خطبة الجمعة (322) 18 ربيع الثاني 1429هـ – 25 ابريل 2008م

مواضيع الخطبة:

*متابعة حديث ذكر الله *عودة إلى خبر ضرب الشابة المؤمنة *طلابهم أساتذة، وطلابنا ضحية*أوامر أو رغبات لاترد *إسلام بلا حديث

الدرس الذي لا ينبغي أن يفوت المسلم والعربي أن لا مكان للإسلام والإسلاميين في الديمقراطية التي قد يدعو لها أولئك الاستكباريون في أوطاننا العربية والإسلامية وتلتقي معهم في ذلك إرادة الأنظمة التابعة لهم في عالمنا العربي والإسلامي، وإن اختلفت معهم في التحسس والتوجس من أي مستوى من الديمقراطية ولو كانت كاذبة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي يسعد بطاعته المطيعون، ويشقى بمعصيته العاصون، ولا يُربَحُ على غيره كما يربح بفضله المحسنون، ولا يجد سواه توّاباً غفّاراً مبدّلاً للسيّئات حسنات المذنبون، ولا يذكر أحداً مثله عظمة وجلالاً وكمالاً، وجوداً وكرماً وإيناساً الذّاكرون، ولاينبغي أن يطمئن لغيره المطمئنون.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا فلنتّق الله، ولنشكر نِعمَه، ولنُحسِن التصرّف في ما رزق، والاستفادة مما وهب، وكلّ ذلك بوضع النعم في مواضعها التي أراد، وتوجيهها الوجهةَ التي أمر، وصرفها عن الدروب التي نهى، وإنه لمن نكران الجميل، والتمرّد على المنعم، والكفران بسوابغ النعم أن تُحرَّف النِّعمُ عن مواضعها، وتصرف في معصية الله، وأن تستعمل سرفاً، وتهدر هدراً. وما عاقبة هذا السوء في الموقف من النِّعم إلا سوء في الأنفس والأجسام، ومتاعب جمة في حياة الأفراد والمجتمعات، وضرر بالغ في الدنيا، وعذاب أليم في الآخرة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من كلّ ما يبعّد عنك، ويُسقطُ القدر عندك، ويستوجب مقتك، ويؤدي إلى طردك، وينتهي بصاحبه إلى نارك وعذابك. اللهم قرّبنا إليك، وارفع درجتنا لديك، وأتمم علينا نعمك، وادفع عنا نقمك يا أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
أما بعد فلا زلنا جميعاً مع حديث ذكر الله:
عن الباقر عليه السلام:”ثلاث من أشد ما عمل العباد: إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال وهو أن يذكر الله عزّ وجلّ عند المعصية يهم بها فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية، وهو قول الله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}(1)”(2).
مادة المعصية تكون حاضرة بين اليدين، وأمرها مُسهِّل، فرصها مفتوحة، ولا رقيب إلا الله، والشيطان يُطوّف بالقلب، ويُزيّن المعصية، ويدعو بأساليبه الساحرة إليها، لكن ما أن يذكر القلبُ ربَّه، ما أن ينتبه القلبُ إلى عظمة الله ويتوجّه إليه حتّى تسقط كل إغراءات الشيطان، ويتحوّل العرض الشيطاني، ويتحول العرض الخارجي للمعصية في النفس إلى شيء قبيح مخيف فيكون الفرار مما قبح في النفس.
و”عن الحسين البزّاز قال: قال لي أبوعبدالله عليه السّلام: ألا أحدّثك بأشدّ ما فرض الله عزّ وجلّ على خلقه؟ قلت: بلى، قال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساتك لأخيك، وذكر الله في كل موطن، أما إنّي لا أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك(3)، ولكن ذكر الله في كلّ موطن، إذا همجت(4) على طاعته أو معصيته”(5).
أن يبقى القلب يقظاً دائماً، مشعّاً دائماً، متعلّقاً بأجمل جمال، وأجلّ جلال، وأكمل كمال على الإطلاق، تلك مهمّة كبرى، وتلك درجة عظمى لا ترقى لها في النّاس إلا قلوب قليلة. قلوبنا يكثر اعتوار الغفلة لها، وما أكثر أن ننسى ذكر الله سبحانه وتعالى، وما أكثر ما يحتلّ الخلق مكان التعظيم والتوقير والخوف والرجاء في قلوبنا منصرفين عن الله وهو المكان الذي لا يصح أن يحتلّه في قلب إنسان بصورة أوليّةٍ أصل إلا الله، وإذا كان تعظيم أو خوف أو رجاء في أحد فإنما هو تبع وراجع للتعظيم أو الخوف أو الرجاء في الله.
أما تلك القلوب المؤمنة الخالصة النادرة فهي قلوب دائمة الذكر لله، دائمة الانشداد إليه، لا يشغلها مع ذكر الله شاغل في محنة كانت أو في لذة، وفي أي ظرف من الظروف.
يقول الحديث:” ولكن ذكر الله في كلّ موطن، إذا همجت على طاعته” وماذا يعني ذكر الله عند هجوم النفس على الطاعة؟ أبعد أن هجمت النفس على الطاعة، وانساقت مسرعة إليها، معانقة لها تأتي حاجة إلى ذكر الله؟ بلى، لا ثبات للنفس لحظة على حقّ، وعلى خير إلا بذكر الله، ولا صدق للطاعة ولا إخلاص فيها إلا بذكر الله سبحانه وتعالى. الطاعة تكون بلا لب، تكون بلا روح، تكون بلا معنى كبير حينما يغفل القلب عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وتبقى الحركة حركة جوارح، وتبقى الطاعة طاعة جوارح، وأكبر ما في الطاعة هي طاعة القلب التي تأخذ بالجوارح على الخط، ولا صدق لطاعة قلب إذا تأخرت الجوارح عن تلك الطاعة.
أما ذكر الله عند هجوم النفس على المعصية فالحاجة إليه واضحة جداً وهو أن ذكر الله هنا عاصم. نعم، حتى في آخر لحظة من لحظات الإقدام على المعصية، والنفس تكاد تواقع الخطيئة يأتي ذكر الله فتستعلي النفس بما أشرقت به من ذكره سبحانه وتعالى، وتترفع عن القبيح.
“في قوله تعالى:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}(6): ذكر الله عندما أحلّ وحرّم”(7).
فالصلاة تورث فيما تورث النهي عن الفحشاء والمنكر، وتعطي فيما تعطي من نتيجة كبيرة جداً أن تكون النفس على ذكر دائم بالله حتى لا تغلبها معصية، ولا تكبر عليها طاعة “ذكر الله عندما أحلّ وحرّم”، إمساك النفس عن المعصية، حبس النظر، تراجع القدم، أخذ اليد، التغلب على شهوة اللسان، ضبط كل الجوارح ما أعان عليه شيء من عادة أو عرف صالح، أو غير ذلك كما يعين الإنسان عليه ذكر الله سبحانه وتعالى.
الذّكر، أوّلٌ من المذكور وثانٍ من الذّاكر:
“الذّكر ليس من مراسم اللسان ولا من مناسم الفكر ولكنّه أوّلٌ من المذكور وثانٍ من الذّاكر”(8).
الذكر في حقيقته ليس ما يأتي من وظيفة اللسان، وذكر اللسان هو أسلوب من أساليب التعبير عن ذكر القلب لله سبحانه وتعالى وهو الذكر المطلوب في الأساس، وقد يصدق ذكر اللسان في تعبيره عن ذكر القلب، وقد لا يصدق. ثم إن التفكير الرياضي لا يغرس ذكر الله في النفس غرساً عميقاً، ولا يعطيه الحضور الدائم.
إذا عظمت عظمة العظيم في النفس، وكبر كمال الجميل في النفس، وبَهَرَ النفسَ كمال الكامل، وجاء منه التوفيق سبحانه واللطف والعناية كانت النفس ذاكرة.
الله عز وجل يتجلّى للنفس المرحومة تجلّياً خاصّاً، ويظهر بشيء من عظمته فيها، فلا تملك إلا أن تذكره، ولا تملك إلا أن تنشد إليه، ولا يمكن إلا أن تنجذب له، وتعيش مشتاقة ذكره. فالذكر بهذا يحتاج إلى شكر لأنه نعمة أنعم الله عز وجل بها على النفس المرحومة.
“اجعل ذكر الله من أجل ذكره لك فإنّه ذكرك وهو غنيّ عنك فذكره لك أجلّ وأشهى وأتمّ من ذكرك له وأسبق(9)… فمن أراد أن يذكر الله تعالى فليعلم أنه ما لم يذكر الله العبد بالتّوفيق لذكره لا يقدر العبد على ذكره”(10).
{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}(11) قلوبهم لا يحتلها مزاحم، ولا يكبر فيها كبير، ولا يعظم عظيم، وقد عرفت الله، إذ كلّ عظمة دون عظمة الله تسقط في القلب أمام عظمته.
أي تجارة، أي بيع يزاحم ذكر الله في قلب عارف؟! نعيمُ الآخرة يسقط وزناً في قلب عليّ عليه السلام اشتغالاً بجمال الله، اشتغالا بذكر الله، استغناء بمعرفته، حور العين التي لو أطلّت واحدة منها على الدنيا لسحرت قلوب الناس، بحيث أن أجمل فتاة في العالم تتحول أمام مرأى حورية إلى عجوز شمطاء، جمالها الأخّاذ وأكبر منه عنه قلوب الرسل الأئمة والأولياء عليهم السلام مشتغلة عنه بمعرفة الله، بذكره سبحانه، وإذا كان لهم تلذذ ماديّ في الجنّة بشيء فالتلذذ الأكبر به إنما بما هو نعمة من نعم الله، وبما تعنيه تلك النعمة من رضوانه عليهم.
نعم، يمكن للإنسان أن يرتقي هذا المرتقى، ولذلك سجدت له الملائكة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا وعد كوعدك، ولا وعيد كوعيدك، فاجعلنا من أهل وعدك لا وعيدك، ومن أهل قربك لا طردك، ومن أهل رضاك لا سخطك. اللهم ارزقنا خير الدنيا والآخرة، وجنّبنا شرَّهما يا أجود من أعطى، وأكرم من سئل، يا أرحم من كلّ رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يُعظم عظمتَه عظيم، ولا يغنى غناه غني، ولا يقوى قوّته قوي، ولا يقدر قدرته قادر. له وحده المجد والآلاء، والعزّ والكبرياء، وأزليَّة الوجود، وأبديّة البقاء، مالك الابتداء والمعاد، لايردّ إرادته راد، ولا يفر من قدره العباد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
أوصيكم عباد الله وأبناءَ عباده وإمائه وأوصي نفسي عبده وابن عبديه الذليلَ بين يديه بتقوى الله، وتذكّر المصير إليه، ويوم الوقوف للحساب في محكمة عدله، وذلك يوم تكشف فيه السرائر، وتُفضح الضمائر، ويظهر المخزون، ويبرز المكنون، وتتعرّى السوءات، ويُفصح عن العورات، ولا ينفع مال ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلب سليم، يومٌ يدعّ فيه أهل النار في النار، ويزف أهل الجنة إلى الجنة، ولا ينقع حميم حميماً، ولا شفاعة من أحد إلا لمن ارتضى الله العزيز الحكيم.
أستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم، وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اغفر لنا جميعاً وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم تجاوز عنا برحمتك، واكفنا هولَ يوم الممات، ويوم النشور، وسوء الحساب، وآونا إلى الجنة، ولا تذقنا حر السعير، وعذاب الزمهرير.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم المهدي.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريق، وانصرهم نصرا عزيزا مبيناً قريباً ثابتاً دائماً.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات من المؤمنين والمؤمنات فهذه محاور متعددة يُتحدث فيها بقدر الوقت:
عودة إلى خبر ضرب الشابة المؤمنة:
تقول الداخلية أن تحقيقها في الحادث وتقرير طبيبها الشرعي أفضيا إلى براءة رجال الأمن من الحادث، وهذه قناعتها هي، ولا مناقشة لنا في قناعتها الخاصة بها.
أما أن تفرض الداخلية قناعتها على كل الأطراف، وتوجب علينا متابعتها وتصديقها في ذلك فهو أمر غير منطقي، وغير وارد، ولا يسنده عقل ولا دين ولا قانون كذلك. والداخلية ليست معدودة فيمن ثبتت لهم العصمة عقلاً أو عملاً.
وحادثة سماحة الشيخ عبدالأمير الحوري وزوجه الكريمة وما حدث لهما من ضرب وشتم وإهانة، وما كان من إدماء الشيخ على يد رجال الأمن لم تمر عليها فاصلة زمنية تنسي الشعب أو الداخلية إياها.
ولقد مرت أيام على إعلان صاحبة الحادث عما حدث لها، وعن نسبته إلى رجال الأمن، وعُمّم الخبر بصورة واسعة، والوزارة على قدرتها على الرد، واستدعاء المعنية للتحقيق في تلك المدّة، ومع تصدّيها في العادة لمواجهة هذا الأمر الضار لسمعة رجال الأمن والوزارة أساساً لم تتحرك في مواجهة الخبر الصاعق لضمير المجتمع المسلم المستفز للغيرة الإيمانية التي يتمتع بها هذا المجتمع.
وفي هذا الصمت الذي طال على الحادث مع سابقة تعرض الشيخ الحوري وزوجه لموقف مماثل ومن قريب، بالإضافة إلى ما تقدم من قرينة أهمية المسألة، والقدرة على الرد والاستدعاء، والمبادرة من الوزارة عادة للتكذيب والتفنيد لمثل هذا الأمر إمضاء كافٍ جداً جداً للخبر من قبل الداخلية، أو تقصير فاحش منها.
فلو ثبت فعلا خلاف الخبر، وهو غير ثابت عند الكثيرين لحد الآن فاللوم إنما يقع على الوزارة.
كان السكوت الشعبيُّ المطبق على تقديره عن الحادثة الشنيعة مع مرور أيام على انتشار خبرها من مصدرها الأول الذي علمه الجميع باسمه وعنوانه من جهات رسمية وشعبية؛ كان ذلك السكوت، لو قُدّر يُمثّل إعلاناً عن موت الضمير المسلم، وفتحاً للباب على مصراعيه لمثل هذه الانتهاكات بالغة السوء والقذارة في مورد من أكثر الموارد حساسية عند النفس المؤمنة. فما كان من اللائق أصلاً أن تمر كل تلك الأيام على حادثة من ذلك النوع منتشرة ذلك الانتشار من غير ردة فعل.
وما كان من رد فعل على مستوى الكلمة في خطبة الجمعة السابقة كان دون الحادث المنقول في حساسيته وبشاعته، وفيما يفرضه من ضغط على الضمير المسلم.
طلابهم أساتذة، وطلابنا ضحية:
حسب “متابعات خبرية” للمجلس الإسلامي العلمائي في العدد 830 نقلاً عن أخبار الخليج العدد 10975 للعاشر من أبريل العام 2008 جاء أن “وزارة الخارجية الأمريكية تطمح في بدء برنامج لتبادل طلاب المدارس بين الولايات المتحدة والبحرين بهدف إطلاعهم على ثقافات وعادات البلد المضيف”. والبرنامج هو تبادل زيارات ثقافية ومهنية عديدة. وقالت المسؤولة الأمريكية أن هذه البرامج تعطي فرصة للأشخاص من مختلف الثقافات والخبرات أن يتبادلوا خبراتهم، ويغيروا من بعض الأنماط الخاطئة التي يؤمنون بها.
وأنت منتبه إلى أن الطلاب الأمريكيين إذا جاؤوا إلى البحرين جاؤوا إلى بلدهم الثاني، وتحت حماية الهيمنة الثقافية والسياسية والهيمنة الشاملة الأمريكية، وسيأتون أساتذة يُعلِّمون أبناءنا كيف يفكرون، ويلبسون، ويأكلون، وينامون، ويسلكون، ومن يصادقون، ومن يعادون، وبأي شيء يؤمنون، وبأي شيء يكفرون.
وأما طلابنا وهم طلاب مدارس، من المدرسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، في طريق بنائهم الأولي وسيذهبون إلى أمريكا غير محميين ثقافياً وعلى أي مستوى من المستويات المعنوية فهم الضحية، وهم أنصار أمريكا غدا وجنودها المخلصون في الساحات المتعددة في مجتمعنا وغيره من بلاد العرب والمسلمين. أمريكا تريد أن تسبق إلى أرض بكر لتزرعها بما تريد، والصناعة المبكرة للطفل أثبت وأبقى وأرسخ وأضمن كما يعرف الجميع(12).
أوامر أو رغبات لاترد:
ليفني المتقلدة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والصديقة المخلصة لنا نحن العرب والمسلمين أو السيدة الثانية الآمرة من بعد رايس الأمريكية لها أوامرها أو رغباتها المتعلقة بشؤون المنطقة. وسواء اعتبرت ذلك أوامر أو رغبات فإن أوامرها أو رغباتها لا ترد.
وحسب “متابعات خبرية” للمجلس الإسلامي العلمائي نقلاً عن جريدة الخليج، ليوم الثلثاء 9/ ربيع الثاني/ 1429هـ 15/ أبريل/ 2008م أن ليفني في مداخلة في جلسة “الحوار والسلام العالمي” دعت إلى تغيير الكتب والمناهج والرأي العام العربي بخصوص ما وصفته بأنه النظرة السلبية اتجاه إسرائيل(13).
وهل تتوقع المذكورة إلا الاستجابة لرغبتها؟! وهل عالمنا العربي على غير هذا الطريق؟! وهل تتوقع أنت أيها العربي المسلم أن يعامل أمر ليفني أو رغبتها في تغيير الكتب والمناهج والرأي العام العربي معاملة نداءاتك وآمالك المخيَّبَة بأن تُنصف ديناً ومذهبا في مناهج بلدك؟! فرق شاسع بين ما تأمر بيه ليفني، وبين ما يترجاه المواطن من حكوماته العربية.
هل تتوقع أن تُعامل رغباتها مثل ما تعامل رغبات وطلبات المواطن بالاستنكار والرد والهزء والسخرية؟!
ودعت صاحبة حقيبة الخارجية الإسرائيلية المجتمع الدولي إلى تبني مجموعة من المعايير الدولية تسمح بإجراء انتخابات ديموقراطية تحجب وصول المتطرفين إلى السلطة، ولفتت إلى أن الهدف من ميثاق دولي للانتخاب هو أيضا حماية الديمقراطية ممن يسعون إلى تدميرها. ومعروف مَنْ هُم الذين ترميهم ليفني بالإرهاب وبتدمير الديمقراطية وليس هم في نظرها ونظر أمثالها غير الإسلاميين، وهذا رأي أمريكا والعالم الاسكتباري الغربي؛ وكل التصريحات وكذلك التجارب الحيّة شاهدة على ذلك.
والدرس الذي لا ينبغي أن يفوت المسلم والعربي أن لا مكان للإسلام والإسلاميين في الديمقراطية التي قد يدعو لها أولئك الاستكباريون في أوطاننا العربية والإسلامية وتلتقي معهم في ذلك إرادة الأنظمة التابعة لهم في عالمنا العربي والإسلامي، وإن اختلفت معهم في التحسّس والتوجُّس من أي مستوى من الديمقراطية ولو كانت كاذبة.
إسلام بلا حديث:
طرح من الطروحات المناهضة للإسلام في أكثر من ساحة إسلامية وهو أن نسعى إلى إسلام بلا حديث نبوي ومعصومي بصورة عامة. أن نسقط الحديث من حسابنا، ونتعامل مع القرآن وحده، فبعد المصدرين لا مصدر إلا القرآن الكريم ترجع إليه الأمة.
تعامل القرآن الكريم على مستوى قضايا الشريعة هو كما يأتي:
‌أ. طرح كليات واسعة من عمومات ومطلقات ومجملات مع ترك التفاصيل في مساحة العبادات والمعاملات والتي لا حصر لها.
‌ب. مع محكمات القرآن الكريم متشابهات، وإن كانت المساحة المعروفة بذلك هي مساحة العقيدة.
‌ج. فيه ناسخ ومنسوخ.
والذين يطرحون مرجعية القرآن فحسب إنما يريدون أن يقرأوا القرآن قراءة حديثة بخلفية فكرية وثقافية مستوردة. والمشروع يرمي بعشرات الآلاف من حديث الرسول صلى الله عليه وآله والمعصومين عموماً عليهم السلام في البحر، وهي تتكفل ببيان المجمل في القرآن، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتراعي الناسخ والمنسوخ، وتتوفر على فهم العلاقة الحقيقية بين المحكم والمتشابه، وتثري الشريعة المطهرة بالقواعد المكمّلة، والتفاصيل المتعددة. اطرح الحديث ومعنى ذلك أنك تطرح الشريعة إلا قليلاً.
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم في التعرف على الصلاة فسنأخذها بمعنى الدعاء، لأن الصلاة في اللغة هي بمعنى الدعاء، والقرآن الكريم يأمر بالصلاة من غير أن يتحدث عن صورتها التفصيلية فحين نقتصر على القرآن الكريم مستغنين عن السنة فستكون صلاتنا أيَّ دعاء من الدعاء المباح بلا هذه الصلاة المعروفة بأركانها وأجزائها وتركيبتها الخاصة، والصوم في اللغة بمعنى الإمساك فلنمسك عن أي شيء كالكلام مثلاً لنكون قد صمنا، فلنمسك عن أي فعل من الأفعال فنكون قد صمنا، والحج بمعنى القصد، وقد ترد مع هذه الألفاظ في القرآن الكريم بعض التعاليم القليلة المرتبطة بمناسك هذه العناوين. فمع الاستغناء عن الحديث الشريف لا صلاة بمركبها الخاص المعروف وترتيبها الذي نعرفه، ولا صوم ولا حجّ كما هو الصوم والحج المعهودان. ومما يعنيه إلغاء الحديث أننا نلغي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام وكل التراث الكبير الذي جاء من عقلية الوحي التي يتمتع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد إقصاء الحديث لا إجابة على مئات الألوف من الأسئلة المتعلقة بالعبادات والمعاملات التي تناولتها السنة المطهرة، هذا الطرح هو محاولة أخرى لتغييب الإسلام ونسفه في الأخير بصورة نهائية سنة وقرآنا.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا أحينا ما أحييتنا خير حياة، وأمتنا إذا أمتنا خير ممات، وابعثنا إذا بعثتنا خير مبعث، وأسكنا الجنة مع الأبرار.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 201/ الأعراف.
2 – بحار الأنوار ج66 ص379.
3 -صحيح أن هذا الذكر اللفظي هو مصداق من مصاديق ذكر الله سبحانه وتعالى، لكنه ليس الذكر الأعظم، ولا يمثل لب وحقيقة الذكر.
4 – جاءت كلمة (همجت) في بحار الأنوار كذلك بهذا اللفظ، وإن كان السياق يدل على أنها بالخطأ وتكون (هجمت). والله العالم.
5 – بحار الأنوار ج90 ص154.
6 – 45/ العنكبوت.
7 – ميزان الحكمة ج3 ص426.
8 – ميزان الحكمة ج3 ص426.
9 – لو لم يذكرك ما استطعت أن تذكره، يعني أنه ذكرك ذكر رحمة، ذكر عناية، ذكر لطف، ووفقك لذكره وهذا معنى ذكره سبحانه وتعالى لك. جعلك محل لطفه ومحل عنايته بإلفات قلبك إليه فعند ذاك صرت تذكره، فذكرك ينبغي أن يأتي شكرا لذكره لك
10 – المصدر نفسه.
11 – 37/ النور.
12 – هتاف جموع المصلين بـ(الموت لأمريكا).
13 – هتاف جموع المصلين بـ(الموت لإسرائيل).

زر الذهاب إلى الأعلى