خطبة الجمعة (420) 7 شوال 1431هـ – 17 سبتمبر 2010م

مواضيع الخطبة:

*إضاءات قرآنية *الشأن المحلّي

أنصح ما يُنصح به في هذا المقام، وينبغي التأكيد عليه هو التراجع عن الحلِّ الأمني ومستلزماته وأجوائه المتوتّرة، ومضاعفاته المنذِرة ونتائجه الوخيمة إلى ما أمر الله عزّ وجلّ به من الاحتكام إلى العقل والدّين، وإعمال الحِكمة، وتغليب مصلحة الوطن، والفيء إلى لغة التّفاهم، والأخذ بمنطق الإصلاح الذي يغسل القلوب، ويُزيل العوالق، وأن يعود كلّ موقوف إلى بيته لا لتتجدّد الأحداث ويستمرّ الصّراع وإنما
الخطبة الأولى

الحمد لله ربِّ العالمين، مالك السموات والأرض وما فيهن وما بينهن، ومالك كل نفس، ولا شيءَ بخارجٍ عن ملكه، ولا أمر إلا بيده، وكلٌّ محكومٌ لقدره، مقهور لإرادته، ذليل بين يديه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بأكمل رسالة، وأوسع هداية، وأتم منهج، وختم به الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله التي ما خلت منها نفس إلاّ وابتلت بالفجور الذي يقود إلى هوان وبوار، وينشر في الحياة الفساد.
وما اهتدى فاجر، وما أصاب رشدَه، وما أحرزَ خيراً من أدبر عن الله. والنفسُ تفقِد قيمتَها بالفجور، وينتهي بها الفجور إلى النّار.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وأكرمنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين بطاعتك، وأسعِدنا بتقواك، ولا تُهِنّا بمخالفتك، ولا تشقنا بمعصيتك، ولا تكلنا إلى أنفسنا أو إلى أحد من خلقك طرفة عين، واغفر لنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إضاءات قرآنية:
أما بعد فيقول سبحانه:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}(1).
أمام الإنسان طريقان يقضي عُمُرَه، وينفق أيامه، ويبذل طاقته على أحدهما؛ والطريقان: طريق هدى من الله، وطريق هوى من النفس، وما يشيع فيها من شهوات. ولكلٍّ من الطريقين انعكاسه على الذات، والأوضاع، وكلّ جنبات الحياة، وله آثاره في البرّ والبحر، وله مؤدَّاه وغايته ومنتهاه.
وكلّ الهدى في الدّين الحق، وهو الإسلام، وما خالف دين الله فهو من الهوى.
والإسلام فطرة نقيَّة هادية تغنى بها نفس الإنسان من صنع الله، ووحي تنزّل منه سبحانه على قلوب أنبيائه ورسله وهي قلوب طاهرة زاكية وعيَّة لا يشتبه عليها حقّ وباطل، ولا يشوب هداها ضلال، وقد صانها بارئها من أن تضِلّ عمّا بُلِّغت، أو تزِل عمّا كُلِّفت، أو يعدل بها شيطان أو حادث عن الطريق.
والإسلام عقيدةٌ واحدة ثابتة من أوّل يوم تنزّل وحي على نبي ورسول إلى آخر وحي تلقّاه القلب الطاهر لخاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله لم يمسسها تغيير، وشريعة تدرّجت مع تدرّج الإنسان، واتّسعت بسعة حركته، وزيادة نشاطه، مراعية نموّه وتطوّره وتعقّد مشكلاته حتّى تمت بخاتِمة الرسالات، وأخذت الصورة النهائية لها بما فيها من قواعد راسخة تُراعي الثابت والمتحرك في حياة الإنسان(2) وأوضاع زمانه ومكانه من غير أن يلحق تلك القواعد الراسخة تبديل أو تغيير بتغيّر الزمان والمكان وتطور الأوضاع.
والفطرة التي يعتمدها الإسلام، وتُمثّل إحدى ركيزتيه نور يوصل القلب والعقل بحقيقة التوحيد، والحقائق المنبثقة منها، ونورٌ يهدي إلى ضوابط السلوك، والخلق القويم، وما يضمن استمرارية الحياة، واستقامةَ الطريق.
وفي النفس البشريَّة دوافع وميول مادية أوجدتها العناية الإلهية لتثير في النّاس حب التعامل مع الأرض، وتؤدّيَ إلى إعمارها، وتبقى على التوالد البشري، واستمرار الحياة فهي ما انضبطت في خط الدين والفطرة المعنوية الهادية كانت خيراً لا شرَّ فيه، ووسيلة بناء وإعمار، وعوناً على بلوغ الإنسان غايته.
وأمَّا إذا انفصلت حركتها عن هذا الخط، ودفعت بالإنسان لمشتهاها بعيداً عن أسس الوعي والرشد والخلق الكريم، وعن مسار التوحيد الإلهي، وضبطه لحركة الإنسان فهي الهوى والقوّة الطّائشة والاندفاعة المجنونة التي تُفسد وتحطّم وتُشقي وتنشر الدَّمار.
وإنَّ الهوى لقوة دفع هائلة تأخذ بصاحبها بعيداً عن منطلق العقل والدِّين والضّمير والمصلحة الحقيقية، وتتجه به إلى كل مزلق بلا حساب، وتركب به كلّ موجة بلا رويّة، أو تنحدر به إلى أي قعر خطر قذر بلا انتباه.
صاحب الهوى لا ينظر إلى سلامة الغاية، وصحّة الهدف، ونظافة الأسلوب، وشرف الذات، وعواقب الأمور. ولو تبين له أن كلَّ ذلك يخالف هواه لكان الهوى سيد موقفه، وقائد خطاه.
الهوى يبتدع عقائد، ويصطنع آلهة {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ…} ولا يحتاج في ذلك إلى برهان، ولا يعوِّل على شيء من حجة. ويتمسَّك بالباطل وإن قام ألف دليل على أنه كذلك.
والهوى يُفقد صاحبه حرية الإرادة، ويقود الذات ويُذلّها.
والهوى يقيم في حياة الناس مؤسسات وكيانات عملاقة ولكنها للفساد والإفساد.
وحركة الهوى دائما في هويٍّ وسقوط فعن النبي صلّى الله عليه وآله:”إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه”(3).
ولم يولد الناس فريقين فريقَ هدى بلا فرصة للهوى، وفريق هوى لا هدى معه ولا فرصة لنور.
جنس الإنسان يُولَد وله فطرةُ معرفة حقّة وضمير يظهران في مرحلة من مراحل نموّه في هذه الحياة، وله دوافع لا يعيش حياته بدونها، ويولد وقد هُدي النّجدين، والإنسان يميل بإرادته إلى هُدى أو ضلال، ويأخذ طريقه إلى جنّة أو نار.
أعاذنا الله وكلَّ المؤمنين والمؤمنات من سوء الاختيار، ووفَّقنا لمركب الهدى دون الضَّلال، وتقديم الجنّة على النار.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أحينا ما أحييتنا على هدى ونور من عندك، ونجّنا من كلِّ زيغ وضلال، واكفنا زلّة القدم، وسدّ عنّا منافذ الشيطان الرجيم في عافية وسلامة، وأنعِمْ علينا برحمة منك سابغة شاملة وافية كافية مُغنية يا أرحم الرَّاحمين.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمداً وآل محمد أفضل ما صليت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}.

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي انقاد لعظمته كلّ عظيم، وذلّ لجبروته كلُّ عزيز، وخضع لقدرته كلُّ عنيد، ولا يملك شيء الامتناع عن الاستجابة لقدره، ولا الإبطاء عن الانصياع إليه، ولا يخرج أمرٌ عن مشيئته، ولا يشذّ شيء عن سلطانه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيرا.
علينا عباد الله بتقوى الله فالتقوى منجاة من النّار، وهي الطريق إلى الجنّة، ولا محذور كمحذور جهنّم، ولا مُبتغىً كالجنّة التي وعد الله المتقين، وعذابُ النار فوق كلّ عذاب، ونعيمُ الجنّة دونه كلُّ نعيم.
ولولا التخلّي عن تقوى الله، والجهلُ بالدين لما كان كلّ هذا الشقاء الذي يضيق به العالم ويُغطّي ساحة الحياة في كل المجتمعات.
عباد الله ما ربح ساعٍ كساع في سبيل الله؛ فلنقضِ الحياة سعياً في سبيله، وما شقي شقيّ كمن شقي بمعصيته؛ فلنحذر من أن نشقى بمعصيته.
اللهم مُنَّ علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة بتوفيق الطاعة، والبعدِ عن المعصية، وإخلاص العبادة، والنزاهة عن رجس الشرك والنفاق والرياء والعجب، وجنّبنا عن كل مكروهك يا رحمن يا رحيم.
اللهم اغفر لنا جميعاً وتب علينا يا خير الغافرين، ويا خير التوابين يا ربنا الكريم، وصلّ على محمد وآله الطاهرين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً.
الشأن المحلي:
أما بعد أيها الملأ الطيب، فهناك أكثر من موضوع ينبغي التطرّق إليه ولكن الحديث سينحصر في ما هو شأن ساحتنا الداخلية:
إنَّ ما صار إليه وضع الساحة المحليَّة مؤلم موجع مفزع، وفي التقدير الدقيق أنّه لا يؤدّي إلى صلاح وطن ولا مصلحة حكومة ولا شعب.
والبحرين ليس فيها صراع على الحكم، ولا توجد منازعة على أصل السلطة، ولا استهداف للصراع من أجل الصّراع فضلاً عن ركوب مراكب صعبة وخطيرة في غمار الصراع.
هناك قضايا وملفَّات معروفة مشهورة يدور حولها خلاف، وتتسبَّب في مشاكل متعدّدة، وتثير الصداع الحادَّ لهذا الوطن وكل من فيه، وتعرقل مسيرة التوافق، وتنحرف بها بدرجات قد تكبر وتخطر، وتحدث هزّات متوالية.
ما نتمنّاه لهذا الوطن ونسعى إليه أن يكون وطنَ عدلٍ ومحبّةٍ بلا ظلمٍ ولا عنف ولا مواجهات.
والحلول الأمنية المتشدِّدة والموغِلة في التشدّد لا توصل إلى هذا الهدف، ولا تقع معه على طريق، وإنما تبتعد بالمسيرة عنه إلى مسافات، ومسافات، وتتسبب في المزيد من التدهور والتفكك، وتُعمِّق الجراح، وتُوسِع الفجوة، وتَزيد من الشروخ، وكل ذلك مما لا يتمناه مخلص لوطنه.
التشدّد الأمني ليس حلاً وإنما هو تعقيد لمسألة الحلّ، وتصعيد للأزمة، وإيقاد للنار.
قد يُوجِد ما يسمى مجازاً بالحلّ الأمني ولو من باب تسمية الضدّ باسم ضدّه هدوءاً سطحيّاً وقتياً كما في التجارب التي استُعمِل فيها هذا الخيار في أكثر من بلد في بعض حالاته لكنه لا يمثل حلاً جذرياً ولا عادلاً مع استهدافه الإسكات على كل حالٍ أمام كل الأخطاء التي قد تقع فيها هذه الحكومة أو تلك، وفتحَ الباب لأي سياسة وإن كانت متجاوزة.
وكثيراً ما يُحدث هذا النوع من الحل مضاعفات خطيرة عانت منها بلدان كثيرة، ويحطّم أوطاناً بكاملها على المدى القصير أو غير القصير.
لا نتمنى لهذا البلد الحبيب هذا النوع من الحلول، ولا نتمنى له عنفاً لما يستتبع هذا النوع من الحل والعنف من شرور.
والأمنية أن لو جاءت خطوة إصلاحية كبرى مكان الحل الأمني لتعيد الوضع كلّه، وبكل أطرافه إلأى حالة من الصّحة والعافية والتفاهم والانسجام، وتفتح فرصة سانحة لرُشد عام يأخذ بكل الجهود على طريق بناء الوطن، وتسوية المشكلات.
للأسلوب الأمني المتشدِّد نتائج، وللإصلاح الفعلي نتائج، ولا ينبغي لأحد أن يساوي بين نتائجهما.
وقد يذهب البعض إلى أنَّ الإصلاح يغري بطلب المزيد، بل يدفع إلى التجاوز عن الحدِّ المعقول في المطالبات، ويفتح باب الاستغلال والإثارة بعد الإثارة، والتحريض على النظام.
ولكنّ الوجه الصحيح هو أن الاستمرار في عملية الإصلاح وبالصّورة التي تُراعي الواقع يجب أن يكون من هدف الجميع، وأما مسألة الاستغلال والتحريض فتمتنع على مريدها لو قُدّر وجوده في أجواء الرضى والثقة التي يوفِّرها شعور المواطن بالاستجابة إلى ضروراته وحاجاته، والاهتمام به واحترامه في أمر دينه ودنياه.
أنا لا أستطيع ولا غيري يستطيع أن يُقنع من يرى اهتمام الحكومة به، وتقديرها له، وعدلها معه، ومن يرى مشاريعها في خدمته بأن يُحرِّك ضدّها يداً، أو يثير في وجهها المشاكل(4). إذا أحسّ الناس بأن أي حكومة تحترم دينهم، وتهتم بدنياهم، وتعيش مشاكلهم، وترعى مصالحهم فإنّ يدهم لا تكون إلا معها لا عليها، ولن تبخس كلمتهم حقّها، وإذا شذّ القليل فإن الكثرة الكاثرة لا تكون إلا كذلك.
هناك أوضاع لا تُفيد معها تهدئة النّاس ومحاولة إقناعهم لشدّة إثارتها، وهناك أوضاع لا يجدي معها تحفيز ولا تحريض، وعلينا جميعاً أن لا نُحرّض من جهة إخماداً للفتنة، ولا نخلق أوضاعاً من جهة أخرى لا تفيد معها تهدئة، ولا تقبل آثارها الإخماد.
إن مصلحة كل الأطراف في الكفّ عن هذا وذاك والرجوع إلى ما يوفّر حلاً جذرياً دائماً من إصلاح جديّ وحوار لا يغني عنه السلاح(5).
وأنصح ما يُنصح به في هذا المقام، وينبغي التأكيد عليه هو التراجع عن الحلِّ الأمني ومستلزماته وأجوائه المتوتّرة، ومضاعفاته المنذِرة ونتائجه الوخيمة إلى ما أمر الله عزّ وجلّ به من الاحتكام إلى العقل والدّين، وإعمال الحِكمة، وتغليبُ مصلحة الوطن، والفيء إلى لغة التّفاهم، والأخذ بمنطق الإصلاح الذي يغسل القلوب، ويُزيل العوالق، وأن يعود كلّ موقوف إلى بيته لا لتتجدّد الأحداث ويستمرّ الصّراع وإنما ليكون التلاقي على صورة توافقية واحدة ينجو بها هذا الوطن من شرّ الفتن، ويكون على الطريق الذي يختاره له كل محبّ مخلص واعٍ لوطنه.
وتشتد خطورة الحل الأمني، وتتفاقم آثاره، وتتعمّق جراحاته، ويعصف بالأمن على المدى القصير والطويل، ويهدم فرص التلاقي، وتستنكره السماء والأرض عندما يراه البعض يدخل فيه استباحةُ الأعراض والحرمات، ولا تبقى أمامه حدود، وليس معه تحفّظات، وأنّ اعتباره فوق كل اعتبار.
وإذا ساغ هذا التوسُّع في معنى الحلّ الأمني في الجماعات البدائية وعند من لا دين له، ولا أعراف إنسانية فإنه لا يسوغ من أي حكومة مسلمة في بلد مسلم يؤمن بحرمات الله، ويشعر بكرامة الإنسان، ويعيش أعرافاً دينية وإنسانية راقية.
وكثيراً ما يثار السؤال عن مسؤولية الخطاب الديني عند اشتداد الأزمات السياسية والاجتماعية، وفي حالات الصراع.
ومن مسؤولية الخطاب الديني أن يقول عن الظلم بأنه ظلم ويدينه، وعن ردّ الفعل المتجاوز بأنه متجاوز ويرفضه، وأن يصرف عن العنف ما استطاع، ويدعو إلى الحكمة والحوار.
وليس على الخطاب الدّيني وهو لا يملك وسائل الرَّصد الكافية ولا فرصة التوثيق أن يُكلّف بهذه المهمة، وأن يُتابع هذا الجهاز الرسمي أو ذاك في ما يقول، أو يثبتَ كلّ ما قد ادّعى هنا أو هناك ضد هذا الطرف أو ذلك الطرف.
وللخطاب الديني علميّاً وعقلائياً أن يُطالِب بالدليل الكافي على أي حادثة من الحوادث، وأي نسبة من النسب، وأيّ مدَّعى من المدَّعيات، ولا يسوغ له أن ينساق وراء أي من الدعاوى من غير دليل واضح.
وكما يُوصي الخطاب الدينيُّ بمبدأ العدل والإنصاف والمساواة، والنأي عن العنف والتعدّي، وحفظ مصالح الأوطان وعدم المساس بالأموال العامة والخاصة، يوصي بحسن الكلمة ونظافتها ولياقتها ورقيّها، وسلامة الخطاب.
وكلمة أخيرة: أن لسنا مع أي أمرٍ يوتّر الأوضاع، ويزيد في حالة الاحتقان، ويصعِّب الحل، ويضاعف من حالة الافتراق، ويشعل النّار، ويرفع من مستوى خسائر الوطن.
ومن هذا المنطلق نفسه ننادي بتوقُّف الحل الأمني وبكل تشديد وتأكيد، والاستبدال عنه سريعاً بما تُضمن نتائجه الإيجابية من الإصلاح، وبالتخلّي عن أي دعوة فيها إثارة أو تأجيج وإلهاب للحماس من أيِّ طرفٍ من الأطراف، والارتفاع بمستوى الخطاب للجهات والذّوات.
ومن المنطلق نفسه ننادي كل العقول المفكِّرة، والقلوب المحبة للسلام، ولأمن هذا الوطن وإنسانه ومصلحته أن تعمل جاهدة في تطويق الحدث، وتخفيف اللهيب، وإطفاء النار، وإيقاف التداعيات، والمنع من حالة التدهور، والرجوع بالوضع إلى حالته الطبيعية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم افعل بأمة الإسلام وبهذا البلد خيرا، وأنقذه مما يتهدده من أخطار وفتن عاصفة، وتشتّت وتمزّق ودمار، واجعله في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد وما تريد.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 23/ النجم.
2- وليس أن الإسلام فيه ثابت ومتحرك فلا شيء بمتحرك في الإسلام، الإسلام فيه قواعد مرنة تحرك الحياة، وتتناسب مع تطور الإنسان وتقلب أحواله، لا أن الإسلام يخرج من صيغة إلى صيغة، ومن صورة إلى صورة.
3- سنن الدارمي، ج1 ص109.
4- الناس يكفرون بمثل هذه الدعوة إذا كانت الأجواء السائدة تنال منهم رضى.
5- والسلاح يعجز، القوة والبطش لا يمكن أن تستمر في بلد من البلدان، والحلول السلمية هي الحلول الأساس الدائمة التي تطلق أجواء المحبة والوئام، وتعطي لأي وطن فرصة الانطلاق بقوة للبناء والإعمار.
6- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى