خطبة الجمعة (32) 23 شعبان 1422هـ – 9-11-2001 م

مواضيع الخطبة:

عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن
توزنوا – محاسبة النفس
– أهمية المسجد في الإسلام والمسلمين

إن الإسلام الحق يجعلنا نرفض الإرهاب العدواني من أي صدد وعلى أي صدد وندينه ،بل ندين من المنطلق نفسه كل عدوان وإن جاء بمظهر الوداعة ، وظهر بعنوان التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والثقافي وهو يستبطن الاستغلال والاستضعاف ومسخ القيم والسيطرة على الشعوب من غير حق .

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا نشرك بالله شيئاً ولا نتخذ من دونه ولياً. نشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، لا يفتقر إلى شيء، ولا يستغني عنه شيء، لا يحبط به شيء وهو المحيط بكل شيء، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أحيا بإذن ربه العقول، وهدى البصائر، وهذب النفوس، وطهر الضمائر. اللهم صل وسلم عليه و على آله الأتقياء.
المظاهر والمخابر.
عباد الله اتقوا الله واعتصموا بحبل طاعته، واعلموا أن فاقتكم إليه قائمة، وحاجتكم إلى رحمته غير منقطعة، وأنكم برفده تعيشون، وتغدون وتروحون، وفي نعمه تنقلبون، وبحفظه تدومون، وفي ملكه تتصرفون، وحركاتكم معلومة، وأعمالكم مرصودة، وسكناتكم مشهودة، وحسناتكم محفوظة، وسيئاتكم معدودة، فالشكر واجب وبه تجازون، والجحود ذنب وبه تعاقبون، ولا ضياع لحسنة، ولا مهرب من سيئة، وإن من شفيع إلا بإذنه، ففروا بالتوبة من عدل الله إلى رحمته، ومن سخطه إلى رضاه. وما أحرانا بأن نصب الجهد على صلاح النفوس، وتنوير العقول، وتنقية القلوب، وجلاء الأرواح لنلقى الله سبحانه بذوات جميلة، تستحق رضاه، وتنال الكرامة عنده، ولن ينفع أحدنا ما ملك إذا لقى الله عز وجل بنفس متردية، وعقل صرفه الهوى عن هديه، وقلب أسود، وروح كدرتها السيئات، وذهبت بنورها الذنوب.

بيانُُ علوي لا بد لنفسك منها زاجرُ و واعظ
ولنسمع نداء الهدى ينطلق من عقل الحكيم، وكلمة الإيمان تصدر من الروح الزلال، من عقل أمير المؤمنين وروحه وهما منبع هدى ونور “عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ”. البحار ج4-ص31. – وبقراءة أخرى – “واعلموا أنه من لم يعن على نفسه، حتى يكون له منها واعظٌ وزاجر، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ”.

الجسد و النفس خاضعان لقوانين عدة
هناك وزنٌ للأبدان، وهناك وزنٌ للنفوس. الذين يراعون صحتهم الجسدية يقصدون إلى وزن بدنهم حيناً بعد حين، يريدون أن يعرفوا أنه مطابق لمقياس الصحة، أو فيه شيء من زيادة أو نقص عن هذا المقياس، وكما أن الأبدان توزن النفوس الذوات الإنسانية توزن. نحن نزن من أجساد لحماً ودماً وعظماً وشحماً وعصبا، كتلة متطورة من الطين، وهذه الكتلة المتطورة من الطين تحكمها قوانين عدة، وتخضع لقواعد متعددة، ما إن تنحرف وينحرف التعامل معها عن هذه القوانين شيئاً ما؛ ما إن ينحرف التعامل مع قوانين البدن بالنسبة للبدن شيئاً ما حتى تنحرف صحته، هناك في ذواتنا ما يوزن وهناك القواعد التي إذا ملنا عنها قليلاً خسرنا وزننا، وزن الأنفس والذوات الإنسانية. إذا كان ما يوزن من البدن هو اللحم، الشحم، العظم، فإنما ما يوزن من الذوات الإنسانية: العقول، القلوب، المشاعر، المطامح، القصود، النيات، المحتوى العلمي، الضمير، الفطرة، تشعشع القلب، اتصال القلب بالله عز وجل، نقاء السريرة.. وما إلى ذلك.
لا مقايسة بين الموزون المادي الفاني و الموزون الإنساني الباقي
فهناك موزون وهنا موزون وشتان بين هذين الموزونين قيمةً وتأثيراً على إنسانية الإنسان، ومصير الإنسان، وكلكم تعرفون أن هذا الجسد الذي تنصب عليه عنايتنا ليل نهار لابد له من زوال، أما الذات الإنسانية فهي التي تبقى وهي التي بها نحاسب وهي التي بها نجازى، وهي التي بها ندخل الجنة وهي التي بها ندخل النار. مقاييس الوزن للبدن صنجات من حجر، من معدن، أما مقاييس وزن الذات الإنسانية فهو العدل الإلهي، فهو العلم الحق المطابق بما جاء به الوحي عند الله سبحانه وتعالى، وما قضت به فطر العقول. الميزان هنا هو المحتوى الأولي الطاهر النقي لضمير الإنسان، لفطرة الإنسان، لما يقضي به العقل العملي – كما يسمونه- أو ما يتحدث لك به الضمير الإنساني وقت إفاقته داخل البصيرة.
الانتهال من المنهج الإلهي سبيل لتقييم الذوات الإنسانية
أحكام الشريعة، مقررات العقيدة الحقة هي ميزان الذوات الإنسانية، أنظر كم لك من شعور بالله، بعظمة الله، بجمال الله، بجلال الله، انظر ما مدى تحليق نفسك تحليقاً إيمانياً بعيداً عن الأوهام، لا يتهافت مع فطر العقول ومع أوليات العلم، هذه المقاييس هي المقاييس التي توزن لها الذات الإنسانية، بلغة أخرى:
فلأنظر في نفسي كم تستطيع أن تصبر على الصدق، أن تستقيم مع الأمانة، أن تتحمل من عبء العبادة، أن تقف في مواقف الشدة من أجل الله، أن تضحي بالمال، أن تضحي في الوقت في سبيل الله. بهذا نستطيع أن نزن النفس. هناك وزنٌ من أجل الآخرة وهو الذي تتحدث عنه كلمة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن أهم المهم هو أمر الآخرة:”تأتي نفوسٌ يوم الآخرة خفيفةً كالهباءة، ولا مستقر لها في جنة الله، وتأتي نفوسٌ مثقلةً بالإيمان، مليئة بمعرفة الله فهي شعاع ونور وطهر وصفاء ونقاء، فلا مستقر لهذه النفوس إلا الجنة، وجزاؤها عند الله رضوانه وهو أكبر جزاء.

استعدادات كمالية في بداياتنا
نحن جئنا الحياة بوزن- أيها الأخوة- وسنخرج من الحياة بوزن، جئنا بوزن فيه الاستعداد للعلم الحق، للمعرفة الكاملة، لمعرفة لها درجة من الكمال بالله سبحانه وتعالى. جئنا باستعداد أن نكون أنفساً طاهرة، أن نكون عقولاً نيرة، أن نتقيد بالعلم، أن نأخذ به في كل المواقف، أن نصدق أن نكون أمناء، أن نتحمل دوراً خلافياً كبيراً في الأرض، جئنا نحمل هذه الاستعدادات التي تجعلنا على طريق معرفة الله قريبين من رحمته محلاً لألطافه سبحانه وتعالى، قد نخرج من هذه الحياة بعد أن كنا استعداداً لما مر شيئاً فعلياً وشيئاً قائماً وشاخصاً من كل ما مر – أي بعد أن كنت مستعداً لمعرفة الله، صرت فعلاً أعرف الله، بعد أن كنت مستعداً لأن أكون القوي في المواقف كلها من أجل الله، صرت القوي فعلاً في المواقف من أجل الله.
وجودات رحمانية أو شيطانية في نهاياتنا
قد يخرج أحدنا بهذه الفعلية الكبيرة، بهذا الوزن الثقيل، فيكون موقعه في الجنة عاليا، وقربه من الله عز وجل شديدا، وقد تتحول هذه الاستعدادات إلى درجة الصفر، وتكون الفعلية كلها من نوع استعدادات أخرى، الإنسان كما يأتي الحياة وهو يحمل استعدادات أن يكون قريباً من الله، أن يكون الإنسان المتكامل، أن يكون القلب النقي، أن يكون العقل النير، أن يكون القصد الخير، فيه استعداد أن يكون وجوداً الشر كله، وجوداً هداماً، وجودا ًعدوانياً، وجوداً مفسداً، وجوداً شيطانيا، أحدنا يخرج من هذه الحياة أقرب ما يكون عبداً للرحمن، وآخر يخرج من هذه الحياة أقرب ما يكون إنسان بعد إنسانية للشيطان، تتحول استعدادات الخير فيه إلى درجة الصفر، تتحول استعدادات الشر فيه إلى فعلية صارخة قوية، إلى شر فضيع، فيخرج من هذه الحياة شراً، وليس للشر مكانٌ إلا النار. – لا أريد أن تستغرقني الفقرات الغنية فتأخذ الوقت كله – ..
محمد و آله كمال الوجود الإنساني
الوزن قد يكون من أجل الآخرة والكلمة تتجه في سياقها إلى وزن الذات من أجل الآخرة، وقد يكون الوزن للدنيا وبكلمة سريعة أنت إذا أردت أن تفرض على المجتمع موقعاً فافرضه على نفسك من خلال تنمية ذاتك أولاً، اصنع ذاتك أولاً، ثم طالب المجتمع أن يعطيك الموقع، وأولئك ظالمون جداً وهدامون جداً ومضرون بالمجتمع جداً، من يتبوءون مواقع اجتماعية من غير أن يؤهلوا أنفسهم لتلك المواقع.هناك وزنٌ نموذجي، تطرح الصحة وزناً نموذجياً لكل عمر من حيث الجسد، وزناً من حيث الجسد لكل عمر، ولكل طول، فهناك أناسٌ أسوياء، تستطيع بالنظر فقط إلى طولهم، وتستطيع بفهم عمرهم، أن تقيس وزنك إلى وزنهم لتعرف أن وزنك يتمشى مع الحجم الطبيعي أو قد انحرف عن ذلك الحد، أيضاً هناك شخصيات إنسانية في الميزان، قيمتهم رسول الله الأعظم (ص)، الأنبياء والرسل، وأوصياء الرسل أئمة أهل البيت عليهم السلام مقياس إنسانية الإنسان، هم الوزن النموذجي والإنموذجي لواقع ما ينبغي أن يتجه إليه وزن الإنسان.

شعوب الغرب ثقلُُ مادي و خفةُُ إيمانية .. سلوكية هادفية
وكما يوجد للأفراد وزن، يوجد للشعوب وزن ومن كل الحيثيات، قد يكون الشعب عملاقاً من حيثية، له وزن من حيثية، إلا أنه خفيفٌ جداً من حيثية، الشعوب الغربية ثقيلة وذات وزن عال جداً من حيث الواقع المادي، وعلى مستوى بعض الجنبات، وليس كل الجنبات، وعلى مستوى جزئي من حيث العنصر البشري وليس على مستوىً شمولي، لكن المجتمعات الغربية تعاني من خفة الوزن إلى حد كبير من حيث الإيمان، من حيث الاستقرار النفسي، من حيث سلامة الهدف في الحياة، وأن الكثير
منهم لا يضعون أنفسهم على طريق ما خلقوا له، من يحاسب من – أنا أختصر كثيراً

أيها المؤمن تجنب محاسبة المعاقبة بمحاسبة المعاتبة
من يحاسب من في كلمة أمير المؤمنين عليه السلام:” وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا”، أنا مطلوب مني أن أحاسب نفسي، أحاسب بعقلي، بضميري، بتربيتي الإسلامية، بفطرتي، أحاسب شهواتي، أحاسب كل جانب سلبي من جوانب الذات.
هناك محاسبتان: محاسبة التأديب والمعاتبة. ومحاسبة العذاب والمعاقبة. اليوم أنت مع نفسك تحاسب نفسك محاسبة التأديب والمعاتبة، وتفرض عليها أدباً خاصاً، تحرمها من شيء، تدفعها إلى شيء، تكفها عن شيء، تأديباً وتربية، أما غداً فالمحاسبة يوم يقوم الحساب، فهي محاسبة عذاب ومعاقبة، فلندرأ عن أنفسنا حساب العذاب والمعاقبة، بمحاسبة التأديب والمعاتبة. – أتجاوز بقية الفقرات – .
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، ومن علمنا علماً نافعاً يقربنا منك، ولكل من أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، و تجاوز عن سيئة منا إليه، ولجميع أهل الإيمان، وهيأ لنا من أمرنا رشدنا، واجعل لنا إلى رحمتك ورضوانك سببا، واكفنا شر الفتن، وباعد بيننا وبين المحن، وشافي المرضى من المؤمنين والمؤمنات، واغن عائلنا، ورد غربائنا، وزوج عزابنا ذكوراً وإناثا، واكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، يا أكرم من كل كريم، ويا أرحم من كل رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
)إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(2)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3 )

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، وله الحمد في الدنيا والآخرة وهو الحكيم الخبير ، رحمته وسعت كل شيء ، وبنعمائه قوام كل شيْ ، مفاتح الخير بيده ،ومصائر العباد إليه ، وتنزل الرزق بأمره ، ولا حياة ولا موت إلا بإذنه .
نشهد ألا إ له إلا الله وحده لا شريك له ، إليه مرد الأمور كلها ، ومنه يطلب الفرج ،ويطمح في المخرج . ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، رد الناس إلى هداه ، ووضعهم على طريق طاعته ، ودلهم على النجاة بتوحيده صلى الله عليه وآله الأطهار .
عباد الله ألا فاتقوا الله وتاجروا معه فلا مالك مثله ، ولا صدق لوعد كصدق وعده ، ولا وقاء كوقائه ولا كرم يعدل كرمه ولا جزاء يرقى لجزائه . ألا و احذروا معصيته ،فليس يقدر على الخلق أحدٌ قدرته ، و لا يملك أحد تقدير عقوبته ، و لا مفر لأحد من قدرته .اللهم صل وسلم وزد وبارك وتحنن على عبدك المصطفى ورسولك المجتبى ، خاتم النبيين وحبيب قلوب المؤمنين محمد الصادق الأمين . اللهم صل وسلم على حبل الله المتين ،و وراث علم النبيين ، إمام المتقين الصادقين عبدك ووليك أمير المؤمنين . اللهم صل وسلم على الطاهرة أم الأطهار ، أمتك كريمة النبي المختار ، فاطمة موصلة الليل في الطاعة بالنهار .اللهم صل وسلم على القمرين النيرين ، والمجاهدين الصابرين ، والإمامين الطاهرين سيدنا أبي محمد الحسن ، وسيدنا أبى عبد الله الحسين . اللهم صل وسلم على حججك الظاهرة ، وآياتك الباهرة ، السادة الميامين علي بن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي العسكري عليهم السلام القادة الهادين .اللهم صل على بقية الله في الأرضين ، والداعي إلى الحق المبين ، والهادي إلى الطريق القويم ، الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر . اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه ،وأفتح له فتحاً يسيراً ، وأنصره نصراً عزيزاً ، ارزقنا مناصرته ومؤازرته يا كريم .اللهم أنصر ناصره ، وأشدد عزمه ، وقوّ في الخير إرادته ، وقوّم على سبيلك خطاه ،وزد في رشده وهداه يا رحمن يا رحيم .
اللهم إنا نستهديك ونسترشدك و نستعين ونتوكل عليك .أيها المؤمنون والمؤمنات إن للمسجد في الإسلام شاناً عالياً لا بد لنا أن نعرفه وأن نأخذ به في مقام تعاملنا مع المساجد ، وعنوان المسجد نفسه يوحي بموقعه المتميز ودوره الطاهر الكبير ، والقيم المعنوية الرفيعة التي يرتبط بها هذا الدور . إنه مسجد خصص للسجود ، للعبادة لله سبحانه وتعالى . وإنك عندما تخرج من بيتك للمسجد تخرج لبيت من بيوت الله سبحانه ، وأنظر كيف تقصد بيتاً من بيوت الله بأي عقلية ؟بأي نفسية ؟ بأي قلب ؟ وأي خلق ؟ وأي رزانة ؟ وأي وقار؟ بيوت ذكره وعبادته وتقديسه ، وفي الدعاء عندما تريد الدخول إلى المسجد تقول : ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك … جئت طالباً ، جئت مستجدياً ، جئت مسترفداً ، جئت لمحل من محل ضيافة الله سبحانه وتعالى، فأنظر كيف تدخل المسجد وبأي قلب وبأي عقل وبأي نفس ؟!وإن أصدق القول وأحسن الحديث كتاب الله العزيز الحكيم وهو يقول : (( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون )) 29الأعراف .الوجه هو ما تواجه به الغير وأنت تواجه به الله ، ووجهك الذي تواجه به الله ليس هذا الظاهري ، ما يوجه العبد اللئيم ربه الكريم ، العبد الفقير ربه الغني ، هو ذاته الإنسانية ، بكل ما في هذه الذات من شوق إلى الله ، من افتقاد إلى الله ، من تعلق بالله ، من حاجة إلى الله ، من توقير وتعظيم وتقديس وإجلال لله .كل ذاتك ، كل مشاعرك ، كل عقلك كل طموحاتك ، لا بد أولاً أن تكون نظيفة ، لا بد أولاً أن تكون مستقيمة ، ثم لا لابد أن تحتشد كلها في طلب واحد في نداء صارخ متلهف إلى الله … هذا هو المسجد أيها الأخوان (( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد )) تعبدون فيه .. تصلون فيه .. تدخلون فيه .. والمسجد ليس للأغراض الأخرى ..أنا أولاً أريد أن أرسم صورة من خلال النصوص للمسجد أولا وأرتب من بعد ذلك أثراً ..(( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد )) 31 الأعراف . الآية الكريمة الأولى تتحدث عن مستوى الداخل ، داخل الإنسان ، الضمير .. القلب .. العقل .. لا بد أن تتجه بكل ذلك في حال من النظافة وفي حال من الصدق إلى الله ..ثم حتى على المستوى المظهر الخارجي (( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد )) أنت تزور الله .. أنت تقدم على مضيف من مضايف الله ((و لا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها ))187 البقرة. دنيا الجنس لا تقرب المسجد ، حتى الحلال ، دنيا الجنس .. علاقات الجنس الحلال لا تقرب المسجد .(( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآت الزكاة ولم يخش إلا الله )) .. السياق يفهم منه أن هذا الإعمار إعمار البناء ، إقامة المسجد وإصلاح بناء المسجد ، وصحيح أن إعمار المسجد بالصلاة والدعاء مطلوب وهو الأهم ولكن حتى على مستوى إقامة المسجد ، بناء المسجد ، إصلاح المسجد لا يتناسب وحالة الشرك…يريد طهارة ، وضع حجر على حجر لبناء المسجد يحتاج إلى طهارة ضمير ، إلى توحيد ..مبنى من أساسه قائم على التوحيد ، ويجب أن يستمر على خط التوحيد ، وأن يخلص لوظيفة، ولدعوة التوحيد .(( لا تقم فيه لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين ))108 التوبة .هذا المسجد يقوم على التقوى ، الرجال الذين يرتادونه ، الذين يدخلونه ، والنساء اللاتي يدخلنه هم من النوع الذي يحب التطهر ، تطهر الذات الإنسانية من كل أرجاسها ونواقصها وسلبياتها مما يضر بإنسانية الإنسان. (( و لا لو دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا..)) 40 الحج . هي مراكز إشعاع مهمة لحضارة الإنسان لسلامة الإنسان لدنيا الإنسان لآخرة الإنسان ، هذه أوجد الله سبحانه وتعالى من أجل حمايتها ومن أجل بقائها : قانون التدافع ،والذي تكون على أساسه حروب ومدافعات حضارية ومدافعات ثقافية ، وكل ذلك من أجل أن يبقى المسجد ، أن يبقى مكان العبادة بإشعاعاته رحمة بالأرض وأهلها .وفي الحديث الشريف عنهم عليهم السلام : (( عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ، ومن أتاها متطهر طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء …)) ميزان الحكمة ج4 ص390 .. وهذا الحديث الذي مر عن الصادق عليه السلام..وعن أبي ذر : قلت يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله ؟ قال : (( لا ترفع فيها الأصوات – بالمباح ، بالعلم ، أرأيت كيف يتحدث المسلم مع رسول الله و لا يرتفع صوته عليه ؟
كيف يجب أن يكون وقار ورزانة وتأدب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا المسجد مطلوب أن يكون فيه أدب وأن يكون فيه وقار ورزانة – …قال : لا ترفع فيها الأصوات ، ولا يخاض فيها بالباطل – أي كلمة تخدم الكفر لا يجوز إلقاؤها في المسجد ، أي شخصية يكون حضورها مضراً بدين الله يكون حضورها فيه حرمتان ، لو دخل كافر ثم تحدث بكلمة الكفر فقد ارتكب المسلمون جريمتين ، وإذا دخل مسلم ممن ظاهره الإسلام فقال قولاً مضرٌ بخط المسجد ، بخط الله فهذا حرام ، حرامٌ فيما أرتكبه في هذا القول ، وكل كلام يدعو إلى باطل ويبعد عن الحق فهو حرام وحرامٌ من جهة أنه قيل في المسجد – ولا يشترى فيها ولا يباع ، واترك اللغو مادمت فيها فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك )) المصدر ص 392 .
(( جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلا بذكر الله تعالى ، وبيعكم وشراءكم وسلاحكم ، وجمروها في كل سبعة أيام – الذي هو تطييب الرائحة – وضعوا المطاهر على أبوابها )) المطاهر أي الميضاة : مكان الوضوء .عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( أوحى الله إليّ أن يا أخ المرسلين ، يا أخ المنذرين ، أنذر قومك لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة –الذات التي تدخل المسجد ذات تطهرت على مستوى الوضوء الداخلي وعلى مستوى الغسل الخارجي وتطهرت على مستوى الوضوء والغسل الخارجي لذات الإنسان – أنذر قومك لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة فإني ألعنه ما دام قائما ًيصلي بين يدي حتى يرد تلك المظلمة – أظن أن الدرس كاف من رسول الله – … فأكون سمعه – وألتفت إلى الحالة الثانية بعد رد المظلمة – فأكون سمعه الذي يسمع به ،وأكون بصره الذي يبصر به ، ويكون من أوليائي وأصفيائي ، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة )) المصدر 395(( من أكل هذه البقلة المتنه ( الثوم ) فلا يقرب مسجدنا فأما من أكله ولم يأتي المسجد فلا بأس )) عن الرسول المصدر نفسه . المهم أنها تعليمات ووصايا وأحكام تفرض على مؤمني المسجد بأن يكونوا من المستوى الإنساني الذي يعتني بإنسانيته والذي يعمل على التطهر دائماً وأن يعرف هؤلاء الناس حرمة المسجد ومكانته عند الله .
المسجد والموسيقى أيها الأخوة :
الموسيقى قال الفقهاء بحلية بعض أنواعها ، قسمٌ من الفقهاء قال بحلية بعض أقسامها ،لكن حلية هذا القسم ليست فوق الشبهة وليست من مسلمات الدين والمذهب ، وليس الشيء الذي يصح لبعضنا أن يفرضه على البعض الآخر ، هذا في خارج المسجد ..ونحن في احتفالاتنا أيها الأخوة نقصد أن ينفتح الاحتفال لكل فئات المؤمنين ، وأن يحتشد من المؤمنين في الاحتفال الواحد أكبر عدد ممكن وقصدنا بأن يكون الاحتفال للتجميع لا للتفريق ، خارج المسجد لا ينبغي لنا أن ندخل عنصر الموسيقى في الأناشيد وفي غيرها لأن ذلك .. أولاً ليس فيها استحباب ، ,أعطيتكم أن الموسيقى في النشيد بنسبة 10 % تأثيراً إيجابياً بنسبة 10% ، هذا التأثير بنسبة 10% تقابله شبهة البعض، يقابله التهيئة للانجرار إلى ما هو منكر ، نبدأ خطوة قد تكون مباحة لكن ننتهي على خطوات على طريق المحرم .ثم أن هذه الـ10 % من التأثير ستطرد جمهوراً وستحدث إرباكاً ، هذا بالنسبة لخارج المسجد ، أما بالنسبة للمسجد فالحساب شيء آخر .أنت تستبيح أن تدخل أداة موسيقية وموسيقاراً في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حياً ؟ وهذا بيت من بيوت الله ، بيت رسول الله بيت من بيوت الله ، ليس من صالح دين الله أبداً وليس من البعيد عن الشبهة أن تدخل الموسيقى المسجد .التمثيل إذا أردنا أن ندخل التمثيل في المسجد يجب أن لا يؤدي ذلك إلى قهقهات ولا يخرج عن الأدب وأن لا تدخل فيه أدوار مشينة ، كل ما يسيء إلى كرامة المسجد ، إلى حرمة المسجد بالنظر العرفي ، يقولون عنه بأنه هتكاً لحرمة المسجد .الآن تنجيس المسجد حرام ، إدخال نجاسة رطبة إلى فراش المسجد حرام لأن هذا ينجس المسجد ، لكن ماذا تقولون لو جمعنا نجاسات بشرية في صناديق وفي ظروف وهي يابسة ، المظهر فيه هتك عرفيٌ لحرمة المسجد ، كل ما ينافي كرامة وحرمته ويمثل درجة من الهتك فهو حرام .الاحتفالات وهي دعوة فيها دعوة إلى الله عز وجل ويبقى أن تكون دعوة إلى الله وأن تكون بعيدة عن الدعوة إلى الباطل وعلينا أن نحرز بالطرق المعتادة أن المتحدث إنما يتحدث لصالح دين الله .إذا كان عرس في المسجد فيجب أن ينضبط العرس ويخلو من كل مظهر يمكن أن يخدش كرامة المسجد وينافي حرمته .

فيما يتصل بالشأن العام :
1. إن الإسلام الحق يجعلنا نرفض الإرهاب العدواني من أي صدد وعلى أي صدد وندينه ،بل ندين من المنطلق نفسه كل عدوان وإن جاء بمظهر الوداعة ، وظهر بعنوان التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والثقافي وهو يستبطن الاستغلال والاستضعاف ومسخ القيم والسيطرة على الشعوب من غير حق .
2. إن الضربات المكثفة الثقيلة والمدمرة لأفغانستان تمثل مصادرة عملية للحوار الحضاري أخذا بمبدأ الإملاء الحضاري المنفرد
3. إن إرهاب عصيات أو ميكروبات أو غبيرات الجمرة الخبيثة يمثل لعباً بالنار في لساحة العالمية العامة ، وينحدر بمستوى العالم إلى العقلية الصبيانية المتصرفة بأخطر الأدوات الفتاكة ، وهو أمر يجب أن يوقف لئلا تزيد فوضى العالم البشري .
4. إذا كان مسؤولون في الغرب قد صدرت منهم تصريحات تثير الحقد في الأرض ، وتبعث روح العدواة والعدوان ، فإن الإسلام لا يأذن لنا أن نثير روح الحقد والكراهية بين الشعوب والأمم ، وإنما يطالب بإدانة الظلم والكفر وقطع أسباب البغي والعدوان .
5. إننا لا نرى لقائمة الإرهاب الأمريكية البريطانية التي تزداد طولاً وتمدداً إلا أنها ستطال حتى أصدقاء أمريكا في الأخير وخاصة إذا خرجت من أحدهم خطأ كلمة لا توافق الرؤية الأمريكية بالكامل .
6. تشعر الأمة الإسلامية بكل شعوبها بأن القرار الأمريكي في مسألة الإرهاب الذي تسجلها عملياً على كل الأمة بأنه مستخف بها إلى أقصى حد ويستهدف هدر كرامتها واستعداء شعوب الأرض عليها على أن هذا يسد على العالم كله طرق الاستقرار وأن ينظر إلى الأمور بعين العقل وأن يفكر في المصالح المشتركة .أخيراً ينصح أخوكم هذا كل الأخوة الشباب بأن لا يقصدوا إلى إصدار أي نشرة سرية . إن إصدار أي نشرة سرية في تقديري لا يحمل معه خدمة لدين الله ويضر بالإسلام والمسلمين والكلمة التي تريد أن تقولها سراً حورها بعض الشيء وقلها علنا.
اللهم صل على محمد وآل محمد واكفنا أن نعين ظالماً على مظلوم وأن نكون ممن يسعى بالفساد في الأرض واجعلنا من أهل الصلاح والإصلاح وجنبنا شر كل ذي شر وأغفر لنا ولإخواننا وأخواتنا من أهل الإيمان والإسلام وكفر عنا سيئاتنا يا رحيم يا كريم .

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى