خطبة الجمعة (347) 29 ذو القعدة 1429هـ – 28 نوفمبر 2008م

مواضيع الخطبة:

*مؤسساتنا الإسلامية *دولة عصرية ولا قانون *سياسة الاستضعاف *مقدمة العدل تعذيب ظالم

من لا يدرك من المخلصين من أبناء الإسلام أهمية المرجعية الدينية والحوزات العلمية وتمتعهما بالاستقلالية فليتنبه إلى الأمرين معاً إلى ما أنتجته المرجعية والخمس على الأرض، وإلى إصرار الاستكبار العالمي على إسقاط هاتين الركيزتين من يد الإسلام والإسلاميين.

الخطبة الأولى

الحمد لله مالك كلّ شيء وأحواله وتقلّبه وتصرّفه ومبدئه ومآله، ولا يملك مَنْ دونه من أمر نفسه أو غيره شيئاً، ولا قديم إلا مِنْ خَلْقِه، ولا مستجدّ إلاّ بإذنه، وهو سابق كلّ سابق، ولاحق كلّ لاحق، لا يحدّه زمان ولا مكان، ولا تعرضه زيادة ولا نقصان.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المخادعة لي بتقوى الله العليّ العظيم، وتجنّب ظلم العباد مؤمناً كان أو غير مؤمن، مسلماً أو غير مسلم، صديقا أو عدوّا، فإن المظلوم سيستوقف غداً الظالم بين يدي العدل الحكيم، العليم القهّار، العزيز الجبّار. وهو يوم تشحّ فيه النفوس، وتشتد فيه حاجة العبد إلى الحسنة، وهلعه من السيئة، وكلٌّ يطلب نجاته ولو كان فيها هلاك من يهلك، وإن الله للظالمين لبِلمرصاد.
يوم القيامة يوم الهول الأكبر وهو على الظالمين شديد، وعنه يقول كتاب الله العزيز الحكيم {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(1).
ولتكن الفدية ما تكون فإنها لا تُنجي مستحقّاً للعقاب {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ…}(2)، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(3)، {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ، وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ}(4).
فشدّة العذاب يوم يقوم الحساب تُذهِل عن كلّ شيء من أشياء كان من أجلها التنافس والاقتتال في هذه الحياة وبها التفاخر والاعتزاز، وتدفع المجرم لاسترخاص كلّ ما يتصوّر من ملك، وتُنسى كلّ المودّات والقرابات والأرحام، ويُضحّى بها، طلباً للافتداء من العذاب، ويُسترخصّ كلّ أهل الأرض من أيّ مستوى كانوا في سبيل أن ينقذ المرء نفسه من النار إلا أنّه لا سبيل إلى شيء من ذلك.
فمن منّا هو مستعدّ أمام هول هذا العذاب ورعبه وفزعه أن يتنازل لآخر عن حسنة أُدين بها له، أو لا يطلب التخفيف عن نفسه ولو بسيئة واحدة تُنقل لظهر الغير الذي استحقّها بظلمه؟!
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا نزّهنا عن الظّلم، وأبعدنا عن الإثم، واجعلنا من أهل العدل والإحسان، النائين عن البغي والعدوان، واكفنا أن ننال من عبد من عبيدك، أو أمة من إمائك من غير حق، وأن نستحلّ من أحد ما ليس لنا في دينك يا رحمن يا رحيم.
الجود والكرم في الإسلام:
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأعزاء فإن الإنسان وإن كان واحداً في نوعه إلاّ أنه على أصناف، وهو أفراداً على اختلاف واسع كبير، وإنّ ما يرشح عن نفوس الناس المختلفين ليأتي من طبيعة نفوسهم المختلفة ليكون مرآة اختلافها في الأفكار والمشاعر والصفات.
