خطبة الجمعة (33) 30 شعبان 1422هـ – 16-11-2001 م

مواضيع الخطبة:

أسس المنهج الالهي -”
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ،
الجمعيات الإسلامية

إذا لم تأخذ الجمعيات الإسلامية على نفسها أن تكون بالمستوى المطلوب رؤيةً واعتزازا بالخط وفاعلية ، وتخطيطاً وانسجاما فإن هذه الجمعيات في ظل الوضع الحاضر ستمثل كارثة لدين الله .

الخطبة الأولى

الحمد لله العليم بما في الضمائر، وما عليه مكنونات السرائر، وما يكون للأشياء من بدايات وتحولات ومصائر، لا يستر من علمه ساتر، ولا يفوته قادم ولا غابر، لا تقع عليه الأبصار، ولا تحيط به البصائر، جلّ عن الإشارة والتحديد، وتنزّه عن الأنداد والأضداد، والشركاء والأعوان، والأزواج والأولاد، لا ينال حمده حامد، ولا يفي بحقه عابد، ولا يضرّ بعظمته جاحد، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اصطفاه وكرمه، وبالرسالة شرّفه وأعلاه، اللهم صلى وسلّم الله عليه وآله الهداة.
ربي اعصمني من هوى نفسي
أما بعد عباد الله وإماءه، فعليكم بتقوى الله، والاحتراس من الوقوع في مخالفته، مما يدعو إليه الشيطان، ويقود إليه اتباع الهوى، فالله هو الحق والخير، وهو الجمال والكمال، فدعوته حق وخير وهدى وصلاح، أما الشيطان فلا يدل إلا على ضلال والهوى لا يقود إلا إلى الردى والسقوط، وان نفساً تحدّث صاحبها بمعصية المنعم الكبير، الذي لا خير إلا من عنده، ولا نجاة إلا به، لهي نفس خؤون، لابد لخلاص صاحبها من مواجهتها، ولسعادته من تأديبها والأخذ بها على الطريق، وإذا كان الشأن مع النفس أن يردّها صاحبها إلى الصواب، وأن لا يجاريها فيما تريد به من سوء، و إنما عليه أن يعاندها معاندة، ويكابرها مكابرة، ولا يعطيها الحكومة على الذات، ويحترس منها ويتخذها عدواً ما استمرت على الكيد به، وغالبته على القبول بالباطل، وهي اللصيقة به المعدودة منه، إذا كان الأمر مع النفس كذلك، فكيف لا يتخذ من كل المضلين عدوا، وان كانوا الأقرباء ولا يفر من كل الغاوين فرارا، وان كانوا الأهل والأصدقاء، فضلاً عن البعداء والأعداء؟!
انعدام المنهجية الإلهية الحاكمة سبيل التردي و الفوضى
أيها المؤمنون والمؤمنات .. لا تستقيم أمة من غير منهج حاكم، من أرض أو سماء، ولا ترتفع الفوضى من مجتمع ولو إلى حين من غير أمر مطاع، ونهي يمتثل، فلا بد من منهج حقاً كان أو باطلا، أوفيه من هذا ضغث ومن ذلك ضغث، وإلا لم تنحفظ حياة الأمم والشعوب ولو جزئياً والى قليل، من أمد، ولكن شتان ما بين منهج من الله العليم الخبير، العدل الحكيم، وبين منهج يصوغه الهوى والقصور، وينطلق من مصالح الأنا، وتحت إشراف الشيطان، الأول يصعد بالناس أمما وشعوبا وأفرادا في معارج الكمال، والثاني يهوي بهم إلى الحضيض، ويؤول بهم إلى الفرقة والشتات والتهارش.
أسس المنهج الإلهي
وفي هذا الموضوع نقرأ طوائف من آيات الذكر الحكيم:
أولاً: نستقبل هذه الطائفة (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون) هذه أوامر الله، هذه توجيهاته، هذه أحكامه، هذه هي الخطوط العريضة في منهجه، والتي تعبر عنها التفاصيل بكل أمانة ودقّة، انه لا يأمر إلا بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، فهو أساس من أسس المنهج الإلهي، انه سبحانه يأمر بالعدل المنفتح على كل الأمم على كل الشعوب على كل إنسان، وينطلق الإنسان المسلم فوق ذلك بأمر من ربه من روح الإحسان، فهو إنسان لا يحمل روح الإساءة، و إنما على العكس هو مشبّع من خلال إيمانه وتقواه، وانشداده إلى الله بروح الإحسان، بروح العطاء، بروح الإصلاح، بروح البناء، هكذا هو منهج الله وهذا هو خط عريض من خطوط ذلك المنهج الكريم، (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم) ما ينشره الإسلام في الأرض، ما يبتغيه المنهج الإلهي بحياة الإنسان، أن ترتبط بخط المعروف، والمعروف هو ما يوافق عليه العقل السليم، وما يلاقي رضى الله، ويتوافى مع رضوانه سبحانه وتعالى، السلوك المعروف، والفكر المعروف، والشعور المعروف، والنظام المعروف، والعلاقات المعروفة، هي أمور رفيعة المستوى، هي أمور طاهرة، هي أمور بناءة، هي أمور تقود الحياة على الخط الصحيح، هي أمور تصل من الشفافية، ومن الطهر والنزاهة، ومن القدرة على البناء، أنها توافي رضوان الله العظيم، وأنها تلتقي مع الفطر السليمة، ذلك هو المعروف، وذلك المعروف هو ما تتبنى الشريعة الإسلامية، القائمة على العقيدة الحقّة، أن يكون في الأرض، وأن ترتبط به حياة الإنسان.
ارتكاب المحرمات تعطيل لانطلاقة الإنسان للكمال
(يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ماذا يريد الإنسان أكثر من أن يجنب كل سوء، وأن يجنّب كل قذارة، وأن تنفصل حياته عن كل خبيثة، وأن ترتبط بكل طيب، هذا المنهج الإلهي الكريم يربط حياة الإنسان بالطيبات، يفصلها عن الخبائث، ينجو بالإنسان ويبعد به كثيراً كثيراً كثيرا، عن كل رذيلة، عن كل قبيح، عن كل ما يحط قدر الإنسان. لم يحرم الله سبحانه وتعالى شيئاً على عباده من تضييق، وانما حرم عليهم أشياء لا يتناسب مستواهم الإنساني، وهدفهم الكبير، وروحهم المنفتحة على الله عز وجل معها، لخباثتها ودونيّتها. ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم، كل ما يعرقل حياة الإنسان عن الانطلاقة الكبيرة إلى الله، عن بناء نفسه البناء الإيجابي، عن بلوغه الهدف الكبير، هذا الذي يقيّد حركة الإنسان، يشلّها عن كماله، هو المحرم، وهو الذي جاء الأنبياء والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليضعوه عن الناس، ليعطوا الإنسان التحرّر الكامل، يعطوا حركته الانطلاقة الكاملة، بعيدة عن هذه الأثقال التي تقف بالإنسان دون غايته، والتي تقطع على الإنسان رحلته إلى بارئه العظيم.
الإسلام بعيد عن النفعية الساقطة
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ما أروعه من خط، وما أكبر هذا الخط إعلاناً كريما، شاهداً على عدالة الإسلام، شاهداً على صدق الإسلام، شاهداً على بعد الإسلام عن الاستغلال وعن النفعية الساقطة إن المؤمن لمأمور أن يؤدي الأمانة إلى البر والفاجر، [[أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس]] أي ناس؟ كل الناس.[[ أن تحكموا بالعدل]]، الحكومة المسلمة حكومة محكومة لعدل الله، لا تملك أن تحيد عن عدل الله وعن شريعته القويمة العادلة قيد شعرة، ما دامت تريد لنفسها أن تبقى على خط رضى الله، وما دامت تريد لنفسها أن تتشرف بشرف الإسلام، فهي مسؤولة أن تحكم بالعدل حتى مع العدو. العدو لا يعامل بالظلم ولا يعامل إلا بالعدل، والعدل لا يعرفه حقاً حقا إلا الله، والمتلقون أحكامهم عن طريق الله.
النواهي الإلهية تجنيب لمفاسد و تقريب لهادفية الخلق
ثانياً: نظرنا إلى ما يأمر به الله، إلى ما يدل عليه المنهج الإلهي، من أوامر وأحكام موجبة، هذه الطائفة الثانية تتكلم عن ماهية النواهي الالهية، وعن ما هو متعلق هذه النواهي، (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين ) إنها العلاقات المنفتحة في الإسلام، لا يحول بينها وبين المسلمين إلا أن تكون هناك عدوانية من الطرف الآخر. الطرف المسلم، طرف عادل وطرف بار وطرف حسن النية، وطرف لا يريد إلا الخير للدنيا كل الدنيا، وللأطراف كل الأطراف.[[ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين]]، أنهُ نص على أن النواهي الإلهية لا تنطلق من روح التشنج، ولا تنطلق من ضيق الأفق، ولا تنطلق من روح العدوانية، إنما النواهي الإلهية وراءها موضوعات مقتضية للنهي، ووراءها دائماً خلفية من المفسدة تستوجب عدم الفعل و تقضي بالنهي، دائما يكون وراء النواهي الإلهية، مفاسد لا تتناسب مع وظيفة هذا الإنسان، مع مستوى هذا الإنسان، مع هدف هذا الإنسان، مع مصلحة هذا الإنسان.
المطلوب مواجهة الفساد
(فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض) أنظرت! لنواهي الله و إنها تنصب على الفساد في الأرض، الفساد في الأنفس، الفساد في البيئة، الفساد في الوضعية الاجتماعية، الفساد في الوضعية الاقتصادية، الفساد في الوضعية السياسية، الفساد الذي يمس روح الإنسان، يمس فكر الإنسان، يمس مشاعر الإنسان؟! هو ذلك المتعلق لنواهي الله سبحانه وتعالى.[[ فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض]]. والمسلمون تدفعهم النصوص الشرعية، وتدفعهم الإرادة الإلهية، تدفعهم الإرادة الإيمانية في داخلهم، أن يكونوا دائما على خط المواجهة للفساد، في خندق واحد متحدين، ليدرأوا عن الأرض الفساد، ليطاردوا الفساد في الأرض شبراً شبرا، ويطاردوا الفساد في الأرض بقعة بقعة.زز[[ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن]]. لم يحرم عليكم خيرا، لم يحرم عليكم شيئا طاهرا، لم يحرم عليكم شيئا بنّاءا، حرم عليكم ما يسوءكم، ما يقتل إنسانيتكم، ما يفسدكم ما يفصلكم عن هدفكم، ما يباعدكم عن الله وهو الخير والحق، ما يحط بقدركم، ما يتقهقر بمستواكم.[[ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن و الإثم والبغي بغير الحق]]. المسلم لا يبغي على غيره بغير حق و ما لم يكن ردًّا على العدوان.[[ وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون]]، منهج علمي باطل بأن لا تنفصلوا عن الدقة و الأمانة، ادعاء ما لم ينزل به الله سلطانا و ما لم يقم لك عليه برهان فلا تقل. أن تقول ما لا تعلم ذلك من معصية الله، ذلك من الجهل، ذلك مما لا يلتقي مع منهج الله سبحانه وتعالى.
الحضارة المادية تبنٍ لفكر الشيطان وروحه
ثالثاً: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، فبشرهم بعذاب أليم) جاءتك الصفحة السوداء الكالحة جاءك الوجه القبيح للحضارة المادية جاءتك السوءات، جاءتك القبائح تواجهك بها حضارة الأرض.[[ إن الذين يكفرون بآيات الله]]، فالكلام عن حضارة الكافرين، حضارة المنفصلين عن الله، حضارة التراب، حضارة الطين، حضارة الغرائز المادية الساقطة.
ما هي سمات هذه الحضارة ؟
(إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) القتل بغير حق لأكبر الرموز الإنسانية، لأطهر الأفئدة والأرواح والقلوب،[[ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس]]، من يقتلون؟ أيقتلون مفسدين؟! يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، تلك حضارة تبتني العدل في ضوء خط الله ولا تحمل للبشرية إلا خيرا، ولا تكف الناس إلا عن شر، وهذه حضارة تنطلق من روح الشيطان، وتتصل بالشيطان، وتتحرك بوحي من الشيطان، والشيطان لا يوحي الا بالعدوانية، والشيطان لا يأمر إلا بالسوء، والشيطان لا يقود إلا إلى خط الفحشاء والمنكر، وهي الحضارة التي ترون آثارها المدمرة، في كل مكان.[[ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم]]، هذا الخط خط من حقَّ العذاب عند الله سبحانه وتعالى.[[ المنافقون والمنافقات بعضهم بعض يأمرون بالمنكر]]، في قبال ما يأمر به الخط الإسلامي من المعروف، [[ وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم]]،[[ ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر]]، فإذاً لا علينا إلا أن نرتقب من الحضارة المادية، حضارة الشيطان الكبير والصغير، الأمر بالفحشاء والمنكر، الخطط التي تشيع المنكر، التي تحارب المعروف، التي تثير الفتنة التي تسقط بالخلق التي تدعو إلى الرذيلة، التي تغزو قلب الشاب الطاهر، قلب الشابة الطاهرة، لتلوثه بالرذائل لتضع خطى هذا الشاب وهذه الشابة على طريق الرذيلة والفحشاء والمنكر، إنها الحضارة التي تحارب كل فكرة إصلاحية في أي رأس من الرؤوس و التي تحاول أن تجتث أي نبتة من نبتات الصلاح في الأرض، اللهم صل على محمد وآل محمد واهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت فانك تقضي ولا يقضى عليك اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وأهلينا ومن تجاوز عن ظلم منا ومن أحسن إلينا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين يا كريم يا رحيم
بسم الله الرحمن الرحيم

(قل يا أيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أحل الطيبات وحرّم الخبائث ، ودعا إلى الخير وجنب عن الشر ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بديع السماوات والأرض ، واسع المغفرة والرحمة مجزل الثواب شديد العقاب عدلٌ لا يجور عزيزٌ لا يُنال ، قويٌ لا يُغلب عليمٌ لا يجهل وهو الغني الحميد . ونشهد أن محمداً عبده ورسوله جاء من الله بالدين الحق والعقيدة الصدق والشريعة الغراء والملة النوراء ، لا يفعل إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً ، ولا يدعو إلا إلى خير ولا ينهى إلا عن شر ولا يُحّسن غير حسن ولا يُقبّح غير قيبح .اللهم صل وسلم عليه وآله الأخيار الأطهار .
أيها المؤمن لا تستبدل دار البقاء بدار الفناء
عباد الله خذوا بما أوصاكم الله به من تقوى الله ، واسلكوا جادة دينه والصراط القويم إليه ، وتباعدوا بأنفسكم عن غضبه ولهيب نار أوقدها للمردة من خلقه والعصاة من عبيده .
وإن أيام العمر المتقضية لا بد وأن تحملنا إلى جنة أو نار ، إلى نعيم دائم أو عذاب مقيم ، وقد رحل إلى المصير المحتوم خلقٌ عدّهم عند الله ، وحسابهم إليه ومنهم آباءٌ وأجداد ، وأحبة وأصدقاء وأهلون ، وما بكى لاحقهم إلا ليُبكى ، وما فقد أحدهم أحداً إلا ليفقده الفاقدون ولو من بعد حين لا يطول ، وقد يسبق الصغير على طريق المنية الكبير ، وقد يتقدم الصحيح السقيم ، وإذا طال أجل فإنما يطول ليشهد صاحبه وهنه وضعفه وفاقته وقلة حيلته ودناءة الدنيا التي من أجلها كده وكسبه ، وليفيق مخمور بالدنيا من سكره على ما إليه مآله إن عاش ، وعلى تضعضعه وإنتكاسه إن بقي ، وعلى زهادة ما اختار أن يفني فيه العمر ويذهب القوى وهو يتعلق بالدنيا ويخلص لها .
السلام على من النجاة في مولاتهم
اللهم صل وسلم على رحمتك للعالمين ، الصادق الأمين ، خاتم النبيين والمرسلين ، ذي المآثر والمكارم ، محمد بن عبد الله سيدنا أبي القاسم . اللهم صل وسلم على إمام المتقين ، ومثل الزاهدين وأمير المؤمنين ، علي بن أبي طالب. اللهم صل وسلم على العابدة الساجدة ، والرشيدة الزاهدة ، كريمة رسولك ، وزوج وليّك ، فاطمة الزهراء النوراء .
اللهم صل على البدرين الطالعين ، والقمرين النييرين ، الإمام الصابر أبي محمد الحسن والإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين ، اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين والقادة المتقين ، القائلين بالحق والناطقين بالصدق علي بن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي العسكري الأئمة الهادين المهديين .
اللهم صل وسلم على مهدي الأمة ومنقذها من الغمة ، والباعث للدين والداعي إلى الحق المبين ، وقاتل القاسطين والمارقين ، محمد بن الحسن المنتظر الهادي الأمين .
اللهم عجل فرجه ، وسهل مخرجه ، وافتح له فتحاً يسيراً وأنصره نصراً عزيزاً ، ونوّر به البلاد وأحي به العباد يا أكرم الأكرمين وأجود المعطين .
اللهم السالك دربه اسلك به سبيل النصر والعزة والظهور والغلبة ، ولا تجعل لشيء إليه سبيلاً يا قوي يا عزيز .
كل تغيير مهما اختلفت صفته مفتقر إلى علته
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات ، فنقرأ من قول الله العظيم في كتابه العزيز الحكيم قوله تعالى : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ..
تفرض علاقة العلية أن المعلول لا يوجد من دون علته ، ثم إذا وجدت علته لا يتأخر هو عن علته ، الإحراق لا يتم إلا عن علته – نعبر بالسبب تعبيراً تسامحياً- الإحراق لا يتم إلا بسبب فما لم يوجد السبب لا يتم الإحراق ، ثم إذا وجد السبب – تعبير تسامحي – لا يمكن أن يتأخر المسبب وهو الإحراق .
الآية الكريمة تطبق هذا القانون في هذا المورد في مورد التغييرات الاجتماعية ، التغيير من الضعف إلى القوة ومن الجهل إلى العلم من الذل إلى العزة ومن التقهقر إلى التقدم ، فتقول هذا الذي تطلبونه ، من تغيرات إيجابية و من مستوى جديد ، لا يمكن أن يتم من غير طريق علته .
هناك أمور ثلاثة ، أمران هم السابقان : أن المعلول لا يأتي إلا إذا وجدت العلة ، وأن العلة إذا وجدت لا بد أن يوجد المعلول ، الأمر الثالث هو أن ليس كل شيء يمكن أن يعطي في القانون الإلهي المحكوم لله كل شيء ، الحجر الصلبة لا تعطيك شجرة تفاح ، حين تزرع الحجر الصلبة في الأرض لا تعطيك شجرة تفاح ، هناك توافق خاص ما يسمى بالتسانخ بين طبيعة كل علة ومعلولها ، وفي هذا النوع من المعاليل يتطلب هذا النوع من العلة ، وأن هذا النوع من العلة لا يعطيك إلا هذا النوع من المعاليل والأشياء ، و عليه فالتغييرات الاجتماعية لا يمكن أن تتم صدفة ولا أن تأتي من فراغ فلا بد من علة لا بد من سبب ، وليس كل سبب وليس كل علة وإنما هو سبب خاص وعلة خاصة هي أن يغيّر الناس ما بأنفسهم .
التغيير الخارجي يقتضي تغييراً داخلياً
إذا كان التغيير المطلوب هو تغيير على مستوى الفرد ، فالفرد لا بد أن يغير نفسه ليتغير خارجه ، و لا بد أن يقصد التغيير الداخلي ليتغير داخله ، لا بد أن يبدأ التغيير حتى لو أراد أن يتحسن داخله ، أريد إن يتحول جهلي علماً ، هلعي إلى صبر ، خوفي وجبني إلى شجاعة ، لا بد أن أعمل على التغيير ، تغيير الداخل وتغيير الخارج يبدأ من إرادة الإنسان ، ولا بد أن يقوم الإنسان بدور في داخله فيتغير داخله ، ثم يأتي التغيير منسجماً مع واقع النفس الجديد .
….عليّ أن أسرع ..
(( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) فهنا علاقة التغيير الخارجي بالتغيير الداخلي ، وإنه لا بد من تغيير داخلي ، من أجل التغيير الخارجي ، هنا أمران : أمر العلاقة بين التغيير الداخلي والتغيير الخارجي ، و أن هذه العلاقة هذا الربط هو من صنع الله سبحانه وتعالى ، الربط بين تغيير الداخل وبين تغيير الخارج هو من صنع الله سبحانه وتعالى وتحت حكومته ، والإنسان إنما يملك بتمليك من الله المقدمة – كما يعبرون- التغيير الداخلي ، تملك ان تغير داخلك بتمليك من الله عز وجل ، ثم أن التغيير الخارجي يأتي نتيجة لربط القانون الإلهي بين السبب وبين المسبب ، فالارتباط ليس ذاتياً بين السبب والمسبب الارتباط مفاض من الله بين كل سبب وبين كل مسبب ، وهيمنة الله عز وجل تمسك بكل ذرة من هذا الكون وبكل علاقة فيه بين دقائقه وبين كل شيء كبير فيه .
فهذا القانون كسائر القوانين في كل المساحات الاجتماعية والكونية محكوم لله سبحانه وتعالى … (( إن الله لا يغير ما بقوم..)) هنا عندنا ( ما ) هذا الذي بالقوم والذي يراد تغييره يمكن أن يقال عنه بأنه الوضع الخارجي ، وكذلك يتصور فيه أن يكون – كما سبق – الوضع الداخلي ، هناك في النفس ما يمكن أن يُغّير ، والنفس ما لا يمكن أن يغيّر..
خلقنا باستعدادات عدة قد تعطل و قد تفعّل
جئنا بعقول على قدر ، جئنا بأوزان من الأنفس على قدر ، ما كان فينا مخلوقاً من الله سبحانه وتعالى على محدودية فهو هو ، وهناك مساحة أعطينا فيها الحركة في داخل أنفسنا نحن جئنا بمعلومات قليلة أو لم نأت بمعلومات ، وإنما جئنا باستعداد للعلم ، ثم صارت لنا فعلية القدرة على العلم ، صرنا قادرين ، على أن نتعلم ، على أن نفهم ، على أن تستقبل عقولنا ، هذه القدرة الفعلية ، أعطينا من بعدها حركة التعلّم ، القدرة من الله ، الاستعداد للعلم من الله ، القدرة الفعلية على التعلم من الله ، أقدرنا الله أيضاً أن نتعلم ، أن نطلب العلم ، هنا نستطيع أن نغير، في الكم الذي نتعلمه ، في النوع الذي نتعلمه ، في أن نقبل على هذا العلم ، نترك ذلك العلم ، ندرس الأولويات في العلوم نقدم ما هو الأهم على المهم ، فنحن نستطيع أن نتحرك في الداخل ، أعطينا أيضاً قدرة على الشجاعة ، القدرة على الصدق القدرة على الأمانة ، القدرة على الفضائل كلها ، أعطينا قدرات ربما تكون مختلفة بمقدار وآخر على الفضائل ، هذه القدرات على الفضائل إما أن نتحرك على خطها إما أن نفعلها ونتجاوب معها ونستثمرها ،وإما أن نعطلها … فنحن نملك مساحة في داخلنا للتغيير لإضافة الجديد ، لحذف شيء في الداخل ، لإضافة شيء في الداخل ، حذف القبيح ، إضافة الجديد النافع ، هذا مما يملكه الإنسان وهو طريقه لتغيير داخله وذاته ، أما الكيفية فذلك أمر آخر ويحتاج إلى كلام آخر .
طبيعي جداً حين أتناول الآية الكريمة بهذه السرعة مع ملاحقة الوقت لي فإنني ربما أسأت إلى التعامل مع الآية الكريمة الغنية بمضامينها ..
هل لإرادة الإنسان موقع في قانون التغيير
هنا أضيف نقطة : قانون التغيير أين موقع الإرادة الإنسانية منه هل نحن مجبورون أو غير مجبورين ؟
هذا القانون الذي يقول (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) والقوانين الاجتماعية تحكم حركة الاجتماع عند الإنسان ، فإذا كانت الحركة الاجتماعية محكومة بقوانين الله سبحانه وتعالى فأين المساحة التي نتحرك من خلالها لنطور أنفسنا ونطور حياتنا ؟
في الحقيقة هنا الآية الكريمة تقدم لنا حلاً (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) المكتوب المفروض القهري هو أن التغيير ينتج التغيير ، هو أن التغيير الداخلي ينتج التغيير الخارجي هذا لا حيلة لنا فيه ، أنا لمّا أعمد إلى داخلي فأشوّه داخلي ، حين أن أكب على الشبهات ، أحاول أعايش القبائح ، حين أحاول دائماً أن أكذب ، أن أسقط ، هذه المحاولة لمّا تتراكم آثارها في النفس ، هذا السعي العملي والسعي العلمي ، يعطي تراكمات سلبية في النفس ، فالأثر الخارجي لا بد أن يحصل .
إهمال الأمة للعلم ، إهمال الأمة لطلب القوة ، إهمال الأمة للتماسك الاجتماعي ، إهمال الأمة دون أن تعطي جهداً في تطوير ذاتها . هذا موقفٌ : كانت نشطةً فكسلت ، كانت متعلمة فصارت تميل إلى الجهل ، كانت متحدة فصارت تتفرق ، هذا موقف عملي غير ما بالداخل حين يتغير ما بالداخل أنت لا تملك بعد ذلك إلا أن تحصل النتائج ، أما من غيّر الداخل ، هل تغيّر داخلك قهراً ؟ لا لم يتغير داخلك قهراً ، أنت تستطيع أن تغيّر داخلك من خلال إرادتك ، فهذا القانون مقدمته إرادة الإنسان، ونتيجته نتيجة حتمية تترتب على حسب اتجاه الإرادة وفاعليتها ونوع فاعليتها عند الإنسان .
يُتساءل : هل ستخرج أفغانستان إلى بر الأمان ؟
لا إرادة لأمة تابعة
المخطط للبلاد الإسلامية ، إما الاستسلام مع إبقاء أسبابه ، استسلام وبقاء لأسباب الاستسلام ، ضعف وتبعية وخنوعٌ مع إبقاء كل الموجبات لاستمرارية هذا الخنوع والخضوع والاستسلام ..إما أن تقبل البلاد الإسلامية بهذا أو عليها أن تواجه الضغط من الخارج ، وصراعات الداخل من الدرجة الحادة والمصنوعة بعملاء الخارج .
فأفغانستان شأنها شأن أي بلاد إسلامية أخرى ، تحكمها الإرادة الأجنبية ، فهي يجب أن لا تجد فرصة إلى بر الأمان وأرض الأمان ، ستبقى البلاد الإسلامية تعيش الويلات ما لم تنسلخ عن التبعية وما لم تطلب القوة من داخلها ، الأمة التي تعتمد في حل مشكلاتها ، في اقتصادها ، وفي سلاحها ، وفي صناعتها وفي كل مقوماتها على الخارج ، لا بد أن تكون مستعبدة للخارج ، تابعة لإرادته.
الحجة الشرعية معذّرة
مسألة أخرى : هي مسألة الهلال والاختلاف حول الثبوت ، هذه المسألة يجب أن لا تقلقنا أبدا وأن لا تأخذ من نفسنا شيئاً ولا تزرع فينا خلافاً ، الأمر طبيعي بدرجة كبيرة جداً ، والأمر شرعيٌ أن يختلف هذا الأخ مع أخيه ، هذا العالم مع أخيه العالم في ثبوت الهلال وعدم ثبوته … هذا قامت لديه الحجة الشرعية على الثبوت فلا يسعه إلا أن يأخذ بما قامت عليه الحجة الشرعية ، أخوه الآخر المخلص الذي يوافقه في الرأي السياسي ، يوافقه في الرؤية الاجتماعية ، يوافقه في تفاصيل كثيرة من رؤىً تفصيليه لم تقم لديه الحجة على الثبوت ، وواجبه أمام الله تعالى أن يقف الموقف السلبي من قضية الثبوت ، فهذا الثبوت عند هذا العالم وعدم الثبوت عند ذلك العالم لا يعني أن هذا العالم عدوٌ لذلك العالم أو ذلك العالم عدوٌ لهذا العالم .
ينبغي جداً أن نتلقى المسألة بروح إسلامية تتقبل مثل هذا الخلاف ، يعني هذا مثل وقت الفريضة : أقف معك لتبيّن الغروب غروب الشمس ، أنت بصرك أحد من بصري تذوب الحمرة في رؤيتك قبل أن تذوب في رؤيتي ، تستطيع أن تصلي ، لا أستطيع أن أصلي تلك اللحظة .. المثل هو المثل …
الجمعيات الإسلامية حفاظ على الأصالة و فاعلية مؤثرة
الجمعيات الإسلامية يجب أن تأخذ وزنها الكبير في المجتمع ، والمجتمع الآن يمتلئ بالجمعيات المختلفة وستؤثر الجمعيات بمختلف مشاربها وتياراتها وخطوطها على الوضع المادي والوضع الروحي في البلد ، وستبرز نتائج إما رابحة أو خاسرة كثيراً كثيراً ، على اختلاف هوياتها .
الجمعيات الإسلامية إذا لم يكن لها الحضور وإذا لم تكن فاعليتها بالمستوى المطلوب ، وإذا لم تكن لها رؤيتها الواضحة ، وثقتها بخطها ، في حين مراعتها للقوانين ، وفي حين أنها لا تستهدف ، إلا أن يكون هذا البلد بلداً آمناً وبلداً منسجماً وبلداً متقدماً ، أقول : إذا لم تأخذ الجمعيات الإسلامية على نفسها أن تكون بالمستوى المطلوب رؤيةً واعتزازا بالخط وفاعلية ، وتخطيطاً وانسجاما فإن هذه الجمعيات في ظل الوضع الحاضر ستمثل كارثة لدين الله .
ومن هنا يتوجب على كل الغيارى المخلصين ، وعلى كل أصحاب الرأي من أصحاب الفهم الإسلامي ، وأصحاب الشعور الإسلامي الدفاق ، والذين آمنوا بالله ورسوله ، آمنوا بقيمة هذا الخط ، أن يلتحقوا بالجمعيات ذات الهوية الإسلامية ليملؤا فراغها وليفرضوا الرأي الإسلامي بصراحة على قرارتها .
اللهم إنا نسألك المغفرة والرحمة والتوفيق لطاعتك ، لنا ولإخواننا وأخواتنا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ، اللهم أرزقنا صيام هذا الشهر الكريم وقيامه ، وإخلاص العمل ودوام الذكر في لياليه وأيامه ، ولا تخرجنا منه حتى ترضى عنا يا كريم .

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى