لماذا ذكَّر آية الله قاسم في خطاب العاشر بأقدم وأشهر أربعة شعارات عزائية بحرانية؟

*مقال: أحمد العصفور

كعادته السنوية، لا يخلو خطاب العاشر لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم من الرسائل الموجّهة، دينياً وسياسياً، حيث لا زالت الأزمة السياسية تلقي بظلالها على المشهد العاشورائي، منذ أن قرّرت السلطة ضمنيّاً، الهيمنة على الشأن الديني، والتوغل شيئاً فشيئاً على كل ما يرتبط بالشأن الشيعي، الذي ظلّ يحافظ على استقلاليته في أحلك الظروف.
وتستغل السلطات البحرينية منذ سنتين، ظروف وباء كورونا، لوضع اليد على الموسم العاشورائي، في تحديد نوعية الإحياء وشكله وظروفه، حيث لم تستطع، رغم ادّعائها الكاذب، الالتزام بالمعايير الصحية والوطنية، وتقديم التفسير الموضوعي للتحيّز الذي أظهرته قرارات الإجراءات الاحترازية الخاصة بالموسم، والتي لا تتساوى في شدّتها ولا في حيادها مع الإجراءات الطبيعية التي يقرّها الجانب الرسمي تجاه مناحي الحياة الأخرى، مثل ارتياد المجمعات التجارية والسينمات والنوادي الرياضية، فضلاً عن محاولة فرض قرارات لا تمت للاحترازات الوقائية بصلة، مثل إغلاق مكبرات الصوت والاقتصار على المكبرات الداخلية للمآتم (كما في العام الماضي)، واقتصار موكب العزاء في محيط المآتم (كما في هذا العام)، وهو الأمر الذي يكشف عن استغلال الفرصة لتطبيق نوايا قديمة ومبيّتة، وعن خلفية طائفية مقيتة.
هذا الأمر، هو ما حدى بسماحة آية الله قاسم، للقول في بيان قبل بدء الموسم، إلى أن الاحترازات الصحية التي يوصي العلماء بالاستجابة لها، هي الاحترازات المتعقّلة، والمتخذة في مختلف التجمعات المسموح بها، دون الاحترازات التي يُراد لها أن تخصّ مجالات الإحياء لعاشوراء بلا مبرر واضح، وأسباب مفتعلة.
في هذه الظروف، المتشابكة بين الديني والسياسي، جاء خطاب العاشر لسماحة الشيخ، ليُذكّر بأقدم وأشهر أربعة شعارات عزائية بحرانية، لا أحد إلا وردّدها منذ صغره على لسانه، ليؤكد على أنها انطلقت في ظروف مشابهة لظروف الاضطهاد التي يمرّ بها الشيعة في البلاد، وهذه الشعارات هي:
1- “أبد والله ما ننسى حسيناه”.
2- “المآتم تنفتح طول الأبد.. كربلا ما تنّسى يا مسلمون”.
3- “غصباً على اعداك نرفع رايتك”.
4- “لو قَطّعوا أرجُلَنا واليدين، نأتيك زحفاً سيدي يا حسين”.
وتأتي هذه الاثارة، لأعرق الشعارات امتداداً في الماضي والحاضر، لتخلق عند الجماهير العاشورائية، نوعاً من التحدّي والمواجهة، وتحمّلها المسؤولية التاريخية التي على عاتقها، حيث يُراد لها أن تبادر لقلب المعادلة على كلّ مشروع الهيمنة الذي تنوي السلطات عبثاً، إلى فرضه بشكل قسري، وتستخدم في سبيله كلّ الوسائل والطرق، من أجل التوسُّع يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، في التدخُّل والتوغُّل وفرض السيطرة.
كما ويؤكد هذا التأصيل المتواصل لسماحته لمشروع المقاومة، والتحدي، والمواجهة، إلى جديّة الخطورة التي يتعرّض لها الشأن الديني والشعائر الدينية، خصوصاً مع ارتماء النظام البحريني في أحضان المشروع الصهيوني، وذهابه في هذا المشروع، إلى ما هو أبعد مما يتطلّبه المشروع الصهيوني نفسه، وذلك لما يعتقد النظام بأنه كفيل في الحفاظ على الأمن الاستراتيجي لكرسي الحكم، وصولجان المُلْك العضوض، على المدى الطويل، حيث بدى هذا الأمر واضحاً وجليّاً، من خلال أخذ البلاد إلى التطبيع مع المثلية الجنسية، والسماح للسفارة الأمريكية بالعربدة الثقافية، واستقطاب الأجيال الشابة والناشئة.
هذا المشروع الموازي، الذي يُقابله تضييق الخناق على الشعائر الدينية، بما فيها الشعائر العاشورائية، ومحاولة تحجيمها وحصرها في الزاوية الضيّقة، يجعل من مشروع المقاومة، الذي يطرحه سماحة الشيخ، أشد حاجةً من أي وقتٍ مضى إلى أن يأخذ مساره الجدّي، مُتلاقياً في أهدافه ووسائله مع ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي تعدّ اليوم، واحدة من الشعائر التي تُزعج السلطة، بحيث تعمد إلى ملاحقتها في كل شيء، لما تشكّله من عقبة أمام المشروع الثقافي الجديد، والتي تتجه سُفنه -كما أشار الشيخ في خطابه- إلى الغرب.
وقد يتوهّم البعض، أو يحاول أن يُميِّع القضية، أو يُهوِّن الخَطْب، أو يريد أن يتعامل مع هذا الأمر بشكل ساذج، ليصوِّر أنّ الحالة الشيعية في تأزُّم وتوجُّس واضطراب وشكّ غير مبرّر، لكنّ ما يجري على الأرض، لا يمكن التعامل معه بهذا الشكل، فالسنوات الماضية، والأيام المتوالية، كشفت مشروع السلطة بشكل واضح لا مراء فيه، كما أنّها -السلطة- لا تخجل اليوم، بالتصريح والعمل عليه بشكلٍ علني، حتى يحمل هذا البعض، مشروعها على محمل الخير.
كما أنّ البعض قد يُثير، أنّ التحدي في هذه المعركة، نوعٌ من أنواع العصبية الجاهلية، فيتجاهل بقصد، أو يجهل من غير قصد، أنّ أمثال هذا المشروع التدميري المتوسّع، لم يترك للناس في سبيل أن يدافعوا عن معتقداتهم إلا المواجهة بهذا الشكل، كما أن هذه العصبية وهذا التحدّي، محمودان في هذا السياق، فليس المطلوب في هذه المواجهة أن نكون ساذجين ومسترخين ومتساهلين، والموقف يقتضي التحدي والتمسُّك والمقاومة، والناس لم تحمل رشّاشاً، ولم تركب طائرة حربية.
لذلك، يثير سماحة آية الله قاسم هذه الشعارات العزائية البحرانية العريقة، ليؤكد في هذا الجو، على المواجهة والتحدي والمقاومة، ويشير إلى أن “صعوبة الطريق، والتحديات، والمتاعب” التي فرضت انطلاق هذه الشعارات في الماضي، لا زالت حاضرةً اليوم وتفرض انطلاقها مجدّداً، وأنّ تلك المصاعب التي تحمّلها الأجداد، لابد أن تواجهها هذه الأجيال بذات الشعور الجاد بالمسؤولية، فإنّ تعاظم المحنة لم يوقف “المأتم البحراني، والموكب البحراني، والرجل البحراني، والمرأة البحرانية، والطفل البحراني” عن المواجهة، والتضحية بالغالي والنفيس من أجلها إنْ تطلّب الموقف.

زر الذهاب إلى الأعلى