ومن ذلك ما يشِفّ عن رفعة، ومنه ما يتحدث عن هبوط، وما يكشف عن نقاء وصفاء أو عن ظلمات، عن انفتاح أو انغلاق، عن طهر أو رجس، خير أو شر، عبوديّة أو حرية وانعتاق.
ويفصح الجود والكرم عن نفس غير مأسورة للمال، متحرّرة من سطوة سلطانه، منتصرة على هواجس الفقر، ووسوسة الشيطان به. ولو شحَّت كل نفس بما عندها لأكلت الحاجةُ طائفة كبيرة من الناس، وتقطّعت أواصر الرحم والقربى والجوار، وتفككت عرى المجتمعات، وتعطّلت مرافق حيوية ثقافية ودينية واجتماعية كثيرة، وتباغض الناس بدرجة تفتك براحة الحياة وأمنها واستقرارها.
وتهدف التربية الإسلامية القويمة إلى بعث الرّوح الخلقية الكريمة في الإنسان بكلّ أبعادها، وتنشيط الفضيلة في حياته، ورعاية صفاته الحميدة تزكية له، وأخذاً به على طريق الكمال، ومن أجل مجتمع فاضل متماسك متلاحم يتناصر في الخير، وتتظافر جهوده لصالحه العام، وسعادته المنشودة.
ومما اعتنت به التربية الإسلامية في استهادفها الصناعة القويمة للإنسان روحُ الجود والكرم، والعطاءِ والخير، والإيثار حتى بلغ الإنسان المسلم في نماذجه العالية القمّة في هذا المجال على يد التربية الإسلامية، وقد جاء الوصف القرآني لهذه الفئة في قوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(5).
والكرم صفة من صفات الله العظيم، وبكرمه تقوم السماوات والأرض، وتدوم الحياة، والصفة إذا كانت إلهية وقد هيّأ الله تعالى عبده للاقتباس منها فغاية كمال هذا العبد أن يبني نفسه ما استطاع في ضوئها، ويصوغ ذاته على هداها ليبلغ الكمال المحدود الذي يطيق بفضل من الكامل المطلق الذي لا تحدّ كماله الحدود، ولا تقف به النهايات.
وهذه جملة مما ورد من حديث عن المعصومين عليهم السلام في الموضوع للاستضاءة:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:”أجود الناس من جاد بنفسه وماله في سبيل الله”(6).
أما ما يظهر منه أنه جود وكرم في سبيل الشيطان فهو سفه، وسقوط عقل، ودناءة، لأنه دعم للشر، ونشر للرذيلة، وأخذ بمسيرة الإنسان عن الطريق السوي.
الجود بالنفس والمال في سبيل الله ضروريّ لإقامة الحقّ، وبقاء الدّين، وخير الحياة، واستقامة الأوضاع. وهو وإن كان جودا بالكثير إلا أنه قليل على دين الله، وبلحاظ ما يترتب عليه من نتائج للباذل وللمجتمع كلّه.
“من أكرم أخاه فإنّما يكرم الله”(7).
وذلك حيث يكون المنظور هو الله سبحانه، وهو ما يعنيه إكرام من كان أخاً في الله ومن أهل طاعته. فاختيارك لإكرام الأخ في الله، والإنسان من أهل طاعة الله عز وجل، ومن هو شريكك في الإيمان يعني أن منظورك في هذا الإكرام هو الله سبحانه وتعالى، فأنت أول ما تُكرم بهذا الإكرام ربّك العزيز الجليل تبارك وتعالى.
“إذا أتاكم الزائر فأكرموه”(8).
أدب إسلامي معروف مأثور، وأنّ النفس الكريمة لا تبخل على الزائر وإنما تحلّه المكانة الكريمة ليس بالبذل الماديّ فقط، وإنما بهذا وبالخلق العالي، والترحيب الجميل.
عن الإمام علي عليه السلام:”لَقَدْ أتْعَبَكَ مَنْ أكْرَمَكَ إنْ كُنْتَ كَريماً”(9).
إنّ نفس المؤمن، ونفس الأبيّ لتسابق النفوس الأخرى في المعالي، وإنّ الشيء القليل من الجميل ليكبر على نفس الشرفاء فيرون في ذلك دَيناً عظيماً عليهم لا يستطيعون أن يؤدّوه، فإذا أنت أكرمتَ المؤمن الكريم وجد من نفسه أنه مديون لك أبداً، وأنّ كل ما يردّ به على كرمك من حسن الصنيع لا يساوي تلك المبادرة الطيبة منك.
“اِحْذَرِ اللَّئِيمَ إذا أكْرَمْتَهُ ، وَالرَّذْلَ إذا قَدَّمْتَهُ ، وَ السِّفْلَةَ إذا رَفَعْتَهُ”(10).
لئن جاز إكرام اللئيم مع الحذر، فإنه لا يجوز تقديم الرَّذل إذا اتصل ذلك بمسألة اجتماعية حسّاسة.
والشخص السافل ما دام سافلاً إذا رفعته أُصيب بالغرور، واستغلّ منك ومن غيرك هذا الفعل ليسود على غير كفاءة، وهو أمر يضرّ بالدين والناس.
لأحدنا أن يتنازل عن حقّه، وجميل له أن يتنازل عن حقّه، ولكن ليس له أن يضحّي بدين الله وبمصلحة الناس.
“إحْذَرِ الكَريمَ إذا أهَنْـتَهُ ، وَ الحَليمَ إذا جَرَحْتَهُ ، وَ الشُّجاعَ إذا أوْجَعْتَهُ”(11).
قد يسكت كلّ أولئك، ويطول منهم الصبر، إلا أن انتفاضة أحدهم عند الضرورة تحدث بركانا وزلزالا.
“إن مكرمة صنعتها إلى أحد من الناس إنما أكرمت بها نفسك وزينت بها عرضك فلا تطلب من غيرك شكر ما صنعت إلى نفسك”(12).
أنت من خلال المكرمة التي تأتي على يدك تعظم قدراً عند ربّك، وتكتسب إنسانيتك نماء وزكاة، وتكون من فعلية إلى فعلية أرقى في وجودك، فمردود مكرمتك يحصل حال أن تحدث على يدك، والنفع الذي يصل الآخر من هذه المكرمة إنما هو نفع الدرجة الثانية، أما النفع الأول الذي يترتب عليها فهو خصوبة وقوّة في الجانب الخلقي الكريم في ذاتك. فلا تتطلع من الآخرين جزاء ما حدث على يدك من خير، وما وفقك الله إليه من صنع الجميل.
“اَلْكَريمُ يَرى مَكارِمَ أفْعالِهِ دَيْناً عَلَيْهِ يَقْضيهِ”(13)، “اَللَّئِيمُ يَرى سَوالِفَ إحْسانِهِ دَيْناً لَهُ يَقْتَضيهِ”(14).
الكريم يفعل الخير، ويثري الحياة، ويقضي الحاجات، ويبذل ويضحّي، إلا أنه يرى أن كل ذلك مما عليه أن يفعله، وإذا كان الأمر كذلك فلا تطلّع للجزاء من الآخرين.
أما اللئيم فإنه لا تترشح نفسه عن خير للآخر، وأن يتجاوز قوقعة مصلحته الذاتية على مستوى الحياة الدنيا، على مستوى المادة وقيمها، فلذلك إن فعل خيرا للآخرين فلا بد أن يتقاضاه، وإذا لم يُتح له تقاضيه آلمه أن فعل في يوم من الأيام خيراً.
“اَلْكَرِيمُ مَن جازَى الإسائَةَ بِالإحْسانِ”(15).
وهو مستوى نسأل الله عز وجل أن يقترب بنا منه ولو بعض الشيء وهو أكرم الأكرمين، رزقنا الله خلق الأنبياء والأولياء والصالحين.
“جود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده”(16).
البخل خلق لئيم، حتى ليسقط قيمة الرجل عند ولده، ويخلق حاجزا بينه وبينه، فيأتي مكان حبّ الولد لأبيه لبخله بغضه، والجود على العكس فإنه يقرّب البعيد، ويخفّف من عداوة العدوّ، ويفتح الطريق أمام الآخرين للانفتاح على ذات هذا الإنسان الكريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وعلى آلك الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وقرابتنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا ووفقنا للتوبة النصوح واقبلها منا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا ممن يجود بدنياه، ويبخل بدينه، ويقدم الآخرة على الأولى، ولا يختار على رضاك رضا، ولا على طاعتك طاعة، ولا يتخلّف عن الطريق الذي تحب، ولا يدخل في الطريق الذي تكره، ولا يعادي لك وليّاً، ولا يوالي لك عدوّاً يا كريم يا رحمن يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يضرُّ مع رضاه سخط الساخطين، ولا ينفع مع سخطه رضا الراضين، وبه يُستغنى عمن سواه، ولا يُستغنى بغيره عن رحمته، ولا عفو كعفوه، ولا مثوبة كمثوبته، وكل من عداه إنما يجد الرزق من عنده، ولا سبيل لخيره إلا من فضله، ولا يحميه من دونه حامٍ، ولا يقيه سواه واق، له الخلق والأمر كلّه، ولا حول ولا قوة إلا به.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا فلنتق الله الذي لا يعدل إحسانه إحسان، ولا يشبه ثوابه ثواب، ولا يضارع عقابه عقاب، ولا عذابه عذاب، وعجبٌ لهذا الإنسان أن يَعصي من وجوده من عنده، وحياته من فيضه، ورزقه من فضله، وإليه مرجعه، ولا يجد من دونه ملتحداً، ولا عند غيره موئلاً.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وشرّفنا بطاعتك، وزيّنا بتقواك، واعمر قلوبنا بحبّك، وصحح نياتنا بإخلاص الطاعة إليك، وثبّت أقدامنا على صراطك، ولا تجعل لنا ميلاً عن دينك ما أحييتنا يا كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين.اللهم صلّ وسلم على عبدك وابن عبديك أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات الأعزاء فإلى هذه الكلمات:
ذكرى استشهاد الإمام الجواد (ع):
هذا اليوم هو يوم ذكرى وفاة الإمام محمد الجواد عليه السلام، عظّم الله أجورنا وأجور المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
والإمام الجواد عليه السلام عَلَمٌ من أعلام الإمامة، وحجّة جليّة، وبرهان ساطع من براهين العصمة، فقد تولّى الإمامة في السنّ المبكّر، وحمل كلّ أعبائها بالكفاءة التي يحملها المعصومون عليهم السلام بعد بلوغ عمر الرجال.
الإمام الجواد عليه السلام بَرْهَنَ فعلاً على أنّ الإمامة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنّهم مؤهّلون تأهيلا خاصا لها من الله سبحانه وتعالى.
مؤسساتنا الإسلامية:
مؤسساتنا الإسلامية الأهلية الثقافية والسياسية والاجتماعية تمثّل وجوداً ضروريّاً للحفاظ على مصلحة الدين والوطن، وتقوم بالدور الفاعل المؤثّر الذي لا تنهض به جهود الأفراد المتفرّقة، ومن مسؤولية المجتمع أن يدعم هذه المؤسسات، ويقف معها، ويدافع عنها، كما يقع على مسؤوليته مراقبتها، وحراسة خطّها، وأن يضخّ فيها عناصر ملتزمة بصورة مستمرّة احتياطاً لمستقبلها، وتمكيناً لها من أداء دورها، ورفعاً لمستواها، وزيادة لكفاءتها وخبراتها من جهة، ودمجاً لهذه العناصر في العمل المؤسسي القادر على تلبية حاجات المجتمع، وتنظيم الجهود وتنشيطها، وإكساباً للأفراد لمزيد من الخبرة، والقدرة على التفاعل الاجتماعي النافع من أجل الصالح العام من جهة أخرى.
المؤسسة تكسب جديداً، والأفراد يكسبون جديداً حين ينضمّون إلى المؤسسات الإسلامية. إضافة كفاءات، والانضمام إلى المؤسسة طريق رفع الكفاءة للفرد والمؤسسة التي انضم إليها.
وفي مقدّمة مؤسساتنا الإسلامية الأهلية المحليَّة التي نعتزّ بها، والتي يجب الحفاظ عليها المجلس الإسلامي العلمائي الذي يتميّز بدور أكثر أهمية في حراسة الخط الإسلامي، وتنشيط الحركة الثقافية الإسلامية وتأصيلها، وتأكيد الصبغة العملية للمجتمع والمنتمية للفكر الإسلامي والسلوك الإسلامي والولاء للإسلام، والاهتمام بمختلف قضايا المجتمع التي تمس مصلحة النّاس في كل من البعد الدنيوي والأخروي لترابط البُعدين في الإسلام، والذود عن الهوية الإسلامية لهذه الأرض وإنسانها الكريم، والارتفاع بمستواه في كل الأبعاد الكريمة لإنسانيته المظلومة المهانة.
وتأتي أهمية هذه المؤسسة الإسلامية بدرجتها العالية من كونها مؤسسة تضم لفيفاً كبيراً من علماء وأساتذة الحوزات المحلية وطلابها وخريجي الحوزات الأم ممن يتمتعون بكفاءات عالية، ولأنها المؤسسة التي انتظرها المجتمع كثيراً، ويعلّق عليها كثيراً من الآمال.
إنّها المؤسسة التي علينا جميعاً أن نقف معها بكلّ قوة ودعم وإخلاص، وأن نحافظ على وجودها وسلامتها وأصالتها ونقائها، ثم لنا من بعد ذلك أن نتوقع منها الكثير النافع المصلح.
دولة عصرية وبلا قانون:
المدَّعى أن البحرين دولة عصريَّة، وهذا الوصف بماله من معنى متعارف له إيجابياته وسلبيّاته بالقياس إلى الإسلام وإنسانية الإنسان وكرامته ومصلحته، ومن إيجابياته أن الدولة العصريَّة من معناها أنها دولة القانون، وأن الحاكم ليس هو الذي يضع القانون الذي يحكم به؛ فإن القانون من وضع الحاكم في حكم عدم القانون، وأنّه يمثّل الإملاءات الشخصية التابعة لما يراه ويهواه.
ومع نقص كل التشريعات الأرضية، ووجوب الأخذ بالتشريع الإلهي إلاّ أن تشريع المجالس النيابية الحرَّة أقرب إلى رعاية المصالح العامَّة للشعوب وتحقيقها، وأبعد عن الاتهام.
ولو فوَّضت المجالس النيابية قضية التشريع إلى الفرد لسقطت قيمتها وفقدت حكمة وجودها وعاد التشريع في حقيقته إلى الإرادة الفرديّة بما تحمله من سلبيات يفرضها البعد الفكري والنفسي الخاص للفرد، وضغط المصلحة الشخصية والفئوية التي ترتبط به.
ولو جاء التشريع من أي مجلس نيابي يتمتع بالحرية التشريعية، ووضع عليه استثناء يفتح بابا واسعا لحرية الفرد وصلاحيته في اتخاذ القرار المخالف لسقطت قيمة ذلك التشريع.
وكلما كان مورد التشريع أكثر أهمية وأبلغ في التأثير بالمنفعة أو المضرة على أوضاع الناس حاضراً ومستقبلاً تحتّم أن يكون التشريع تاماً واضحا حاسما بعيدا عن الثغرات والمنافذ التي تسقط قيمته أو تقللها، ومن ذلك مسألة التجنيس خاصة في بلد ضيّق المساحة، شحيح الموارد، الخدمات فيه تعاني من نقص وبطء وتلكؤ وغياب.
ومسألة التجنيس في البحرين تعاني من غياب أو تغييب وتعطيل للقانون أو من استثناء على قانون الجنسية يعطي كل هذه النتائج المتعبة، والباب في المسألة مفتوح لتجنيس صار يمثّل تهديداً خطيراً لأوضاع هذا الوطن؛ ومن العجب أن يُدَّعى والحال هذه أن البحرين دولة عصريَّة.
كيف تكون الدولة عصريَّة وهي بلا قانون في مسألة من أهم المسائل؟!
والتجنيس القائم ضار بكل المواطنين وإن أصرت عليه الحكومة لحاجة في نفس يعقوب كما يقول المثال، وهو يمثّل مسبّباً رئيساً لاضطراب الأوضاع في البلد، ولا يمكن للشعب أن يسكت على ما فيه هلاكه.
وقد جاءت توصيات ورشة الجمعيات الست عن التجنيس في عشرة بنود كما في متابعات المجلس الإسلامي العلمائي عن الوسط العدد 2270 الأحد 22 نوفمبر 2008 لتعبّر عن نوع من مواجهة المشكل المؤرّق ومضاعفاته الخطيرة في حاضر ومستقبل الوطن، وهي توصيات موفَّقة، ويجب تفعيلها بقوّة من الجمعيات الست وغيرها، وأن تنال الدعم الشعبي لأهمية الموضوع وخطورته، وقد جاءت كل التوصيات قانونية وتمتلك درجة من الفاعلية في إعطاء الموضوع شيئاً من الحضور الذي يستحقّه، ويحسّس الحكومة بالرفض الشعبي الجاد لهذا التجنيس الخارج على الميثاق والدستور فيما يؤكدانه من رعاية مصلحة الوطن والمواطن، والذي يضرب بأمن المواطنين وحقّهم الأساسي في التوفر على ضرورات الحياة عرض الحائط.
ومسألة التجنيس الفاقد للضوابط القانونية الحاسمة، والمراعاة لضرورات الشعب ومصالحه لابد أن تكون محل مواجهة دائمة من كل القوى الشعبية، وبكل الوسائل القانونية والسلمية الممكنة.
سياسة الاستضعاف:
استضعاف طرف لطرف يعني العمل على ضعفه حتى لا يملك أن يتفوق، أن يقاوم، أن يقوم.
والاستكبار في كل أحجامه، وعلى مستوى الزمان كلّه وكذلك المكان كان ولا يزال يعمل على تجفيف منابع القوة للطرف الآخر ليبقيه رهن حالة الضعف والاستكانة التي تمكِّن من استغلاله وفرض إرادة المستكبر عليه.
ومن أبرز نقاط القوة ومرتكزاتها الصُلبة للحالة الدينية في عالمنا الإسلامي المرجعيةُ المبدئية الكفوءة المخلصة المستقلّة المتمثّلة في الفقهاء الوعاة العدول الأتقياء، وتوفُر الأسباب الموضوعية لهذا الاستقلال، وأي من نقاط القوَّة ومرتكزاتها وأسبابها عند المسلمين والإسلاميين يُضير المعادين للحالة الإسلامية ويقضّ مضجعهم وإن كان بيد أولئك الأعداء من أسباب القوَّة والبطش الكثير الكثير مما لا نملك.
إن استقلال المرجعية الدينية واكتفاءها بما يصل إليها من فريضة الخمس الذي تأتي وظيفة تشييد الدين وحمايته والحفاظ عليه مما لا ينفصل أبدا عن قوة الحوزات العلمية واستقلالها وأصالتها أولَ وظيفة له خاصة بالنسبة لسهم الإمام عليه السلام لمما يؤرق دوائر الاستكبار العالمي المهتمة بشؤون الإسلام والمسلمين ويؤلمها؛ كما يؤرق كل من لا يريد للإسلام الحق أن يظهر ويتجلّى ويُعرف.
المرجعية والخمس وراء قيام دولة إسلامية كبرى، وراء انتصارات حزب الله، ووراء مرابطة النجف الأشرف وحراستها للإسلام، وإصرارها على الهوية الإسلامية.
فمن لا يدرك من المخلصين من أبناء الإسلام أهمية المرجعية الدينية والحوزات العلمية وتمتعهما بالاستقلالية فليتنبه إلى هذين الأمرين معاً: إلى ما أنتجته المرجعية والخمس على الأرض، وإلى إصرار الاستكبار العالمي على إسقاط هاتين الركيزتين من يد الإسلام والإسلاميين.
وإن مواجهة هاتين الركيزتين من الاستكبار العالمي وأتباعه لإلى تعاظم كلّما اشتدّ وجود الإسلام، وقوي الإسلاميون بهما.
إنّ الصحوة الإسلامية التي تحققت على يد هاتين المؤسستين الأصيلتين المباركتين أفزعت عالم الاستكبار، وضاعفت جهوده في مواجهة الإسلام كلّه، وفي مواجهتهما بالخصوص.
مقدّمة العدل تعذيب ظالم:
لا يترك تقرير اللجنة الطبية التي كلفت بمعاينة متهمي كرزكان شكّاً في أن أولئك الشباب يعانون من حالات تعذيب بعضها أتت الفاصلة الزمنية الطويلة على آثارها، وبعضها لم يمحه الزمن، فظلّت آثار التعذيب ظاهرة على أجسامهم الشريفة إلى اليوم كما يقول تقرير اللجنة الطبية.
وهذا التعذيب القاسي هو مقدمة أحكام الإدانة والأساس الذي ستُبنى عليه تلك الأحكام، وبذلك ستكون العدالة تامّة محكمة، نزيهة كلّ النزاهة، مقنعة للشعب كل الإقناع.
الأمر بالعكس تماماً، ولن يقبل الشعب أي حكم بالإدانة يقوم على ما علم من حالات التعذيب البربري الذي كثيراً ما تلقاه المتهمون، وأعلنت عنه أكثر من شهادة طبية برغم من أن المعاينات الطبية لا يسمح بها إلا بعد أن يُعفّى الزمن آثار جريمة التعذيب.
ومن هنا ستبقى الاعتصامات من أهالي المتهمين المطالبة بتخلية سبيلهم مستمرة، وسيدعم مطالباتهم الأحرار المنصفون من أبناء الشعب.
وأي جريمة على تقدير أن وقعت أو تقع على الأرض فهي مدانة، أمَّا تحميل مسؤوليتها هذا الطرف أو ذاك بعينه فيحتاج إلى المثبت الشرعي الذي لا وجود له في واقع القضايا القائمة، وإنما الموجود اعترافات تؤخذ من أصحابها تحت وطأة العذاب الأليم كما تدل عليه الشهادات والقرائن.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريم، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.
اللهم استر عيوبنا، واكشف كروبنا وهمومنا وغمومنا، اشفنا واشف مرضانا والمرضى المؤمنين والمؤمنات أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

__________________
1 – 54/ يونس.
2 – 91/ آل عمران.
3 – 36/ المائدة.
4 – 10-14/ المعارج.
5 – 9/ الحشر.
6 – ميزان الحكمة ج1 ص483.
7 – كنز العمال ج9 ص154.
8 – كنزل العمال ج9 ص153.
9 – غرر الحكم ص520.
10 – غرر الحكم ص539.
11 – غرر الحكم ص520.
12 – غرر الحكم.
13 – غرر الحكم ص528.
14 – غرر الحكم ص540.
15 – غرر الحكم 528.
16 – غرر الحكم.

زر الذهاب إلى الأعلى