصي واليوناني، لضمّ البحرين كحديقة خلفية من أجل النشاطات الاستخباراتية والعسكرية، من حيث كونها جزيرة سابحة في الخليج ومطلّة على إيران، ويُبدي نظامها استعداداً للارتزاق عند الصهيوني.

مشهدٌ سياسي جديد ترسمه تقاطعات المصالح الصهيوبحرينية، يبعث رسائل من “القط البحريني” الطَرِب بـ”مخلب القط”، في معادلةٍ تأخذ السلطة فيها لأوّل مرّة، دور الامبريالية الغربية، عندما زَرَعَت شُذّاذ الآفاق في فلسطين، وسَلَّطتهُم على شعبها.

حيٌ يهوديٌّ بلا قبّةٍ حديديّة، بتعهداتٍ أمنيّةٍ بحرينية واثقة، تراهن على غيبوبة الشعب المثخن بجراحات ثورته الفبرايريّة المجيدة، ومشهدٌ برسائل عالية القوّة، يزلزل جسد البحارنة المطروح على الأرض، -والذين يُعدّون هُمْ السكّان الأصليين للجزيرة التي عُرفت بولائها لصاحب صولات المعركة الخيبريّة الممتدّة-، فيضعهم أمام تحدٍّ جديد، يختبر شعاراتهم التي رفعوها خلال الأربعين عاماً الماضية على الأقل، وصِدْق انتمائهم الأطول.

زر الذهاب إلى الأعلى