خطبة الجمعة (331) 23 جمادى الثاني 1429هـ – 27 يونيو 2008م

مواضيع الخطبة:

*موضوع الفخر *أولاً: زهراء السموّ.. زهراء الخلود: *ثانياً: حرية المرأة *ثالثاً: قرار وزير العدل

كاذب من قال أنه يحترم المرأة وهو يحتقر الرجل، ويكرمها وهو يهينه، ويحسن إليها وهو يسيء إليه، وكذلك من قال أنه يحترم الرجل وهو يحتقر المرأة، يكرم الرجل وهو يهين المرأة، يحسن إلى الرجل وهو يسيء إلى المرأة. فليس الرجل إلا امرأة، وليس المرأة إلا رجلاً من حيث إنسانيتهما، والمهان في هذا أو ذاك واحد وهو الإنسانية.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا يكون خلق أو رزق أو تدبير بيد أحد من دونه، وكلّ من عداه، وما عداه عدمٌ لولا فيضه، والأمور كلّها منتهية إليه، ومحكومة بقدره، ولا تعلّقَ للأرواح بأبدانها، ولا انفصال لها عنها إلا بإذنه، وما مرجعها إلاَّ إلى حكمه، ولابد لها من أن تقوم بين يديه، ويقضي في ما كسبت لها أو عليها عدلُه.
أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المغالِطةَ لي بتقوى الله لِننقى ونرقى، وتهنأ لنا الحياة، وتسْعَدَ الآخرة؛ فلا سكينة لنفسٍ بلا تقوى، ولا هناءة لحياة تفتقد السكينة، والحياة كلّها عذاب إذا اضطربت النفس، ولم يلتقِ هدفها بما هي عليه من فطرة، وفارق ما اتخذ لها صاحبها من منهج ما تنادي الغاية المغروسة داخلها بخلاف ما يؤدي إليه.
ومجتمع لا يُقيم حياته على التقوى إنما هو نهبٌ للصراعات الحقيرة المريرة، والتمزّقات الدنيوية الساقطة المهلكة التي تسلبه طعم الحياة ليستحيل معها إلى طعم الحنظل بعد حلاوة، كما يستحيل لونها إلى لون فاحم بعد نهار.
أما سعادة الآخرة فطريقها مسدود على من ليس له تقوى.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وبلّغ بإيماننا أكمل الإيمان، وبيقيننا أفضل اليقين، وانته بنيتنا إلى أحسن النيات، وبعملنا إلى أحسن الأعمال، واجعلنا من أصحاب ملكة التقوى برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأعزاء فإلى موضوع الفخر:
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(1).
اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد إذا لخّصت معنى الحياة، وكانت تمثّل كل الحياة، وانفصلت بالحياة عن الله، وعن الهدف الأخروي فما نهايتها؟ غيثٌ أعجب الكفّار والزرّاع نباته، {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} ، فهي حياة حطام، وحياة تتحطّم قبل أن تصل الهدف، حياة منقطعة عن الهدف، حياة تهرب بالإنسان عن الهدف، حياة يهلك الإنسان من خلالها قبل أن يصل الهدف.
وهذا اللعب من مظاهره ومن أدواته القصور، من مظاهره الحقول، من مظاهره الصناعات الكبيرة، من مظاهره الحروب المنتصرة إلى آخر المنجزات، إلى آخر المكاسب، إذا انفصل كل ذلك عن الله وعن الهدف الكبير.
“أهلك النّاس اثنان: خوف الفقر، وطلب الفخر”(2).
يستهلك حياتنا، وينصرف بنا عن الهدف أن نخاف الفقر دائماً فتكون حياتنا ركضا وراء الغنى الموهوم. فالحياة التي تنفق في سبيل الغنى الدنيوي، وبدافع خوف الفقر الواهم، والحياة التي تقوم على طلب الفخر لا تقف حركتها المنفصلة عن الله وعن الهدف الأخرويّ عند حد وبذلك تُستنفذ الحياة على غير الطريق. خوف الفقر يدفع دائما لطلب الدنيا، وطلب الفخر يدعونا دائماً لمضاعفة ما بأيدينا من الدنيا. التفاخر بالدنيا، التفاخر بزينتها، بأشيائها، بشهرها، بمناصبها، إلخ يأكل أعمار الناس بعيداً عن غاية الحياة.
