عزّة الفرد والأمّة “قراءة في فكر” آية الله قاسم (دام ظله)

مجلة رسالة القلم : عزّة الفرد والأمّة (قراءة في فكر آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم دام ظله)

2016-04-13 | الشيخ جاسم بدر عبدالله المطوع | العدد 38

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ…}(1).

اختصّ الله جلّ وعلا بالعزّة الحقيقية لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، ولا شكّ في أنّ الله (سبحانه وتعالى) لم يفوِّض للمؤمنين إذلال أنفسهم، بينما نجد الأمّة الإسلامية اليوم -رغم ما تملكه من أسباب القوّة والمنعة- ذليلة تابعة لغيرها منقادة لعدوّها يتحكّم في مقدّراتها، والمسلمون مع كثرة عددهم غثاء كغثاء السيل تداعت عليهم الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها. المسلمون الذين يمتلكون أرقى القيم وأعمق الأفكار لا يكاد يذكر لهم أثر في المجتمع العالمي، ذلك الأثر الذي يتناسب وما تملكه الأمّة الإسـلاميـة من مقـوّمات حضـارية وأسـس فكرية وثقافية يمكنها أن تنتشل إنسان اليوم من مآسيه وآلامه.

هذا التراجع الذي تعيشه الأمّة أمام الاستكبار العالمي المسؤول الأول عنه هم: “حكّام الأمّة الإسلامية، حكّام الأمّة الذين لم يشهد منهم توظيف كلّ إمكانات الأمّة في سبيل ردّ هذا الظلم والبغي المقيتين، وفي سبيل استنقاذ المقدّسات، والمسؤولية مسؤولية حكّام الأمّة في سنّ هذه القوانين المكبِّلة لإرادة الأمّة ولإجهاض روح الإبداع فيها ولمحاصرة الكلمة الحرّة على لسان أبنائها وكلّ ذلك يقتل الشعور بالثقة، وكلّ ذلك يقزّم الذات في داخلها، وكلّ ذلك يكون سببًا للهزيمة والانسحاق”(2). ومع ذلك يرى الشيخ: “أنّ الأمّة بشعوبها الحيّة وأبنائها الأماجد وروح الأصالة والعزّة والكرامة الإيمانية، التي تسري في عروقهم لتبرأ من واقع التبعية الذليل الذي يغوص كثيرٌ من الأنظمة الرسمية في وحله، وحالة المهانة والسقوط، وفقد الهوية التي يعاني منها مسؤلوا هذه الأنظمة”(3).

وهنا معركة: “المعركة التي دمّرت أفغانستان، وسجّلت كلَّ البشاعات القذرة على يد الصهاينة في أرض الرسالات، وهي في طريقها إلى سحق العراق(4)، لتتواصل في شوط بعيد المدى حتى لا تترك مسلماً ولا إسلاماً إلا ألحقت به الأذى، ولا شعباً ولا حكومة تنتصر للدين والأرض والنفس والكرامة، إلا وأذاقتها الهوان، ولا بلداً من بلدان الإيمان إلا وأذلّته، ولا ثروة للمسلمين إلا وضعت يد الباغي عليها”(5). ويتساءل سماحته مستنكراً: “هذه المعركة أيُتوانى أمامها؟! أيشتغل عنها بلعب الكرة، ومسابقات الجِمال والليالي الساهرة العابثة الرخيصة، وكثير من اللهو والمجون الذي يأكل شعور الأمّة بالعزّة والمجد والكرامة، ويأكل رجولتها وقدرتها على المواقف المشرّفة الخالدة؟!”(6). والمعركة على أكثر من صعيد: “حفلات الرقص الساقطة الفاجرة، وحفلات الغناء المتهتكة المائعة، وجمع النساء والرجال في أجواء لاهبة مثيرة للجنس، واستيراد سافلة بعد سافلة، وساقط بعد ساقط لتسميم الأجواء الأخلاقية لهذا البلد الكريم. إفساد يا قوم للإنسان والأرض والأوضاع لا إصلاح، وسخرية بهذا الشعب وقيمه، واستفزاز من استفزاز الصبيان، وعداء للدين، وعبث بهوية الأمة، وتخريب للأمن، وتحدٍّ للإرادة المؤمنة. أتريدون أن تفسدوها أكثر مما أفسدتموها وتفسدون؟! حفلاتكم الماجنة مصمّمة لإنهاك الحالة الأخلاقية في هذا البلد، وجرّ الناس إلى الباطل، وتخدير المشاعر، وتمييع الإرادة، وقتل الرجولة، والتغرير بالشباب والشابات، والإلهاء عن المطالبة بالحقوق، والقضاء على روح العزّة والكرامة والشموخ والإباء في هذه الأمّة، وفي ذلك تحقيق لمطلب إسرائيل، لمطلب أمريكا، لمطلب كلّ الأعداء العالمين الاستكباريين، فإنهم لا تنام لهم عين قارّة إلا إذا قضوا على روح العزّة والكرامة والإباء والشموخ والإيمان في هذه الأمّة، وليس من طريق أقصر لتحقيق هذا المأرب الخبيث، وإسقاط قيمة الإنسان في داخله، وتحويله إلى لعبة بيد أهواء الاستكباريين من أن تُميّع البلاد، من أن تُسمّم الأجواء، من أن نركض وراء الجنس الرخيص الحرام. وإنّ الآثار التدميرية، والدور التخريبي لهذه الحفلات لا يقتصر على من يجمعهم الهوى تحت سقف واحد على موائد اللهو والفِسق والفجور، فإنّ الإعلان والترويج لهذه الحفلات الشيطانية، والنعوت المثيرة الكبرى التي تُعطى لها، والإكبار والتبجيل والاعتزاز بها، وبأدواتها من راقص وراقصة، ومغنٍّ ومغنّية، ومفتنٍ ومفتنة، وفاسق وفاسقة، ليُكبِر من قيمة المنكر، ويزيّن الباطل، ويصرف عن الحقّ ويسمّم الأجواء العامة”(7).

وحيث يحاول الاستكبار العالمي وأذنابه في الأمّة قتل عزّة الأمّة ووأد كرامتها، كان لا بدّ من بثّ روح العزّة في الفرد المسلم والأمّة المسلمة، وتوجد مواقف عزّة في الأمّة تيقظ هذه الروح وتبعثها حية، “إنّه(8) درس للعالم كلّه بأنّ هذه الأمّة لا يمكن أن تهزم إلى الأخير، وأنّ هذه الهزيمة موقتة، وقبل أن ينتفض المارد الإسلامي في داخل الإنسان المسلم وقبل أن يستقيم الشباب المسلم، وقبل أن يفيق الشباب المسلم على أنّه مخدوع بالفكر الآخر، على أنّه مخدوع بالأخلاقية المهترئة المستوردة، على أنّ إيمانه مستهدف، وأنّ عزّة الأمّة مستهدفة من خلال استهدافه، وقبل أن تفيق الشابة المسلمة، والمرأة المسلمة، وتلتفت إلى قيمة الحجاب والعفّة والمواقف الصلبة، إلى الإصرار على المبدأ، الإصرار على درب العزة والكرامة والشرف والجهاد. ويوم أن تفيق الإرادة الإسلامية في نفس الشاب المسلم وفي نفس الشابة المسلمة، في الرجل الكهل، في المرأة الكهلة، في كلّ الأعمار حينئذ لن يبقى بيد العالم كلّه سلاح يمكن أن يقهر إرادة الأمة”(9).

لماذا لم تنسحق الأمّة ولماذا يبقى الأمل فيها؟

يجيب سماحة الشيخ (دام ظله) قائلا: “هناك فرق كبير، بين الأمم الأخرى وأمتكم، أنتم المسلمون ذقتم الإسلام، عرفتموه بمقدار، لا زلتم على درجة من صفاء الفطرة والذوق الفطري السليم والذوق الخلقي الكريم والضمير الإنساني النقي أصول الفكر الفطري، أنتم على هذا الواقع ومن خلال هذا الميراث لا يمكن لكم نفسياً ولا عقلياً -وإن حاولتم- أن تنسلخوا عن الإسلام بالكامل وأن تقبلوا بأيّ أطروحة أخرى، لأنّ كلّ الأطروحات الأخرى قاصرة، دونية، منسحقة، أمام الأطروحة الإسلامية التي تتراءى لكم على بعد، والتي تحملون عنها تصوراً ما – ولو باهتا- الأمّة التي تحمل ولو تصوراً باهتاً عن الأطروحة الإسلامية تمتلك نفسية أكبر من كل الأطروحات، وعقلية أكبر من كل الأطروحات، ونقاء فطرياً يرفض كل الأطروحات الزائفة. الغرب يمكن أن ينتج في ظلّ أطروحة زائفة كاذبة إنتاجا دنيوياً، أنتم لا يمكن أن تنسجموا مع أي أطروحة تعادي الإسلام وتنفصل عن الفطرة”(10).

كيف تُنالُ العزّة؟

معرفة الله سبحانه والعبودية له: “العبودية الصّادقة لله تعالى، والتي لا طريق لإنسانٍ للعزّة إلا بها؛ إذ لا شيء للإنسان على الإطلاق من نفسه أو غيره من دون الله -لا طريق للعبد لشيء من العزّة المعطاة من الرّب إلا بأن يذلّ ويخضع ويخشع ويستكين لله الواحد القهّار- ولا عِزّة لأحد أبداً إلا عن طريق معراج العبودية للعزيز المقتدر بالذّات”(11). والعارفون بالله “لهم من الشعور بالكرامة والعزّة وعلوّ المنـزلة والرفعة، والتمتّع باللذة المعنوية من خلال الطاعة ما ليس للخلق الكثيرين من غيرهم”(12). “من حسن يقينه بالله، من ترسّخ الإيمان في نفسه، من تعمّقت رؤيته لعظمة الله (عزَّ وجلَّ) في داخله، فهو يشعر بأنّه مدعوم من الله (عزَّ وجلَّ)، يشعر بالاستغناء بالله، يشعر بالعزة بالله، يشعر بالقوة من خلال الانتماء إلى الله، يشعر بالوزن الثقيل عند كلّ الأزمات والمصائب والشدائد لأنّ الله معه وهو في خط الله”(13).

1- الاستغناء بالله سبحانه: “«من استغنى بالله افتقر النّاس إليه»(14)… العزّة والشموخ الذي يوفّره له استغناؤه بالله (سبحانه وتعالى). وكلِّ ذلك زادٌ لا يُشترى بمال، وكلّ ذلك شيء ضئيل منه أكبر فيما يعطيه النفسَ من راحة من كلّ المال”(15).

2- الوعي والتمسك بالدين: “فكلما وعت الشعوب، واكتسبت شعورا بالعزّة والكرامة والأصالة امتنع عليها أن يكسر التجويع إرادتها. وليس كدين الله يمكن أن يمد النفس بكلّ هذا، فمن تديّن بالدين الحقّ عن فهم ووعي كان عزيز النفس، عالي الكرامة، والشعوب التي يصنعها الدين الحقّ هي شعوب متمسّكة بكرامتها وعزتها في كل الظروف”(16). و”إنّه(17) درس، بأنّ الإسلام هو الخيار الذي يحقق العزّة والنصر والكرامة ويحافظ على المقدّسات ويستردّ كلّ سليب. وإنّه حجّة على كلّ الأنظمة، وعلى كلّ الأحزاب التي تتمسك بغير الإسلام”(18). وما زلنا “نحتاج إلى شيء أساسي هو أكبر من ذلك كلّه(19) ولن ينتج ذلك كلّه إلا بالرجوع إلى الإسلام وعزّة الإسلام وكرامة الإسلام، أن تصنع نفسك مسلماً قويا، أنت كيف تنتصر للقضية الفلسطينية -قضية القدس- أن تصنع نفسك مسلماً قوياً، فيما تملكه من إمكانات علمية وخبرات ميدانية وفيما تتمسك به من فكر إسلامي أصيل وفيما تتزين به من خلق إسلامي كريم، خرّج من نفسك شخصية إسلامية تخرج من نفسك أمّة تقف في وجه اليهود والطامعين، كل الملايين والمليارات من غير إسلام ستكون هباء”(20).

3- تقوى الله: “أوصيكم عباد الله ونفسي -الداعية لي إلى الردى- بتقوى الله المنجية، المنجحة، الآخذة بصاحبها إلى الكمال والعزّة والغنى والسعادة والرضوان”(21).

4- التوبة من المعاصي: “إذا كانت المعصية من منشأ وضع نفسي انهزامي استسلامي، فإنّ التوبة إنّما هي تمرّد على هذا الوضع وخروج من حالة العبودية(22) إلى حالة الحرية، ومن واقع الضعف والاستسلام والهزيمة إلى واقع القوة والمقاومة والنصر.

فالتوبة ذات قيمة عالية للتائب من ذنبه لأنّها صمود بعد التقهقر، وتماسك بعد الذّوبان، واشتداد بعد الاهتراء، وقوة بعد الضعف، ونصر بعد الهزيمة، وربح بعد الخسارة، وهي عزّ بعد الذّل، وغنى بعد المسكنة كما يراها الإمام زين العابدين (عليه السلام)(23)”(24).

5- الهمّة العالية: “من طلب الشرف والعزّة والكرامة والتقدّم وهو لا يملك الهمّة العالية فقد طلب المستحيل في العادة”(25).

6- العمل وطلب القوة الاقتصادية: “إنّه لتراد لنا الحركة، ويراد لنا العمل، ويراد لنا النشاط من أجل نمو اقتصادي نرتفع عن طريقه بمستوانا الحياتي، وبمعنانا، ومن أجل أن نتوفر على العزة والكرامة والشموخ، ومن أجل دفاعنا عن ديننا وعن أصالتنا”(26). كما أنّ “معالجة مشكلة الفقر على المستوى العام، أو على المستوى الفردي، أو على المستوى الاجتماعي الجزئي، تقع على طريق بناء العزة والكرامة، والدين والشخصية القوية، والدور الاجتماعي المؤثر، فإذا أردنا مجتمعاً قوياً عزيزاً كريما يشعر بشخصيته الإيمانية المتفوقة، ويؤدي دوره الاجتماعي والرسالي الفاعل، فلابد لنا بصفتنا مجتمعاً مؤمناً، وبصفتنا رساليين إلى أن نواجه وبكل ما أوتينا من قوة مشكلة الفقر في الحدود الضيقة، وفي الحدود الواسعة الممتدة”(27). فمن شأن الفقر أن “يؤثر على دين هذا الإنسان، على اعتزازه بإنسانيته وبدينه، يفقُد من كمال عقله، يسرق دينه حتى لا يقاوم ولو سهماً ضعيفاً من سهام الشياطين”(28).

7- العلم الأكاديمي المادي المتطور إلا أنه لا يشكل سبب عزة إلا مع القيم السابقة حيث إن “أن أصحاب الشهادات العلمية الأكاديمية الكبيرة الذين لم يُصنعوا صنعاً إنسانياً وإيمانياً يبيعون أنفسهم بأبخس الأثمان، رئيس الولايات المتحدة قد يرشى، رئيس أكبر دولة قد يرشى إلى حرب أو يوقف حربًا ليخون بلاده، أنتم ترون هذا في كل مكان أما الشخصية الإيمانية التي صنعت على يد الله سبحانه فيستحيل جداً أن تشتريها الدنيا بكاملها”(29). ولذلك ينبه سماحة الشيخ (دام ظله) مؤكدًا: “على وزارة التربية والتعليم وكلّ المعنيين أنْ يراجعوا الأمر بشأن الواقع والمسؤولية، فكم يقترب واقع بعض المناهج وأجواء المدرسة والمعهد والجامعة، والتخطيط الإداري ونوع الأساتذة، والتوجيهات والأنشطة، والسياسة التربوية بالأجيال الشابة من الخطّ الحضاري الإسلامي وكم يبتعد؟ إلى أيّ حدٍّ يساعد كلّ ذلك على ارتفاع مستوى الخلق والعفّة والشرف في نفس الفتى والفتاة أو هبوطه؟ كم يُحدث من غربةٍ ثقافية أو التصاقٍ بالثقافية الإسلامية الحيّة الواعية الفاعلة؟ هل يستهدف الواقع -ذلك الواقع الذي ذكرت- رفع مستوى الشعور بالعزة والكرامة والأصالة؟ أو هل يستهدف الحطّ من قيمة الإنسان في نفسه؟ يريد هذا الواقع أن يحطّم روح الإيمان والالتزام أو يشيدها ويعلي منها؟ فلتراجع الوزارة وكلّ المسؤولين أنفسهم في ذلك كلّه، وليحكِّموا كلمة الله في الأمر، ويعرفوا قدر هذا الشعب، ويعرفوا انتماءهم هم والشعب كله للخط الحضاري الإسلامي الأصيل الذي ترخص من أجله الدماء”(30).

نماذج للعزّة في الأمّة الإسلامية

1- “مراجع الدين رصيد ضخم للدين والأمّة ومستوى نادر، فقد لا تلقى في الألف فقيها، وقد لا تلقى في خمسة آلاف فقهيا، وقد لا تلقى في مائة ألف فقيها. والفقيه الفذّ قد لا تلقاه في عدد من الملايين، والمراجع عملة صعبة لا تعثر عليها الأمّة بسهولة. هم حصن منيع للدين، صمامات أمان لحفظه، وحفظ الأصالة والاستقلالية والعزّة والكرامة”(31).

2- “رحل(32) الرجل العظيم الخميني الكبير عن وجه الأرض، وصعدت روحه إلى رحمة الله ورضوانه إن شاء الله، وبقي النورَ المشعَّ للهدى في الناس، والصوتَ المدويَّ بصرخة الحقّ في القلوب، والثورة العارمة في المشاعر على الباطل، والإحساس الغزير الدفّاق بالعزّة والكرامة والشهامة والشجاعة والإقدام في النفوس، والإيمان بقيم البذل والعطاء السخيّ، والتضحية والفداء في سبيل الله عند الثائرين. وقد صنعت ثورته وانتصاره ودولته ثائرين كثراً على طريق الله. بقي يعلّم من خلال ميراث ضخم من ميراث الجهاد المرير، والكلمة الهادية، والسياسة الرشيدة، والمقارعة العنيدة، والثبات على الحقّ، والتوكّل على الله، وتفويض الأمر إليه، والعزم والحزم والجزم، والتواضع، والمضيّ بعد التبصّر، والتزام خطّ الشريعة، والإصرار عليه، والحبّ في الله والبغض في الله، وعدم المداهنة في الدين، والصبر على التكليف، بقي يعلّم من خلال ذلك كلّه أجيال الأمّة ما تحتاجه في مسيرة جهادها الطويل، ومواجهاتها الممتدة للظلم والضلال في الأرض كما يعلّم كلّ المحرومين والمظلومين والمستضعفين في العالم أن ينتفضوا على الأوضاع السيئة المهينة التي يفرضها عليهم الطغاة المستكبرون.

3- تستطيع أن تقول محقّاً صادقاً بأنّ الإمام الخميني (قدِّس سرُّه) قد نسَلَت ثورته وانتصاره ودولته تيّاراً ثوريّاً جهاديّاً رساليّاً واسعاً داخل الأمّة متجاوزاً في سعته حدود بلد الثورة، ونسل كلّ ذلك قادة بقامات مرتفعة شغلهم ذكر الله عن ذكر غيره، وصغرت أمام هيبته وخشيته في نفوسهم كلّ هيبة، فانطلقوا في طريق التغيير الصالح لا يبالون بذمٍّ أو مدح من المخلوقين، ولا أن وقعوا على الموت، أو وقع الموت عليهم، وسماحة السيد الكبير نصر الله هو واحد من أبرزهم، وكلّ نظر أولئك هو لله وحده.

4- كما نسلت الثورة والانتصار والدولة توثباً في روح الحرية، والشعور بقيمة الإنسان على مستوى مختلف الأمم، والفتت شعوبُ العالم إلى عظمة الإسلام ومثله العليا، وقدرته على الإنقاذ، وتلبية أمل المستضعفين في الأرض”(33).

5- “في فاصلة زمنية محدودة جداً التقى هذا العالم بقيادة السيد موسى الصدر وكانت ناجحة، وبقيادة الشهيد الصدر الأول وكانت مثالية، وبقيادة الشهيد الصدر الثاني وكانت قيادة رشيدة وصبورة ومواجهة، والقيادة العملاقة للإمام الخميني ومثّلت نقلة كبيرة في عالم اليوم، وأعطت هدى لهذا العالم، وأعطت عزّة وكرامة لهذه الأمّة وعلّمت الدنيا دروسا لا تنساها، وقيادة الإمام الخامنائي وهو يقف طودا عنيداً أمام إرادة الكفر العالمي كلّه، وقيادة البطل نصر الله وقد دوّخت إسرائيل واستقطبت أنظار العالم، وكلّ هذه القيادات علمائية مؤمنة ومن بيت الرسالة ولا ننسى أبداً القيادة الرشيدة للسيد محمد باقر الحكيم، ولا المواقف الحكيمة والمخلصة من سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، وهما متحدران من بيت علي وفاطمة (عليها السلام)”(34).

6- “ونحن في ذكرى انتصار المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان… إسرائيل لم تصمد طويلا أمام نخبة مؤمنة، فئة تربّت على الإيمان ولم يكن بيدها سلاح كثير الفاعلية بما يكافئ فاعلية السلاح الإسرائيلي والأمريكي، ويزيد عليه أضعافا مضاعفة إلا سلاح الإيمان، وسلاح الإيمان فاعليته غير محدودة، وغير مؤقتة، وفاعليته لا تشترى بالأثمان. سلاح الإيمان له منبع ثرّ من داخل الضمير الذاكر لله، الموصول بحبّ الله، المستقي العزّة من عزّة الله (سبحانه وتعالى)”(35).

ختاما

يقول الشيخ القائد دام عزه: “أمّا المسلمون فيعلون بالإسلام ويمكن أن يكونوا أعلى وأعزّ الأمم، وإذا تخلّوا عنه أمكن أن يكونوا أسقط أمّة، وأذلّ أمّة، وأهون أمّة على الأمم. فليطلب المسلمون العزّة بالإسلام، وإلا أمكن أن يكونوا أذلّ من على وجه الأرض”(36)، ” لنرجع إلى الله، لنقول لا إله إلا الله، اعرفوا إسلامكم، فلنضع يدنا يد الذلّة والضراعة في يد الله (عزَّ وجلَّ) يد العزّة والجبروت”(37).

* الهوامش:

(1) المنافقون: 8.

(2) خطبة الجمعة (20) بتاريخ 27 جمادى الأولى 1422هـ الموافق 17-8-2001 م.

(3) خطبة الجمعة (56) بتاريخ 13صفر المظفر 1423هـ الموافق 26-4-2002م.

(4) أُلقيت هذه الخطبة قبل العدوان الأمريكي الاستكباري على العراق.

(5) خطبة الجمعة (56) بتاريخ 13صفر المظفر 1423هـ الموافق 26-4-2002م.

(6) نفس المصدر.

(7) خطبة الجمعة (323) بتاريخ 25ربيع الثاني 1429هـ الموافق 2 -5-2008م.

(8) هو يوم الانتصار في جنوب لبنان واندحار الكيان الصهيوني الغاصب.

(9) خطبة الجمعة (60) بتاريخ 12 ربيع الاول 1423هـ الموافق 25-5-2002م.

(10) خطبة الجمعة (18) بتاريخ 13 جمادى الأولى1422هـ الموافق 3-8-2001 م.

(11) خطبة الجمعة (383) بتاريخ  7 رمضان 1430هـ الموافق 28-8-2009م.

(12) خطبة الجمعة (277) بتاريخ  3 ربيع الأول 1428هـ الموافق 23-3-2007م.

(13) خطبة الجمعة(52) بتاريخ 15محرم 1423هـ 29-3-2002م.

(14) حديث عن الإمام علي (عليه السلام) ورد في بحار الأنوار للمجلسي ج75 ص79 الطبعة الثانية المصححة دار الوفاء – بيروت

(15) خطبة الجمعة (308) بتاريخ 9 محرم الحرام 1429هـ الموافق 18-1-2008م.

(16) خطبة الجمعة (371) بتاريخ  4 جمادي الآخر 1430هـ الموافق 29-5-2009م.

(17) انتصار حزب الله على الكيان الصهيوني الغاصب.

(18) خطبة الجمعة (297) بتاريخ 10 شعبان 1428هـ الموافق 24-8-2007م.

(19) قال (حفظه الله) في موضع سابق من الخطبة:” نحتاج إلى أساليب المسيرات والمظاهرات والبذل المالي والتبرع بالدم والمذكرات والمؤتمرات والاحتجاجات والخطب والقصائد “.

(20) خطبة الجمعة (18) بتاريخ 13 جمادى الأولى1422هـ الموافق 3-8-2001 م.

(21) خطبة الجمعة (226) 27 ذي القعدة 1426هـ 30 ديسمبر 2005م.

(22) أي العبودية لغير الله.

(23) يشرح سماحته بعض مقاطع من مناجاة التائبين والدعاء في الاعتراف وطلب التوبة من الصحيفة السجادية.

(24) خطبة الجمعة (339) بتاريخ 20 شعبان 1429هـ الموافق 22-8-2008م.

(25) خطبة الجمعة رقم (245) 5 جمادى الأول 1427هـ – 2 يونيو 2006م.

(26) خطبة الجمعة (203) 3 جمادى الأولى 1426هـ 10 يونيو 2005م.

(27) خطبة الجمعة (65) بتاريخ 17ربيع الثاني 1423هـ ـ الموافق 28 -6-2002م.

(28) نفس المصدر.

(29) خطبة الجمعة (31) بتاريخ 16 شعبان 1422هـ الموافق 2-11-2001 م.

(30) خطبة الجمعة (73)15 جمادى الثاني 1423هـ الموافق 23أغسطس2002م.

(31) خطبة الجمعة (126) 30 جمادى الآخر 1424هـ 29 أغسطس 2003م.

(32) الخطبة في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قدِّس سرُّه).

(33) خطبة الجمعة (372) 18جمادي الآخر 1430هـ 12يونيو 2009م.

(34) خطبة الجمعة رقم (252) 5 من شهر رمضان 1427هـ -29 سبتمبر 2006م.

(35) خطبة الجمعة (60)12 ربيع الاول 1423هـ الموافق 25-5-2002م.

(36) خطبة الجمعة (337) 6 شعبان 1429هـ – 8 اغسطس 2008م.

(37) خطبة الجمعة (343) 1 ذوالقعدة 1429هـ 31 أكتوبر 2008م.

زر الذهاب إلى الأعلى