خطبة الجمعة (509) 8 شعبان 1433هـ ـ 29 يونيو 2012م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: التكبر من وجهة نظر قرآنية

الخطبة الثانية: ماذا تركت السياسة العادلة في البحرين؟ – أمانة الأبناء والبنات 

الخطبة الأولى

الحمد لله العليم بذات الصدور، مدبّر الأمور، مقلّب القلوب، باعث من في القبور، خالق الخلق، باسط الرّزق، ربّ العالمين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسّوء بتقوى الله الذي لا تخفى عليه خافية، ولا مَهْرَب لأحد من عدله، ولا مفرَّ من أخذه.
والدّنيا لا تملك أن تصرف عاقلاً عن طاعة الله وعبادته؛ فأهلها المفتونون بها لا يبقون، وكلّ قاطنيها يموتون، ولا تُبقي لأحد من أبنائها مُلكاً، ولا لأحد من عبيدها عِزّاً، ولا تدوم فيها صِحّة، ولا تطول فيها سعادة.
مآل ما تبنيه من أجسام أنفاس خامدة، وجثث هامدة، وعظام بالية، وتراب ورميم. وماذا تفعل هذه الجثث والعظام والرميم بكلّ ما خلَّفته وراءها من ترف الحياة؟!.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أنقذنا من غرور الدّنيا، وسحر زُخرُفها، وارزقنا العقل والدين والحكمة والتقوى حتّى لا يعدل بنا شيء عن السير إليك، وإنفاق العمر في طاعتك وعبادتك وطلب مرضاتك يا كريم، يا رحيم.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات فهذا حديث تحت عنوان:

التكبر من وجهة نظر قرآنية:

إلى هاتين الآيتين الكريمتين نستضيء بهداهما، ونبني في ضوئهما معرفة جليلة من معارف الكتاب الكريم ما استطعنا، وليس فوق ما يُقدّمه كتاب الله من معرفة، ولا معرفة بحقٍّ فيما خالف الكتاب وجانَبَه.
يقول سبحانه في كتابه العزيز:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ، وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(1).
وهذه وقفة استرشاد بالآيتين الكريمتين:
1. يذُمُّ القرآن الكريم تكبُّر الإنسان وأيّ مخلوق آخر، بينما يقول عن الله العظيم المتعال {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(2). وذلك هو الحقّ فمن حقّ الكبير ذاتاً الذي لا كبير غيره، العظيم الذي لا عظيم بذاته سواه أن يتكبّر وهو الله وحده بلا شريك، ومن الظُّلْم أن يتعالى من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً، ولا حظَّ له بذاته من الوجود، وهذا شأن كلّ من عدا الله عزّ وجلّ ممن خلق وما خلق.
2. التكبّر في الأرض استعلاء ِممن بعض أهلها ممن يملك الله على عبيده وقهرهم، واستذلالهم، والتحكم بالهوى فيهم، والسيطرة الظالمة عليهم. وهذا لا يكون إلا بغير الحق(3)، وغيرُ قابل للانقسام إلى تكبّر بالحق، وتكبّر بغير الحق. فقوله سبحانه {يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} لا للتخصيص واستبعاد التكبر بالحق، وإنما هذا التوصيف لتعليل استحقاقهم الصرف عن الآيات لهذا التكبُّر.
3. هؤلاء المصروفون عن الآيات، المنفصلةُ قلوبهم عنها، المحجوبون عن هدايتها في حين أنها آيات بينات لا قصور في هدايتها، ولا نقص في حجيتها، ولا غموض في دلالتها( ) لهم ثلاثة أوصاف من كسبهم واختيارهم: يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ، يستعلون، ويفرضون إرادتهم المنطلقة من الهوى على النّاس، ويعملون على إذلالهم. ولا تستجيب قلوبهم بالإيمان لأيّ آية مهما كان لها من نورانية وسطوع ونفوذ.
يرون سبيل الرشد على ما هو عليه من الرشد وتأبى نفوسهم الخبيثة أن يتخذوه سبيلاً، ويرون سبيل الغيّ على ما هو عليه من رداءة وانحراف وضلال ويتخذونه سبيلاً فهم على مضادة دائمة، ونفور مستمر، عناد ثابت، مكابرة شديدة، وتصلُّب لا لين فيه مع الحق والهدى والرشاد.
4. منشأ كل هذا، أو ما كان سبباً لصرفهم عن الآيات أنهم كذبوا بآيات الله، وتعاملوا معها تعامل الغافل الذي من شأنه ألا يُعير فيما كان هو في غفلة عنه أيَّ درجة من الاهتمام، وإن كان ما كان عليه من وضوح وقيمة وشأن.
5. وكيف يصرف الله عز وجل بعض عبيده وإمائه عن آياته التي ما كانت إلا لهدايتهم، والأخذ بهم إلى الطريق القويم؟!
تكبّروا في الأرض بغير الحق، وأغلقوا قلوبهم بسيئاتهم وأفقدوها قابلية الإيمان بالآيات على كمالها ونورانيتها ودلالتها التامّة، واستكبروا على الحقّ عمليّاً فلم يتخذوا سبيل الرشد سبيلا، واتخذوا سبيل الغي سبيلاً في عنادٍ وإصرار. وكلُّ ما ارتكبوه من ذلك كان صارفاً لهم عن الآيات بحسب التجانس بين طبيعة ما أقدموا عليه باختيارهم، وبين النتيجة المستتبَعة لما أقدموا عليه.
ولأن نظام السببية من خلق الله الذي جعل لكل شيء سبباً، ولكل سبب مسبَّباً من جنسه صحّ أن يسند صرفهم عن الآيات له سبحانه.
ولا يصرف الله سبحانه أحداً عن آياته رغم إرادته، وخارج اختياره.
وبِمَ يخرج المكذّبون بالآيات ولقاء الآخرة؟ يخرجون بسيئاتهم ولا يُجزون إلا ما كسبت أيديهم على أنفسهم. أمَّا ما عملوا من حسنات فقد أحبطوها وأفسدوها وسقطت قيمتها الأخروية العالية بما كذّبوا بالآيات ولقاء يوم الجزاء.
ولأنَّ الجزاء الحسن أن يلقى الإنسان ما عمل من حسنات ألواناً من الخير والسعادة، فلا جزاء حسناً لهؤلاء يوم القيامة وقد أحبطوا كل ما لهم من حسنات. تقول الآية الكريمة:{هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(5) وقد أحبطوا ما كان منهم من عمل فيه صلاح.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا عارفين ذاكرين عبوديتنا لك، وذلَّنا بين يديك، وَبرِّئْنا من الكِبْر، وزيّنا بالتواضع والتقوى، والطف بنا في أمر الدّين والدُّنيا برحمتك ومنك يا رحمان، يا رحيم، يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(6).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خشع له كلّ شيء، وذلّ كلُّ شيء، لا يخرج شيء من قهره، ولا يقوم شيء لجبروته، ولا امتناع لشيء من قدرته، ولا رادّ لقضائه، ولا استعصاء على حكمه، ولا قَدَرَ مع قدره، ولا مشيئة إلا من مشيئته. واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوّاً أحد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا إنّ من مواضع امتحان الإيمان عند العبد مواقع الفرح والترح؛ وما أكثر ما يُخرِج الفرحُ والترحُ الناسَ عن مقتضى الإيمان، وينسيهما واجب الطاعة لله سبحانه؛ فلا يُفرّقون بين حلال وحرام، ولا يقفون عند شبهة، ولا يذكرون الآخرة، ويستسلمون لهوى النفس، وإملاءات الشيطان الرّجيم.
المؤمن والمؤمنة من لم يَخْرُج بهما فرح ولا ترح، ولا أمن ولا خوف من طاعة الله، ولم يأخذ بهما إلى تعدِّي حدٍّ من حدوده، والوقوع في شيء مما حرّم.
فلنتق الله في كل الأحوال والمواقع ومختلف التقلُّبات، ولا يلهِنا عن رقابته أمن أو خوف، ولا فرح أو ترح، ولا أيُّ ظرف من الظروف.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أعذنا من أن نلهو عن ذكرك، ونعمى عن النظر إلى عظمتك، وننسى حقّك، وقدرتك، وتغيب عنّا خشيتك، ويصرفنا صارف عن طاعتك. اللهم إنه لا حول ولا قوّة إلا بك، ولا عاصم إلا من عندك فاعصمنا بعصمتك من كلّ معاصيك يا رحمان، يا رحيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً قائماً دائماً.
أما بعد أيّها الأحبّة في الله فهذا عنوان:

ماذا تركت السياسة العادلة في البحرين؟:

أيَّ حرمة لم تُنتهك؟! أيَّ مقدَّس لم يصله الاستخفاف؟!
أيَّ حقٍّ لم يُعتدَ عليه؟! أيَّ عرف كريم لم يوطأ بالقدم؟!
القرآن مُزِّق وبُعثر، المسجد هُدِّم وحُطّم، الحسينية والحوزة أُحرقتا، القبور طالها العدوان، الأجسام والنفوس أُذيقت ألوانَ العذاب، الأرواح البريئة أُزهقت، الأعراض نالها الضيم، حياة المسالِمين مهدّدة، السجون مملوءة، النيل من كرامة أيّ شخصية تنطق بكلمة حقٍّ في الأحداث بلا حدود، التخوين يطال مئات الألوف.
وهذا المسلسل مستمر، لا ينقطع، ولا يتوقّف.
وكلّ ذلك لماذا؟ كل ذلك ليس إلاّ لأنَّ الشعب يطالب بالحقوق والإصلاح.
وكلُّ ذلك يجعل المطالبة بالحقوق والإصلاح واجباً شرعيّاً، وضرورةً ملحّة من ضرورات الواقع، ويزيد في تأكُّدها.
فكلما ازدادت القسوة، وازداد الظلم، وانتهاك الحقوق كلّما لزمت المطالبة بالإصلاح وتصحيح الوضع، وهان الثمن على هذا الطريق وإن كان غالياً.
وكلُّ ذلك وهذا الشعب يزداد إيماناً وإصراراً على مواصلة حراكه السياسي السّلمي وإن طال المدى، وتضاعفت التضحيات.
وكلُّ ذلك والجامعة العربية تبارك لهذه السياسة فظائعها البشعة، وانتهاكاتها الأثيمة.
كلُّ ذلك ودعاة الديموقراطية في العالم والذين يشنّون حروباً عدوانية تحت شعار المطالبة بها إنقاذاً للشعوب فيما يدّعون وهم يستهدفون أنظمة يعادونها يصمتون على أقلّ تقدير على هذه الجرائم والانتهاكات المتدفِّقة، وعلى العبث الرخيص بقيمة هذا الشعب وكرامته.
كل ذلك والشعب مُطالَب في إعلام السلطة أن يسكت على جراحاته(7)، ألاّ يُدين أحدٌ منه قتلَ أبنائه وعذاباته والجرائم التي تنفذها السلطة في حقّه، وأن يبارك للسلطة جرائمها، ويُسبِّح بحمدها كُلّما أمعنت في قهر الشعب وإذلاله، والبطش بأبنائه(8)، وانتهاك مقدّساته، وكلّما شتمت علماءه ورجالاته ورموزه وحتّى القِمم من أئمة دينه.
على الشعب في إعلام السلطة إذا استُهدِف سماحة الشيخ علي سلمان أن يهتف تعيش الحكومة…. وإذا أُحرِقت حوزة النور لسماحة آية الله الشيخ النجاتي وإذا أُحرق مسجد أو حسينية أن يهتف تعيش الحكومة(9)… على الشعب عند كل جريمة تُرتكب في حق أعراضه، وأرواح أبنائه، ومقدّساته أن يهتف تعيش الحكومة.
على الشعب في إعلام السلطة أن يُمرِّر كل الجرائم التي تمارس في حقِّه بهدوء وفي جوٍّ عادي بل مرح على الأقل، وأن يتفرج أو يضحك لكل آلامه لأنها من جهة السلطة المقدّسة التي تحكمه.
ما قَتْل فلان أو فلان الآخر من أبناء الشعب إلا شيء عابر، وما دمه إلا أقل من دم بعوضة.
ولقد قال الشعب كلمته الصريحة الصارخة الثابتة من أول يوم في حراكه، بل منذ أن اعتنق الإسلام، ومعرفة هذا الشعب بالإسلام، واعتناقه له سبّاقة وعريقة… قالها (هيهات منا الذّلة) (10)، (لن نركع إلا لله)(11). نعم، قالها بصدق وإيمان كامل، وإصرار ثابت، وسيبقى يقولها ما عاش، وما سرى دم في عرق من عروق شيوخه، وشبابه وأطفاله(12).
تحرّك الشعب في اتجاه الإصلاح، ولتصحيح الوضع ولا تراجع له قبل تصحيحه.
لا عدوانية ولا ركوع لغير الله.
لا عدوانية ولا قبول بغير الحق.
لا عدوانية ولا رضا بغير العزّ والعدل والمساواة والكرامة.
لا عدوانية ولا بديل عن الإصلاح الصادق الجدّي الشامل.
سلميّة سلميّة سلميّة بلا تراجع، ولا انهزام، ولا ارتعاد.
وغريب ما تتمناه صحافة السلطة على سماحة العلاّمة الغريفي… على إيمانه، تقواه، ورعه، إبائه، غَيْرَته الإسلامية، حسّه الإنساني الغزير، أخلاقيّته الرفيعة، وطنيّته القويَّة، تمسّكه الشديد بأحكام دينه القويم أن يمالئ الباطل… أن يسكت على الظلم… أن يبارك النيل من الحرمات، أن يسترخص دماء المسلمين، أن يستهين بكرامة الإنسان… أن يشارك ولو بالصمت في جريمة الاستهداف لحياة مؤمن وعالم ومجاهد، لا لذنب إلاّ لأنه يقول كلمة حقّ، ويُطالب بحقوق شعبه.
المؤمن الحقّ من مثل سماحة العلامة الغريفي لا يعرف إلا سيّداً واحداً، إلا آمراً واحداً، إلا ناهياً واحداً لا يردّ له أمر ولا نهي، ولا يُخالَف. ذلك هو الله وحده(13). ولا قيمة في نفس المؤمن الحق لأمر أي آمر، ونهي أي ناه يأتي عل خلاف أمر ربّه ونهيه.
لئن خاف المؤمن أحداً فإنه لا يخافه كما يخاف الله، ولئن أمّل أحداً فإنّه لا يؤمّله تأميله في الله… بل خوف المؤمن الحقِ كلُّه راجع لخوفه من الله، وكل أمله عائد إلى أمله فيه لأنه لا يجد مالكاً ولا فاعلاً مستقِلاً من دون الله سبحانه.
وكيف يسكت الشعب على استهداف حياة واحد من أبنائه وهو يشعر بأنه كلّه مستهدف باستهدافه فما رخص دم واحد إلا ورخص دم الجميع، وعلى هدم مسجد من مساجده وحرمة المساجد واحدة، وعلى حرق حسينية أو حوزة وحكم الحسينينات والحوزات واحد في الاستهداف، وعلى التحرّش بجمعية سياسية وجريمة كل المؤسسات السياسية المعارضة مشتركة؛ كونها تطالب بحقوق الشعب، وعلى انتهاك عرض من الأعراض وهو انتهاك لها جميعا؟!!
هدم مسجد واحد هدم للمساجد كلها، حرق لحسينية واحدة، لحوزة واحدة حرق للحسينيات والحوزات كلِّها، هتك لعرض واحد هتك للأعراض كلّها، هدر دم واحد من أبناء الشعب هدر لدم كل أبنائه، تعدّ على رمز سياسي من أي اتجاه، من أي جمعية سياسية(14) تعدٍّ على الرموز كلِّها.
حاضر واحد، ومصير واحد لا تفريط فيه من كل الأطياف والتوجهات والجمعيات السياسية المعارضة(15).
الشعب يحرّم على نفسه العدوانية وأن يُطِل دماً حراماً من أحد من الجانب الرسمي فكيف يرضى بأن يعتدى عليه ويُطلّ دم أبنائه رخيصاً(16).
حرمة واحدة يجب أن تُرعى لكل دم صانته شريعة الله العادلة.
وعن الصفة الطائفية للتعدي على الحرمات والمقدّسات فإن القضية مكشوفة لا ستار عليها ولا غبار. والجانب المستهدَف لا يحتاج تعيينه إلى تدقيق ولا أدنى بحث(17)، وإنما السؤال عمن يتحمّل مسؤولية كل هذه التعديات والانتهاكات والاستفزازات، وما هدفها؟
نحن نُبرِئ الإخوة السّنة من ذلك، وهذه الجرائم لم تكن من فعل الجن ولا الملائكة، ولم تحدث صدفة ولا بفعل الطبيعة الميّتة.
من بقي؟ ليس إلاّ جانب السلطة… كلّه أو بعضه، أو مؤتمِر بأمره، مدفوع برأيه.
أما المسؤول فهي السلطة على كل التقادير.
ما الهدف: الهدف ليس إحداث خسارة مادية لمسجد أو حسينية أو حوزة مثلاً…
الهدف أن يتهم الشيعة إخوتهم السنّة فتنشب الحرب، ويقوم الاقتتال(18).
وهذا الاتهام لا نسمح به أبداً، ولن نسمح بفتح الطريق لهذا الهدف الإجرامي الخبيث(19) الذي يُحرّمه الله ورسوله، ويبرأ منه المؤمنون، وإننا لحريصون إلى أقصى حدّ على بقاء الأُخوّة الإسلامية لأبناء هذا الشعب قويّة متينة راسخة محترَمة مقدّرة لا يصيبها تصدّع ولا يمسُّها سوء.
وكلمة أخيرة عن ديمقراطيتنا العريقة في آخر ما وصلت إليه من عدم إعطاء ترخيص لاعتصام ولا مسيرة، فإنها بذلك تفرض حصاراً تامّاً على الكلمة الناقدة، ومصادرة كاملة لحريّة الرأي، وإلغاء نهائياً لأي وجهة نظر معارضة لتبرهن على عراقتها وأصالتها بكل صدق وقوّة، بل لتكون بلادنا أسوار قانون، وأسوار سجون لمنع نسيم الحرية، لكنَّ هنا شعباً يصر على نيل حريته، واسترداد حقوقه.

