خطبة الجمعة (450) 2 جمادى الثاني 1432هـ – 6 مايو 2011م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: …يتبع موضوع العصمة

الخطبة الثانية: قدر الله جار – صلح الفلسطينيين – كلمة في الحل الأمني.

الخطبة الأولى

الحمد لله أسمع السّامعين، وأبصر النّاظرين، وأسرع الحاسبين، ذي القوّة المتين، منزل الدِّين القويم، غالب الغالبين، قاهر القاهرين، مظهر الحقّ، ناصر المستضعفين. يفعل ما يشاء، ولا يفعل ما يشاء غيره، وهو على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله وإماءه المملوكين إليه، المحكومين لِقَدَرِه أوصيكم ونفسي الأسيرةَ لِقُدْرَتِه، المقصِّرة في حقّه بتقواه؛ فهي الطّريق السّالك لرحمته، وللمزيد من لُطفه ورأفته. ومن أعرض عن التّقوى، واستكبر على الله سبحانه، وهو المولى الحقُّ فليستغنِ بما يجِدُ من نفسه، أو من غيره من دون الله إن كان لغير الله شيءٌ كَبُرَ أو صَغُرَ في الكون كلّه، وإن كان يجد سبباً للنّجاة والخير من غير صُنع الله الذي كلّ شيء من خلقه(1).
ألا إنّ الحبَّ والشّكر والخوف والرّجاء كلَّها تستوجب التقوى لله لعظمته وجلاله وجماله، وعطائه، وإكرامه، وإنعامه، وقدرته، وغِناه، وسَعة رحمته، وتفضّله. ومن تعلَّق بغير الله عزَّ وجلّ لم يتعلّق بشيء، ولا كافيَ له من دونه.
يالله يا حنّان، يا منّان يا بديعَ السّماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اغفر لوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وأزواجنا وجيراننا وكل من تعلّق بنا إنك أرحم الرّاحمين. اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً، وارزقنا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، وادرأ عنّا، وعافنا، واعفُ عنّا في الدنيا والآخرة، إنّك على كل شيء قدير.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فالحديث حول بعض التساؤلات المتعلّقة بتحلّي الأنبياء بالعصمة العلمية والعملية المطلقة، إذ توجد شبهات في هذا المجال قد تثيرها بعض نصوص الكتاب العزيز، وبما قد يُحمل على أنَّ للأنبياء مواقفَ لا تنسجم مع هذه العصمة كما يثيرها بعض كلماتهم عليهم السلام في الدُّعاء والمناجاة.
وقبل الخوض في تفاصيل هذه الشُّبُهات يحسن ذكر عدد من القضايا التي لها دخل في دفعها:
1.إنَّ كمال الإنسان بما يُحقِّقه لنفسه في حياته من القُرب الإلهي، وهذا القرب يتحدّد مداه بدرجة معرفة العبد بربّه، وتمخُُّضِه لعبادته، ومستوى هذه العبادة ودوامها وثباتها وشمولها(2).
2.إن الأنبياء كلَّهم معصومون، ولا متخلّفَ منهم عن العصمة.
3.إنهم يتفاوتون فضلاً وكمالاً {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ…}(3). والمعروف أنَّ لِأُولي العزم تميّزاً على غيرهم من الأنبياء والمرسلين في السَّبْق والكمال.
وهذه القضايا الثلاث مجتمعةً تفرض علينا أن نُسلِّم بأنَّ العصمة الثابتة للأنبياء لا تعني في كلِّ مصاديقها وانطباقاتها قمّة الكمال الذي يمكن أن يتحقّق للإنسان، أو لا يمكن أن يتحقق(4). نعم العصمة في حدِّها الأدنى مانعةٌ من مخالفة أيِّ تكليف من التكاليف الإلهية المتوجِّهة إلى الشَّخص.
والنفس الفقيرة المتوجّهة إلى الكمال لا يمكن أن تشعر في أيِّ درجة من درجاتها بأنها قد استوفته، ووصل بها سيرها إلى حدّ الإشباع، والاستغناء، والاكتفاء، ولذلك تظلّ تُطالب نفسها بالمزيد، وتشعر بالتأنيب للتقصير والفتور، وإنْ سرَّها وآنسها ما صارت إليه من نصيب كبير من الكمال.
4. يُفرِّق العلماء بين ما يسمُّونه بالأمر المولوي، وما يسمّونه بالأمر الإرشادي. والأول هو الصّادر من الآمر بما هو مولىً وسيّد للمأمور، وأنّ له عليه طاعتَه في هذا الأمر، وعقوبتَه على مخالفته. أمّا الثاني فهو الصّادر لا من موقع المولوية والسّيادة، وإنما لمجرّد التوجيه، والإرشاد، والإشارة إلى ما يحمله الفعلُ أو عدمُه من نتيجة مريحة أو متعبة ليكون المأمور على بصيرة.
ويُمثّل للأمر الإرشادي بوصْفَةِ الطبيب للمريض التي تعني إرشاداً له لما ينفعه من غير أن يمارس عليه حقّاً سياديّاً في امتثال الأمر(5)، أو تكون له مثوبة على امتثاله، أو عقوبة على مخالفته.
5. تختلف النفوس في درجة الإحساس بالذنب، والمعاناة من لوم الدّاخل، فالنفوس الميّتة لا تكاد تشعر بذنب وإن كَبُر، والنفوس الراقية والشفَّافة، والتي تغنى بالحياة الطَّاهرة يُؤذيها أيُّ تخلّف عن الكمال وإن رضي عنها كلُّ النّاس وأُعجبوا بصاحبها، ويؤلمها أن يحدث منها ما تراه تقصيراً في الخير، أو تجاوزاً لا ينبغي، وإنْ لم يوافقها الآخرون على أنَّ عندها تقصيراً، أو أنَّ ما حدث منها فيه تجاوز.
شخص يديم شتم الناس من غير أن يشعر بذنب، وشخص يُلقي التحية على النّاس باحترام وهو يشعر بأنّه ما وفّى، وشخص دأبه الغيبة من غير أن يشعر بوخزة ضمير، وآخر لا ينام له جفن لكلمة شذّت على لسانه يحتمل فيها شيئاً من أذى مؤمن.
6. قد يطلق على مخالفة الأمر الإرشادي كأمر الطبيب عنوان المعصية من باب التوسّع والمجاز في اللغة.
(6) هذه قضايا إذا أخذنا بها صار من السهل علينا أن نفهم أن المواقف التي قد ينسب للأنبياء فيها ما يثير شبهة المخالفة للعصمة ليست مخالفة لها.
ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك:
1) أدعية المعصومين ومناجاتهم مليئة بالاعتراف بالذّنب(7)، وبالتوبة والاستغفار. ولكن بعد أن ثبت عقلاً وجوب العصمة للأنبياء والأئمة عليهم السلام لابد من حمل هذا الاعتراف والذنب والاستغفار والتوبة على غير ما هو المتعارف من غيرهم عليهم السلام، ولو كان الإمام زين العابدين عليه السلام مثلاً في واقعه السّلوكي على ظاهر ما في قوله عليه السلام “وَأَماتَ قَلْبِي عَظِيمُ جِنايَتِي”(8)، “أَسْأَلُكَ يا غافِرَ الذَّنْبِ الْكَبِيرِ، وَيا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ، أَنْ تَهَبَ لِي مُوبِقاتِ(9) الْجَرآئِرِ(10)، وَتَسْتُرَ عَلَيَّ فاضِحاتِ السَّرآئِرِ”(11) والذي يُعطي أنه منغمس في الموبقات والفضائح، لو كان عليه السلام كذلك لما اتخذه أصلحُ الصالحين في وقته إماماً(12).
هذا الاستغفار محمول على أنه استغفارٌ عن لحظة من لحظات اللذة الدنيوية الحلال قضاها عليه السلام مثلاً في غير توجّه كامل لذكر الله سبحانه(13)، ومحمول على عبادة مستحبّة أكثر منها، وصار يلوم نفسه على عدم الزيادة، ومحمول كذلك على حلال طيّب تناوله ثم عاتب نفسه على عدم الكفِّ عنه ترويضاً لها، وعلى عطاءٍ كثير أعطاه، ووجد نفسه أنه يستطيع أن يُعطي أكثر منه فاستغفر من ذلك(14).
2) قوله سبحانه {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ…}(15).
ويلاحظ أن عالم الجنة الذي كان يسكنه آدم وحواء لم يكن عالم تكليف(16)، ووسوسة الشيطان لم تتعلق بأمر تكليفي، إنما كان هناك إرشاد لآدم بأن الأكل من الشجرة سيفقده البقاء حيث هو، وسيؤول به إلى الحياة في الأرض حيث المشقّة والبلاء والاختبار الكبير، وإن كانت حياته عليه السلام ستنتهي بالكرامة بعد المعاناة المرَّة.
والمخالفة إنما كانت لهذا الأمر الإرشادي والتي لا تعني التمرّد على الله، والخروج على حقّ طاعته، والتنكُّر لوظيفة العبودية الثابتة له على خلقه.
3) {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ…}(17).
فقد يقال إنّ لأماني الشيطان مكاناً في قلوب الأنبياء بدلالة الآية. والأمر ليس كذلك، وإنما تفسير العلماء للآية الكريمة بأن للشيطان دوراً تخريبيّاً لجهود الأنبياء الإرشادية والتربوية للناس، ومحاولات مضادّة لهذه الجهود تتركز على من يخاطبهم الأنبياء، ويسعون لهدايتهم.
فالشيطان يقف دائماً في وجه أمنية الأنبياء بهداية الناس بالوسوسة للناس المخاطبين وليس بحرف قلب الأنبياء عن الله سبحانه، وعن وظيفة تبليغهم. اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم ارزقنا العقل والحكمة، والفهم والفطنة، ونور الإيمان، وصِدق الدين والتقوى، ولا توقعنا في الشبهة، ولا تُركِسنا في الظلمة، ولا تبتلنا بمضلات الفتن، وأخرجنا من كل سوء، وهنِّئنا بالخيرات يا كريم، يا رحيم .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}(18). 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي ذلَّت لقدرته الصعاب، وتسبّبت بلطفه الأسباب، وجرى بقدرته القضاء، ومضت على إرادته الأشياء، فلا ممتنع من قدرته، ولا مناهض لإرادته، ولا خارج عن مشيئته، ولا متخلِّف عن تقديره، ولا هارب من أخذه، ولا فاعل إلا بإذنه، وكل شيء مقهور له، مجبور لقضائه وقدره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة عن ذكر ربّها وحقّه بتقوى الله وتذكُّر قدرته، ورحمته، ومنِّه وكرمه، وعقابه وأخذه، وأن نخرج من السبات الذي يوقعنا فيه الاشتغال بالنظر للأسباب، ويحجبنا عن النظر إلى مُنشئ كلّ سبب، ومدبِّره، ومالكه، والمتصرف في كلّ قوّة، ونافذ الإرادة في كل شيء، ومن بيده مصير كلّ نفْس، وجريان كلّ نَفَس، فإن من خرج من أسر النظرة الحبيسة للأسباب، وكان نظره إلى مدبِّرها الحقّ، ومالكها الذي لا يُشاركه في ملكه شيء وجدَ الله، وقوي به، واطمأنَّ إليه، ولم يجد حاجة منه إلى غيره، ولا وحشةً لفقده من سواه، ولا ضَعفاً أمام كلّ مَنْ اجتمع عليه، ولا فَقراً لمخلوق مثله، ولم يهِنْ، ولم ينكُلْ عما كلّفه الله به.
اللهم ارزقنا معرفتَك، واصرف بقلوبنا إليك حتى نخشاك ولا نخشى سواك، ونشتغل بذكرك عن ذكر من عداك، ونستغني بك، ونقوى على طاعتك، ونُخلص لك في عبادتك، ولا يصرفنا شيءٌ عن الهمّ في طلب رضاك يا أكرم من سُئِل ويا أجود من أعطى.
اللهم افعل بنا ذلك كلّه وبإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واغفر لنا جميعاً وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصِّديقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهداة المعصومين الميامين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ظاهرا ثابتا قائما.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فمع كلمات قصار:br> قَدَرُ الله جار:
قدر الله جار، وكلٌّ موافٍ يومه، ومودّعٌ لهذه الحياة، وراحلٌ إلى الله، والسعيد من تُوفّي على الإيمان، وقضى العمر في مرضاة الله عزَّ وجلّ.
عاش الرّجل آلام المؤمنين وآمالهم، ونطق بكلمة الحقِّ، وطالب بالعدل، وسعى للإصلاح، وشارك في بثّ الوعي، ونَشِط في سبيل الله، فجزاه الله خير الجزاء، والله خير المحسنين.
صلح الفلسطينيين:
اختار الفلسطينيون (حماسُ وفتح) أن يضعوا نهايةً لحالة العِداء الشرس السّافر بينهما، وأن يصيروا إلى الصّلح، فآلم ذلك إسرائيل، واعترضت عليه جهراً، وهدّدت عليه، وتوعّدت بالعقوبات بعد إتمامه، وستبقى تبذل كلَّ جهد لإفساده، لأنَّ ضعف الصّف الفلسطيني بتمزّقِه، ومواجهاته الداخلية، واستنزاف هذه المواجهات لقوّته هو المطلوب إسرائيلياً، وهو سرٌّ من أسرار قوة إسرائيل، واستمرار هيمنتها، وتركيعها للإرادة الفلسطينية، ووأدها لطموح الفلسطينيين وإذلالهم.
وبقدر ما يؤلم قرار الصّلح الفلسطيني إسرائيل يفرح له كلُّ مسلم غيور حريص على وحدة المسلمين ومصلحتهم وعزّتهم وكرامتهم وانتصارهم. فبارك الله في هذا الصلح، وجعله من اجتماع الكلمة على التقوى، وما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني المظلوم، ومصلحة الأمتين العربية والإسلامية، وتعجيلُ النصر، واستردادُ الحقّ، وإقامة العدل، وخدمة الدّين وإظهارُه. اللهم اجعله كذلك وأنت أرحم الراحمين.
كلمة في الحلّ الأمني:
يصلح أن يكون الحلّ الأمنيّ للمشكلات السياسية تعبيراً عن العجز عن الحل، ولا يمكن أن يكون هو الحلّ، وكيف يكون حلاً وهو يُعقّد الوضع، ويوقف حالة التفاهم، ويُبعِّد بين وجهات النظر، ويزيد في الفواصل، ويُثير النفوس، ويلهب المشاعر، ويغيّب العقل، وينشِّط حالة الانفعال، ويلهب العواطف المتواجهة. وكما هو ليس بحلٍّ، فهو ليس من مقدّمات الحلّ، لأنه مقدّمة غير متجانسة مع ما هو الحلّ الحقيقي، وهو الإصلاح. الحل الأمني مشكلة في حدّ ذاته من المشاكل الحادّة التي تتطلب الإصلاح، وتفرض ضرورته، وتدعو إلى تعجيله.
لئن مثَّل ما يُسمّى بالحل الأمني حلاً في النظرة السطحية والقريبة، فهو على العكس من ذلك حسب النظرة المعمّقة وذات البعد؛ يمثّل أزمة في حد ذاته تضاف إلى ما هنالك من أزمات أخرى تتطلب الحل وهو في هذه النظرة مشكلة من المشاكل المستعجلة بالغة الضرر.
الحل الأمني يُعاكس الإصلاح الذي هو الحلّ، ويأخذ مكانه، ويحول دون تحقيقه، بينما الإصلاح للحياة السياسية، ولمختلف مشاكل المجتمعات كالعلاج للبدن يُطلب التبكير به، ويفقد من قِيمته بقدر تأخيره(19)، ويتعسَّر أمره كلما انتُظِر به، وقد لا يجدي، ويفقِد فاعليته بطول الانتظار(20).
وإذا كان الحلّ الأمني سيعتبر كلَّ من اعتصم أو خرج في مسيرة سلمية، أو قال كلمة في المطالبة بالحقوق السياسية أو غيرها خائناً، ومتآمراً فعلى من يرى ذلك أن يرمي بمئات الألوف من هذا الشَّعب الصّغير في البحر أو خارج الحدود، لأنهم في نظره مشكلة.
الحقُّ أن هناك مطالبَ سياسية وغيرها لا يتم بدونها الإصلاح، ونحن معها، ونرى أنه لابُدَّ منها، ولا رفع لليد عنها، كما نرى التزام السّلمية في المطالبة بها، ولا نرى عن السّلمية بَدَلاً منها.
ومن حقِّنا هنا أن نسأل الحكومة: لماذا لم تُقدِّر سلمية المطالبة التي استمرّت سنوات وسنوات حتى كادت أن تُيئّس من جدواها؟ هذا سؤال مطروح بقوّة على الحكومة، والجواب ينبغي أن يكون عمليّاً لما فيه إنقاذ البلد من هذا الوضع الذي لا تُحسد عليه، وهذا الوضع الذي يُسيء لتاريخ البلد كلّه.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من إليه المفزع، وإليه اللجأ، يا أهل الخير كلّه يالله يا رحمان يا رحيم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، يا من هو على كلِّ شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(21).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فهل يجد أحدٌ ذلك؟!.
2- ولا طريق آخر لكمال هذا الإنسان غير هذا الطريق.
3- 253/ البقرة.
4- الكمال النهائي للإنسان أبعد شأواً من العصمة، العصمة مستوى راق جدا، ولكنها ليست هي قمّة الكمال في كل انطباقاتها ومصاديقها.
5- ليس للطبيب حقٌّ سيادي مولوي على المريض يفرض عليه أن يطيع هذا الطبيب. ولكن تقديم الوصفة من الطبيب للمريض فيه إرشاد وتوجيه وبيان لمنفعة المريض المرتبطة بتطبيق هذه الوصفة.
6- هذه قضايا ستّ يرتكز عليها مجتمعة دفعُ أيّ شبهة يمكن أن تُسجّل على عصمة الأنبياء من خلال ما يستعرضه القرآن الكريم من بعض مواقفهم، أو من خلال بعض كلماتهم في الدعاء والمناجاة صلوات الله وسلامه عليهم.
7- تجدهم يعترفون بين يدي الله بالذنب ويعلنون ذلك وكذلك هم الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم.
8- الصحيفة السجادية، مناجاة التائبين.
هذا الكلام يعني أننا أمام قلب ميت، والقلب الميت يفعل أي شيء. إذا مات القلب أقدم صاحبه على أكبر الكبائر من غير مبالاة، فهل الإمام زين العابدين عليه السلام كذلك؟! حاشاه سلام الله عليه.
9- الموبقات: المهلكات.
10- الجرائر: الذنوب.
11- المصدر السابق.
وهذه الكلمات لو تمشّينا مع ظاهرها لحكمنا بأن الإمام عليه السلام منغمس في الموبقات والكبائر، في الذنوب العظيمة.
12- الناس الأتقياء الورعون الخاشعون يتخذون من الإمام زين العابدين عليه السلام القائل بهذا القول إماماً، إذاً أنهم يكبرونه. لو كانوا أعظم منه، فكيف يتخذونه إماما؟! فهذا يكشف تماماً عن أن هذا كلام لابد أن يُحمل على غير ظاهره، وإلا لكان الإمام محلّ الإعابة والتعيير، والناس ينفرون منه، ويقذفونه، بينما هم يتخذونه إماماً صلوات الله وسلامه عليه.
13- أكل اللقمة الحلال وهو ملتفت إلى شكر الله سبحانه وتعالى، ولكن شغله شيء من لذّة اللقمة مثلا عن الخلوص الكامل للذكر في ذلك الوقت، هذا يعتبره ذنباً كبيراً جداً جداً، فيجد نفسه مضطرا للاستغفار من مثل هذا الموقف.
14- يستغفر عن حسنات لأنه يستقلها، ونحن لا نستغفر عن سيئات عظيمة!.
15- 27/ الأعراف.
ظاهر الآية أن آدم عليه السلام استجاب للشيطان بمخالفة الله سبحانه وتعالى فاستحقّ بذلك أن يُخرج من الجنّة، وأن الأمر كان أمرا مولويا صادرا من الله عز وجل بما هو رب، بما أنه تجب طاعة العبد له.
16- لم تكن هناك شرائع، ولا تكليف بصلاة وصوم وحج وخمس وما إلى ذلك، فعالم الجنة لم يكن عالم تكليف. فلا يوجد هناك أصلاً حكم تكليفي مولوي تجب طاعته.
17- 52/ الحج.
18- سورة النصر.
19- 90المريض إذا أخَّر العلاج ضرّه تأخيره، والمجتمع إذا مرض، والمشاكل الاجتماعية أمراض، إذا تأخّر حلها فلابد أن يضر هذا التأخير.
20- إذا انتظر المريض بطلب العلاج لحظة أن يحضر موته فعندئذ يكون قد فات أوان العلاج.
21- 90/ النحل

 

زر الذهاب إلى الأعلى