خطبة الجمعة (240) 29 ربيع الأول 1427هـ – 28 ابريل 2006م

مواضيع الخطبة:

 

الموعظة +  تعطيل الحق السياسي +  إملاءات وترحيب + لماذا لا يُسأل؟

نحن نؤكد أن ديننا بلا إرهاب ظالم عدواني ولكنه ليس بلا جهاد يُذاد به عن الحق والعدل، ويُعز به الدين والأمة ، ليس بلا جهاد يحافظ على هوية هذه الأمة وإنسانها.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي ملك فقدر ، وقدر فقهر ـ وقدّر فأحكم ، وأحكم فنظم ، لا تعدل قدرته قدرة ، ولا تقوم لقهره قوة، ولا يبلغ تقديره تقدير، ولا يلحق نظامه نظام، ولا حول ولاقوة إلا ، ولا نفع ولا ضر إلا به.
أشهد أن لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله الذي خلق ورزق وحفظ ودبّر علينا بتقوى الله وهي حقه الذي لا عذر لأحد فيه ،ولا سبيل لنجاة بدونه،ولاصون لنفس عن ظلمها بغيره، وهي مركب سعادة لا يتخلف بصاحبه ولا يضل الطريق ، وسعادة لا تبلغها سعادة، بل قل لا سعادة بلا تقوى ، وإنما السعادة لمن اتقى .
ومن الدعوة إلى التقوى ما عن عليٍ عليه السلام:”فاتقوا الله تقيّة من سمع فخشع ، واقترف واعترف ، ووجل فعمل ، وحاذر فبادر ، وأيقين فأحسن ، وعبّر فاعتبر..”(1).
اعاننا الله على أنفسنا، ودحر عنا الشيطان الرجيم وسلك بنا الطريق القويم، والصراط المستقيم.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا واصدقائنا، ومن أحسن إلينا إحساناً خاصاً من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلة ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد أيها الأكارم من المؤمنين والمؤمنات فهذه عودة إلى موضوع الموعظة، ولنعلم أن أول واعظ وأعظم واعظ، وأصدق واجلّ واعظ هو الله سبحانه ولقد أرسل رسلاً ، وأنزل كتباً وآيات مبينات ومن قبل قد بثّ في الكون العريض دروساً، وأقام في النفوس شواهد من أحوال متغيرة ، وأوضاع متبدلة متقلبة، وأرى الإنسان ضعفه وذله ومسكنته، وأراه مراشد هداه ، ومزالق ضلاله، وساق إليه الأمثال من تاريخ غابر، وواقع شاخص واعظاً للإنسان في ذلك كله ، علّه ينتفع بما هو أبلغ الدرس ، وأجمل الوعظ ، وأعلى النصيحة ، وأصدق القول والفعل ولكن لا يتعظ إلا المتقون.
قوله سبحانه ((وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ))(2).
فما أنزل الله من الحق والهدى والموعظة كاف للهدى والاتعاظ ولكن ذلك كله لا يلغى ارادة الانسان في الاستقامة والاتعاظ، فلا يهتدي ولا يتعظ إلا المتقون، أما من طغى واستكبر فإن له من طغيانه واستكباره ما يحول بينه وبين هداه.
والكلمتان الآتيتان عن علي عليه السلام تتحدثان عن وعظ الله النافع وعن إرادة الانسان التي تقوم عليها مسئوليته في إقباله على الله وإدباره:
– “اتقوا الله الذي نفعكم بموعظته ، ووعظكم برسالته ، وامتنّ عليكم بنعمته ، فعبّدوا أنفسكم لعبادته، أو اخرجوا إليه من حق طاعته” (3) هذه مسئولية الإنسان، فهو يملك أن يعبّد نفسه لعبادة الله وأن لا يعبّدها ، ولاتكليف إلا عن قدرة.
– والكلمة الثانية : “انتفعوا ببيان الله واتَّعظوا بمواعظ الله ، واقبلوا نصيحة الله “(4) وإذا اردت ناصحاً لا يغش ولا يخطئ ولا يجهل ، فلا اظنك تقدّم على الله في ذلك أحداً أبداً ..
فمع نصائح من نصائح الله لبعض رسله المكرمين كما جاءت بها بعض النصوص:
– في الآية الكريمة : ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ))(5)
هذه نصحية الله لعباده جميعاً ، نصحية تضعهم على طريق سعادتهم في الدنيا،وسعادتهم في الآخرة، لا طريق آخر غير هذا الطريق يمكن أن يحقق للناس حياة سعيدة كريمة آمنةً مستقرة ، أو أن يصل بهم إلى غايتهم الإنسانية البعيدة بما يؤهلهم لحياة السعادة في الآخرة، إنه لطريقٌ واحد لا أكثر، ألا وهو طريق الله سبحانه وتعالى.
وطريق الله مناهج نتظم كل شأن الحياة، وتتناول كل مسألة من مسائلها. ليس من حقل من حقول الحياة الإنسانية، ولا من مسألة من مسائل حياة الإنسان على الأرض، إلا وجاء بها أمرٌ أو نهي أو قاعدة مبيحة من الشريعة الإسلامية.
وكما يمكن التفرّق عن الدين، يمكن التفرّق في داخل الدين وبإسمه، وكما لا يجوز التفرّق عن الدين ومحاربته، كذلك لا يجوز التفرّق في الدين، فهناك محوّر واحد ينبغي أن يلتف حوله المسلمون كل المسملين : محور الكتاب والسنة، ومحور العقلية والنفسية المعصومتين، اللذين يمثلان علم الكتاب والسنة وعصمتهما.
محور المعلم المربّي؛ النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه المعصومين عليهم السلام، ومحور الكتاب السنة يجب على المسلمين جميعاً الإلتفاف حولهما وإلا كان ما هو خلاف ذلك من التفرّق في الدين.
– قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: (( يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة اشياء، أولهن : ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشتغل بذنوب غيرك،والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتمّ بسبب رزقك، والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي،فلا ترجو أحداً غيري ، والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره))
الإسلام دائماً يقيم المشاعر على الحقائق، يجعلك وجهاً لوجه مع الحقيقة، يريك الحقيقة على واقعها من أجل أن تكون مشاعرك موضوعية غير خيالية، وإذا كان منبت المشاعر هو الحقيقة، فإن المشاعر ستكون حقيقيةً وستقود في الأخير إلى نتائج حقيقية.
أما المشاعر التي تنشأ من فراغ أو تقوم على قاعدة من وهم أو خيال أو خطأ في التصور،فإنها مشاعر كاذبة لا يمكن أن تنتهي إلى إلا نتائج كاذبة مثلها، ويحرص الإسلام دائماً أن يقدم لك الحقيقة على واقعها وعلى ما هي عليه في الخارج.
الله تبارك وتعالى يربط تصوّر موسى عليه السلام بالحقائق الواقعية لكي لا تشذ له مشاعر عن خط الحقيقة.
((ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشتغل بذنوب غيرك)) من منّا علم أن ذنوبه التي اقترف قد غفرت له ، وكيف أشتغل بهم العيوب من إصلاح غيري، غافلاً لهم الإشتغال بإصلاح عيوبي؟ أنا مثقل بالذنوب ولا أعلم أن هذه الذنوب قد انحطت عن كاهلي فكيف لي بأن أعيب وأن أشمت وأن أعيّر الآخرين بذنوبي.
علي أن أرتبط بالحقيقة، علي أن أرى نفسي، عليّ أن أسأل نفسي هل أني فرغت من ذنوبي،حتى اشتغل بذنوب غيري ؟ سيأتي الجواب أبداً لن تفرغ يوماً من الأيام من مسئولية ذنبك ، فإذن لا يصح أن تشتغل بذنب غيرك.
(ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت) وهل تنفد كنوز الله وذخائر الله وملك الله ، إذن وأنت ترى الملك ملك الله، وترى خزائن الله باقية، وأن يد الله لا تضيق ولا تشح، ومن عدا الله كلهم واقعين في الفقر وفي المسكنة وذل الحاجة، فأليس من الوهم من بعد ذلك وأليس من الخطأ من بعد ذلك أن تتعلق الآمال بالمخلوقين، وتنصرف الآمال عن الخالق،لماذا يعبد بعضنا بعضاً ، أرجاءً وهل يصح الرجاء في غير الله ولا ملك لأحد غيره؟!
الإسلام يطالبنا هنا أن نبني مشاعرنا في ضوء مطالعة فكرية هادئة، في ضوء دراسة عقلية موضوعية، علينا أن نفرغ اولاً من ناحية فكرية .. أن الملك لله أو أن الملك لغيره، أن الغنى بيد الله أو أن الغنى بيد غيره، وإذا كان الملك والغنى له وحده فكيف لي أن أتعلق بالملوك في رجاءاتي وآمالي وأترك ملك الملوك؟! افرغ أولاً من بناء فكر سليم تبتني لك مشاعر سلمية.
ولذلك نحن محتاجون دائماً في تربية الأجيال وفي تربية الصفوة بصورة خاصة، أن نبني تصورات دقيقة وأن نقدم فكراً سليماً من أجل أن تتحرك حياة الأجيال على المسار الصحيح من حيث المشاعر، والمواقف العملية. ما لم نبن فكراً سليماً فستظل المسيرة قلقة مضطربة تميل يمنةً ويسرة.
(ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتمّ بسبب رزقك) كثير من الأمراض النفسية ومن المشكلات العضال تأتي من الشعور بضيق الرزق ومن الخوف على الرزق، هناك حزن على الرزق حيث يقل ما في اليد، وهناك خوف على الرزق إذ قد تكون باليد الملايين ومع ذلك يخاف الشخص على رزق غده. لا ينبغي للخوف ولا الحزن أن يردا في شعور الانسان المسلم الذي بلغ درجة الرضا والاطمئنان. وقد يكون السبب الأول فيما أحزن هو تقصير النفس، وعدم الانسجام مع تعاليم الله وأحكامه في هذه الحياة ، وإذا كان شيء غير ذلك فقد يأتي ابتلاءاً وامتحاناً لهذا الانسان،وكلما نجح الانسان في الامتحان كلما ارتفع درجة عند الله عزوجل ينسى معها كل متاعب الحياة، وكيف تخاف على رزقك والرازق كريم لا تنفد خزائنه؟!
لو كان أبوك غنياً كريماً ويدك خالية من الفلس الواحد لما خفت، وهل أبوك أوثق في نفسك من ربك ؟!

((.. والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره)) هذا شعورٌ يجب أن تغنى به النفس وهو شعور المعركة الدائمة مع الشيطان الرجيم،الذي لن يموت إلا بعد أن نموت .
هذه بعض نصائح وتبقى نصائح ونصائح لله تبارك وتعالى الغني القوي لهذا الخلق الفقير الضعيف.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة جزماً حتما برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجلعنا ممن يسمع القول فيتبع أحسنه ولا يعدل عن الحق وإن عز طالبه، ولا يعدل بنصح ربه العظيم نصحاً ، ولا يحيد عن طاعته أبداً، ولا يساوي به أحدا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا من أهل السعادة في الدارين يا ما لا ينفد ملكه، ولا تنقص خزائنه ، يا أكرم من سئل وأجود من أعطى ..
بسم الله الرحمن الرحيم (( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3)))

الخطبة الثانية

الحمد لله الملك الحق المبين الموجود بلا عدمٍ سابقٍ ولا لاحق ، الحيّ بلا موت ، المريد بلا انقطاع ، القيّوم بلا فتور ، العالم بلا جهل ، الكامل بلا نقص . لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، محيط بكل شيء و لا يحيط به شيء، وأعرفُ من عرفه من كان له يقينٌ بكماله المطلق ، وأنه وغيره لا يمكن أن يعرفه أو يحده.
أشهد أن لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله وصنعهُ الذي بيده ناصيتُه ، ونفسي المملوكة له ، المرتزقة برزقه ، القائمة بتدبيره بتقوى الله ، وطلب مرضاته، ومن رضي عن الله، وعمل بما بما أمر، وانتهى عما نهى رضي الله عنه ، وليس بعد رضى الله فوز يُطلب ولا سعادة تقصد، ولا توفيق إلا بالله.
نستعينه ونستهديه ، ونسترشده ، ونسترحمه ، ونثق به ، ونتوكل عليه إذ لا هادي من دونه ، ولا منقذ سواه ، ولا نجحَ إلا من عنده . ولا ييأسنّ مذنبٌ من رَوَحِ الله ، ولا يغرَّنه الشيطان بالبقاء على معصيته، ولا يغترن صاحب طاعةٍ بطاعته فإن نِعم الله لا تُكافئها طاعة، وإن البقاء على الطاعة يحتاج إلا اللجأ إلى الله وتوفيقه.
اللهم اغفرلنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعيتن، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا من أهدى من هديت ، وأسعد من أسعدت ، وأكرمنا بطاعتك ، ولاتٌهنا بمعصيتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على وزد وبارك علي حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقرَّبين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك يا كريم.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات فحديث اليوم هذه موضوعاته :

أولاً : تعطيل الحق السياسي :-
جاء في مادة مشروع قانونٍ تقدّمت به الحكومة إلى المجلس النيابي ، أو هو في طريق تقديمه لا أضبط تماماً :حرمان عشرة أعوام من المشاركة السياسية لمن حكم ستة اشهر في جناية سياسية أو غير سياسية. هذه المادة تمثل إجراءاً سياسياً منطلقه سياسي، وكل لحاظه المصلحة السياسية للحكومة على حساب المعارضة ، الإجراء بعيدٌ عن التأديب القانوني. المادة تتيح فرصةً وتعطي إغراءً لإفتعال أحداث أمنية بقصد توريط قوى معارضة يخطط لإقصائها اليوم أو غداً ولافرق ..
يمكن في أي موقف أو في أي منعطف من المنعطفات، وفي أي نقطة من درب المسيرة أن تُحدث جهات أمنية بقرار مركزي أو غير مركزي من الجهة الأمنية اضطرابات في الساحة تستدرج قوى المعارضة للدخول في المواجهة ، ويستغل هذا الحدث لتجريم مجموعة يراد إقصاؤها من المشاركة السياسية، بهذه المدة أو أكثر.
هذه المادة تسهتدف أن تسد ابواب الاحتجاج على الاخطاء الحكومية، وتهدد المحتج دائماً بأن أمامه عقوبتين عقوبة السجن ، عقوبة الحرمان من المشاركة السياسية لهذه المدة الطويلة التي ربما تأخذ ربع أو خمس عمره السياسي.
واضح جداً من هذه المادة أنها تشير إلى سوء نية سياسية للإستغلال السياسي لأي أحداث حتى ولو لم يكن مخططاً لها من الجهة الرسمية.
يبقى أن النائب الذي يقر هذه المادة محكومٌ عليه بأنه مناهض لمصلحة الشعب ساعٍ في ضرره.

ثانياً : إملاءات وترحيب :
مع الضعف والإستسلام والتبعية من جهة ، والقوة والبطش من جهة أخرى تكون الإملاءات من طرف القوي، والترحيب من الطرف الآخر.
أكثر دولنا العربية والإسلامية هي في موقع الوهن والضعف والتبعية للإستكبار العالمي، وهنا تأتي مصيبة الأمة،مصيبة إملاءات الاستكبار العالمي بما هو عليه من ظلم، وبما فيه من كفر ، وبما عنده من تحلل ، ومن أطماع ومن مسخ الهوية الإنسانية ، لتتدخل في شؤون أمتنا الإسلامية؛ كل شؤونها .
وضعف الأمة العربية والإسلامية في كثير من أبعاد المسألة ليس راجعاً لفقد السلاح النووي ، وترسانة السلاح المتقدم ، صحيح أن هذا يضعف الأمة في مجموعها ، لكن الاستكبار العالمي ليس مستعداً أن يستعمل السلاح النووي في وجه أقطار عربية صغيرة ، وفي كل موقفٍ موقف سياسي ، استعمال السلاح النووي له ضروراته البالغة.
السبب الرئيس الذي تخاف منه الأنظمة على نفسها من الاستكبار العالمي ، ليس أنها تفقد السلاح النووي والاقتصاد القوي الذي يوازي اقتصاد امريكا واوربا ، السبب الرئيس هو انفصالها عن شعوبها، الحكومة الأمريكية ليست مستعدة ، أن تسقط كل حكومة حكومة تخالف إرادتها بالقوة، ولا يتسير ذلك بشكل بسيط،هناك أحد طريقين لإسقاط الحكومة : غزو خارجي ، والغزو الخارجي من أمريكا وأوربا للحكومات العربية والإسلامية بشكل مستمر ليس طريقة عملية ، يبقى : اسقاط الحكومات من داخل شعوبها، وهي طريقة أخرى تسلكها قوى الاستكبار العالمي لإسقاط بعض الحكومات التي لا تتمشى مع هواها، وإذا كانت هذه الحكومات منفصلة عن شعوبها فهي تجد المنفذ لإسقاطها من هذا البعد.
فانفصال الحكومات عن الشعوب، وقدرة القوى الأخرى على تحريك قوى داخلية موالية لها من جهة ، وعلى تحريك الشعوب بشكل عام من خلال الإعلام والتحريض على حكوماتها ، هو ما يقلق حكومات عربية كثيرة، ويوقعها في التبعية بصورة دائمة. السر الكبير لهذه التبعية وللخوف الذي تقوم عليه هو انفصال هذه الحكومات عن الشعوب.
لو كانت الحكومات مرتبطة بشعوبها ، آمنة من سخط شعوبها، مطمئنة بأنها لا يمكن أن تضحي بها ، لبقت هذه الحكومات عزيزة ومطمئة وآمنة ، وقوة أمريكا وحدها لا يمكن أن تهدد هذه الأنظمة.
– املاءات غربية :
تجدون سيلاً من الإملاءات الامريكية والغربية على بلداننا الإسلامية والعربية، وليس ما سأذكره هو جميع هذه الإملاءات وإنما هو البعض القليل المكشوف ، تجدون من هذه الإملاءات :
التطيبع مع إسرائيل : لا لدعم لحكومة حماس ، العمل على إسقاطها ، المشاركة في الحرب الإعلامية الأمريكية ضد أي بلد مسلم أو عربي ، تغيير القوانين وتغيير المناهج بما يتناسب مع إرادة أمريكا والغرب ويناقض مصلحة الأمة ودينها، الترويج للأخلاق الهابطة على الطريقة الأمريكية والأوربية ، فتح الأسواق التجارية ، أستيراد السلاح المحدد من قبل الإرادة الغربية وليس ما تحتاجه الدول الإسلامية ، تسليم الكفاءات العقلية الشبابية والناشئة لتصنع حسب الرغبة الأمريكية، لا بد من بعثات طلابية لأمريكا ، من بعثات طلابية لأوربا وهذه البعثات تتم تحت النظر الأمريكي والأوربي وليس اعتباطاً ، تسليم الجو والبحر واليابسة للقوات الأجنبية ، تسليم العناصر المرغوبة للأمن في أمريكا وأوربا، فيلاحق المسلم في بلاد الإسلام ويكبّل ويهرّب إلى أمريكا لتفعل به ما تشاء ، صناعة المرأة والشباب حسب الذوق الغربي ، وعبر الخطط الإعلامية والاجتماعية والسياسية وغيرها..
حرية الصحافة على حساب الدين والقيم، في حين أن الحرية السياسية للصحافة تقابل بالحديد والنار، التحكم في العلاقات الخارجية، للكثير من الدول الإسلامية والعربية ، وليس متروكاً لهذه الدولة أو تلك أن تبني علاقاتها الخارجية كما تقدر أن فيه مصلحتها ..
ما هو الثمن؟ أن تبقى هذه الأنظمة على كرسي الحكم وأن يتاح لها الاستغلال والاستعباد والكبت للشعوب وتقزيمها.

ثالثاً : لماذا لا يُسأل ؟
1- كتاب وجهته الإختصاصية الأولى لمناهج المواد الاجتماعية للتعليم الأساسي لمدراء المدارس الإعدادية بناءً على توجيهات وزير التربية والتعليم مفاده حذف موضوع الجهاد ، وموضوع الفتوحات ابتداءاً من الفصل الثاني للعام الدراسي الواقع في 2005/2006م .
2- إلى جنب ذلك فإن أربع غزوات هي بدر ، وأحد ، والخندق ، والحديبية مجتمعةً كل ما لتدريسها حصة واحدة!وهو أمر أقرب إلى الاستهزاء بالتاريخ الإسلامي من احترامه، وإشارة إلى هذه الغزوات بما قد يسئ أكثر منه مما قد يُحسن.
3- للشعب أن يسأل أجاء هذا إرضاءً لله عز وجل ؟ إرضاءً لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إرضاءً للمؤمنين ؟ أو جاء رضوخاً واضحاً للإرادة الأمريكية والغربية المعلن عنها بلا مواربة ؟!
كل الناس يعرفون الآن ، أن أمريكا تفرض تدخلها في القضاء والمناهج والقوانين وكل شؤون الحضارة الإسلامية ، لتغيّر وجه هذه الحضارة وتفسد لبّها ..
4- أين المجلس النيابي من مُساءلة الوزارة عن هذا الاستخفاف بالدين والتاريخ ؟
5- ونحن نؤكد أن ديننا بلا إرهاب ظالم عدواني ولكنه ليس بلا جهاد يُذاد به عن الحق والعدل، ويُعز به الدين والأمة ، ليس بلا جهاد يحافظ على هوية هذه الأمة وإنسانها ، ليس بلا جهاد يذوذ عن استقلاها، وعن ثرواتها وكرامتها ، ليس بلا جهاد تتخلف من دونه عن ركب الأمم وتكون مطمع كل أمة وإن هزلت. لا بد من جهاد له ضوابطه وله قيمه وله دوره الإنساني والرسالي الكبير ، له هدفه المتمثل في إعمار الإنسان والأرض، ويحافظ على هوية الأمة وقدرتها.
6- في ضوء هذه الخطوة من وزارة التربية والتعليم ، وخطوات أخرى من وزارات أخرى لا تخفى عليكم ، ماذا تقدّون لو تخلى المسجد عن دوره وأوكلت التربية الإسلامية لهذه الوزارات، وأوكلت أمانة الدين والتبليغ وتقديم مفاهيميه واخلاقياته وأسسه لهذه الوزارات، ماذا نقدّر أن يكون؟! وماذا لو خضع المسجد لهذه الوزرات؟! ألسنا نتحول أمريكيين في الإرادة ؟ سيتحول المسجد إلى مؤسسة أمريكية وانجليزية في ضوء متابعتنا لوزرات يملى عليها من أمريكا وانجلترا فتسمع ..
أسمعتم يا إخوتي يا أئمة الكادر الوظيفي من ائمة الجماعة والجمعة ؟ اتبقى الحقيقة خافية ، ماذا لو إستمر إنتماء إمام المسجد للكادر الوظيفي وكانت إرادته من إرادة وزارات ودوائر لا تملك أن تقول “لا” لما تريد أن تمليه القوى المعادية للإسلام..
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، مغفرة جزماً حتماً يا أرحم الراحمين .
يا رحيم ارحمنا يا عزيز اعزنا ، يا حفيظ احفظنا، يا كريم أكرمنا ، يا ولي الصالحين في الصالحين أدخلنا،اللهم لا تخرجنا من هذه الدنيا حتى ترضى عنا، اللهم أربحنا الآخرة يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ميزان الحكمة ج10 ص 645
2 34 / سورة النور
3 ميزان الحكمة ج 10 ص 543
4 المصدر نفسه
5 13/ الشورى

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى