خطبة عيد الفطر المبارك 1 شوال 1425هـ – 15 نوفمبر 2004م

مواضيع الخطبة :


 وقفة مع الحديث الشريف:(من ملك نفسه إذا رغب، وإذا رهب، وإذا اشتهى، وإذا غضب، وإذا رضي حرّم الله جسده على النار).+ المجلس الإسلامي العلمائي:

الخطبة الأولى

الحمدلله الحي القيوم، مخرج الحي من الميت، والميت من الحي، الرزّاق ذي القوة المتين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله، ومتابعة أمره، والانزجار لنهيه، ومخالفة هوى النفس، وتزيين الشيطان فحاشا الله أن يأمر إلا بخير، وأن ينهى إلا عن شر، وما قاد الهوى إلا إلى ضلال، وما دل الشيطان إلا على بوار.
وما أصدقك القول، وما أخلصك النصيحة من دعاك إلى دنيا فيها خسارة الدين، وإلى تجارة فيها غضب الرب، فأقصى ما في الدنيا لذاتها العابرة التي كلما أغرق فيها مغرق أعطبت بدنه، وأسرعت به إلى حتفه، وسلبته إشراقة روحه، ويقظة ضميره، وهدى قلبه. وغضب الرب لا يطاق، وخسارة الدين عذاب مقيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم ارزقنا الهدى وثبتنا عليه، وامنحنا البصيرة ولا تسلبها منا، وارحم ضعفنا، واكشف كربنا، وأكرمنا بطاعتك، واكتب لنا كرامتك ياأكرم من كل كريم، وياأرحم من كل رحيم.
أما بعد فمع هذا الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام:”من ملك نفسه إذا رغب، وإذا رهب، وإذا اشتهى، وإذا غضب، وإذا رضي حرّم الله جسده على النار”.
1. مُلك النفس أن تقودها ولا تقودك، أن تغلبها ولا تغلبك، وتقرر لها الموقف ولا تقرره لك. أن تأتمر لدينك وعقلك وضميرك، لا أن تأتمر هذه القوى الهادية لنفسك.
ملك أحدنا نفسه بأن لا يعطيها ما تشتهي، وما تهواه فيها من رغائب إلا بعد مراجعة العقل والدين والضمير، بل أكثر من ذلك بأن يبلغ بها أن تنقاد طيّعة لما يقضي به كل ذلك، وأن تنبني مشاعرها ورغائبها وحبها وبغضها تبعاً لذلك، فتكون مترفّعة عن الدنايا، متنزّهة عن القبائح، مشتاقة للسمو، مستمسكةً بالفضائل، منشدةً للمكارم.
2. وقد يتراءى للمرء في غير مواطن الفتن، وساحات التحدي بأنه سيد نفسه، وأن قيادها بيده، وأنه الرجل الحديدي في قراره. ولكنّ هذا الظن ليس بشيء، والصحيح أن النفس وصاحبها لا يعرف أحدهما الآخر المعرفة الدقيقة، وأن لمن الحكومة منهما على الثاني؛ للنفس على صاحبها في عقله ودينه وضميره وخبرته وعلمه، أم لكل ذلك على النفس إلا في الفتن المثيرة، والتحديات الكبيرة التي تمثل ساعة الامتحان العسير، والمحك الصادق.
والحديث عن المعصوم عليه السلام يضعنا أمام مجموعة من مواقف التحدي والفتن الصعبة لاختبار أنفسنا.
فالرغبة المستثارة بفتنة من جمال، أو عظيم من مال، أو كبير شهرةٍ وجاهٍ تستفز النفس في بعدها الأرضي وشهوات الطين فيها، فإن هي لم تُستفز لحرام في هذه الحالة، أو كان الموقف لا كما تُحدِّث به صاحبها من الانهزام أمام الحرام بظهور قوة العقل والدين والضمير عليها ثبت للمرء أنه مالك لها.
وهو كذلك إذا لم تعدل به الرهبة الطاغية عن الحق، وإن لم تنحدر به الشهوة العارمة عن الصراط، ولم يسلبه غضبه عقله ودينه في قوله وفعله، وكان في الغضب والبغض والرضا على حد واحد من التزام دينه، والأخذ بنصيحة عقله، وتمسكه برشده وقصده وجه ربه.
وإذا كان نصيبه في هذه الموارد الخور في الإرادة، وغياب العقل والدين, وانطفاء نور الهدى في نفسه، والشطط في القول والفعل، والهزيمة أمام الهوى كان عليه أن يعرف أنه عبد نفسه وأسير هواه، وأنه أهدر عمراً لم يبنِ فيه ذاته، ولم يحقق نجاحاً في حياته.
فالنجاح أن تفلح النفس، أن تهتدي، وتكبر وتعظم وتستقيم، وتُقبل على الخير، وتدبر عن الشر، وتتحرر من الهوى، وتستجيب واعيةً للرب، وتستذوق الجهاد والتعب في طلب الكمالات والمعاني الرفيعة التي لا تُنال إلا على طريق الله، الجليل الجميل، العلي العظيم.
وإنه على محك فتنة الرغبة والرهبة، والشهوة، والغضب والرضا تظهر حقيقة الذّات لصاحبها وغيره، ويعرف أحدُنا نفسه وقيمة صلاته وصومه وكلَّ عبادته وسعيه وعلمه في ما مضى من عمره، وأنه قد أعطى العبادة حقّها، أو كانت عبادته هزواً، وأن قد أحسن صنعاً أو أساء عملاً.
3. ولا يملك إنسان نفسه ليربح حياته، ويحقق فيها غايته حتى يخوض مستمراً معركة الجهاد الأكبر في داخله مراقباً منبهاً، معاتباً، لائماً، موبخاً، واعظاً، مستثيراً، مشجعاً مذكراً، معلماً، مستنهضاً، محذِّراً، منذراً، مبشراً، موجهاً، معانداً، مكابراً؛ فإن أساءت النفس عاتب ولام ووبّخ، وإن غفلت نبه وذكّر، وإن جهلت علّم ووعظ، وإن تلكأت عن الخير استثار واستنهض ودفع، وإن وفّقت لفضيلة بارك وشجع، وإن تطلّعت لرذيلة حذر وأنذر، وإن ألحت على الشر واجه وعاند وكابر.
وجهاد النفس ترويضها على التقوى، وحملها على الخير، وتصبيرها على الفضيلة، ومخالفتها في ما دعت إليه من شر، وفي ما تطلعت إليه من سوء.
والنفس يقوى خيرها بالجهاد، وتشتد عزيمتها على الفضيلة بالترويض، وربما انتهت بطول مسيرة المجاهدة، والمثابرة في منازلة الهوى إلى مفارقة الشر وكرهه وبغضه والتبرؤ منه، وإلى رغبة الخير، واحتضانه والتزامه، واستلذاذ النصب في سبيله.
وليس لأحدنا موقع من النار أو الجنة إلا بمقدار ما في نفسه من خيرٍ أو شر(1)، ومن حسن أو قبح، ومن فضيلةٍ أو رذيلة. فجنة أحدنا من مستوى نفسه، وناره كذلك. فمن طلب جنة عالية فلا يطلبها إلا بنفس عالية، والسبيل إلى الهاوية نفس ساقطة خاوية.
والحديث يقول:”حرم الله جسده على النار” والجسد لا يدخل النار وحده ومن نفسه، وإنما هو التعبير عن نجاة النفس من النار(2)، وفي نجاة النفس من شقائها نجاة للجسد من لظاها، والجسد لا يُعذَّب إلا بما كسبته النفس، وعذابه لون مما كُتب لها من عذاب.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولأرحامنا وقراباتنا وجيراننا، ومن أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة إحسانا خاصا يا كريم. اللهم أصلح لنا أنفسنا التي بين جنبينا، وآتها هداها فأنت خير من هداها، وزكها فأنت خير من زكاها، واجعل جنة النعيم بمنك مأواها.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}


الخطبة الثانية

الحمد لله الفرد الوِتر، العظيم الأعظم، الأعزّ الأجلّ الأكرم، الروؤف الرحيم، الودود الكريم. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نظير ولا ظهير، ولا مضاد له في أمره، ولا منازع له في ملكه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وزادهم تحية وكرامة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فمن اتقى اللهَ انفتحت مسالك الهدى في قلبه، وأبصر النور جليّاً من بعد الغشاوة التي تُقلِّل من رؤيته،يقول سبحانه:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}(3)، ويقول تبارك وتعالى:{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً …}.
وما أعظم أن يرزق الإنسان الهدى، وأن لا يشتبه عنده حق بباطل، ولا تغيم عليه الأمور.
أيها المؤمنون والمؤمنات تواصوا بالحق ولا تواصوا بالباطل، وتواصوا بالصبر ولا تواصوا بالوهن والجزع وما فيه الفشل. وتزاوروا ولا تقاطعوا، وتعاونوا ولا يخذلن بعضكم بعضاً، ومن تعاون فليتعاون على البر والتقوى.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا من أهل البر والصلاح والفلاح، وارزقنا النصيحة لعبادك، والتوفيق لنصرة دينك، ونقاء القلب، وطهر السريرة، وجمال السيرة ياربِّ يا كريم يا رحيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى عليّ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة، وعلى الحسنين الزكيين الوليين الإمامين الطاهرين المعصومين.
وعلى الأئمة الهادين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر محمد بن الحسن وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبينا، ومكّن له في دينه تمكيناً.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريق رضوانك.
أما بعد أيها الملأ الكريم فهذا يوم عيد كريم، والعيد في الإسلام يوم طاعة لا معصية، ويوم ذكر لا غفلة، وإحسان لا إساءة، فلنحسن يوم عيدنا العمل، ولنكن كما أدَّبنا الصوم مراقبين لأنفسنا عن الوقوع في الزلل، محاسبين لها على الخطل، محترسين من أن نتخذ المناسبات الشريفة فرصة لتسلل السلوكات الخبيثة، وتحويل مجتمع الفضائل إلى مستنقع للرذائل.
بعد هذا يتناول الحديث:-
أولاً: المجلس الإسلامي العلمائي:-
العلماء في البحرين ومنذ بعيد كانوا يحتاجون إلى سقف يتدارسون تحته قضاياهم وقضايا التبليغ الديني، والخدمة الاجتماعية التي يمكن لهم تقديمُها للمؤمنين، فكان هذا السقف وهو المجلس العلمائي وإن جاء متأخراً.. وإنَّه أنْ يأتي متأخراً قضية مؤلمة، والقضية التي يجب أن لا تكون هي أن لا يوجد. فلا تقل لي لماذا كان هذا المجلس، بل قل لي لماذا تأخرت ولادته إلى الآن في حين ما كان يصحُّ أن تتأخر؟ فالغريب ليس أن ولد، وإنما الغريب أن قد تأخرت ولادته كلَّ الزمن الطويل الذي مرَّ.
فالذين ينكرون على المجلس العلمائي تأخر ولادته مُحِقّون وإن وجد العذر، أما الذين ينكرون عليه أن قد ولد فإنا نطلب منهم أن يكونوا أكثر واقعية وأكثر في الإنصاف.
وهذه بعض وجوه الحاجة للمجلس المذكور:-
1. تخلُّف الخدمات الدراسية والاجتماعية والمعيشية التي يتطلبها الوضع الطلابي الصحيح في دائرة الطلاب الحوزويين.
2. توظيف الطاقات العلمائية والطلابية المهدورة لغياب المشروع الثقافي والاجتماعي المستوعب لها، والمثير لإبداعاتها.
3. تبليغ الأحكام الشرعية للمكلَّفين بما يُبرئ ذمة العلماء وطلاب العلوم الدينية إذ يوجد نقص ظاهر جدّاً في هذا المجال وإخلال فاحش بالواجب: فكم هم الذين لا يجيدون وضوءهم وصلاتهم من مختلف الأعمار والمستويات؟!(4)
4. رعاية الناحية الأخلاقية لشبابنا المهدَّد في أخلاقياته الإسلامية العزيزة لما يتعرض له من تحديات ضخمة صعبة في كثير من ساحات حياته المختلفة.
5. خطورة الخلافات التي تنشب بين المؤمنين في حسينياتهم ومواكبهم وقراهم ومدنهم وحالة الفراغ الهائلة التي تعاني منها عملية الإصلاح بين المؤمنين.
6. التحصين الثقافي للمؤمنين ضد عمليات التغريب الفكري والسلوكي.
7. خلق قناة واعية متوفرة على الرؤية الشرعية والفهم لأسس المذهب وأحكامه لتسهيل عملية التواصل والتقريب المذهبي قطعاً لدابر الفتن الطائفية والفُرقة الممزقة لشمل المسلمين الموقعة لهم في الكوارث.
وليس أولى بهذا الدور من مثل المجلس العلمائي.
8. التفاعل الفكري، والتفاهم الشعوري بين العلماء لتقارب الرؤى تجنُّباً للخلافات التي تنعكس سلباً وبصورة خطيرة على المجتمع، وتقديم صورة لائقة عن الحالة الاجتماعية التي تؤطِّر العلاقات العلمائية.
9. التلاقي العلمي التخصُّصي للتقدم بالمستوى، وتنضيج الرأي في المجال الفقهي، والانتهاء إلى نتائج قائمة على تدقيق النظر والتحقيق.
هواجس سياسيَّة:
ربما تكون هناك هواجس سياسية تتصل بالمجلس. لكننا نقول:
1) المجلس ليس مؤسسة سياسية، ولا تكتلاً سياسياً على حد الجمعيات أو الأحزاب السياسية. ولكن لا يُفرض على العالم أن يكون بلا رأي سياسي، ولا يتاح لكل مواطن أن يتحدث برأيه السياسي ويُستثنى العالم من هذا الحق(5).
2) المجلس العلمائي وثقة المؤمنين:
قد يقال بأن المجلس العلمائي لن يشتغل بالسياسة بالمعنى الدقيق، ولن يكون على حد المؤسسات والأحزاب السياسية، لكن أليس المجلس العلمائي قادراً على أن تهوي إليه نفوس المؤمنين؟
كون المجلس العلمائي يستقطب المؤمنين وينال ثقتهم، قد تتصوره السياسة أن هذا أمر خطير.
للجواب على ذلك: ثقة المؤمنين في عدد من علمائهم، والتفافهم بعدد من علمائهم أمر حاصل وجد المجلس أو لم يوجد، والالتفاف الجماهيري برموز شعبية معينة حاصل في كل الشعوب المسلمة وغير الشعوب المسلمة.
وشعب بلا رجالات موثوقين لابد أن يتحول إلى شعب عصابات عند كل خلاف مع حكومته.
فمن الرحمة بأي شعب أن يكون رجال على قدر من الحكمة، على قدر من العقل، عندهم دين، وأن يكون هؤلاء الرجال ينالون شيئا من الثقة من شعبهم. ذلك أرحم بالبلاد والعباد من أن يكون الناس بلا رجال يثقون فيهم فيتصرف كل واحد منهم كيف يشاء.
والشعب بلا مجلس ولا رجال تسمع كلمتهم ستكون الكلمة فيه لكل مغامر، وسيكون لذلك المغامر من ناحية عملية حق الولاية الذي نخاف منه. هناك خوف من أن يكون للمجلس العلمائي ولاية على المؤمنين فيطرح المجلس العلمائي أمرا فيأتمر به المؤمنون. هذا الخوف لا مورد له كما سيأتي، وهذا المخوف يحصل بدرجة أكبر جدا إذا لم يكن مجلس علمائي، لأن كل مغامر، وكل مشته للشهرة وكل من عنّ له التفكير بأن يحرك الشارع يستطيع أن يحرِّكه الشارع في غياب رموز موثوقة لها الكلمة المسموعة وتؤمن منها النصيحة، وهي تخاف الله تبارك وتعالى.
والمجلس العلمائي وهو يتخذ قراراته بالأغلبية في المساحة التي لا يتعارض فيها ذلك مع الشريعة لا يؤمن بتاتاً بالولاية لرأي الأغلبية، وليست مساحة هذا الرأي مساحة الولاية أصلاً.
فحق الولاية غير مرتبط بالمجلس العلمائي نهائياً، وغير متوقف عليه. ووجود المجلس العلمائي لا يؤثر عليه سلباً ولا إيجاباً من الناحية الشرعيَّة.
المجلس العلمائي والقوانين:
1. نحن نجزم بأن عملية التبليغ الديني في المجتمع المسلم والبعيدة. كل البعد عن الإكراه والتعسف، فضلاً عن العنف والإرهاب، والمعتمدة على الدعوة الحسنة، والرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمجادلة بالتي هي أحسن مع تقدير أهمية أمن المجتمع واحترام إنسانية الإنسان لا يمنعها دستور ولا قانون في بلاد إسلامية وإلا فمعناه أن لا إسلام.
ولا يمكن التنازل عن هذا القدر من الفهم الإسلامي.
أما بعد هذا فإن القوانين التي تواجه مشاريع التبليغ – الفردية أو الجماعية – إما عادلة أو ظالمة، والقانون العادل لا بد أن يؤخذ به، والقانون الظالم المطبَّق بالقوَّة لا يمثل المجلس العلمائي مؤسسة عسكرية ولا جيشاً شعبيّاً يدخل مع القوة المطبقة للقانون في مواجهة حربية ليفرض إرادته.
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية:
1) كون المجلس حكوميّاً لا مشكلة عندنا معه، فهناك وزارات وإدارات حكومية كثيرة، والعلماء يتعاملون معها ولم يعلنوا موقفاً سلبياً منها.
المشكلة تكمن في تدخل المجلس في الشؤون المذهبية، في فرضه السيطرة على المسجد والحسينية والموكب والحوزة وإمام الجماعة والجمعة. مشكلتنا مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية هي هذه، وليس أنه حكومي، كونه حكومي ليس مزعجاً المدارس حكومية، الوزارات حكومية، الإدارات حكومية، فهل نحن وقفنا موقف المعادي والمهاجم لكل هذه الوزارات والإدارات؟
فلو كان المجلس لا تدخل له أصلاً في أمور المذهب ومرافقه لتعاملنا معه بصورة مفتوحة في ما يخدم مصلحة الإسلام والوطن.
وقد عرضت هذا الرأي في أكثر من موقف عام من مثل مؤتمر الوحدة الذي أقامته جمعية التوعية الإسلامية في جامع الفاتح، وفي أكثر من موقف خاص ومع مسؤولين على مستويات مختلفة، وقلنا بأن قانون المجلس لو خلا مما يفيد التدخل في الشؤون المذهبية لارتفع اعتراضنا نهائياً.
2) والاعتذار الذي كان عن الاجتماع مع وزير الشؤون الإسلامية لم يكن اعتذارا عن الاجتماع به بما هو وزير للشؤون الإسلامية إنما بما هو رئيس للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وذلك لوجهة نظرنا الفقهية التي تخالف وجود هذا المجلس بما له من تدخّل في الشؤون المذهبية.
3) والرأي الذي نأخذ به في المجلس لسنا غريبين فيه بل هو رأي فقهاء الساحتين النجفية والقمية كما عُرف من الفتاوى الصادرة بهذا الشأن وهي كثيرة وقد ملأت الساحة في وقت خاص. فموقفنا في المسألة موقف شرعي فقهي ولا صلة له بالمنطلقات السياسية وخلفياتها مطلقاً، وهذا ما تعرفه الحكومة بلاريب.
وعن الاختلاف المذهبي فهو أمر قائم بين المسلمين، وعلى المسلم أن يأخذ فيه بما دلَّ عليه الدليل، وأمَّا عن الطائفية العدوانية والمتنكرة لحقّ المسلم على أخيه المسلم فنحن أعداؤها ونحاربها بشدة، ونراها نقصاً في الدين، جاءت من أخ لأخيه الشيعي أو من شيعي لأخيه السّنّي.
وأما عن استكثار المجلس على العلماء فأمر مستغرب جدّاً إذا كان علماء الملل الأخرى غير الإسلام يتمتعون في البحرين بتنظيم شؤونهم وإدارة أمورهم ورعاية أتباعهم، ويتناظرون في ما يخدم مصالح ديانتهم ويحافظ عليها في اجتماعات منتظمة ومداولات مستمرة.
النصارى، اليهود، البوذيون، كل أولئك يرعى زعماؤهم الدينيون في هذه الأرض شؤونهم الدينية، وينتظمون في اجتماعات لترتيب أمورهم، فهل يستكثر على الشيعة من المسلمين المواطنين فيها أن يرعوا شؤون مذهبهم؟! نريد إنصافاً.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
1
 – أين مكاني في الجنة؟ أسأل قبل ذلك ما مقدار الخير في نفسي؟ أين موقعي من النار؟ أسأل قبل ذلك كم من للشر من وزن في نفسي؟
2 – ما يدخل الجسد النار هو النفس، النفس هي التي تدخل النار فيدخل الجسد بدخولها، والنفس هي التي تدخل الجنة فيدخل الجسد بدخولها.
3 – 1/ البقرة.
4 – يذهب الشخص للحج وهو ابن الخمسين فيُكتشف أن وضوءه باطل، أن صلاته باطلة، هذه مسؤولية تقع على العلماء وعلى طلبة العلوم الدينية، والمشاريع الفردية لا تغطّي حاجة التبليغ، ولا تقوم بوظيفته مما يتطلب أن تتظافر الجهود وتُنسّق الإمكانات والخطوات من أجل أداء هذا الواجب.
5 – أن تكون سياسيا أن تشتغل بالسياسة أن تتخصص بالسياسة، أن تتحول إلى مؤسسة سياسية شيء، وأن يكون لك رأيك السياسي وأن تتمتع بحقك في طرح الرأي السياسي كأي مواطن آخر هذا شيء وأمر آخر بلا أدنى إشكال.

 

زر الذهاب إلى الأعلى