أمانة الأبناء والبنات:

لا سعة في وقت الحديث لإعطاء الموضوع حقّه ولكنّ الكلمة التي لابد منها في هذا الموضوع أنه يتحتم على الإخوة الآباء والأمهات أداء للأمانة التي سيسألون عنها بين يدي الله عز وجل فيما يتعلّق بتربية الأبناء والبنات وحفظ دينهم، وإنقاذهم من الانحراف، والتسيب، والضلال، والضياع، والسقوط أن يلحقوهم بالمشاريع التعليمية والتربوية الدينية المأمونة القائمة التي تُسهِم في توعيتهم وتقويمهم وهدايتهم إلى طريق الله القويم.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، وادرأ عنّا كل سوء يا قوي يا عزيز يا رحمان يا رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك قيد أسرانا وسجنائنا، ورد غرباءنا سالمين في عز وعافية وكرامة إنك أنت أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (20).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 -146، 147/ الأعراف.
2 – 23/ الحشر.
3 – فليس منه ما هو بحقّ وما هو بغير حق، إنما كل هذا التكبر بغير الحق.
4 – انظر إلى أنهم يكفرون، ينصرفون عن الآيات. عنوان الآيات يحمل إضاءة، يحمل دلالة كافية، إضاءة ونورانية، وبرهنة تامّة. فهم ينصرفون عما هو ظاهر وساطع في دلالته.
5 – وهل بقي من العمل الحسن شيء؟! لم يبق شيء حتى يُجزوا به.
6 – سورة التوحيد.
7 – أنت ممنوع أن تشكو، أنت ممنوع أن تقول كلمة تُدين الجرائم.
8 – هتاف جموع المصلين (لن نركع إلا لله).
9 – هتاف جموع المصلين (فلتسقط الحكومة).
10 – هتاف جموع المصلين (هيهات منا الذلة).
11 – هتاف جموع المصلين (لن نركع إلا لله).
12 – هتاف جموع المصلين (لن نركع إلا لله).
13 – هتاف جموع المصلين (الله أكبر، النصر للإسلام).
14 – أقول من أي جمعية سياسية، بغض النظر عن الأطياف والألوان والتوجهات.
15 – صف معارض واحد حتى تحقيق المطالب.
16 – نحن نحرّم الدم كل الدم، الدم الذي حرّمه الله نحرّمه بغض النظر عن كونه دم إنسان رسمي أو واحد من أبناء الشعب، وإذا كنّا حريصين على دم الآخر فحن حريصون على دمنا.
17 – الجانب المستهدَف معروف مكشوف تماما، تكشف عنه كل الأحداث التي مرت.
18 – هتاف سماحة الشيخ وجموع المصلين (أخوان سنّة وشيعة، هذا الوطن ما نبيعه).
19 – هدف الاقتتال بين السنة والشيعة يجب أن لا نسمح به على الإطلاق، وأن نقف سدّا في وجهه ما استطعنا.
10 – 90/ النحل. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى