خطبة الجمعة (525) 3 ذو الحجة 1433هـ ـ 19 أكتوبر 2012م

الخطبة الاولى : الحلقة الرابعة بالحديث في موضوع الأسرة في الإسلام

الخطبة الثانية : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ) ، ( اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلاَّ بِاللهِ )

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة (525) 3 ذو الحجة 1433هـ ـ 19 أكتوبر 2012م

الخطبة الاولى :

الحمد لله الذي انزل على نبيه الخاتم أكمل منهج وأتم شريعة وأنقذ بيه من الشرك وأنجى من الضلال ودل به على ما فيه حفظ مصالح العباد وما ينأى بهم عن المفاسد وتتم لهم به سعادة الدنيا والآخرة.

الحمد لله حمدا تستنزل به رحمته وتستدفع نقمته وينال رضاه أشهد أن إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيرا.

عباد الله ألا إن الحياة لا تصلح إلا بالتقوى وخير الآخرة لا ينال إلا بها الحياة في غياب التقوى إرهاق والآخرة بدونها شقاء ما أكثر وأشد ما تعانيه حياة الأفراد والمجمعات والأمم من متاعب وآلام وكوارث بسبب من غياب التقوى الذي يكون منشأ ومحضن لتفاقم روح الظلم والأثرة والسلب والاضطهاد والفساد والفحشاء والعدوان ولما ينتظر الناس من التخلي عن التقوى يوم الدين لأشد عذابا وشقاءا وألما من كل ما ينالهم من سوء في هذه الحياة فما رحم نفسه ولا رعى حقها وما قدرها قدرها من تجافت حياته عن التقوى وزهد فيها ألا فلنتقي الله أيها المؤمنون رحمة بأنفسنا وإشفاقا عليها.

اللهم صلي وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين وأغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.

اللهم أنا نسألك السلامة في الدين والعقل والقلب والبدن وأن ترزقنا تقواك وتكتب لنا خير الدنيا والآخرة وتكفينا شرهما فأنت المعطي لكل خير ومالك لكل نعمة والكافي من كل سوء والواقي من كل شر يا رحمن يا رحيم يا كريم.

أما بعد أيها الإخوة المؤمنين والمؤمنات فهذه هي الحلقة الرابعة بالحديث في موضوع الأسرة في الإسلام كان الحديث في هذا الموضوع قد انتهى بنا سابقاً إلى أن نجاح الأسرة قد خطط له الإسلام في كلاً من مرحلة الوقاية والعلاج وصار علينا حسب ما مضى من الحديث أن نتعرف على ما تقدم النصوص الإسلامية في هذا المجال، في مرحلة الوقاية، فتعتمد هذه المرحلة على توفير الأجواء التي تمنع من فتح الثغرات التي ينفذ منها الخلاف وتحصل التشققات في جدار العلاقة الزوجية التي لا يمكن أن تؤدي أهدافها النبيلة في جو من الخلاف والشقاق وتوفير الأجواء الواقية من أن يجد الخلاف مسربا إلى العلاقة بين الزوجين من مسؤوليتهما معه.

يقول الكتاب الكريم: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وعن رسول الله (ص) >جهاد المرأة حسن التبعل< والمعروف ما عليه العرف العقلائي مما لا مخالفة فيه لعقل ولا شرع ولا يخرج شيء من ذلك بعد التقيد بالعقل والشرع عن العدل ورعاية الحق والإحسان والبعل والتبعل حسن العشرة ولو أخذ الزوجان بهذا الأمر والتعليم لاستقاما أمر الأسرة وتحقق لها نجاحاتها المطلوبة.

وعن الرسول (ص) قول الرجل للمرأة >إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا< ثم حديث آخر عنه (ص) >إذا نظر العبد إلى وجه زوجه ونظرت إليه نظر الله إليهم نظرة رحمة وإذا أخذ بكفها وأخذت بكفه تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما<.

الحديثات الشريفات يدفعان بالأزواج والزوجات إلى تبادل المحبة والمودة علنا بينهما وإظهار ذلك قولاً وعملاً وفي هذا ما يشد القلبين بعضهما لبعض ويحمي من اهتزاز الثقة والسقوط في الشك الذي يؤدي إلى سوء العلاقة ويغنى الحديث الثاني بالدلالة الواضحة على عناية لله عز وجل ورعايته لهذه العلاقة التي تأسس بصلاحها وقوتها للمجتمع القوي الصالح وذلك من رأفته لعبادة ولطفه بيهم وتحننه عليهم.

ومن كرم لله عز وجل وعظيم منه على العباد أنه يثيبهم على ما يفعلونه من خير لأنفسهم وصلاح أمرهم وأحوالهم فنظر الزوج إلى وجه زوجه ونظرها إلى وجهه في محبة ومودة وبشاشة واحترام أنما هو لسرورهما وصلاح أمرهما وراحتهما وسلامة العلاقة بينهما لكن الله سبحانه يجزيهما على ذلك أكرم الجزاء بأن ينظر إليهما نظر رحمة وبأخذ كل منهما بكف الآخر في رسالة من المحبة لكل منهما للآخر يعفو عنهما ويساقط عنهما الذنوب التي منها الشقاء كل الشقاء وفي التخلص منها كل السعادة فالتصلح علاقتك بزوجته وزوجتك تصلح علاقتها بك لتكون الحياة بينكما مريحة ملدة والثواب على ذلك من الله سبحانه وتعالى فما أجود الله عز وجل وما أرفه بعباده.

جاء رجل إلى الرسول الله (ص)  فقال >إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموما قالت ما يهمك فان كنت تهتم برزقك فقد تكفل لك به غيرك وان كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هما<. ما أجمل هم الآخرة هم الآخرة يدفع إلى العمل الصالح ويدفع إلى الجد ويدفع الطهر ويدفع إلى الإخلاص يدفع إلى الوفاء وإلى خدمة العباد عباد الله عز وجل الاستقامة على الطريق إلى سمو النفس فهو هم بناءً هم يشيد الروح والعقل والإرادة الخيرة.

فقال رسول الله (ص) >إن لله عمالاً في هذه الأرض وهذه من عماله لها نصف أجر الشهيد<، هذه المعاملة الحسنة منها لزوجها يعطيها عند الله عز وجل  نصف أجر الشهيد وكم لشهيد من منزلة مواقف كلفة ثقيلة فيها وكلمات طيبة هادية مطمئنة كلها تشعر بالاهتمام والمشاركة الوجدانية الصادقة المخلصة هذه كلمات المرأة التي قيلت هي هكذا مواقف لا كلفة ثقيلة فيها وكلمات طيبة هادئة مطمئنة كلها تشعر بالاهتمام والمشاركة الوجدانية الصادقة المخلصة والحرص على شعور الزوج، مواقف وكلمات تتعامل بها الزوجة مع زوجها تجعله يزفها بشرى يزفها لرسول الله (ص) الذي يفرح لخير أمته وهو فخور بزوجه ويرتفع مقام الزوجة عند الله تبارك وتعالى ويعظم أجره من فضله عليها حتى ليكون لها نصف أجر الشهيد وما أعظم أجر الشهداء وما أرفع قدرهم عندما انتصروا عند عظمته كل عظمة ولا حد لعظمته.

وكفى بالحديث الآتي عنه (ص) دافعاً للرجل  لأداء حق زوجه والإحسان إليها والتعامل الطيب الكريم معها والعمل لإدخال السرور عليها .

وعنه (ص) >أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقا وخيركم لأهله< فهذا الميدان من ميادين السباق إلى رضوان الله عز وجل إذن تعامل الزوجة مع الزوج هو ميدان من ميادين المسابقة لله عز وجل لإحسان كل منهما للآخر .

فهذا الميدان  من ميادين السباق إلى رضوان الله عز وجل ومقامات الجنة العالية ومقياس من مقايس الاهتمام الدين والتخلق بأخلاقه الكريمة والسباق فيكم خيركم لأهله.

وحياة الزواجين حياة تعاون وتكامل ويدخل في ذلك الخدمة التي يتقوم بها شأن الأسرة وقد أنبنت حياة الإمام علي (ع) والصديقة فاطمة (عليها السلام) في علاقتهما الزوجية على الخدمة المتبادلة كما تنقله الروايات الخاصة بهذا الأمر عن الإمام الصادق (ع) >كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)  يحتطب ويستقي ويكنس وكانت فاطمة (سلام الله عليها) تطحن وتعجن وتخبز<.

وفي هذه الخدمة المتبادلة تفعيل لعلاقة الحب والود وحرص كل طرف على مصلحة الآخر وراحته.

عن الرسول (ص) >ما من امرأة تسقي زوجها شربة ماء إلا كان خير لها من سنة صيام نهارها وقيام ليلها وبنا الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة<.

ويقرأ الحديث >ما من امرأة تسقي زوجها بشربة ماء إلا كان خير لها من سنة صيام نهارها وقيام ليلها وبنا الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة<.

فالمحبة والمودة تحتاج إلى تعبير عنها والتعبير العملي يزيدها ترسخاً ومتانة وفي ما يقدمه أحد الزوجين للآخر من خدمة أو تكريم يعطي للعلاقة الزوجية هذا الأثر الطيب.

وقد يثير الحديث الأخير تسألاً  يتعلق بالحجم الهائل  من الثواب الذي أعد لشربة ماءٍ  تقدمها زوجة لزوجها وهنا تأتي عدة أمور منها أن الكرم الإلهي فوق ما نتصور وأن المقياس في الثوابت  هو مطابقة العمل للإرادة الإلهية والإخلاص لوجه الكريم والنظر إلى ذلك قبل النظر إلى كم العمل والتكليف فيه مراعاة  دائماً بسعة القدرة.

إن كثيراً من الأعمال الصالحة قد يحبطها صاحبها بألوان من السيئات هذا الكم كبير  ولكن يجب المحافظة عليه وإلا يذهب هباء إن كثيراً من الأعمال الصالحة قد يحبطها صاحبها بألوان من السيئات وقد نحرف كثيراً من مما نعمل من الصالح العمل لسيئاتنا إنما تقترفه أيدينا من معاصي ليست بالقليل ثم أنه لا يفوتنا أن المقارنة بين هذا النوع من العمل وأمثاله وترجيه على كثيراً من الصوم والصلاة ثم إن دائرة ما كان صلاة أو صوم مستحب ومغفرة الستين خطيئة التي يشير إليها الحديث بعد الثواب العظيم الذي وعد به ربما كانت من أثر تلك الستين أن تكون مانعاً من استحقاق الثواب فعلاً.

وفي الحديث اللهم إني عوذ بك من الدعاء اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا ترفع ومن دعاء لا يسمع ربما كان رد الصلاة والدعاء لنقص أو وجود مانعاً من جهة العبد يجعلهما غير متقبلين.

وعن الإمام علي (عليه السلام): >إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة فداريها على كل حال وأحسن الصحبة لها ليصفه عيشك< ومن معنى القهرمانة القائم بأعمال الرجل والمرأة ليست بقهرمانة ولا تعامل معاملة المستأجر للخدمة ولا تحمل ما يرهقها المرأة تتعاون مع الزوج وتعمل على راحته بما تقوم بيه من خدمات منزلية تعطيه التفرغ في لعمله في تحصيل الرزق للقيام بأعباء المعشية التي كلف بها أما من مطلق من روح التعاون والمودة والإحسان أو بناءً على شرط صريح أو ضني من غير أن يدخل ذلك في نطاق الاستقلال والإرهاق والاستفادة السيئة ومن غير أن يعطي ذلك الزوجة أي تعالى أو يستكبر أو يفرض كلما يريد.

المرأة في العلاقة الزوجية لترطيب حياة الزوج لأنسها بالحياة يتوقع منها أن تعطر أجواء هذه الحياة تأنس إليها نفس صاحبها يقبل عليها ويجد فيها ما يشده إليها فبما هي ريحانة فلا بد من الرفق بها ورعاية نعومتها وعدم التعامل معها بجفاء وغلظة وقسوة وأن تقدر فيها لطافتها ورقة ما هي عليه من مشاعر تحتاج إلى رعاية وانتباه.

اللهم صلي وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين وغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا أنك أنت التواب الرحيم.

اللهم أرزقنا طهر القلب وحُسن النية وعفة اللسان وصحة العمل ودماثة الخلق وسعي الخير ومجانبة الشر والتوفيق بما تحب وترضى.

بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إنَّ الْإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

الخطبة الثانية :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله خالق كل مخلوق ورازق كل مرزوق وواهب كل موهوب ولا يخرج من ملكه شيء ممن خلق وما خلق ومما وهب أو رزق فلا شيء يملك نفسه ولا يملكه غيره وكل الملكِ لله وحده وأمر كل شيء بيده لا مغلق لما فتح ولا فاتح لما أغلق ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا صارف لما وجه ولا موجه لما صرف.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيرا وزادهم الله قربا فوق قربهم من رحمته وفيضا فوق من ما منحهم من فيضه.

عباد الله إن الله عز وجل أوامر ونواهي لعباده وما تعلق الأمر الإلهي طريق سعادة وما تعلق بيه من نهي منه سبحانه طريق شقاء ولا يمكن لعلم لله عز وجل أن يخطأ تشخيص ما ينتهي بعباده إلى الغرق أو النجاة والشقاء أو السعادة وما أفلح الخطأ عندما يظل ضال عن طريق طاعة لله عز وجل ويختار طريق معصيته فأنه ما اختار إلا هلاك نفسه والشقاء الأبدي المقيم.

عباد الله ولا ينسينا منسن ولا يصرفنا صارف ولا يستغفلنا مستغفل عن ذكر لله وتقوى فلا نجاة ولا فوز إلا بالتقوى.

اللهم صلى وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد ابن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك وأنوارك في بلادك الحسن بن علي الزكي والحسين بن علي الشهيد وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري ومحمد بن الحسن المهدي القائم.

اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر وحفه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين عبدك وابن عبديك الموالي له والمنتظر لدولته والفقهاء العدول والعلماء الصلحاء والمجاهدين الغيارى والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقكم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تفرق بيننا وبين ذكرك وأدم لنا الخشية من غضبك وأجلنا من أصدق الشاكرين لنعمك وأرضى الراضين بقضائك وقدرك وأحظى من حظي برحمتك ورأفتك  وأهنئ من هنيء بالعافية الدائمة السابغة الشاملة من فيضك يا رحمن يا رحيم يا جواد يا كريم.

وأما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فقد قال سبحانه {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ} الناس بمختلف أقطارهم وشعوبهم وأممهم يشتركون في إنسانيتهم الواحدة والمحول الذي تصلح بيه حياة أمة منهم وتنحفظ إنسانيتها وتحقق هدف وجودها لو تمحولت حركتها حوله هو ذاته الذي تصلح بيه حياة الأمم كلها وتبلغ إنسانيتها درجة النضج وتصل إلى غاية وجودها إذا استقطبت حركتها لذلك المحول ولا يملك محول غير محول التوحيد أن يجمع الإنسانية ويوحد الناس ويحقق لهم الهدى ويقيم أمر دينهم ودنياهم ويبلغ بهم حد النضج ويدفع بكل أبعاد إنسانيتهم الكريمة إلى الكمال والعطاء حتى أقصى ما يمكن أن تنتهي إليه وقد {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } وهي رمز التوحيد الخالص {قِيَامًا لِّلنَّاسِ} كل الناس بها تقوم حياتهم وتنشط حركتها وتصحح أوضاعها وتتماسك علاقاتها يرتفع أفقها يسمو هدفها تبلغ غايتها، قصد الناس الكعبة وانشدادهم  إلى ما كانت من أجله من توحيد لله عز وجل وإخلاص العبادة إليه وتلقي منهج الحياة كلها من دينه فيه قيام إنسانية الإنسان وحيويتها وهداها ورشدها وأنشط حركة صالحة لها فيه تقدم واستقامة أوضاع الحياة وصحة علاقات الإنسان بأخيه الإنسان وعدلها ورقيها فيه أكبر إنتاجية خيرة يمكن أن تحدث على يد الإنسان فيه يشهد أعظم تبلور لإنسانيته وتحقق أعلى كمال يمكن له مما يحقق له سعادة أبدا.

اجتماع العدد الهائل من الناس  من كل الألوان ومن كل الأقطار ومن كل القوميات واللغات والمستويات العلمية والمعيشية والاجتماعية المختلفة ومن مختلف الثقافات ومن حاكم ومحكوم ورئيس ومرؤوس وفي وفد صادق إلى الله عز وجل متجه إليه خاضع لعظمته متعلق بهداه مستجداً من رحمته موحد له لا يشرك بيه شيئاً في ظل المنهج العبادي العام والخاص بالحج والمعد من العليم الخبير الحكيم الرءوف الرحيم لتربية عباده وهداهم وكمالهم، هذه الاجتماع يصنع وحدة الفكر وحدة الهدف ووحدة الشعور ووحدة منهج الحياة  ووحدة المصالح والحاضر والمصير بين طوائف الأمة الواسعة بل بين كل شعوب البشرية  اذا ما دخلت في دين لله واستجابة لعبادة ربها والمنهج السماوي القويم  وكان محور حركتها وتوجهها الكعبة بما تعني من التوجه الخالص النقي لله سبحانه البعيد كل البعد بأي لون من ألوان الشرك والتعلق بأي ربوبية زائفة من ربوبيات الحجر والخشب والبشر والشمس والقمر والجن والملك وأي ربوبية واهمة من دون الربوبية الحق لله وحده تبارك وتعالى وهنا تتفرق البشرية من كل صراعاتها المرة وتهتدي لبناء حياتها أحسن وأمتن بناء والاستعداد لآخرتها أحسن الاستعداد.

والكعبة أول بيت وضع لعبادة لله والعبادة حقه وحده  بيت لعبادة لله وضع للناس خير دنياهم وضع للناس وهو بيت الله لكنه موضوع للناس وضع للناس دنياهم وأخراهم لتوحدهم لهداهم على خط لله وموائد وحيه لتخلصهم من كل شرك لوحدتهم الكبرى ولإنهاء تناقضاتهم ألا يكون مستكبرا ومستكبرا عليه فيشقي ويفسد فكره الاثنين في نفسيتهما ويفقد هداهما وتضل الحياة والتردي.

بيت تزدحم عنده أفواج الناس من كل مكان  ويأتونه من كل فج عميق بقلوب متجهة إلى بارئها تستقي النور وتطلب الهدى وتتغذى على ذكره سبحانه ليصحح محتواها ويسمو وتتخلص من سموم الجاهلية التي تتسرب إليها من هنا ومن هناك وتعيق حركتها القاصدة إلى الله، بيت غني بالعطاء السني كثير البركات متدفق بالخير العظيم خير الدنيا والآخرة.

يبني من بنا الناس كلهم لو استجابوا أمة واحدة مهدية قوية متلاحمة تقيم الحق وتدفع الباطل وتهتدي للغاية ولا تضل الطريق.

بيت هدى للعالمين  وحتى مع المقاطعة والمحاربة لهذا البيت العظيم لو لا هدى من هداه يصل بقاع الأرض المختلفة اشتدت بأهل الأرض بلواهم بأكثر مما هم عليه وهم فيه غارقون.

بعد هذا العنوان يأتي كلام تحت عنوان آخر {اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلاَّ بِاللهِ} في هذا الوطن الذي نحبه ونعتز به ونتمنى له كل خير وأن يدفع الله عنه كل شر عليك أن تصبر وما صبرك إلا بالله في هذا الوطن وأنت مواطن أصيل ومن أوضح من تصدق عليه صفة المواطنة إنما أنته مجنس أن لم تكن قد سرقت الجنسية أو نهبتها بيدك وأنت تحمل دعوة الإصلاح إنما أنته تسعى لإفساد البلد وتدميره وأنته تدعو إلى (السلمية) وتحذر من العنف لا يصفونك إلا بالإرهابي وكلما كررت نداء (السلمية) تكرر القول بأنك لست إلا الإرهابي من الطراز الأول وأنته تنبذ الطائفية وتبغضها كل البغض وتحذر الشعب من الوقوع في فخها أو الاستجابة إلى من يحاول بث روحها يأتي في مقدمة ما تتهم به ظلما أنك من الدعاة المتصلبين للطائفية .

وفي الوقت الذي لو بذلت لك الدنيا من أجل خيانة هذا الوطن وإدخاله في عبودية بلد آخر ما كنت تفعل أبدا فأنت الخائن المتآمر على وطنه، وفي الوقت الذي تؤمن فيه بحل الإصلاح وتكثف الدعوة إليه  وكل سعيك من أجله يصفونك بأنك العقبة الأولى في وجه الإصلاح فأصبر وما صبرك إلا بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون لك ذنب واحد ذنبك ذنبك أنك تطالب في من يطالب بالإصلاح.

اللهم صلي وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين وأغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية عافية الدنيا والآخرة ونسألك الفرج للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في كل مكان ونصر دينك القويم يا رحمن يا رحيم يا كريم.

اللهم أرحم شهداءنا وموتانا وفك أسرانا وسجنائنا واشف جرحانا ومرضانا ورد غربائنا بخير وسلامة يا رءوف يا رحيم.

بسم الله الرحمن الرحيم {إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

زر الذهاب إلى الأعلى