خطبة الجمعة (69) 15 جمادي الأولى1423 هـ – 26-7-2002 م

مواضيع الخطبة:

الغفلة – ازدواج الجنسية  –  التعديلات الدستورية  –  إسرائيل في الغرب –  الغزو الثقافي

نكرر أننا مع ذلك التطلع الشعبي الواسع، والمطالبة التي عبرت عنها الأوساط الشعبية المختلفة بصورة متكررة ومؤكدة بأن تلتزم التغييرات الدستورية طريقة الميثاق حسب الفهم الذي تلقّاه الشعب بكل وضوح

الخطبة الأولى

الحمد لله بديع السماوات والأرض، مخرج الأشياء من ظلمات العدم إلى نور الوجود، ومحيي القلوب بعد الموت، وباعث من في القبور.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ولي من دونه، ولا رب سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أولاه من عظيم رعايته، وطهّره ، واصطفاه.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآله وبارك عليهم جميعاً.

عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله الذي لا يُردُّ بأسه، ولا يقاوم قدره، ولا يحمي من غضبه إلا رضاه ، ومن عدله إلا إحسانه، والأسباب كلّها بيده، ومردّ الأمور جميعاً إليه.
اللهم صل على عبدك المصطفى وآله أهل الطاعة والزلفى، واجعل حظنّا التقوى، وأنقذنا من السوء والبلوى، ووفقنا لما هو أحق وأولى يا رحمن يا رحيم.

أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات..
فإنّ أمر الدين والدنيا يقوم على اليقظة، وما سلم دين، ولا استقامت حياة لغافل، فإن الغفلة تأتي على عمر الإنسان وطاقاته ومواهبه لتنسفها، وليجد حين يقظته بعد طول غفوته وغفلته، أن قد ذهبت منه الأيام سُدى، ولم يبق من طاقاته الجبارة ما يبني به حاضراً ومستقبلاً.
وإن أكبر مخزون من الطاقات والمواهب لا يعود على صاحبه بفائدة حين تملكه وتستحكم داخله الغفلة.
وكم يفاجأ في الحياة أن قد فرّط وضيع غالي الأيام، وثمين الساعات؟! أمَّا ما يفاجأ به في الآخرة بعد غفلة تستوعب منه الحياة فصدمته لا تقاس ولا تعالج، ذلك يوم أن يقال له ” لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”.
وإن الغفلة لغطاء سميك لا يبقي على قلب ولا بصيرة، ولا ينفع معه درس ولا عبرة، وكل التجارب الحبلى بالعطاءات لا أثر لها عند غافل، والبصر الحديد بصر كليل عليل، بل معطل فاشل حين تكون الغفلة التي تلفّ كل مراكز الوعي والإدراك ولو كانت غزيرة وفيرة.
وتقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام( الغفلة أضرّ الأعداء) وكيف لا تكون كذلك وهي مدخل الشيطان ، ومدخل كل عدو يريد بصاحبها سوءاً؟! وكيف لا تكون كذلك وهي تعمي الإنسان عن رؤية ذاته، ومصلحة دنياه وآخرته؟! وهي تتركه فريسة الهوى بلا ناصح من عقل، ولا تأنيب من ضمير؟! كيف لا تكون الغفلة أضرّ الأعداء وصاحبها يسعى إلى مصرعه فرحاً، ويعطي يده إلى عّدوه آمناً، ويهرب من ناصحه متّهماً، ويسمع من شيطانه المقيت، ويولي بظهره عن ربه الشفيق؟! بلى هكذا تفعل الغفلة بصاحبها.
إنه ليطرب أن يكون على طريق هلكته، وألعوبة بيد أهل عداوته، وتقول الكلمة عن غرر الحكم المنقولة عن علي أمير المؤمنين عليه السلام ( الغفلة طرب ). والطَّرِب مأخوذ بطربه مستولى عليه منه، مخمور بسببه.
وإذا كان هناك من يُنسى وما يُنسى، ويسبب الغفلة للإنسان من شيطان، ومن زخارف دنيا، وزينة حياة، وكيد المفسدين في الأرض، وتجار الشهوات، ومؤمرات السياسة، وسفلة الناس، فإن هناك من يثير في نفسك اليقظة، ويفتح واعيتك على الأمور، ويكشف عن بصيرتك ستار الغشوات من رسل منذرين ومبشرين، وأئمة هادين، ومصلحين على مدى القرون، وآيات موحاة، وسنن اجتماعية هادية، وكلمات كونية ناطقة، ودروس حية تخاطبك بها الأحداث، وعبر وعظات تتحدث بها تقلبات الأحوال.
وفي نفسك من آيات الله ما يكفيك، وفي كلّ مفترق من مفترقات الأيام من منارات التذكير والتقصير ما ينقذك. فإذاً لا عذر لغافل، و لا حجة لسادر. وفي نهج البلاغة لإمام البيان والبلاغة عليه السلام ( فأفِق أيها السامع من سكرتك واستيقظ من غفلتك ، واختصر من عجلتك ) النهج خ153 ، حسب ميزان الحكمة ج7 ص360 .
وهذه موقظات لمن كان له أن يستيقظ، وأن يخترق سمعه النداء، ونداءُ مَن، نداء أمير المؤمنين عليه السلام.. نداء خبير بصير، ففيما ينقل عنه عليه السلام ( كم من غافل ينسج ثوباً ليلبسه، وإنما هو كفنه، ويبني بيتاً يسكنه وإنما هو موضع قبره)؟! ميزان الحكمة ج7 ص 263.
( إنّ من عرف الأيام لم يُستغفل عن الاستعداد ) ، لأنها في كلّ يوم تأخذ أحبة وأصدقاء وأعزاء، وفي كل يوم تذلّ عزيزاً، وفي كل يوم تسقم صحيحاً.
ألا أيُّها المؤمنون لا تغفلوا أنفسكم، ومن أنتم في الخلق، ومن أنتم في الإيمان، ومن أنتم في وزن الله. لا تغفلوا عما يراد بكم في حاضركم وفي مستقبلكم، لا تغفلوا عما تكيده بكم حضارة المادة والفحشاء والضلال، لا تغفلوا عن إصلاح أمركم في الدنيا واجتماعكم على الحق، وما يتطلبه بلوغ أغلى أمنية في الآخرة، لا تغفلوا لغنى غني، ولا لقوة قوي، ولا لظهور ذي سلطان عمن لا منتهى لغناه، ولا حد لقدرته، ولا ممتنع من قوته، ولا سلطان أمام سلطانه، ولا أمان إلا بأمانه، ولا طمأنينة إلا برضوانه.
لا يُنسك أيُّها المؤمن يومك غدك ، وبيتك قبرك، ودنياك آخرتك، ولا يُغفلك عن لذيذ نعيم خالد، وهناء مقيم، عيشٌ عابر، ومتعة ساقطة فاجرة، أو متعة حلال قصيرة قاصرة .
معارك المال ، ومعارك السياسة، ومعارك الإجتماع، وكل المعارك الأخرى في هذه الحياة، معارك تنطلق بك على طريق آخرة رابحة، إذا كان منطلقها منطلق إيمان، وذكر لله سبحانه، وتفان في سبيله، وإخلاص لعبيده، وتكون منطلقك إلى آخرة خاسرة بائسة يائسة مقيتة، لو كان منطلقها الغفلة عن الله والإغترار بالدنيا، وحب الجاه.
وليس لنا أن ننطلق في هذه المعارك- ونحن نتطلع إلى ما عند الله، لا إلى ما عند الناس- ناسين قيمنا وأخلاقيتنا وتقوانا، وما تفرضه قواعد الدين، وواضحات المذهب، وما أخذ الله عز وجل على المؤمن من رعاية للحرمات .
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد واعمر قلوبنا بذكرك، وأطلق السنتنا بشكرك، ونوّر أنفسنا بمعرفتك، وأحيها بتقواك، ولا تجعل لنا صارفاً عنك، ولا طمعاً فيمن يضل عن سبيلك. اللهم اغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا وذوي الحقوق الخاصة علينا من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات يا رحيم يا كريم .

بسم الله الرحمن الرحيم
(ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر* كلا سوف تعلمون* ثم كلا سوف تعلمون* كلا لو تعلمون علم اليقين* لترون الجحيم* ثم لترونها عين اليقين* ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا مضلّ لمن هدى، ولا هادي لمن أضلّ، ولا يُضِلُّ إلا جزاءً، ولا يُجزي ظالماً إلا عدلاً. أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وسلاماً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله الذي لا مفرّ من حكمه، ولا مهرب من سلطانه، ولا ملاذ من أخذه، ولا تقوم لغضبه السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن، ولنرحم أجسادنا الضئيلة، ونفوسنا الجزوعة، وقلوبنا الهلوعة، ونضن بها على نار سجَّرها غضب الجبار للكفار والفسّاق والفجار والأشرار، وننأى بأنفسنا عن زُمر الضلال وعصابات الشرّ وأهل البغي والفساد في الأرض، فمن كان منهم في الدنيا كان معهم في الآخرة، ومن قاربهم اليوم كان صاحبهم غداً في النّار، ولئن بعُد يوم الحشر والنشر في حساب أهل الأرض فإنّ يوم الموت حتى في حسابهم ليس ببعيد، ومن مات عاين موقعه، وقامت قيامته، ووجد من بشرى عمله إذا كان صالحاً ما يطمئنه، ومن سوء عمله إذا كان طالحاً ما يُفزعه ويذيقه مُرَّ عذاب. ولا أدري كم بيني وأنا في طمأنينة الحياة وأُنس الأهل والأصدقاء وبين وحشة القبر فلعلّه نَفَس أو أقل من نَفَس.
اللهم أعذنا من الدخول في أعداءك، ومفارقة أوليائك، ومن سوء المنقلب، وخسران المصير.
اللهم صلّ وسلّم على خاتم أنبيائك ورسلك البشير النذير والسراج المنير محمد وآل محمد.
اللهم صلّ وسلّم على خليفة رسولك بلا فصل، وأمير المؤمنين بلا ريب عبدك الصالح علي بن أبي طالب.
اللهم صلّ وسلّم على أمتك الطاهرة فاطمة الزاهرة الصابرة.
اللهم صلّ وسلّم على عبديك ووليك إمامي المسلمين الحسن بن علي وأخيه الحسين.
اللهم صلّ وسلّم على أئمة الهدى وقادة الورى علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الراضين المرضيين.
اللهم صلّ وسلّم على الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر، اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأذلّ به النفاق وأهله، وأعزّ به الإيمان وأهله، وأبدلهم به عن ذلّهم عزّاً، وعن ضعفهم قوّة، وعن تشتُّتهم اجتماعاً في الخير والتقوى.
اللهم الموالي لوليك، الممهّد لدولته أيده وانصره وأعزز به أهل طاعتك، وفقهاء الإسلام ومجاهديه اشدد عزيمتهم ووحّد صفوفهم وبارك جهودهم في نصرة دينك، وإظهار شريعتك. اللهم لا تسلُبنا نعمة أنعمت بها علينا وزدنا من فضلك يا كريم.

أما بعد أيُّها المؤمنون والمؤمنات فهذه كلمات في بعض الشؤون:-

أولاً: الجمع بين انقطاع التيار الكهربائي في القيظ الحارق، وتحت نصف درجة الغليان، وفي قفص المباني الحديثة العادية وكذلك الماء الذي يشوي الوجوه من جهة؛ وبين الإنفاق بسرف بالغ على مشاريع السياحة اللهوية التي تهدم صرح الخلق القويم، وتقوّض أسس الشرف والعفة يعني التعامل مع المواطن بقيمة الحيوان الأعجم، لكن بحيث يكون من حيوانات العامة، وإلاَّ فالكلاب والحيوانات الأخرى مما يملكه الخاصة فهو أفضل حظّاً من هذا المواطن على مستويات كثيرة.

ثانياً: كيف نجمع بين السماح بازدواج الجنسية من طرفٍ واحد، وبين منْع مواطنين من جنسيتهم وقد ولدوا وتربوا على هذه الأرض، ولهم أرحامهم وقراباتهم القريبة فيها، منهم من هو موجود على ظهرها، ومنهم من قُهر على مُفارقتها محزوناً مكلوماً، وبقي معذباً في الخارج مشدوداً إلى الأرض لا يعرف له وطناً، وإذا طالب بعض هؤلاء المحرومين بحقّه، أو أراد أن يُبلِغ معاناتَه مَنْ بيدهم القرار- بما يوصل إليهم صوت هذه المعاناة- هُدِّد بالاعتقال والطرد، في حين بلغ المجنّسون من خارج دول الخليج العدد الذي سبّب استياءً شعبيّاً على مدى سنوات؟ ألغازٌ لا يمكن أن تترجم على أساس الحقوق والواجبات المتبادلة بين الحكومة والمواطن، ويبدو أن صدر ديموقراطيتنا ضيّق إلى حدّ أنه لا يتحمل سماع صوت المتوجعين.

وعلى المستوى الإنساني أترى أنّ العدد المحروم من الاعتراف بجنسيته البحرينية أبعد استحقاقاً لمنحها إياه ممن جُنّسوا- وهم كثيرون- من خارج دول الخليج؟!
يقودنا الإنصاف إلى المطالبة بمنح هؤلاء المحرومين جنسيتهم، وبأن لا يكون السّماح بازدواج الجنسية من طرف واحد فقط. وأهلاً بكلّ الخطوات التي تُحقق وحدة خليجية صادقة عادلة، ووحدة عربية وإسلامية كبرى شاملة ثابتة.

ثالثاً: نكرر أننا مع ذلك التطلع الشعبي الواسع، والمطالبة التي عبرت عنها الأوساط الشعبية المختلفة بصورة متكررة ومؤكدة بأن تلتزم التغييرات الدستورية طريقة الميثاق حسب الفهم الذي تلقّاه الشعب بكل وضوح ، مدعوماً هذا الفهم بالتأكيدات المنطوقة والمكتوبة من مستويات رسمية عالية معتمدة، وحتى على مستوى أعلى المستويات وإذا كان بعض الخبراء الدستوريين قد أقرّوا
الطريقة التي أُخذ بها فعلاً في التعديلات فإنه يُلاحظ على ذلك:-

أولاً: أنّ الحاجة إلى ترجيح تفسيرٍ للّنص الدستوري أو القانوني أو الفقهي على آخر إنما يمكن أن يُصار إليه إذا لم يحصل التأكيد على فهمٍ معين من جهة الصدور نفسها و إلا بطلت كلّ المحاولات التفسيرية التي تُخالف ذلك التأكيد، والتأكيد قد تمّ جليّاً على فهم محدّد للميثاق، ويتوافق وما استقر عليه فهم الشعب.

ثانياً: يقابل العدد القليل من الخبراء الدستوريين- الذين يصححون التعديلات الدستورية الحاصلة- خبراء دستوريون آخرون يفهمون العكس ومعهم فهم عرفيٌّ واسع النطاق.

ثالثاً: إنّ هذا العدد القليل من الخبراء- بما قدم من تفسير- عكَّر مسار المنهج الإصلاحيّ كثيراً وتراجع به، وخلق بلبلة شعبية وشروخاً أثّرت على الثقة بهذا المنهج في الوقت الذي لا نرضى أن يحصل لتتأثّر به، وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى وحدة وطنية قويّة شاملة يدعمها الحاكم والمحكوم تأسيساً لحاضر متقدم، ومستقبل واعد.
ولا يخدم البُنية القوية الوطنية هذا التراجع في حالة التفاعل الجادّ الذي استُقبل به المنهج الإصلاحي في تطبيقاته الأولى، والفتور الذي عرضه بسبب نتائج هذا الفهم من العدد القليل من الخبراء.
أخيراً إنه ليسأل- من منطلق الرغبة في الوحدة الوطنية المتماسكة والمصلحة العامة المشتركة والحرص على استمرار منهج الإصلاحات والتفاعل الحار معه:
هل ستبقى التغييرات الدستورية كما هي؟
هل سيبقى المجلس المعين ذو الوظيفة الإستشارية يتمتع بحق التصويت على قدم المساواة مع المجلس المنتخب؟
هل ستبقى النسبة بين المجلسين هي نسبة التساوي من حيث العدد؟
هل ستبقى الدوائر الإنتخابية على تقسيمها البعيد عن مقتضى الوحدة الوطنية والمساواة بين المواطنين؟
هل سيبقى الإلغاء لدور المؤسسات السياسية والدينية الأهلية في عملية الترشيح والإنتخاب؟ هل ستبقى الأصوات التي تنادي برجوع عملية الإصلاح إلى سابق انطلاقتها القويَّة، وهي – أي تلك الأصوات – تنطلق من عامة أبناء الشعب بتوجهاتهم المختلفة غير مسموعة ولا قيمة لها؟
هل سيتدفق سيل القوانين غير الضرورية وغير الفورية بهذه الوفرة والغزارة قبل العملية الإنتخابية حتى يُعزل المجلس المنتخب من المناقشة ولو بغير طائلٍ في بعض القوانين؟
هذه أسئلة يوجد تطلع شعبي واسع ومخلص لأهداف الوحدة الوطنية وأجواء الانسجام والتلاحم والتعاون الخيّر بين الشعب والحكومة بأن تنال أجوبة من شأنها أن تحقق أعلى درجات التوافق والتناصر في خير الوطن وسلامته وتقدّمه، وتدفع بعجلة الإصلاح على الطريق الصحيح، وتقدِّر الإرادة الشعبية الصالحة التي تصبُّ في مصلحته الوطن كله وتقدمّه وازدهاره.

وفي غير دائرة المحليَّات:-

أولاً: إسرائيل وهي تمتلك السلاح النووي الذي يهدّد المنطقة بكاملها، وإسرائيل التي تقتل المدنيين- بمن فيهم من أطفال- عن سبق تخطيط وعمد وإصرار من أعلى مستويات القرار الرسمي، والتي تُعقب الجريمة بالتبجح والفخر، وإسرائيل التي تهدم البيوت على رؤس الآمنين وتغتال وتختطف، وتجتث الأشجار وتدمّر كل مظاهر الحياة عند فريستها: دولة من دول التقدم والخير والديموقراطية والشرف الرفيع….
حاشاها أن تعدّ دولة إرهاب وشرّ في قاموس الغرب، وفي قاموس أمريكا، وإذا طفح الكيل واضطّر رعاة السلام في العالم والأمناء على العدالة من أهل أمريكا وأوروبا أن يقولوا كلمة عن إسرائيل تقتضيها مصالح السياسة فلا بد أن تقال مخفّفة، ولا بد أن يعقبها موقف عملي داعم لدولة الخير والسلام، ولا بد أن يحال أمريكيّاً بين أي منظمة دولية وبين القرار الذي يضرّ بمصلحة إسرائيل ما أمكن. وإذا غضبت الدول العربية إلى أقصى حدٍّ شجبت واستنكرت الوحشية الإسرائيلية في كلمات. والشعوب العربية لكثرة ما تعاني من ظلم في بلادها وتسكت عليه مقهورة تعلَّمت أن تصبر سلباً على الجراح حتّى من مثل إسرائيل. بل أوَ ليس قد تعلّمت هذه الشعوب من أنظمتها أن تلك الأنظمة لا تصبر ولو على مظاهرة ضد إسرائيل؟!

ثانياً: اعرفوا كيف تغزون وكيف تسقطون:-

القضية هي تقوية البثّ الإذاعي والتلفزيوني الأمريكي الموجّه إلى الدول العربية الإسلامية تحسيناً لصورة أمريكا ومكافحة للشعور المعادي لها. والمبلغ المخصّص لتقوية البث للعام 2003 الذي يبدأ من أكتوبر عبر إذاعة (سوا) الجديدة هو 135 مليون دولار. والبثّ على مدار الساعة – هنا مربط (الفرس) كما يقولون – لأغاني وموسيقى موجّهة إلى الشباب من سنّ15- 25 ويتخلل ذلك نشرات (أخبارية قصيرة). والغرض هو الأغاني والموسيقى المطربة التي تعبث بمشاعر الشباب والشابات.
التركيز على سنّ ما قبل تركّز الوعي والشعور بالانتماء الحضاري، واكتشاف قيمة الذات وقيمة الوقت. والمطلوب هشاشة الشاب المسلم والشابة المسلمة وتميّعهما، والهروب بوعيهما وشعورهما من منطقة الواقع إلى منطقة الخيال المُفسد.
وهذه واحدة من وسائل لا حصر لها لما يسمى بالغزو الثقافي المنظّم. من هنا نُؤتى.. من هنا نؤتى…. ومن هنا نسقط… ومن هنا نغلب… ومن هنا نتنكر لهويتنا وثقافتنا …. ومن هنا نفترق عن خطّ تاريخنا وحضارتنا ورسولنا الكريم وأئمتنا الهداة عليهم السلام… ومن هنا نستسلم من داخلنا لخطّ الأعداء الحضاريين في كل مكان.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وذُدنا عن موارد الهلكة واغفر لنا وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم. اللهم اغفر لوالدينا وأرحامنا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين ولكل ذي حق خاص علينا منهم يا كريم.

{إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.

زر الذهاب إلى الأعلى