خوف الفقر حين يتعمّق ويتجاوز حده المعقول، ويشتد ويكبر ويستفحل ويستولي على النفس فإنه يحوّل الحياة إلى مشغلة بسيطة، وكذلك هو طلب الفخر، لأن طلب الفخر لا يقف بالإنسان على قناعة عند حد من حدود الأرصدة الدنيوية، وبذلك يلتهم حياة الإنسان بعيدا بعيدا عن هدفه الكبير وهو الوصول إلى الله سبحانه وتعالى ونيل رضوانه.
“الافتخار من صغر الأقدار”(3).
كثير الفخر عنده عقدة الشعور بالنقص، وهذا الافتخار المستمر على لسانه إنما يترشّح عن إحساس بالنقص، ويمثّل حالة تعويض نفسي عن ذلك الشعور، والذين يكتنزون معنى إنسانيا كبيرا، ويحققون انتصارات هائلة على مستوى نفوسهم وإرادتهم الخيرة، وأرواحهم الطاهرة لايجدون حاجة للفخر أبدا، وهم في ظل الشعور بالذلة بين يدي الله عز وجل وهو سر كل العزة يستحون أن يفخروا، ويهربون من الفخر.
“إنّ لإبليس كحلاً ولعوقاً وسَعوطاً(4)، فكحله النعاس، ولعوقه الكذب، وسعوطه الفخر”(5).
وهو يكحل عُيون أتباع له كثيرين بالنعاس ليعطّل حركتهم الإيجابية في الحياة، ويحوّل حياتهم إلى حياة فراغ لتنصرف الساعات والأيام والسنون وهم في خمول، وكأنهم ليسوا في الحياة من حيث عدم الإنتاج وعدم إقامة الصالح من الأوضاع في هذه الحياة.
ولعوقه الكذب، وهو يلعق النفوس التابعة له الكذبَ والوهم والأخيلة والتصورات البعيدة عن الحقيقة.
وسعوطه الفخر، فيصب الشعور بالفخر في نفوس أولئك صبّاً، ويصب سمّاً روحيّاً في نفوس أصحابه وأتباعه لقتلها، كما يصب الطبيب الدواء لشفاء المريض.
فالحديث يعطينا بأن لإبليس وسائله القادرة على الإغراء، القادرة على الإلهاء، القادرة على الاستقطاب، ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان فاقد لإرادته أمام محاولات الشيطان، محاولات الإغواء، ومحاولات الإلهاء. يبقى الإنسان دائما متوفرا على الإرادة التي تمثّل أساس مسؤوليته، ويبقى الإنسان دائما قادرا على مواجهة الشيطان من خلال هذه الإرادة، إلا أن يسعى بقدمه إلى إضعافها إضعافاً شديداً بحيث تسقط فاعليتها، وهذا أمر تتحمله مسؤوليته كذلك.
“(كان من دعاء عليّ بن الحسين عليهم السّلام في مكارم الأخلاق)… وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر”(6).
فإنّه مع الفخر تكون حياتي جاهلية، ويكون قلبي بعيدا عن الله عز وجل، وتكون ذاتي هي محور اهتمامي في نسيان عميق لله تبارك وتعالى، وحياة تقوم على البعد من ذكر الله، وعلى البعد من خشية الله تبارك وتعالى لابد أن تكون حياة ضالّة، وحياة ساقطة.
“من صنع شيئاً للمفاخرة حشره الله يوم القيامة أسود”(7).
من أي منطلق نفاخر؟ بأي دافع نفاخر؟ بأي هدف نفاخر؟ نريد أن نظهر، نريد أن نكون مركز نظر، نريد أن نكتسب في الناس رفعة وشموخا ولو وهميا، في قبال كل ذلك ولتتحطّم كل هذه الأماني الكاذبة، ويشهد الإنسان أن ذلك منه كان ركضاً وراء السراب يُحشر يوم القيامة أسود، وسواده هنا علامة تسافله، وعلامة سوء نفسه، وعلامة سقوطه وخسارة ظهوره يوم القيامة، فبدل أن يكون في الملأ الشريف، وفي الملأ المقدّر، وفي الملأ الذي يحتل منزلة عند الله سبحانه وتعالى، وعند شرفاء الناس تراه وقد فاخر بعمله في الدنيا، وصنع الخير للمفاخرة فيها مع سقطة الناس وسفلتهم الناس في الآخرة. والخير الذي فعله في الدّنيا مفاخرة قد يكون مما يكلّف الكثير من التضحيات، يستنزف كثيرا من الأوقات، يستقطب كثيرا من الأنظار، يحقق للناس مكاسب، ولكنَّ فاعله إنما انطلق في كل ذلك لا من منطلق قصد وجه الله وإنما من منطلق حبّ الظهور والمفاخرة، فأسقطته نيتُه، ولم يرفعه فعله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل مركبنا إلى الآخرة الإقامة على الطاعة، وصدق النيّة، والإخلاص في العبادة. ونسألك أن لا نشرك بك أحداً أبدا، ولا نبتغي من دونك ملتحداً، وأن نصبر على دينك ما حيينا، وأن نلقاك مسلمين قد سترت عيوبنا، وغفرت لنا الذنب، وقبلت التوب، وأحسنت العاقبة، وكتبت لنا المنزلة الجليلة عندك والمقام الكريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله منشئ الكون، ومخرج الأشياء من العدم إلى الوجود، ولا يخرجُ شيء من عدمه إلى وجوده إلا بكرمه، ولا تصرّف لأحد في شيء من خلقه إلا بإذنه، ولا يملك أحدٌ لنفسه موتاً ولا حياة، ولا ضرّاً ولا نفعا خارج إرادته، ولا سير لشيء لغايته إلا بتقديره، ولا قيام لشيء طرفة عين أو مادون ذلك إلا بمدده. ملكه وهو المطلق أوسع من أن يقبل زيادة، ولا يملك أحدٌ له نقصا، ولا يمكن أن يعتريه قصور، ولا يضع له أحد حدّاً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله ألا فلنتق الله خالقَنا ورازقَنا ومن بيده الأمر كلّه؛ وكيف لا يُتّقى وهو الله. وتقوانا الله تبارك وتعالى حاجة لنا لا حاجة له فهو الغنيُّ الحميد. التقوى نطهُر بها ونسمو، ونستمطر من رحمة الله، ونستسقي من عطائه، ونستنزل من بركاته، ونتأهل لجنَّته، ورفيع المنازل من لدنه، وننال قربه ورضاه وهو أغلى أمنية السالكين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أكرمنا بطاعتك، وتجنّيب معصيتك، وارزقنا تقواك، واسلك بنا إليك، واحمنا من أن تزِلّ لنا قدمٌ عن صراطك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم انصره نصرا عزيزا مبينا ظاهرا، واجعلنا من أنصاره في غيابه وظهوره ياكريم يارحيم.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذا عدد من الأمور يجري الحديث بشأنها بمقدار ما يسع الوقت.
أولاً: زهراء السموّ.. زهراء الخلود:
للأشخاص أعمار، وللشخصيات أعمار قد تختلف عنها، وتطول كثيرا عن عمر الشخص. وعمر الشخصية قد يكون مؤقّتاً وإن تجاوز عمر الشخص، وقد يكون ذلك العمر ممتداً في دوام.
والشخصية الأكثر دواماً هي الأوسع أفقا، والأسمى مقاما، وهي الشخصية الكونية، أو قل بالأدق الشخصية الإلهية التي تجد دائما ارتباطها بالله سبحانه وتعالى، والله هو الأزليّ الأبدي الذي لا بداية له ولا فناء.
وإنما تمتد الشخصية في عمر الزمن، وتتجاوزه حينما تكون صلتها بالله، وصناعتها في ضوء الارتباط به، وعلى ضوء من أسمائه الحسنى مما يمكن للإنسان أن يتخلّق بأخلاق رفيعة في ضوئها.
هناك شخصية عشائرية، تنطلق من منطلق الإحساس بقيمة العشيرة، وتحيا للعشيرة، وتموت للعشيرة، وتقف طموحاتها عند تقدّم العشيرة. وهذه لابد أن تموت بموت العشيرة، وتنقضي بانقضاء العشيرة.
وهناك شخصية قطرية، وشأنها شأن الأولى. في صيرورتها إلى انتهاء. وشخصية أخرى إقليمية، وهي وإن امتدت بعض زمن أكثر مما سبقها فإنّها إلى تلاشي. والشخصية القومية مجراها هذا المجرى. والشخصيات المذهبية التابعة للمذاهب المنغلقة، وللعصبية المذهبية لا لبّ مذهب حقٍّ في معرض الذوبان، وفي معرض التلاشي والغيبوبة.
هناك عظماء يغيبون، وعظماء لا يغيبون، عظماء القوّة من قوّة المادة إلى ذوبان، وعظماء المال إلى ذوبان، وعظماء الجاه والسلطان إلى ذوبان، وعظماء الاختراعات والكشوفات إلى ذوبان، وعظماء الجمال المادي إلى ذوبان، أما الذين لا تنتهي عظمتهم ولا تذوب ولا تتلاشى فهم أصحاب العظمة المعنوية، أصحاب جمال الروح، ولا جمال لروح تنفصل عن الله سبحانه وتعالى.
بِمَ عظمت فاطمة عليها السلام فكانت قدوة في سماء الإنسانية؟
قدّروا أنها سكنت أفخم القصور، قدّروا أنهم لبست الحرير والديباج، قدّروا أنها طعمت ما لم يطعمه كل الآخرين لذّة غذاء، وشربت ما لم يشربه كل الناس لذّة شراب، فهل يمكن لها من خلال كل ذلك أن تخلد، أن تكون العظيمة في ضمير الإنسان، أن تحتلّ المحلّ الرفيع في قلب الإنسانية فيتعشّقها جمالاً خالداً، وروعةَ قيم إنسان يعيش إنسانيته الرفيعة بحق؟! كل الذين عاشوا هذه الحياة الدنيوية… عاشوا أجواءها الماديّة وذابوا فيها، ونالوا من لذتها وسكرتها لفّهم الزمن إلى نسيان. الذين واللاتي يبحثون عن العظمة في فخامة المنزل، فخامة السيارة، في المواقع الرسمية، في المواقع الشعبية، في العناوين الاعتبارية، في حالات البذخ، في حفلات الترف، في مظاهر التفاخر الدنيوي، في مواقع الوظائف، سيبقون يبحثون كلَّ حياتهم عن العظمة، ولكنهم لن يجدوها.
أؤكد لكم أيها الأخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات أنّ هناك حيواناً أجمل من إنسان، وأبذخ حياة، وأفخم مركباً، وأرقى منزلا، سواء كان هذا الحيوان يمشي على أربع أو كان ذلك الحيوان يمشي على رجلين. أليس من كلاب حقيقيين – وليس على نحو المجاز – يعيشون القصور الفخمة؟ ويصلون إلى أجواء الفضاء وإلى القمر؟ ويأكلون ألذّ طعام، ويشربون ألذ شراب، ولكن هل تعطيهم قيمة فقير مغلوب لفقره في كوخه المظلم بروح مضيئة؟ وبإيمان كبير؟ وبعقلية فذّة؟ وبنية صالحة؟ قارن أنت أنت ولأقارن أنا أنا بين معنويات يوم لذّة الجسد وإثم الروح، يوم يمرّ علينا نعيش فيه لذّة جسد، وإثم روح لأننا ظلمنا، لأننا عصينا، ويوم آخر نعيش فيه نشاط روح، وحيوية روح، ويقظة روح، وتوثّب روح، وتطلّع روح، وإيمان روح، وصفاء روح، ولكن في ذلك اليوم نفسه نكون قد عانينا من فقر، عانينا من جوع، عانينا من لطمة مادية، أي اليومين تعتزّ به؟ وأي اليومين تبقى كبيرا من خلال ذكريات معنوياته؟ وأي اليومين تأمل فيه خيرا بين يدي الله تبارك وتعالى؟
نعم، من بلغوا حد الأنعام أو كانوا أحطَّ شأنا لا يستطيعون أن يخرجوا من هذه المقارنة بما ينبغي أن يخرجوا به منها؛ وهو أن العظمة في يوم حياة الروح ولذّتها، لا في يوم المتعة الذاهبة لجسد يتبدّل مرة بعد أخرى.
خطوة واحدة أيتها الأخت المؤمنة قرري اتخاذها الآن على طريق فاطمة عليها السلام. خطوة الحجاب اللازم شرعاً، أضيفي إلى ذلك زينة الحشمة والوقار ليتمّ الأمر. ثم تابعي خطواتك مع فاطمة عليها السلام في كل ميادين الحياة وآفاقها الرحبة.
ولماذا لا؟ ماذا تريدين؟ سعادة دينا؟ ليس أسعد من فاطمة عليها السلام مع كل آلامها. سعادة آخرة؟ مَنْ مِنْ نساء ورجال لا يتمنّى مكانة فاطمة عليها السلام عند الله؟!!
حرية المرأة:
القاعدة الشرعيَّة في الإسلام أن لا قيد لإرادة أحد من خلق الله في نفسه على إرادة أحد. وأن الإرادة التشريعية الماضية على أي شيء من الخلق إنّما هي لله وحده بلا قيد ولا حد، على أنه تبارك وتعالى هو أعلم العالمين، وأحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين.
ومشترك الرجل والمرأة هو إنسانيتهما، وبذلك يمثّلان من هذه الجهة بالتحديد موضوعا واحدا لا تعددية فيه بلحاظ موضوعيته، ولا بلحاظ الأحكام المترتبة عليه. ولذلك جاءت القاعدة الشرعية بوحدة خطابات التكليف الإلهي لهما، وكذلك وحدة العقوبات الدنيوية المترتبة على بعض أفعالهما.
ويمكن أن نجد مفارقة بينهما في بعض الموارد النادرة سواء كان ذلك في مجال التكليف أو العقوبة. ولابد أن يكون لذلك منشأ من فارق الخصوصية الصنفية التي تمثّل موضوعاً آخر متباينا بينهما لا يصح أن يُلغى اعتباره في مقام التشريع العادل، ولكن بما لا يمسّ النظر إليه إنسانية أحدهما بالتأثير السلبي، ولا ينقص من كرامته على الإطلاق.
وتستطيع أن تلقى أمثلة بذلك في مسألة الجهاد الابتدائي، وباب الصلاة، وباب الطهارة، والإرث، والقصاص، وغيرها مما تقف وراءه خلفية التنوّع الصنفي، والدور العملي المرتبط بذلك التنوّع، والقدرة على مواجهة الظروف الموضوعية والتحديات القاسية في التعامل مع الطبيعة، وطرق إنتاج الثروة، وتحديات الصراع، ونوع شيء من الواجبات المناطة بكل منهما مما يتلاقى بدرجة أكبر مع طبيعته.
وأما المثوبة الأخروية والمقامات الإنسانية والدرجات عند الله سبحانه فباب التنافس فيها مفتوح على مصراعيه أمام كل الناس ذكرهم وأنثاهم على حدّ سواء، ومن غير تفاضل أو تفاوت حيث إن مردّ ذلك إلى الكمال الروحي، والرفعة الإنسانية، ولا صلة لشيء من هذا نهائيا بخصوصية الذكورة والأنوثة، وما قد يرجع إليهما.
فالإنسان في الإسلام من حيث إنسانيته وطهره وكماله مؤمن وفاسق، ومتّق وفاجر، ومهتد وضال، وليس ذكرا وأنثى، ورجلا وامرأة وهو في الأخير فريقان – من حيث الإنسانية – فريق في الجنّة وفريق في السعير. قوام الأوّل رجال ونساء، وقوام الثاني رجال ونساء. وحتى تعرف أن تمايز الأدوار بتمايز الصنف لا يقوم عليه تفاضل إنسانية ولا ثواب تسمع مما روي عن الإسلام أن “جهاد المرأة حسن تبعّلها”، وأن “من ماتت في ولادتها فهي شهيدة”.
والحرية في الإسلام ليست مسألة انطلاقة غير مسؤولة وراء الشهوات، ولا تفجّر فيها يدمّر صفاء الحياة وأمنها وجمالها المعنوي، ويحوّلها إلى حياة حيوان. وليس حد الحرية أن لا نقتل الآخر ونلغيه جسدياً، ونأكل لقمة عيشه ظلماً فحسب، كما تذهب إليه مذاهب الأرض من معنى الحرية وحدِّها، ولكن يقيّد الحرية كذلك أن لا تُذهِبَ إنسانيتك وكرامتك وشرفك هدرا، ولا إنسانية الآخر وكرامته وشرفه، وأن لا تفسد في الأرض الإفساد المعنوي كما لا تفسد فيها موارد ا وحياة المادة.
وعلى هذا إذا طالبنا بحرية المرأة، وحرية الرجل على ضوء الإسلام طالبنا بأمر ليس هو ما يُطالب به من حريتهما بالمعنى الذي تأخذ به مذاهب المادة في الغرب أو الشرق أو أي مكان.
وما نسمعه من ضجيج صاخب وشعارات خادعة تنادي بحرية المرأة في مجتمعات المسلمين إنما تعني الحرية المادية المتاجرة بالمرأة سياسيا واقتصاديا وعلى كل المستويات، والمتخذة منها أداة تلهية ومقضى شهوة في معارض الأزياء والسينمات والمسارح والمراقص، وفي احتفال أقوام ممن يعدّون أنفسهم كباراً في هذه الحياة، وفي مؤتمراتهم، وفي كل زاوية ومفترق طريق.
نعم، يفضح نية السوء وراء شعارات الحرية للمرأة والتي تطلقها حكومات كثيرة، ومن خلفها مؤسسات وجماعات أمورٌ منها:
‌أ- أن هذه الحكومات كما تمارس الظلم والقمع ضد الرجل تمارسه بالقسوة نفسها ضد المرأة، وتنتهك حريتهما بصورة صارخة في أكثر ساحات الحياة، وتأبى عليهما أن يشاركا ولو بالرأي الحر في اختيار نمط الحياة السياسية التي ترتبط بهما، وبشعبهما وبأمتهما. فأين الفرق؟!
‌ب- أنها تصدّر، وتستورد المرأة لسد حاجة الملاهي والمراقص والفنادق التي تتلاعب بأعراض النساء، وتبيع عفتهن بالثمن الذي يربحها ماديّاً، ويلغي إنسانية المرأة ويدوسُ كرامتها.
‌ج- كاذب من قال أنه يحترم المرأة وهو يحتقر الرجل، ويكرمها وهو يهينه، ويحسن إليها وهو يسيء إليه، وكذلك من قال أنه يحترم الرجل وهو يحتقر المرأة، يكرم الرجل وهو يهين المرأة، يحسن إلى الرجل وهو يسيء إلى المرأة. فليس الرجل إلا امرأة، وليس المرأة إلا رجلاً من حيث إنسانيتهما، والمهان في هذا أو ذاك واحد وهو الإنسانية.
وشعارات الحرية بالمعنى الغربي المطروحة في بلاد المسلمين على لسان عدد من الحكومات والفئات لابد أن تكون لها منطلقاتها الخاصة إذ لا معلول بلا علّة، ولا ظاهرة بلا سبب، ونجد أن من أسباب ذلك:
‌أ- الحاجة إلى إرضاء الغرب وتمرير مشاريعه، وتنفيذ رغباته ليعين تلك الحكومات على شعوبها فضلا عن التغاضي عن مظالمها لتلك الشعوب.
‌ب- وبقاء الحكم التسلطي وإضعافه لإرادة الشعوب الإسلامية وتبذخه على حسابها أراه محل توافق بين الهيمنة الاستكبارية العالمية وبين ذلك النوع من الحكومات في البلاد العربية والإسلامية لأنه من مصلحة الطرفين.
‌ج- يضاف إلى ذلك شرط مواجهة الإسلام على يد حكومات من أبنائه وهو الشرط الذي تحرص حكومات عديدة في بلاد العرب والمسلمين على الوفاء به، وهو الشرط الذي يأخذه الغرب على كثير من تلك الحكومات.
‌د- الحكومات المنفصلة عن الأمة الإسلامية رؤيةً وهمّاً ومصلحةً لابد أن يدخل في مشروعها السياسي مواجهة الإسلام وإضعافه.
هذه الشعارات الزائفة الكاذبة تحاول أن تحدث فتنة بين طرفيي المركّب لأي مجتمع بشري وهما الذكر والأنثى، تفتيتا للمجتمع إلى جنب محاولات التفتيت الأخرى للشعوب في داخلها وكذلك فيما بينها والتي تعمد إليها حكوماتٌ تجد في فرقة المجتمع فرصة بقاء أطول لها.
‌ه- تحاول هذه الشعارات المخادعة حسب الهدف الغربي وهدف ذلك النوع من الحكومات أن تكسب نصف أي شعب من شعوب الأمة المستهدفة والمتمثل في المرأة بلا ثمن وعن طريق المغالطة، وتنال نصرتها أو تحيِّدَها على الأقل في معركة المطالبة بالحقوق، وذلك على طريقة خدعوها بقولهم حسناء.
‌و- يمثل المسخ الحضاري لهوية الأمة الإسلامية وتراكم التغيرات السلبية في عقليتها وشعورها وانتمائها الحضاري هدفا مركزيا للاستكبار العالمي وأتباعه.
وما يؤمّل في المرأة المسلمة أن تكون قد تجاوزت، وأن تعمل بدرجة أكبر على تجاوز أن تكون في موقع خدعوها بقولهم حسناء، ومصداقا لهذه المقولة. ويؤمل فيها أن لا تظن بشريعة ربها سوءا، ومحاباة لرجل على حساب امرأة بفعل الشعارات والحملات الإعلامية الماكرة، وأن تحتكم هي وأخوها الرجل في كل القضايا ومنها قضايا العلاقات الأسرية، والعلاقات العامة بينهما إلى شريعة ربهما العدل الحكيم الرحمن الرحيم.
قرار وزارة العدل:
وهو المتعلق بتوقيف بناء أي مسجد أو حسينية أو مزار أو صالة تابعة لأحد هذه المرافق على موافقة وزير العدل، وموافقته هي مقدمة أي إجراء آخر يتطلبه أمر البناء.
وقالت الوزارة عن هذا الإجراء المضاف إلى الإجراءات القائمة أنه لتسهيل ورفع العوائق، ولم يفلسفوا هذا الأمر المستغرب، وكل الظواهر ولب هذا الإجراء على خلافه.
وعلى تقدير ذلك فإنها خدمة مردودة من الأوقاف والواقفين والإدارات المعنية والعلماء والجمهور ولتوفّر الوزارة جهودها في هذا المجال وهي مشكورة لو توقّفت عن هذا التدخل.
وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء الذي يسقط الصلاحية التاريخية والمذهبية المعمول بها من دائرة الأوقاف لعشرات السنين، والمتصلة بما تحت يدها من الموقوفات ليس فيها مساس للخصوصية المذهبية، ولا ندري أي مساس بالخصوصية المذهبية في هذا المجال هو أوضحُ من هذا.
نعم، لو كان المقصود من عبارة العدل العكس، وأنها عبّرت عن الشيء بما يفيد معنى الضد له، لكان صادقا؛ فإذا قالوا بأن هذا ليس مساسا بالناحية المذهبية، وهم يعنون أنه مساس فتعبيرهم صحيح، أما إذا كانوا يقصدون المعنى الحقيقي فهو شيء يبطله الوجدان تماماً.
وقالت الوزارة أنها ستشكل لجنة فنية من موظفي الوزارة المختصين بالشؤون الهندسية ينضم إليهم ممثل عن كل دائرة من دائرتي الأوقاف للطائفتين الكريمتين لتقدم دراستها بشأن أي طلب لبناء أي دار من دور العبادات ولواحقها إلى وزير العدل الذي بيده أن يسقط الطلب مباشرة ويئده في أول خطواته أو يوافق عليه.
وهل يعني هذا أن المهندسين الفنيين الكبار لا وجود لهم في وزارات الدولة ودوائرها ذات الشأن، وأنهم موجودن في وزارة العدل بالخصوص فحسب؟! ومسكينة هي المشاريع العمرانية الأخرى حيث تُحرم من الاستفادة من هذه الكفاءات المتميّزة. مشاريع العمران في الدولة كيف تقوم؟ إذا كان المهندسون الكبار كلهم يتركزون في وزارة العدل أما الوزارات الأخرى فلا حظ لها من ذلك، إذاً كل مشاريع الإعمار في الدولة سيدخلها الخلل، إلا مشاريع المساجد والحسينيات فإنها مرحومة لتدخُّل وزارة العدل فيها.
وما قيمة هذا التمثيل الشكلي لدائرة الأوقاف، وما قيمة كل الدراسة والبحث، والقرار إنما هو بيد وزير العدل نفسه وهو راجع إلى تقديره؟ ولو كان القرار راجعا إلى رعاية الناحية الهندسية لما كان من معنى لأن يكون القرار بيد وزير العدل لأن وزير العدل لا يقدم نفسه على أنه من أهل الاختصاص في الهندسة.
نعم، إذا كان القرار سياسيا محضا صحّ جدا جدا تدخل وزير العدل، وأن يكون القرار بيده خالصا، وأمَّا بحث الآخرين ودراستهم فيرد عليهم إذا كان مقتضى اللحاظ السياسي على خلافه.
انتقل القرار كما تقول الوزارة إلى مرحلة التنفيذ وهي تريد أن تقول بأن شكواكم من القرار وتوجهاته السياسية الخاطئة، وسحقه للحقوق المذهبية، واعتراضكم عليه، ورفضكم له نرمي به كلها في المزبلة، وهي لغة ليس من الصالح على الإطلاق أن يتعامل بها مع الشعب.
الأوقاف الجعفرية رافضة للقرار، العلماء يرفضونه، إدارات المساجد والحسينيات والمزارات ترفضه، الجمهور يرفضه، والقرار جائر، وسياسي بحت، وفيه إلغاء لحق ديني ومذهبي، وعملية بناء المساجد والحسينيات عندنا جارية فعلا طبق الضوابط الرسمية وهي تحت إشراف دائرة الأوقاف المختصة، ولم تتعدَّ القانون، ولم تدخلها فوضى، ولم تشهد تجاوزات، ولم يحدث تساهل من الدائرة المختصة بشأنها، ولم تتسبب في إحداث خلل فني، أو متصل بقضية الخدمات، وما أغنى الدولة عن هذه الاستهدافات المؤذية، والإثارات الضارة، وما أغناها عن الدفع المتواصل في اتجاه توسيع الفواصل بينها وبين الناس.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل قلوبنا مهمومة مغمومة للدنيا، ولا تسلمنا لكربها ومصائبها، وأنقذنا من مكرها وخدعها، واجعل حياتنا عامرة بالإيمان، مزدانة بالخير والصحة والعافية والتوفيق، ومماتنا خير ممات، ومبعثنا خير مبعث، واحشرنا في زمرة النبيين والمرسلين، والأئمة الطاهرين، والأولياء والصالحين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، يا أكرم الأكرمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
____________________________
1 – 20/ الحديد.
2 – بحار الأنوار ج69 ص39.
3 – مستدرك الوسائل ج12 ص 93.
4 – واللعوق هو الأكل بالإصبع، واللعوق هو ما يؤكل بالإصبع من مثل العسل والدواء وما إلى ذلك، والسعوط داء يصب في الأنف.
5 – بحار الأنوار ج70 ص234.
6 – الصحيفة السجادية، دعاؤه في مكارم الأخلاق.
7 – بحار الأنوار ج7 ص216.

زر الذهاب إلى الأعلى