مقال آية الله قاسم: ورفعنا لك

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       المجتمع المؤمن في البحرين من المجتمعات التي عُرِفت بالحفاظ على الأعراض، والاعتزاز بشرفها، والتمسّك بالأخلاقيّة الإسلاميّة العالية في صيانة العرض وحمايته، والأخذ بالوقاية المشدّدة للحفاظ عليه، والنأي به عن الدّنس والقذارة. ولا زال هذا المجتمع الكريم يُعير هذه المسألة المهمّة اهتمامه الكبير.

ولكن كلّ هذا لا يمنع من استمرار التواصي بالحق، وزيادة الانشداد والتأكيد على هذه الأخلاقيّة الإسلامية الملزمة الكريمة، والواجب الديني الواضح الذي لا تسامح فيه لبالغ أهميته التي أولاها القرآن الكريم والسنّة المطهّرة كل الاهتمام.

لابد من استمرار التواصي بالحق في حياتنا كلّها ومن ذلك هذا الجانب الحسّاس المستهدَف للاختراق والعبث والتلاعب خاصّة وأن الحملة المخطّطة عالميًّا وروح التسيب المتحدّرة إنحدارًا أخلاقيًّا خطيرًا جدًّا في توسع وانتشار وحالة الإنفلات مستمرة ومنذرة.

فليبق حسّ الحفاظ على العرض والشرف عند هذا المجتمع مرهفًا وغزيرًا وحاضرًا دائمًا، واليقظة في هذا المجال تامَّة، والاحتياط شديدًا، والوقاية مبكرة.

والعِرض في نفس المؤمن أعزّ من ماله، وهو يفدي بنفسه عن عرضه، ولا يقي عن نفسه به.

والإحساس بخطر المسؤولية أمام الله عن أمانة الأعراض وصونها، والحفاظ على شرفها وكرامتها لا يغيب عن النفس المؤمنة، ولا تخبو توقّده.

وإذا أمكن لك أن تثق بمن تأتمن عليه مالك العزيز عليك، فليس يعني ذلك أن تثق فيه من ناحية الائتمان على عِرضك.

لك أن تامن على مالك شابًّا مؤمنًا تعرفه بصلاحه، وتعهد منه تقواه، أو قريبًا من الأهل معروفًا بتعففه، أو عالم دين جربته فأحسنت فيه الظن، ولكن ائتمان أحد من هؤلاء أو غيرهم على بنتك أو أختك أو أيّة واحدة من أرحامك أو أخرى من المؤمنات أخطر من هذا وأعقد، وشرط الائتمان على الأعراض نادرًا جدًّا ما يتحصّل.

وليس لمؤمنة أن يأخذها التساهل، أو السذاجة أو حسن الظن بمظهر من مظاهر التقوى والعفاف والنزاهة، أو السمعة الجيّدة، أو لباس عرف طلاب العلم الديني وعلماء الدين.

ليس للمؤمنة أن يأخذها شيء من ذلك أو يغريها شيء من هذه المظاهر ولا أن تسترخي وتنجرّ وتنخدع لدعوى العلاج بالأذكار، وحلّ المشكلات الزوجية والأسرية والنفسيَّة وأي شيء من هذه الخدع الماكرة والمدّعيات المغرضة الزائفة.

وما أيسر الوصول اليوم من أي راغب إلى الأذكار الصحيحة والعوذات النقية وآيات الاستشفاء من غير لجوء إلى أصحاب الدعاوى الزائفة.

ليتذكر الجميع أن ألم التعدي على الأعراض لا يفارق النفس الغيورة، وآثار هذا التعدي لا يُبارحها أذاها، وليس من الميسور أن تغسل، أو تنسى.

ثلمة العرض، والعياذ بالله، تبقى خِنجرًا غائصًا في النفس، وهي ثلمة تبقى حيَّة في نفوس الآخرين ممن اطّلعوا عليها.

ليكن المال بذلة في الحفاظ على العرض، والتعب في سبيل ذلك راحة لك لما لك من نفس غيورة.

الحفاظ على العرض من صلب الدّين، ومن كان له حفاظ على دينه كان له حفاظ على عرضه وعرض كل من يهمه أمره ويتحمل أمانة شرفه، ومن لم يكن له حفاظ على العرض لم يكن له حفاظ على الدين، وكذب من ادّعى التديّن وهو متساهل في عرضه أو أي عرضٍ من أعراض المؤمنين التي هي أمانة في عنق كل مؤمن ومؤمنة.

{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ…}([1]).

ونسأل الله جميعًا لنا الستر والسلامة وزينة الحياء، وجمال التقوى، وصون الشرف والأعراض.

 

سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (دام ظله)
18 مايو 2016م الأربعاء 11 شعبان 1437هـ

[1] – 105/ التوبة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى