من أوراق جندي الفداء

“هي كربلاء اليوم، تشبيهاً بكربلاء الماضي، كربلاء الحسين (ع)، في ظهر يوم الثلاثاء بعد أن أذّن أذان الظهر، أقمنا الصلاة فرادى بالقرب من منزل الفقيه القائد داخل الحواجز الإسمنتية، كانت الدماء تسيل من بعض المرابطين، وكان الآخر يبحث عن الماء ليطهّر ثيابه حتى يؤدّي الصلاة، ما إن شرعنا في صلاة الظهر حتى خُتمت الصلاة بهجوم العسكر علينا، البعض هدم صلاته من هول ما رأت عيناه، كان المشهد رهيباً حيث إنّك لا تسمع إلا أزيز الرصاص، والنداءات تعلو بالتكبير، دخل العسكر إلى المنطقة التي يتواجد بها المرابطون حول بيت القائد، وكانت هذه هي محطّتهم الأخيرة، دخلوا بوابل من رصاص الشوزن، كان المرابطون يتراجعون إلى الخلف وصدورهم مقابل العسكر، وكان من أول المصابين الشهيد أحمد العصفور، لقد رأيته يلتقط أنفاسه الأخيرة.


وصل الشباب إلى نقطة النهاية التي لا يستطيعون بعدها أن يلجؤوا إلى ملجأ يحميهم من الرصاص، جلس المرابطون بعضهم على بعض في مقابل العسكر، كان الفاصل بينهم وبين العسكر مجرّد أمتار بسيطة، وكان البعض واقفاً مسنداً ظهره إلى بيت القائد، مرّت لحظات بسيطة في مشهد رهيب وكأنّما القوم أرادوا أن ينهالوا على المرابطين بسيل من الرصاص الانشطاري ليُردوهم عن آخرهم، تعالت بعض أصوات المرابطين: “تشهّدوا! تشهّدوا!؛ إذ لك أن تتخيّل أخي العزيز كيف أنّ الشباب لا يوجد لديهم مكان ليحتموا به وفي نفس الوقت طلقات الرصاص الانشطاري لا تتوقف، لقد كنّا نتوقّع الموت جميعاً.


وما هي إلا لحظات وإذا بالأخ فاضل الإصبعي قد اندفع على العسكر يريد ردّهم، وما كان منهم إلا أن أمسكوه وانهالوا عليه بالضرب المبرح حتى أغمي عليه، كنت أعتقد أنّه قد استشهد؛ لما رأيت من فرط الضرب الذي لاقاه.
بعد ذلك تقدّم الأخ محمد عبدالحسن المتغوي رافعاً صوته في وجه العسكر: “خلاص! خلاص! توقّفوا! ماذا تريدون أن تصنعوا فينا؟!” وإذا بالعسكر يسحبونه من بين المرابطين وينهالون عليه بالضرب. مرّت برهة قليلة عندها انبرى محمد حمدان هاجماً على العسكر وما كان منهم إلا أن أردوه قتيلاً شهيداً.


كان محمد العكري بالقرب منّي، فجأة حصلت عنده حالة من الجرأة فتقدم خطوة إلى الأمام رافعاً صوته: “نحن لن نستسلم”، وإذا به يخرّ شهيداً أمام ناظريّ برصاص القوات الظالمة.
بعد هذه المجزرة الرهيبة بدأ العسكر بسحب كلّ فردٍ فرد من المرابطين، وتكبيل أياديهم من الخلف، وتغطية أعينهم ورميهم على الأرض، وبعد ذلك بدأت وجبات التعذيب والضرب التي كانت تنمّ عن حقد وانتقام، بقينا على هذا الحال إلى ما بعد صلاة المغرب، ثم تمّ نقلنا إلى سجن جو المركزي عن طريق الباصات”

عباس مفتاح

زر الذهاب إلى الأعلى