خطبة الجمعة رقم (241) 7 ربيع الثاني 1427هـ – 5 مايو 2006م

مواضيع الخطبة:

 

مع مدرسة الوعظ للنبي عيسى “ع” + لابد من كلمة + حرية الصحافة

 

الذين يتحدثون عن عودة لقانون أمن الدولة فإنما يدفعون في اتجاه عدوانية جديدة شرسة على أمن الشعب وأمن الوطن واستقراره ورفاهه وتقدّمه


الخطبة الأولى

الحمد لله على العطاء والمنع، والمثوبة والعقوبة، وحال الرضا والغضب، والرخاء والشدة، حمداً كثيراً كاملاً يبلغ رضاه، ليس له زوال، ولا تُغيّره الأحوال، ولا تُضعفه الأهوال.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزداهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة بتقوى الله، وخشية يوم النشور والحساب، وإنه ليوم “تشخص فيه الأبصار”، و”تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد”، و “لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون. إلا من رحم الله…” و “لاينفع الظالمون معذرتهم ولا هم يُستعتبون”، يوم قال عنه سبحانه “لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم…” وفي آية أخرى “يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤيه، و من في الأرض ثم ينجيه”، ولكن لا نجاة للمجرم بكل ذلك، وأمانيه هذه كاذبة، ومحاولاته للفرارمن عذاب الله بلا رحمة منه سبحانه يائسة.
وإن الغافل لمن غفل عن ذلك اليوم، ولم يُقِم له وزناً في حياته إلى أن يفاجئه الموت، وتنقضَّ عليه المنية، وكم ألهتنا دنيانا عن أخرانا، وصرفتنا صغائر الأمور عن الاستعداد لملاقاة يوم النشور؟!
أعاذنا الله من شر الغفلة، ومن التسويف بالتوبة، ومفاجئة الموت على المعصية، وسوء العاقبة، والمنقلب الخاسر. أستغفر الله لي ولكم، ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأخيار الأطهار.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فلنكن في هذا الحديث ضيوفاً محتاجين، وتلاميذ جادين في مدرسة الوعظ للنبي عيسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والتسليم، وهي مدرسة عامرة بالقول الصادق والكلم النافع؛ فمما جاء عنه عليه السلام ما يأتي:
“ياعبيد الدنيا تحلقون رؤوسكم وتقصّرون قمصكم وتنكّسون رؤوسكم ولا تنزعون الغلّ من قلوبكم”(1).
هناك عبيد لله قد أقاموا أنفسهم كذلك، وهناك عبيد لله قد أقاموا أنفسهم عبيدا للدنيا من دونه، والخطاب من النبي عيسى عليه السلام للطائفة الثانية يا عبيد الدنيا المتعلّقة قلوبكم بها، المقدّمة لها على وعد الله، الحذرة منها أكثر مما تحذر من وعيد الله، وعبيد الدنيا على صنفين:
عبيد يبرزون بحقيقتهم هذه، ولا يواربون، ويرفعون الدنيا شعارا صريحاً.
وطائفة أخرى تعبد الدنيا، ولكن تظهر بمظهر الآخرة، وتلبس لباس الدين خداعا وتغريراً. وكأن الحديث للطائفة الثانية من عبيد الدنيا.
المظهر مظهر تنسُّكٍ وتزهُّدٍ وإيمان: تحلقون رؤوسكم، وتقصّرون قمصكم، وتنكّسون رؤوسكم، ولا تنزعون الغل من قلوبكم، والغل ينشأ من مناشئ حب الدنيا، ومن عبادتها.
وكثيرا ما تتحدث الحِكَمُ عن النبي عيسى عليه السلام عن هذه المفارقة الفاضحة في حياة كثير من الناس.
الاهتمام بالجسد، والعناية الفائقة به، وغزارة الشعور الحسّيّ، أما الحسّ المعنويّ الروحي فحسٌّ بارد، وحسٌّ يكاد يموت. على أن الجسد وقيمته لا يمكن أن تبلغ في حياة الإنسان مبلغ قيمة الروح، إننا دائما مع الأدنى، إننا دائما مع الأرض، إننا دائما مع اهتمامات الطين، إنما يستقطب حياتنا في الأكثر الأكثر لذّة الجسد وألمه. ولذة الجسد وألمه ضاغطان بلا إشكال ولا شك، ولا نستطيع أن نتفلّت بشعورنا من ضغط لألم الجسد ومن ضغط للذته، لكن هدف الإنسان لا يتركز في البدن، وإنما يحتاج إدراك الهدف والتعلق به إلى يقظة روح، وهناك تخفّ آلام الجسد وتبهت لذته. ولا يصل إلى ذلك إلا الصفوة، ولكن علينا أن نجاهد النفس دائماً وأبداً على الطريق الطويل؛ طريق صنع النفس، ويقظة الروح، وبلوغ الغاية.
وفي خطاب آخر للنبي عيسى عليه السلام يقول:”ياعبيد الدنيا مثلكم كمثل القبور المشيّدة، يُعجب الناظر ظاهرها(2) وداخلها عظام الموتى مملوءة خطايا(3)”.
ومنقول عنه عليه السلام:”يا صاحب العلم اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها” حين تقيّم العدالة في أوساط المؤمنين إنما يُنظر إلى الجانب السلبي في الأكثر، ولا بد أن يجمع النظر إلى الجانب الإيجابي، إلى النظر إلى الجانب السلبي حتى نعرف أن الشخص عادل أو ليس بعادل.
لا يكفي أن يمتنع الشخص عن الخمر والزنا وسائر المحرمات، إنما لا بد أن ينضم إلى ذلك قيامه بالواجبات وليست الواجبات الفردية فقط وإنما الواجبات الاجتماعية كذلك.
فمن قصّر في دوره الاجتماعي والرسالي وهو قادر واختلّ الواجب الشرعي في حياته لم يتّصف بالعدالة، وإن كان تاركا لكل المحرمات.
وعلينا حين ننظر إلى تقييم ذواتنا، لا ننظر إليها على أنها كفّت عن المحارم فقط، إنما علينا أن ننظر إليها هل أنها أدّت نعم الله عندها أو لم تؤدّها.
القول عن النبي عيسى عليه السلام:”بحقٍّ أقول لكم إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم” هناك كنزان: كنز مال يرجع إلى مصلحة البدن، وكنز روح وبه يرتبط المصير، كنز ينفع في الدنيا، وكنز ينفع في الدنيا والآخرة، كنز المال وقد يكون وبالاً، أما كنز الروح فلا يكون إلا ربحا وفوزا.
“بحقٍّ أقول لكم إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم، وكذلك الناس يحبون أموالهم وتتوق إليها أنفسهم لتعشقها وتتعلق بها”.
ومن هنا نجد أن الغني يبحث عن أضمن المظانِّ لحفظ أمواله، ويسعى جاداً إلى أشد التحوّط والعناية والصيانة لهذا المال، يحافظ عليه من كل الآفات من أجل ألا يمسّ بسوء.
الكلمة عن عيسى عليه السلام تقول:”فضعوا كنوزكم في السماء حيث لا يأكلها السوس، ولا ينالها اللصوص”.
كنوز الأرواح مأمنها السماء، القلوب كنوز، الأرواح كنوز، النفوس الإنسانية كنوز لا يصونها عن مس الأذى إلا التعلق بالسماء، وأن تستعصم بالله، وأن تتعلق به وتنشد إليه، هناك حفظها، وهناك نماؤها، وهناك نقاؤها.
وهي متعلّقة بالله لا يأكلها السوس، ولا تصيبها جرثومة من جراثيم التربية الأرضية، والإعلام الضال المضلل ورفاق السوء، ومغريات هذه الحياة، ولا ينالها اللصوص؛ واللصوص الذين يحاولون أن يسرقوا منك قلبك ليسرقوا من بعده كل شيء هم أكثر من اللصوص الذين يسعون وراء مالك. ومن يصونك من سوس القلب ولصوصه إلا أن تتربّى بتربية الله، ويتعلّق قلبك بحب الله وخشيته؟!
“ويلكم يا عبيد السوء من أجل دنيا دنية، وشهوة رديئة(4) تفرطون في ملك الجنة، وتنسون هول القيامة” صعب أن يموت الإنسان في سبيل الله، صعب على هذا البدن، صعب على المشاعر الدنيوية أن يموت في سبيل الله، ولكن الأصعب عليه أن يذهب الدين من أجل أن يحتفظ هو لنفسه ليخسر دينه، ويوم القيامة، وأن يبيع ألم الدنيا بألمه، وأن يشتري عذاب الآخرة بعذاب الدنيا، وأن يبيع لذة الآخرة بلذة الدنيا.
“كيف يطيق حمل الأثقال من لا يستعين على حملها(5) أم كيف تحطّ أوزار من لا يستغفر الله منها، أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها وكيف يبرأ من الخطايا من لا يكفّرها، أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة، وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد(6)، وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل، وكيف يصير إلى الجنة من لا يبصر معالم الدين(7)،وكيف ينال مرضاة الله من لا يطيعه، وكيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المرآة(8)، وكيف يستكمل حب خليله من لا يبذل بعض ما عنده، وكيف يستكمل حبّ ربه من لا يقرضه بعض ما رزقه”.
تمسك الدرهم والدينار من عطاء الله الكثير وتدّعي حب الله تبارك وتعالى؟!
أستغفر الله لي ولكم ولاخواننا المؤمنين والمؤمنات. اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وعلى آله الأخيار الأطهار، وسلم تسليما كثيرا.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم أصلح شأننا كله للدنيا والآخرة، وتولّنا برعايتك وكفايتك وكلاءتك، وادمُرْ عنا همزات الشيطان الرَّجيم، وباعد بيننا وبين كل ضلال وسوء وفحشاء، واصرفنا عمّا يضرّنا، أولا ينفعنا إلى ما ينفعنا عندك، وعما لا تحب وترضى إلى ما تحب وترضى يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }

الخطبة الثانية

الحمد لله – والحمد حقّه – كما يستحقه حمداً لا ينتهي به مدى، ولا ينقضي أبداً، ولا يُحصي له الخلائق عدداً. هو الله وليّ كل نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة، لا ييأس آمله، ولا يخيب سائله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، وقد جاء عن عليّ عليه السلام “عند حضور الشّهوات يتبيّن ورع الأتقياء”(9).
وإذا تجلّى الإيمان في قلب امرئ ازدهر بالتقوى. وقد يتكلف العبد مظاهر الطاعة، ولا قيمة لمظهر من ذلك بلا انقياد لأمر الله، ولا تقوى، فعن الصادق عليه السلام “لا يغرّنّك بكاؤهم إنما التقوى في القلب”(10). قيمة البكاء الذي ظاهره أنه لله أن يكون من منطلق الخشية لله سبحانه، وإلا فهناك بكاء كاذب مخادع تُشترى به الدنيا. والقلب العامر بالتقوى لا تصدر عنه إلا الطاعة، وإنما تصدر المعصية حال تغيُّب التقوى واضمحلالها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن أحسن إلينا إحساناً خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل قلوبنا نيّرة بمعرفتك، عامرة بذكرك، صالحة بتقواك، مشتاقة إليك، مقبلة على محبوبك، مفارقة لمكروهك، مستغنية بك عمن سواك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقرَّبين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً.
أما بعد أيها الاخوة والأخوات في الله فمع موضوعات يتناول الحديث ما يتسع الوقت له منها:
أولاً: لا بد من كلمة:
1. لا بد من كلمة واضحة صريحة في ما صارت إليه الحالة السياسية والأمنية في وطننا العزيز البحرين.
2. ونحن نعرف أنه قد يختص فريق من المجتمع بخيره، ولكن يكثر أن يعمّ الشر، ولا يقف عند جماعة معيّنة إذا ابتدأ منها. وقد قالوا كلمة سائدة الخير يخص والشر يعم.
3. سياسيّاً المشكلات والمفاسد كُثر، وقد عطّلت خطّ الإصلاح، وشطّت بالوضع عنه لدرجة واسعة.
يُتحدّث كثيراً عن المشكلة الدستورية، وهي مشكلة ضاغطة ولا يمكن إنكارها ولا إنكار تأثيراتها السلبية الواضحة على الساحة. ويأتينا من بين الأوضاع السيئة الفساد المالي على مستوى الثروة الأولية والثروة المنتجة، الفساد الإداري الواسع، الفساد السياسي العملي، الفساد الخلقي المستشري وهبوط مستوى القيم، ظاهرة التجنيس المرعب المهدّد لمصلحة الوطن وأمنه، الوضع الطائفي السّيء، التدخل في الشأن الديني، القوانين المكثّفة الخانقة للحريات والمضيِّقة لهامش الكلمة السياسية الناقدة والمطالبة بالحقوق.
هذا الكم الكبير وغيره من المشكلات ومظاهر الفساد إذا لم يعالج بجدّية وحكمة وإرادة سياسية صادقة من أصحاب القرار فسيُصادر مكاسب الوطن بدرجة مخيفة جداً ويغرقه في مأساة لا يُدرى كيف يكون الخروج منه.
4. أمنياً تفاقم الوضع إلى الحد الذي يضع البلاد على حافة الخطر الكبير: الإيقاف مستمر، المحاكمات متوالية، أبواب السجون مفتوحة لاستقبال المزيد، تعدٍّ على مصالح عامة، حرق سيارات، اعتداء على الأنفس، تفجيرات غير مسؤولة، تصريحات رسمية جهنمية، حالة تشنّج وتوتّر تختفي عندها لغة العقل والحكمة عند هذا الطرف وذاك، وتحل محلها لغة العنف والاستئساد والنقمة.
5. والذي نقوله هنا: أن التعدي على المصالح العامة أو الخاصة، وعلى الأنفس من شرطة وغيرهم لابد أن يعلم الجميع بحرمته الشرعية الواضحة، وأن يُلتزم بهذه الحرمة، وإلا فكيف نكون مسلمين حقّاً، وممن يتّبع الرسول وآل الرسول صلّى الله عليه وعليهم أجمعين؟! وأيَّ مسلم صادق الإسلام يسمح له إسلامه أن يلقى الله بمسؤولية دمٍ أطلّه بغير حق ولا إذن شرعي؟! هذا كلام صريح، وأمر شرعي واضح لا يسع أي شاب أن يتساهل فيه. لا شاب ولا غيره.
وأيّاً كان القائم بهذا المنكر ولا يمكنني تحديده فهو آثم، كان من جهة حكومة أو من جهة شعب.
فكرة أخرى لا بد من هضمها والتركيز عليها، ذلك أن الشعب غير مستعد للانجرار وراء أي محاولة لتوسيع مثل هذه الممارسات والتعديات، ولا للاستجابة لأي نداء يقود لهذا الوضع. ومن ناحية سياسية فإن العنف والتعدي غير الشرعي يعزل المعارضة، ويمزّقها، ويقزّمها، ويقطع الطريق عليها لأن تبلغ غايتها، وإنه سبب كاف لفشل المعارضة بلا مراء.
وعلى الحكومة بدل اللجوء إلى اللغة الجهنمية أن تتحدث بلغة العقل والمنطق والحكمة والحوار الهادئ والجاد المخلص المنقذ مع المعارضة التي كثيرا ما نادت بالأخذ بهذه اللغة وطرقت الباب لتحكيمها. ومعالجة البعد الأمني غير منفصلة بتاتاً عن معالج البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني وكل الأبعاد الأخرى التي تُكوّن نسيجاً مترابطاً متلاحماً لحياة مادية ومعنوية يمكن لها أن تحقق السعادة لأي مجتمع.
6. أما الذين يتحدثون عن عودة لقانون أمن الدولة فإنما يدفعون في اتجاه عدوانية جديدة شرسة على أمن الشعب وأمن الوطن واستقراره ورفاهه وتقدّمه…. والهدم لأمن الشعب هدم لأمن الحكومة، وقضية الأمن ذات طرفين مترابطين في أمنهما، فالتعرض لأمن هذا الطرف يعادل التعرض للطرف الآخر في أمنه وكذلك العكس.
بوضوح إننا نعارض أسلوب العنف والانفلات عن الحكم الشرعي من كلٍّ من المعارضة والحكومة، ونبرأ من التعدي على كل ما حرّم الله من دمٍ وعرضٍ ومال، ونشدِّد على المؤمنين بأن لا ينساقوا وراء أعمال التخريب والإفساد المحرَّم، والأخذ بقول كل من هبّ ودبَّ بمن فيهم من قد يكونون مندسّين، أو لا فهم لهم بالحكم الشرعي، أو لا وزن له عندهم وإن استغلوا عنوان المعارضة، ورفعوا الشعارات البرَّاقة.
ومع هذا الموقف نُشدِّد كذلك وبقوة على حق المعارضة السلميّة، وأن تحاول جهدها مستمرة وبإصرار أن تستفيد من رُخَصِ الميثاق والدستور الذي تلتزم بشرعيته الحكومة، وكل القوانين الفرعية، والأهم من ذلك التقيّد وأخذ الضوء من الحكم الشرعي وكفى به حكماً عادلاً ورشيداً وهادياً ومصلحاً، وكفى بالأسلوب الذي تأخذ به الشريعة أسلوباً عقولاً حكيماً.
إن حق المعارضة السلمية العُقلائية المتقيدة بالحكم الشرعي حق ثابت لا يصحُّ التنازل ولا العودة قيد شعرة عنه لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبلد لا أمر فيه بمعروف، ولا نهي عن منكر، ولا قول بحق، ولا شجب لباطل، ولا مطالبة لحق مضيّع بلدٌ مصيره القريب إلى الخراب والدمار.
ونحن على ثقة بشبابنا المؤمن الواعي بأنه سيثابر على خط الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقول الحق، والمطالبة بالحقوق مستضيئاً دائما بأمر الدين ونهيه، وملازماً للحكم الشرعي، آخذاً به، بعيداً عن حالة الانفلات والطيش والعشوائية، والابتسار، والاندفاعة غير المحسوبة، والمواقف المرتجلة، والاستجابات غير الشرعيّة، والسلوك العدواني الذي لا تقرّه الشريعة وتعاقب عليه.
ثانياً حرية الصحافة:
1. الصحافة – فيما ينبغي أن تكون – للحق، للدين، للخير، للفضيلة، للقيم، للمصالح الحقيقية البنّاءة للإنسان، للعدل، للأمن، لحركة الإنتاج الصالح في كل المسارات. وعليه فالحرية التي لا بد أن تتمتع بها الصحافة هي الحرية التي تصب في صالح هذه القضايا والأمور وتخدمها.
أما حرية الهرج والمرج، وهدم القيم، والتحريض على العدوان، والتطاول والسخرية بالمقدّسات، وتأجيج الشهوات الحيوانية في الإنسان، ومحاربة الحقّ، والإضرار بهوية الأمة، والقذف والتشهير، واللغة النابية، وفحش القول، وبذاءة الكلمة، وبث روح الخلاف بين مكونات المجتمع لتأجيج الفتن، وتمزيق الصفوف، والتخندق مع الظلم ضد المحروم والمستضعف فهي حرية ساقطة بعيدة كل البعد عن خط الصحافة النافعة، ودورها الصالح المطلوب.
2. ولذلك فنحن مع حرية الصحافة من النوع الأول الذي تدخل فيه الحرية السياسية المتّزنة القائمة على النقد النزيه، واللغة العلمية بعيداً عن المهاترات والكلمة الهابطة.
أما الحرية الصحافية التي تعني التعرض للمقدّسات من التوحيد والنبوة والقرآن والسنة وأئمة المسلمين بالتوهين والتضعيف والمحاربة والسخرية والاستهزاء فإن أي قانون يجيزها فهو قانون غير دستوري ولا يلتقي مع الميثاق بعد أن كانت هوية الدولة هي الهوية الإسلامية إلى جنب عروبتها، وبعد أن كان دين الدولة الإسلام وهو مصدر تشريع رئيسي لها، وإن كان حقه الثابت عند الله ورسوله وعند المؤمنين أنه المصدر الوحيد للتشريع في الأرض.
وقانونٌ يبيح تعرض الصحافة للمقدسات بالسوء قانون وصحافة سيعصف بهما الضمير المسلم المؤمن العام في هذا البلد الإيماني العريق وإن دعمهما ألف دستور، وألف ميثاق، وألف نداء معاد لنداء الله.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا الله يا حنّان يا منّان، يا ذا الفضل والإحسان، والجود والإكرام، يا أهل العفو والمغفرة، والرحمة افعل بنا ما أنت أهله في الدين والدنيا، والآخرة والأولى، ولا تفعل بنا ما نحن أهله. اللهم أسعدنا في الدارين، ولا تشقنا أبداً يا كريم يا رحيم.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الغل: الحقد والغش.
2 – قد تكون مزخرفة بأحسن ألوان الزخرفة، وقد يكون بناؤها من أفخر أنواع البناء؛ فظاهرها زينة وفيه جاذبية.
3 – ففيها نكبة بدن ونكبة روح. فيها ما لا يرضى أن يحطّ عليه النظر من آثار البدن، وما لا يرضى أن يحطّ عليه النظر من آثار روح. آثار البدن عظام، وآثار الروح خطايا.
4 – رديئة لأنها تقود إلى الهلكة، وتقود إلى سقوط الشرف، وكثيرا ما تقود إلى المهانة، وتخرج عن الوقار، وتسقط بالمواقع. والدُّنيا دنية حين تكون فيها خسارة الآخرة، وخسارة الأخرة خسارة الذات بالكامل، خسارة المستقبل المديد، خسارة أكبر النعم التي أعدها الله تبارك وتعالى كرامة لأوليائه وخاصة أوليائه
5 – مقارنات بين صور قريبة وبين حقائق بعيدة، صور قريبة قائمة شاخصة حقائق في الحسِّ، وحقائق معنوية بعيدة تحتاج إلى تقريب، والحديث يتضمن مقابلة صورة عن حياة الحس بصورة من حياة المعنى، وحقيقة من حياة الحس لحقيقة من حياة المعنى.
6 – سفينتك في هذه الحياة للآخرة الجد والاجتهاد في الطاعة لرب العباد.
7 – الجغرافيا، التاريخ، الرياضيات الهندسة، الحاسوب… التوفر على كل هذا وغيره أمّا الدين في الهامش. كيف نسعى للجنة للآخرة ونحن نهمل معرفة الدين.
8 – كيف تعرف واقعك من غير أن تعرضه على دين الله؟
9 – ميزان الحكمة ج10 ص646.
10 – ميزان الحكمة ج10 ص646.

 

زر الذهاب إلى الأعلى