خطبة الجمعة (326) 17 جمادى الأول 1429هـ – 23 مايو 2008م

مواضيع الخطبة:

* متابعة موضوع ذكر الله *دين رهن الإشارة *أبيدينا يا إخوة؟! *الصلح اللبناني *تعليق خفيف *أصعب عمل سياسي

نحن إذ نهنئ اللبنانيين بما رضوا به من الصلح لنرجو من الله سبحانه أن يصيروا إلى تفعيله قريبا من غير توان درءاً لأي فتق جديد مدمِّر، وأن يكون صلحهم هذا خطوة أولى على الطريق الصحيح الذي يرضاه الله تبارك وتعالى.

الخطبة الأولى

الحمد لله خالق الخلق، باسط الرزق، مالك الملك، مدبِّر الأمر، القاضي بالحق، قابل التّوب، ساتر العيب، غافر الذنب، وهو العزيز الحكيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطَّاءة بتقوى الله، وعدم الاستخفاف بشيء من معصيته، لأن ذلك من الاستخفاف بشأن الله العظيم، وحقّه الجسيم، وكيف يهون على عاقل أمرٌ أو نهيٌ لله الذي لا إله إلا هو، ولا ربّ سواه؟! وهل الاستهانة بالنهي إلا استهانة بالناهي؟ وهل الاستهانة بالأمر إلا استهانة بالآمر؟
وقد جاء عن عليّ عليه السّلام:”أشدّ الذنوب ما استخفَّ به صاحبه”(1). ولا عجب لأن هذا الاستخفاف من أكبر الجهل على الله عزّ وجلّ، وأكبر التطاول.
اللهم أعذنا من أن نستخف بشيء من دينك، وأن نُخلّ بشيء من طاعتك، أو نقتحم شيئاً من معصيتك، وأن نرضى عنك بدلاً، وعن دينك متحولاً.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد فهذه وقفة يسيرة مع بعض النصوص نقرأها وهي في ذكر الله تبارك وتعالى:
“عن بعض الصّادقين عليهم السّلام:”… ذكر اللّسان الحمد والثناء، وذكر النّفس الجَهْد والعناء، وذكر الرّوح الخوف والرّجاء، وذكر القلب الصّدق والصّفاء، وذكر العقل التّعظيم والحياء، وذكر المعرفة التّسليم والرّضاء، وذكر السّر الرّؤية واللّقاء”(2).
لنا جوارح وجوانح وكلُّها من هبات الله سبحانه وتعالى وأفضاله، وبعضها أدوات لنا في حياة البدن مع صلة لها بحياة الروح، وبعضها هي أدوات لنا في حياة الروح وتحليقها، وحياة الإنسان المتكاملة هي حياة تقوم على تفعيل كل جوارحه وجوانحه على الخطّ الذي رسم الله تبارك وتعالى، فلا تعطيل لجارحة من الجوارح، ولا تعطيل لقوة من قوى الداخل الخيّرة، ولا انحراف بأي طاقة أو جارحة أو موهبة من مواهب الله عن الخطّ القويم الصاعد له سبحانه وتعالى.
واللسان جارحة من الجوارح التي نستطيع أن نعبّر من خلالها عن صلتنا بالله، وعن الثناء عليه، والحمد والشكر له. ووضعُ اللسان موضعه، والاعتراف له بوظيفته يقتضي أن يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى.
والنّفس ذكرها أن تجهد وتنصب بمعنى أن تكدح في ذات الله تبارك وتعالى، النفس الكادحة في سبيل الله، العاملة على خطّ الله، المستعملة للجوارح في الوظائف التي كتب الله سبحانه وتعالى هي نفس ذاكرة، وإذا لهت النفس وانفصلت عن ذكر ربّها تبارك وتعالى إمّا أنها تكون في حالة استرخاء قاتل أو في حالة انحراف وتردٍّ، وعندئذ لايكون شيء من الجوارح على الخطّ المطلوب.
لنا روح، وهي أشرف طاقات الإنسان أو إنها منبع طاقاته الكريمة؛ هذه الروح تحمل مشاعر موصولة بالحقّ، ومن ذكرها أن تعيش حالة حضور لهذه المشاعر، وحالة يقظة، ووصلٍ بالله سبحانه وتعالى، وعندئذ إذا كانت ذاكرة فلابد أن تخاف من الله، ولابد أن يكون رجاؤها فيه.
والقلب مرّة يصدق إيمانه، ومرة يكذب، ومرة يصفو من الشريك، ومرة يشوبه شرك، والقلب بصدقه وصفائه الإيماني، وخلوص توجّهه لله تبارك وتعالى، وتخلّيه عمّا يشوب جوّ الصفاء الإيماني فيه من أحقاد وأحساد وأمراض أخرى ب يكون القلب الذّاكر.
وذكر العقل التعظيم والحياء. العقل كما قسّموه نظريّ وعملي، والعقل النظري يُصاب بالانبهار أمام عظمة الله سبحانه وتعالى، أن ينفعل بحالة التعظيم، وكذلك العقل العملي أو الخلقي عند الإنسان أو الضمير الحي يعظّم الله تبارك وتعالى، ويعيش حالة الحياء، والاندكاك أمام عظمته عزّ وجلّ.
الوجدان الطاهر الذي ينكشف له من عظمة الله ما ينكشف، ويظهر له من فضل الله ما يظهر، لابد أن يعيش حالة العبودية الصادقة، وأن يُعظّم الله، ولابد أن تغمره حالة الحياء من الله.
وذكر المعرفة التسليم والرّضا. فمن عرف من شأن الله الشيء المناسب لم يقف أمام أيّ قدر من قدر الله، وأمام أي قضاء من قضاء الله بالتساؤل والمناقشة، ولو استعصت عليه فلسفة الأمور لم يبقَ مضطرباً. إن ذلك القلب بما له من شأن معرفي يجعله يُسلّم الأمر لله تبارك وتعالى ويرضى بكل ما يجري به قضاؤه وقدره. إنَّ هذا الإنسان بهذه المعرفة ليرى من نفسه أمام الله سبحانه أنّه أقلّ من النملة، ومن البعوضة أمام الإنسان، بل لايرى من نفسه أنه شيء علماً ومعرفة وقدرة ورحمة وحكمة وتقديراً وتدبيراً أمام الكامل المطلق والربّ المتعال.
وذكر السر الرؤية واللقاء: أي سر هو ذاك؟ لا أدري، ولكن يظهر منه أنه أبعد بُعد، وأشرف مرتبة، وأعمق عمق، وأرقى مرقاة في الذّات الإنسانية، وذلك البعد البعيد، والعمق العميق، هو أقرب ما في الإنسان إلى المعرفة الراقية بالله سبحانه وتعالى؛ بحيث يعيش أعلى درجة من المعرفة، وهي رؤية باطنية، ولقاء باطني من الروح لباريها تبارك وتعالى، وإن كان ذلك اللقاء إنما هو بحسبها لابحسب الله تبارك وتعالى الذي لا تدركه الأبصار، ولا تحدّه الخواطر، ولا يصل إليه وهم، وتبقى عظمته تبارك وتعالى خارج كل التصورات، وكل التقديرات، وكل ما خطر على قلب بشر من عظمة وجلال وجمال وكمال.
{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(3).
هناك ذكر علني، وذكر خفيّ تعيشه المشاعر، ذكرٌ تبقى به المشاعر ساجدة لله دائماً وأبداً، وتبقى كلّ الخواطر من خلاله تعيش هيبة الله تبارك وتعالى، وتبقى النفس تعيش دائماً الخوف والرجاء له، ذلك لأنها مشغولة بقدرها بعظمة الله، منشدّة إلى جمال الله، وجلال الله، وذلك الذكر الخفي هو الذكر الأكبر الأعظم.
تقول الأحاديث بهذا الصدد “لايكتب الملك إلاّ ما يسمع، قال الله عزّ وجل:{ اذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} قال: لا يعلم ثواب ذلك الذّكر في نفس العبد غير الله تعالى”(4).
الملّك واسع الاطلاع، ولكن لاطلاعه حدود، والمطّلع على السرائر، وما تكنّه الصدور، وعلى غير ما تنفعل به هذه اللحظة، وما مضى من سرّها، وما يأتي إنما هو الله تبارك وتعالى.
فبحسب علم الملك المحدود قد يعلم شيئاً وقد لا يعلم شيئا آخر، وما لم يعلمه إلا الله تبارك وتعالى من العبد لا يعلم ثوابه إلا هو سبحانه وتعالى، والتعبير بأنه لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس العبد غير الله تعالى إشارة إلى عظمة ذلك الثواب، وأن تقدير الممكنات لهذا الثواب لاتأتي عليه وكما هو عند الله تبارك وتعالى.
“يا أبا ذر اذكر الله ذكراً خاملاً، قالت: ما الخامل؟ قال: الخفيّ”(5).
هو ذكرٌ خامل لأنه لايظهر للناس ولا يظهرك في الناس مؤمناً، من درجة الذاكرين، فربما بقي ذكرك في المؤمنين خاملاً، ولكنّك مذكور عند الله ذكرا عليّا، ذلك لأنه وإن كان لسانك في صمت إلا أن قلبك مشتغل بذكر الله تبارك وتعالى، وذكر القلب لبارئه ليس بمستوى الخاطرات، وإنما بمستوى الانفعال، وبمستوى الاندكاك، وبمستوى استيلاء الهيبة، وحس العبودية الذي يملأ على القلب كل أقطاره. إنّه ذكر عظمة الله تبارك وتعالى من العبد ذكراً يجعله في موقف الخضوع والخشوع والتزلزل أمام العظمة اللامتناهية لينتهي إلى الاطمئنان والسكينة والوثوق برحمة الله ولطفه الغامرين.
“اذكر الله ذكراً خاملاً قال أبو ذر: قلت: وما الخامل؟ قال: الخفيّ” ليس هناك فرق كبير بين أن أقول سبحان الله وأن تمر بي في القلب خاطرة سبحان الله، بل لا فرق أصلا في الحقيقة، إذا لم يكن “سبحان الله” مما في القلب يعني أن القلب يعيش حالة تبرئة تامة، وتنزيه تام لله تبارك وتعالى ولفعله، وقضائه وقدره، ويشهد بعدل الله، ورحمته، ولطفه، وحكمته مصدّقاً تماما بكل ذلك في أشد لحظات المحنة والضيق والضنك. هذا هو الذكر الخفي الذي يعني نوعاً متميّزاً من الذكر.
“يفضل الذّكر الخفيّ الذّي لا تسمعه الحفظة على الّذي تسمعه سبعين ضعفاً”(6).
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ… }(7).
ما تلك البيوت؟ يأتي الحديث موضحا:
“أخرج ابن مردوية عن أنس بن مالك وبريدة قالا: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم هذه الآية {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ} فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يارسول الله؟ قال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يارسول الله هذا البيت منها لبيت عليّ وفاطمة؟ قال: نعم من أفاضلها”(8).
“في كتاب المناقب لابن شهرآشوب… لمّا كانت السّنة التي حجّ فيها أبو جعفر محمّد بن عليّ ولقيه هشام بن عبدالملك أقبل النّاس يتسائلون عليه فقال: عكرمة: من هذا؟ عليه سيماء زهرة العلم لأخزيّنه، فلمّا مثل بين يديه ارتعدت فرائصه وأسقط في أيدي أبي جعفر عليه السّلام(9)، وقال: يابن رسول الله لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عبّاس وغيره(10)، فما أدركني ما أدركني آنفاً!. (11)
فقال أبو جعفر عليه السّلام: ويلك يا عبيد أهل الشّام إنّك بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه”(12).
فهي ليس بيوت طين وحجر، إنها بيوت من القلوب العامرة بذكر الله، بمعرفته سبحانه وتعالى.
“عن أبي حمزة الثّماليّ قال: قال أبو جعفر عليه السّلام لقتادة: من أنت؟ قال: أنا قتادة ابن دعامة البصريّ. فقال له أبو جعفر عليه السّلام: أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم…… فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام –قدّامهم ظ – فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك”.
يقول يمكن أن قد مسَّ قلبي شيء من هيبة عالم من التقيتهم من العلماء ولكن أن اندكّ أمامه، أن أتحول شيئاً صغيراً جداً أمامه، لم يحدث لي في موقفي من أي عالم، وقد حدث لي ذلك في موقفي منك.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: أتدري أين أنت؟ بين يدي “بيوت أذن الله….” فأنت ثمّ(13)، ونحن أولئك.
فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك والله ما هي بيوت حجارة ولا طين….” (14).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا أرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم، يا من وسعت رحمته كل شيء، ولا تضيق قدرته عن شيء، يا حنّان يا منّان أنقذنا من كل سوء، وأخرجنا من كل شر، وادفع عنّا كل أذى، وجنّبنا كل مخوف من أمر الدنيا والآخرة، وباعد عنا محذورهما، وآمنا من مكروههما، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك يا علي يا عظيم، يا عزيز يا حكيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن، وهو رب العرش العظيم، العليم المحيط بكل شيء علمُه، ولا يحيط بعلمه شيء أبداً، القدير الذي لا يُعجز قدرته شيء، ولا يقدر على شيء من أمره أحد، ويخافه كل شيء ولا يخاف أحداً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله الذي لاوجود ولاحياة ولاخير إلا بإنعامه وتفضّله، ولاشريك له في صنع أو رزق أو تدبير، ولاتقاوم قدرته، ولاتناهض إرادته، ولاينقض قضاؤه، ولاتُردُّ إرادته، ولايُحتمل غضبه، ولايُطاق عذابه. ألا يخشى، ألا يخاف، ألا يتقى من هو هكذا، ولا هكذا غيره؟!!
نخشى ممن قدرته محدودة، ممن علمه محدود، ممن هو مملوك، من هو عبد أسير لله، ثم لا نخشى الله العلي العظيم!!!
ومِن تقوى الله ألا نقول إلاّ بحقّ، ولا نعمل إلا بحقّ، وأن لا نضمر إلا الخير، ولا نسلك إلا الرشد، ولا نأخذ إلا بالهدى، ولا يكون من قصدنا السوء، بل نستهدف الإصلاح، ونسعى فيه، وندعو إليه.
أعذنا ربنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من موت على جاهلية، ومن حياة تقود إلى النار، ومن عار الدنيا والآخرة وفضيحتهما، ومن كل خزي وهوان يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين حجج الله على عبادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم المهدي.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك وانصرهم نصرا عزيزا كريما مبينا ثابتا دائما.
أما بعد فهذه بعض موضوعات:
دينٌ رهن الإشارة:
1. دين رهنُ الإشارة، وطوعُ البنان هو حاجة ماسّة تعيشها كل الأنظمة التابعة للغرب أو الشرق والتي تحكم شعوباً إسلامية لم يتم مسخها بدرجة كافية للتوافق الفكري والنفسي والعملي مع أنظمة منفصلة عن هويَّة الأمة ومصالح أبنائها.
2. وهذا الدين المطاوع للسياسة المنحرفة عن خط الأمة، الباغية عليها؛ له مقوماته على الأرض وآلياته؛ ومن ذلك:
‌أ. علماء وطلبة علم دينيون داخلون في خدمة المشروع الديني الرسمي لأيّ نظام مما وُصف سابقاً ولخدمة الغرض السياسي للنظام. وأولئك العلماء والطلبة منهم النوع المصنوع، ومنهم النوع المشترى من السوق القائمة من هذا النوع.
‌ب. تحريف العدد الكافي من الرؤى والمفاهيم الإسلامية، والأحكام الشرعية، والتلاعب بمؤدّى النصوص من الكتاب والسنّة وبما يفتح الباب لتبعية الدين لهوى السياسة.
‌ج. الهيمنة على مراكز الإشعاع الديني من مثل المسجد والحوزة ووضعها تحت الوصاية والتحكم الرسمي.
‌د. غلق كل المنافذ التي تمكّن من استقلال أي جهة دينية صادقة، وربط كل الوجود الديني بعطاء الحكومات من الناحية المالية ومنعها.
‌ه. الأخذ بأنواع المطاردات المختلفة حسب المقتضي وظروف المكان والزمان لأي وجود ديني غير مساوم على دينه.
‌و. انتشار مؤسسات رسمية باسم الدين تمارس نشاطا إسلاميا دعائيا ومزوّرا ضمن منهجة خاصة تسلب من الدين لبّه، وتحوّله أداة طيّعة لتنفيذ مآرب السياسة المنحرفة، وتحاول أن تسد حاجة النفوس والأرواح للدين بالصورة الكاذبة التي لا تنافي تلك المآرب بل تخدمها.
3. عمليّة تذليل الدين وتطويعه لما يأتي على قياسنا، حكومات كنّا أو أفرادا أو جماعات، وما نهوى، وما لا نهوى، حسب الحاجة، وما تتجه إليه التقديرات الشخصية عند هذا الفرد أو ذاك، وهذه الجماعة أو تلك.
وقد حمى الإسلام نفسه تشريعاً من هذه الفوضى والضياع بتحديد المرجعية الدينية الحجّة في الفهم الديني في زمن حضور المعصوم عليه السلام وغيابه كذلك، بأن أرجع إليه في زمن الحضور، وإلى الفقهاء العدول في زمن الغيبة؛ فمن راعى هذا التشريع خرج من الفتنة، ومن لم يصبر عليه وقع فيها.
ومنذ القرون الأولى وإلى الآن لا يعرف المتشرّعة من أبناء هذه الأمة مرجعية في تلقّي أحكام الشريعة في مختلف ساحات الحياة غير المرجعية الفقهية من النوع الذي وصفته الروايات… فعليك بهذا الخط.
أبيدنا يا إخوة؟!
حدث في ساحل الدراز مهرجانان باسم الترفيه، ويقيني أن لو استُفتي فيهما رسول الله صلّى الله عليه وآله مثلاً لنهى عنهما لمضرّتهما على الدين وحرمات المؤمنين.
وقد حدث ما حدث وهو مدان، وتكراره سيكون مرفوضا بشدة، وعلى المؤمنين أن يقوا المنطقة من هذا النوع من الممارسات الضارة، وإلا كنّا ممن يخربون بيوتهم بأيديهم.
والبيوت هنا تعني الدين والشرف والعرض والعفة وأخلاقية الإلتزام.
أما الترفيه فقد صار عند الآخرين ممن يروّجون للباطل – ولستم منهم – يتسع لكل منكر ولأفحش المنكرات التي تعج بها كثير من حفلات اللهو والمجون والشرب المحرم وألوان السقوط مما في فنادق وغيرها كما تعرفون.
فهذا العنوان يجب أن لا يخفف من حرمة المحرم، وبشاعة البشع في مشاعرنا.
وعلى الوفاق أن تعطي وجهة نظرها في المهرجان الثاني الذي لا ينفصل عن مسؤوليتها، وهدانا الله إلى سواء السبيل.
الصلح اللبناني:
1. كادت تتفجر الأوضاع الأمنية في لبنان وتندلع حرب أهلية طاحنة تحرق الكثير من أخضرها ويابسها، ومن يمشي على قدمين أو على أربع، ووقى الله منها بما حدث بين الأطراف من صلح، فحقّ لله الشكر على اللبنانيين وعلى غيرهم ممن يهمهم أمر الدّين كلّه والإنسان.
2. والدرس الذي يتوجب على الحكومات أن تتعلمه هو أن الأخذ بمبدأ الأثرة، وارتكاب المظالم في حق الشعوب، ونهب الثروات العامة، والتفرد الشخصي، أو العائلي أو الحزبي بأمور السلطة، والاعتماد على القهر والسوط والسيف يدخل البلدان في النفق المظلم، الذي لا يُخرج من كوارثه المهلكة للجميع إلا صلح كلّما تأخر كلّف تأخره الكثير، وكلّما بكّر كان أرحم، وإن لم يكن فهي المحرقة الشاملة التي لا تكاد تبقي وطنا ولا مواطنين، ولا شعبا ولا حكومة في أي مكان، وإذا انتهت الأمور إلى الاستبدال فالمستبدل هي الحكومات، وليست الشعوب.
ونحن إذ نهنئ اللبنانيين بما رضوا به من الصلح لنرجو من الله سبحانه أن يصيروا إلى تفعيله قريبا من غير توان درءاً لأي فتق جديد مدمِّر، وأن يكون صلحهم هذا خطوة أولى على الطريق الصحيح الذي يرضاه الله تبارك وتعالى.
تعليق خفيف:
ليس البناء عندي على الرد على كل ما ينشر في الصحافة حتى ولو كان مع ذكر الإسم الصريح، ولا على غير الصحافة كذلك من منبر الجمعة الشريف ولا من غيره، ولكن لا بأس بتعليق مختصر عابر على ما جاء في بعض الصحف في تناولها لتطرق الخطب هنا للشأن العام رفعا للإيهام واللبس الذي تثيره كلماتهم:
1. من سمة تلك الكلمات أن تعيد إثارة الدعوى مراراً وتكراراً حتى بعد الردّ ولو تكرّر.
2. يقولون بأن التعرض لذكر المظالم والمفاسد والأخطاء قد يثير الشباب، ويوجه إلى العنف وإن لم يدعُ له صراحة.
ونقول بأن في المسألة فروضاً ونسأل أيها المقبول ديناً وعقلا وعقلائياً بغض النظر عن رضا من يكتبون:
1. أن لا يكون ظلم ولا مفاسد، فلا تكون حاجة للإنكار والمطالبة بالتصحيح والعدل. وهذا هو الصحيح والمطلوب ولكن من ادّعاه فهو مفضوح، يفضحه الواقع الذي لا غبار عليه، فالظلم والمفاسد تملأ الأرض.
2. أن يكون ظلم وفساد، فيواجه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو العقلي، والعقلائي، والشرعي، وحتى القانوني.
3. أن يكون ظلم وفساد، ومعه صمت وتفرّج وإمضاء ومباركة. وهذه هي الخيانة، والمنكر الكبير، ومخالفة العقل والشرع ومصلحة الوطن.
بأي الفروض هم يأخذون؟ وأي فروض يريدوننا أن نأخذ به؟ هل نأخذ بفرض الصمت مادام ظلم وفساد؟!!
وعن شهادة اللجنة الطبية واضح أنها ذهبت إلى ترجيح أن الآثار التي بقيت بعد المدة الطويلة على أجساد الموقوفين دالة على أنها غير طبيعية، وأن مرجعها بضم الخبرة الطبيّة إلى الأثر في الدلالة هو التعرض للتعذيب.
وأي لجنة طبية يكون تشكيلها من جهة واحدة فقيمة شهادتها التي تحمل الإدانة للجهة التي شكلتها تختلف جدا عن قيمة الشهادة التي تتضمن التزكية لها(15)، الأولى مقبولة، والثانية يمكن جداً أن تكون مرفوضة. وإن إدانتها للجهة التي شكَّلتها مقبولة بما لا يجري مثله في إدانة الآخر، خاصة إذا كانت جهة التشكيل ذات سلطة، وتُخاف منها المؤاخذة والعقوبة.
ولتسمح لنا الداخلية والمدافعون عنها؛ ذلك أننا لا نستطيع أن نتعامل مع أقوالها تعاملنا مع القرآن الكريم والسنة المطهرة الثابتة إلى الحد الذي لايرد. يريدون لنا أن نأخذ أقوال الداخلية على أنها مسلّمات غير قابلة للخطأ، وهو غير ممكن.
أصعب عمل سياسي:
1. كل عمل إعماري بنّاء صالح يحمل تحدّياً وصعوبة تواجه وعي الإنسان وخبرته وإمكاناته وإرادته وصبره.
ومن أصعب هذا العمل ما اتصل بتصحيح مسار المجتمعات وتربيتها، والارتقاء بما هي عليه من أوضاع، ومن أصعب الصعب في هذا المجال التصحيح السياسي، ومعالجة أدوء السياسة وحل مشكلاتها، والأخذ بها على الطريق الصحيح الذي لا غبن فيه، ولا أثرة، ولا زيف، ولا مؤامرات، ولا طاغوتية ولا شر.
2. وأصعب ما تكون المعركة السياسية، وأبهظ ما يكون ثمنها، وأكثرها تحدّياً ومشقة وخاصّة في هذا الزمن السيء عندما يكون المواجِهُ للانحراف هو الإسلام الصادق رؤية وقيماً وأحكاماً وهدفاً، وهو إسلام التوحيد الحق.
فإذا كانت المعارك الدموية من غير الإسلاميين الصدق قد لا تعد إرهابا، فإن مجرد المطالبة السياسية وبالوسائل السلمية من حملة الإسلام الحقيقي ودعاته قد تواجَه من الآخرين على أنها إرهاب، ولا تعامل إلا من خلال هذا النظر.
وإذا كانت دنيا الباطل والاستكبار بغير حق في الأرض تنقسم بين مؤيد ومعارض بالنسبة لغير الإسلاميين بصدق وذلك حسب المصالح الدنيوية المختلفة؛ فإنها مجمعة على معاداة الإسلاميين والكيد بهم، وتجريمهم، وإن اقتضت بعض الظروف المراوغة أحياناً في ذلك، والسبب أن المسافة بين الإسلام الحقيقي والباطل لا توجد مسافة ببعدها بين أي طرح وطرح آخر، ولأن الإسلاميين الحقيقيين وإن أخذوا بالواقعية التي يرتضيها الإسلام، وقدّروا للظروف قدرها إلا أنهم لا يبيعون ديناً ولا مجتمعا ولا وطناً، ولا إنسانية، ولا يتنازلون عن إنسانية الإنسان، ولا يكذبون الناس، ولا يجهّلونهم توصلاً لمآرب الدنيا التي لا يرونها إلا حقيرة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أكفُّنا إليك مرفوعة، وقلوبنا برجائك مملوءة، وحاجاتنا لديك معلومة، ونفوسنا إلى سبيلك متعطشة، وآمالنا بكرمك متعلقة، فارحم تضرعنا إليك، ولا تردنا من فضلك خائبين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج70 ص 364.
2 – مستدرك الوسائل ج5 ص397.
3 – 205/ الأعراف.
4 – بحار الأنوار ج5 ص 322.
5 – بحار الأنوار ج90 ص342.
6 – كنزل العمال ج1 ص447.
7 – 36/ النور.
8 – تفسير الميزان 15 ص142.
9 – مع ارتعاده تهمّش في داخل ذاته، صار يشعر بالحقارة أمام أبي جعفر عليه السّلام.
10 – من علماء الأمة وفطاحلها.
11 – ما وجدت هذا الأثر الذي طغى على نفسي حين وقفت بين يديك.
12 – بحار الأنوار ج 46 ص258.
13 – أي هناك، فأنت عند تلك البيوت الرفيعة تقف أمام قلوب عامرة بذكر الله، موصولة بنوره، مليئة بمعرفته، ولها حظ كبير من جمال ذلك الذكر والمعرفة فلابد لقلبك أن يصغر، وأن يعيش حالة الضآلة أمام تلك القلوب.
14 – تفسير نور الثقلين ج3 ص610.
15 – أنت شكّلت اللجنة هل تقاس شهادة اللجنة عليك بشهادتها لك؟ فرق هائل.

زر الذهاب إلى الأعلى