خطبة الجمعة (30) 9 شعبان 1422هـ – 26 -10-2001م

مواضيع الخطبة:

مع شهر شعبان – أهل البيت (ع)
المثل الأعلى _الحملة الإرهابية الأمريكية على أفغانستان – المشكلة العمالية

يطلب من شعوبنا الإسلامية أن تقدم ما تملك من دعم للطرف المضطهد في هذه المذابح العدوانية الظالمة التي تكشف بكل جلاء عن قبح الحضارة المادية القائمة وسحقها للقيم المعنوية وكل كرامةٍ للإنسان..

الخطبة الأولى

الحمد لله خالق الليل والنهار ، جاعل السمع والأفئدة والأبصار ، مقلب القلوب والأحول ، ولي النعم جميعاً وأهل الحمد كله ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا عظمة إلا عظمته ، ولا جمال إلا جماله ولا جلال إلا جلاله ، ولا نوال إلا نواله ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله فضله تفضيلا ، وأولاه من إكرامه مزيداً . اللهم صل وسلم عليه وآله كثيراً كثيرا ..
عباد الله اتقوا الله وكونوا للإسلام حصنا ، وللإيمان درعاً ، وللحق دعاة ، وللشريعة حماة ، وسدّوا عن مجتمع الإيمان – وفيه أبناءكم وبناتكم وأهليكم وأنفسكم – منافذ السوء والرذيلة ما استطعتم ، وردّوا عنه سهام الشبهات ، وأطلقوا ألسنتكم وأقلامكم في الدود المهذّب عنه ، و أعطوا من أنفسكم الأمثلة الكريمة التي يجد فيها الآخرون إشعاع الإسلام وهداه وصدقه وأمانته وجده وعزيمته و إخلاصه ووعيه وكل خلق كريم مما يغنى به ، ووصف حميد مما يتألق في سمائه . إن الإسلام لدنياكم وأخراكم ولعزتكم وكرامتكم و منعتكم ، ولن تنالوا خيراً على أي درب كما يمكن أن تنالوه للأولى والآخرة على درب الإسلام . وجنّة في الأرض تصنعها أي أطروحة لا تصنعها إلا ناقصة و مجزوءة وعلى حساب الأكثرية من عباد الله ، والإسلام وحده هو القادر على أن يخلق جنة الدنيا للجميع ، وان يصير بالناس إلى جنة الآخرة التي لا تعدلها جنة ، وحياة الهناء الخالد التي لا حلم بها في الدنيا .
أيها الأخوة والأخوات في الله وعلى دربه الكريم :
أنتم في شهر تكثر فيه المناسبات الكبرى المشعة بنور الإيمان والولاية شهر شعبان الأغر الذي جاء فيه عن أمير المؤمنين عليه السلام (( هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه ، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه ، وعرض عليكم قصورها و خيراتها بأرخص الأثمان ، وأسهل الأمور ، فأبيتموها ، وعرض لكم إبليس اللعين تشعب شروره وبلاياه فأنتم دائباً تتهكمون في الغي والطغيان ، تتمسكون بشعب إبليس ، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه )) البحار ج 94 ص56 .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الشهر :
(( شهرٌ شريف وهو شهري ، وحملة العرش تعظّمه ، وتعرف حقّه ، وهو شهر تزاد فيه أرزاق المؤمنين لشهر رمضان ، وتزيّن فيه الجنان ، وإنما سُمّي شعبان لأنه بتشعب فيه أرزاق المؤمنين ، وهو شهرٌ العمل فيه مضاعفٌ الحسنة بسبعين –( و نحن نعرف أن العمل يضاعف منه الحسنة بسبعين في سائر الشهور ، سبع .. وسبعين وأكثر ولا تنافي في هذا وذاك فإنه تضاعف الحسنة في سائر الشهور بسبعين وتضاعف لخصوصية هذا الشهر بسبعين –) والسيئة محطوطة ، والذنب مغفور ، والحسنة مقبولة -( أيضا هذا لا يختلط علينا فان الذنب مغفور والسيئة محطوطة والحسنة مقبولة عند الله سبحانه وتعالى بحسب عفوه الواسع وكرمه اللا محدود ولكن هنا أيضا ولخصوصية الشهر ويأتي شهر رمضان وله خصوصيته أيضا تكثر المغفرة ويكثر حذف السيئات لمن أقبل على الله سبحانه وتعالى وتقبل الحسنات وتضاعف )- والجبار جل جلاله يباهي فيه بعباده ، وينظر إلى صوّامه وقوّامه فيباهي بهم حملة العرش )) المصدر 69 .
وقد مرّت من مناسبات هذا الشهر الشريف ذكرى مولد سيد الشهداء ،و مولد زين العابدين وأبي الفضل العباس عليهم السلام ، وستأتي فيه مناسبة المولد الشريف لبقية الله الأعظم أرواحنا فداه في اليوم الخامس عشر منه ، وهذه المناسبات تنقلنا إلى الأجواء العبقة و فضاءات النور الرحبة ومعاني الرفعة والسمو والطهر التي يتمتع بها بيت النبوة والرسالة ، وما تهدي إليه الآية الكريمة (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) من قبله للعقول والأفئدة والأرواح في الأرض تتجه بها إلى السماء ، أهل البيت عليهم السلام قبلة تتجه بأهل الأرض إلى السماء وقدوة أولى ، ومثلٌ أعلى على مستوى الإنسان يقود البشرية على خط الحياة الصاعدة على طريق الكمال المطلق والمثل الأعلى على الإطلاق .تلك القبلة قبلة للأجيال كلها ، وتلك القدوة قدوة للمستويات الرفيعة كلها ، وتتمثل في ذلك البيت الطاهر الذي نصت عليه الآية الكريمة عنواناً ، وشخصته مواقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلماته التي لا تنكر مصداقاً ، بيت عليٍ أمير المؤمنين وفاطمة الصديقة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام ، البيت الذي يمثل الامتداد الحقيقي لحياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته ومهماته الكبرى بعد انقطاع الوحي برحيله إلى جوار ربه الكريم .
هذا البيت بيت قيادة عالمية وقد احتضن أثني عشر قيادة إلهية عالمية يرتبط مصير العالم في سلامة خطه الحضاري واستقامته على الدرب ، وسعادته أو شقائه دنيا وآخره بما عليه نوع علاقته بهم مودة و محبة ، أو بغضاً وقِلا ، متابعةً أو مقاطعةً ، طاعةً أو عصياناً فإنهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منهم ، وهم الإسلام والإسلام هم . والنجاة إنما هي بالإسلام دِيناً وبهم قيادةً ارتضاها هذا الدين ، ولم يرتض مستوى دون مستواها إلا في حالات الاضطرار التي تعزل المعصوم عن الساحة ولا يمكن الوصول إليه .
وإذا كانت القيادة الصالحة من دون مستوى المعصوم والتي يتوفر لها قدر من التكامل والتوافق في شخصيتها يؤهلها لشغل مركز القيادة ولو بدرجة ثانويةٍ مقبولة لا تجود يعني هذا اللون من القيادة من دون مستوى المعصوم وهي قيادة ثانوية لا تجود بها الدنيا إلا بصورة نادرة ، أو على راس فترات متباعدة ، فإن القيادة المعصومة المؤهلة لتكميل العالم ووضعه على المسار الصحيح في كل الأبعاد تتمثل في عدد محدود جداً في العالم من أوله إلى آخره وعلى امتداد الزمن كله نحن نقف أمام قمم لا تتكرر دون المستوى المحدود أيها الاخوة ، ولم يبق لهذا العالم وإنقاذه إلا قائدٌ واحدٌ من هذا المستوى فما أعزه وما أغلاه وما اسعد الزمن الذي يشهد ظهوره ونصره وحكومته ، وإن كان أمره سلام الله عليه وأرواحنا فداه على أهل الباطل من الأمر الصعب الشديد الثقيل …
أنتم أيها الاخوة إذا أردتم أن تتعرفوا ولو قليلا على مستوى المعصوم .. القيادة العالمية المختارة من الله سبحانه وتعالى ، فانظروا إلى مؤسسة ثقافية أو مؤسسة اجتماعية أو مؤسسة سياسية ، وانظروا كم تجدون في مجتمعاتكم لهذه المؤسسة من قيادة أمينة قادرة كفؤة ، فكيف بقيادة العالم قيادةً ليس لإسعاد الناس اقتصادياً ولا لإسعادهم اجتماعياً فقط إنما لإسعادهم دنياً وآخره ، قيادة تستوعب كل الكفاءات بكفاءتها ، قيادة هي قدوة لكل المستويات ، لفقهاء الأمة ، لفلاسفة الأمة ، لعلماء الأمة ، للمتهجدين في الأمة ، لكل أتقيائها ، لكل أهل الإيمان فيها ، إنها قيادة لا يمكن أن يضع يده عليها إلا الله سبحانه وتعالى ، و لا يمكن أن يصطفيها من بين العباد إلا هو سبحانه وتعالى ، فمسار الإمامة مسارٌ ضروري ومسار أكيد يؤكده القرآن وتؤكده السنة ، وتؤكده الضرورة و تؤكده حاجة العالم المستمرة إلى المعصوم ، و هاأنتم تجدون ما هي العذابات ، ما هو الشقاء الذي يطغى على هذا العالم ، كيف يتمزق العالم ؟ كم هو خائف ؟ كم هو فقير ؟ كم هو جاهل ؟ كم هو شارد عن الحق ؟ ولن يجمع هذا العالم على الخط اللاحب الصاعد إلى الله إلا القيادة المعصومة المنتظرة ، اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه .

– إنهم قادة بعد الوفاة …
انظروا وقد مضى اكثر من عشرة قرون على الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ممن توفوا ، والقيادة المنتظرة مغيبة عن الساحة ، لكن أهل البيت عليهم السلام لهم حضورهم القوي الفاعل في القلوب ومن خلال الملايين التي تؤم مشاهدهم فتتعلم منهم البطولة وتتعلم منهم الإيمان وتشف بهم القلوب والأرواح ويتخرج الإنسان من خلال خمس دقائق يلتقي معها بضريح الإمام المعصوم عليه السلام مستوىً جديداً في روحه وفي فكره وفي توجهاته وفي طموحاته عزيمته وفي إرادته .
ها هم الأئمة عليهم السلام يصنعون الأجيال الصامدة الأجيال الفولاذية التي لا تتنازل عن إيمانها ذرة ، والتي تأخذ على نفسها أن تواجه كل الاستكبار العالمي عند الضرورة ، دون أن تتخلى عن إسلامها وعن ارتباطها بالله عز وجل ، هكذا هم الأئمة إنهم أحياء ، إنهم قادةٌ فعليون ، وسنبقى مرتبطين بهم ، وبخطهم الكريم الذي لا يقصد إلا إلى الله سبحانه وتعالى .

إنهم صنّاع أمة لا طلاب حكم …
صحيح أنهم يطلبون الحكم وسيلة ، ولكن أين غايتهم وأين الحكم ؟ غايتهم تتجاوز الحكم بمسافات هائلة شاسعة لا يملك لها الإنسان حدّا .. إنهم كما سبق … إنهم يحاولون أن يرتفعوا بالأرض ، بكل ذرة في هذه الأرض التي تسبح بسم الله سبحانه وتعالى ، أن يرتفعوا بهذه الأرض ، بكل ذرة فيها ، بكل إنسان عليها ، بكل شيء يسكنها ، أن يرتفعوا بها إلى الخط الصاعد إلى الله سبحانه وتعالى ، ويضع المسيرة الحضارية كلها على خط الله سبحانه وتعالى ، لتهدى ولترشد ولتستقيم ولتعيش آمنةً ولتطمئن ولتغنى وتثرى على كل المستويات ، إنهم جاءوا ليصنعوا الأمة ، ليصنعوا البشرية ، الصناعة التي لا تستطيعها أطروحة غير الأطروحة التي ارتبطوا بها وبشروا بها ولا تستطيع أن تصنعها قيادةٌ غير قيادتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
نعم .. بهم بعثت الإنسانية بعد أن كانت مواتاً أو شبه موات ، ليس في الجزيرة العربية فقط ، وإنما في كل العالم ، كان كل شيء إلى انحدار ، كانت الإنسانية تترنح لتسقط في الحضيض ، كانت شجرة الحضارة كما يعبر أحد الغربيين منخورةً وربما قصد إلى أقصى حد ، بلى شجرة الحضارة كانت منخورةً إلى أقصى حد ، ولم تبق إلا صبابة كصبابة الإناء في كل العالم وتنسكب هذه الصبابة لينتهي العالم بكل معانيه الرفيعة ، وينحدر عن الخط نهائياً ، لينتهي .. ليهلك ويذوب .
جاءت رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتبعث الإنسانية من جديد ، وحين غاب أهل البيت عليهم السلام كثرة الفوضى ، وحين شُرّق بالسفينة وغُرّب بها عن خط أهل البيت عليهم السلام ، اضطربت الأرض ,واضطرب أهل الأرض ولا زال أهل الأرض في اضطراب وقلق وفزع وهو إلى ازدياد ، حتى يأتي سليل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم آل محمد لينقذ السفينة من جديد وليكون ربانها القدير الذي لا تتعرض معه السفينة إلى الغرق ولا إلى الضلال والتيه ، سيضع السفينة على الدرب اللاحب الصاعد إلى الله درب سعادة الإنسان دنياً وآخره . هم أولئك أئمتك صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
نعم عاشوا دائماً في مواجهة الامتحان وكانوا أكبر منه ، قولوا لي أي إمام عليه السلام لم يعش المحنة ؟ لم يواجه الصعوبات ؟ لم يبتلى بحكم ظالم ؟ لم يبتلى بالشدائد ؟ وأي موقف سجل على أحد الأئمة عليهم السلام انهزاما ؟ الساحة العلمية الفكرية ؟ الساحة السياسية ؟ الساحة الاجتماعية ؟ الساحة الاقتصادية ؟ السلوك الشخصي داخل المنـزل ؟ في الساحة العامة ؟ لم ينقل التأريخ أبدا عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أن موقفاً من المواقف وإن صعب واشتد سجل على أحدهم صلوات الله وسلامه عليهم فشلاً أو ميلاً عن الحق .
تأريخهم ، واقعهم يعلمنا أن للأمة أهمية ، وأن للفرد أهمية ، وأن من الأفراد ما يكون أمة ، ولو لا أولئك الأفراد الذين واحدهم أمة ، أو نسبة معينةٌ وإن ضؤلت من مستوى الأمة ، لما بقيت مقدسات ولما بقيت قيم ولما بقيت للأرض سلامتها واستمرارها …
فهناك أفراد الفرد منهم به حياة الأمة : قادتكم الفقهاء ، لو انقطع سلك الفقهاء جيلاً أو جيلين لانتهت هوية الأمة ، لانمسخت الأمة مسخاً كاملاً ، لضل الناس .. لتاهوا ..
لا يوجد عندنا معصوم غير الإمام المنتظر عليه السلام ، ولكن الفقهاء في مجموعهم وفيما يجمعون عليه من خط الله عز وجل وليس في الأحكام الفرعية ، الفقهاء الموجودون – اقصد – حين يجمعون ، تجمع كلمتهم على رأي واحد ففي الغالب في الأكثر إن لم يكن دائماً ، إن هذا الرأي هو رأي الدين ولا يكاد يضل رأي الفقهاء جميعاً عن رأي الدين ولستم واجدين أي فئة في المجتمع ترقى إلى مثل هذا المستوى وفيها مثل هذه الضمانة أبداً ..
فاعرفوا قدر فقهائكم ، وارتبطوا بخطهم ، فهم النواب نواب إمامكم المعصوم عليه السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام هم الذين اختاروهم لكم وأوصوكم بهم وأوصوهم بكم .
اللهم صلي وسلم على حبيبك المصطفي وآله الأزكياء وثبتنا على ولايتهم ووفقنا لتقديم ما يقدمون وتـأخير ما يؤخرون ، وتولي من يرضون و التبري ممن يتبرءون ويكرهون ، وأغفر لنا ولجميع إخواننا وأخواتنا في الإيمان يا كريم يا رحيم .
بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)

الخطبة الثانية

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، نحمده أن هدانا إلى الحق وثبتنا عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله كان الصادق الأمين، والمبلغ للحق المبين، والهادي إلى الطريق القويم، صلى الله عليه وآله الطاهرين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وأن لا ندع الحياة تذهب منّا سُدى، وأن لا نتخذها هملاً؛ فهي حياة واحدة لا تعود، وفرصة فريدة لا تتكرر، وغالية لا تعوّض، إلا أن تطلب بها الجنة، وتبذل في سبيل الله فتعقب رضوانه، فلنتخذها أيها الأخوة والأخوات فرصة لبناء ذواتنا وتكميل أنفسنا روحاً وعقلاً وإرادةً ومشاعر، قبل أن نتخذها فرصةً لبناء دورنا وأشيائنا فإن وزنك في ذاتك، وقيمتك في نفسك، لا فيما أكلت وشربت، وتسكن وتلبس. وما سنلقى به ربنا سبحانه يوم يقوم الحساب الذات وليس ما ملكت. ووزن ذاتي وذاتك هو الذي يحدد لنا موقعنا من الجنة أو النار، وحاشا لذات يسكنها ذكر الله أن تدخل النار، وحاشا لجنة الله أن تسكنها نفس يعشعش فيها الشيطان وتملؤها الخبائث.
اللهم صل وسلم على الموصوف بالأمانة، ومحل الكرامة، المظلل في الخبر بالغمامة، أبلغ البلغاء، الثابت على الحق في السراء والضراء حبيبنا وسيدنا المصطفى.
اللهم صل وسلم على من ولاؤه نعمة، ومحبته جُنة، وفي متابعته الجنة سيد الوصيين علي أمير المؤمنين.
اللهم صل وسلم على أمتك الطاهرة، العابدة الصابرة، والمجاهدة الظافرة فاطمة الزهراء أم الحجج الفاخرة.
اللهم صل وسلم على فرعي التقوى، وإمامي الهدى السيدين الزكيين مولانا أبي محمد الحسن ومولانا أبي عبدالله الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة الورى، وأعلام الهدى، ومنابع البر والتقوى سادتنا علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الأئمة الهداة.
اللهم صل وسلم على الولي القائم والمؤمل المنتظر، والمبشّر بالنصر والظفر، الطاهر الزكي محمد بن الحسن المهدي.
اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً قريبا، وأظهره على كل من عاداه، وادحر به كل من ناداه، وبارك صولته، وثبت أركان دولته يا أقوى من كل قويّ، ويا أعز من كل عزيز. اللهم كن لناصره ناصراً، وللممهد له بالخير دليلاً وعينا وقائداً، وباعد بينه وبين أن يصل إليه سوءٍ أو مكروه، وصوّب منه القول، وسدد العمل، وقوم الرأي ووفق الخطى يا من هو على كل شيء قدير، وبعباده خبير بصير.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات واجمع كلمتنا جميعاً على التقوى، وادفع عنا الضر والبلوى، واهدنا للتي هي أقوم وأرضى، وأوصل لخير الآخرة والأولى يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
أما بعد ففيما يخص الموضوع العالمي الراهن الذي لا يملك العالم حساباً دقيقاً لامتداداته وتفاقمات أخطاره والمتمثل في الحملة الإرهابية المكثفة والعنيفة على أفغانستان على مستوى البداية، يمكن طرح النقاط التالية:
1 – الضربات الأمريكية التي أفنت الآمنين الأبرياء في المساجد والمستشفيات والناقلات المدنية وبيوت السكنى من فقد ضمير؟ أو فقد خبرة ودقة؟ أمريكا لا ترضى أن تعترف إلا قليلاً بخطإ ضرباتها المصوبة إلى أهدافٍ محددة. أما كثرة من تقتله هذه الضربات، كثرة ما تدمره، فهي دليل ماذا؟ دليل فقد ضمير، أكثر من كونها دليلاً على فقد دقة وخبرة، ثم إن الخبرة الأمريكية والدقة المبالغ فيها عند الامتحان يتبين الأمر على خلافها كما هو الحال ما تدعيه بمخابراتها من السيطرة على كل دقيقة والعلم بما تحت كل درة رمل في هذا العالم. نعم، هذا المنكر الكبير يحدث من الأمرين جميعاً. ويسأل ماذا؟ إذا كان المطلوب أسامة بن لادن، وتصر أمريكا على أن تصل إليه من خلال حملتها على أفغانستان، ماذا لو كلف الوصول إلى أسامة بن لادن حصد الملايين من أبرياء أفغانستان؟ هذا القرار سيستمر ويسبقى قراراً أمريكياً لا يتزلزل، وإن كثر القتلى من الآمنين، قد يقبل الضمير العالمي المغشوش، بل الذي أظلّم بعد ضياءه لمثل هذه الكارثة الكبرى وهذا الظلم الشنيع. بعد أن قالوا بأن جنود الطالبان صاروا يدخلون من بين المدنيين، اتخذوا هذا مبرراً لضرب المدنيين، وإهلاك الآمنين، وإذا كان الأمر سيستمر على هذا المنوال فمعناها كارثةٌ كبرى في أفغانستان، وهي كارثة مرتقبة في مواطن أخرى من العالم الإسلامي المستهدف . ماذا يعني فرض ظاهر الشاه على أفغانستان؟ هذا يعني بالضبط وبدقة الديمقراطية الصادقة لأمريكا، ويعني بالدقة أنها تستهدف تركيز حرية الشعوب وإنقاذ الشعوب وإعطاء الشعوب حرية الكلمة.
فرض ظاهر الشاه على كل الاتجاهات في أفغانستان والرافضة له، وعلى الشعب الأفغاني الذي يتطلع إلى مستقبلٍ مشرق، لا تلتقي معه قيادة مختارة من العدو المستكبر، فرض ظاهر الشاه في هذه الظروف يعني أن أمريكا صادقةٌ في ديمقراطيتها بصورة كاملة، وأنها داعية الحرية بحق، وأنها داعية التقدم، وأنها صديقة الأمم، وأنها الرائدة الكبرى الذي ينبغي علينا كلنا أن نلحق بركبها، وبورك للذين يصفقون بالشعارات الأمريكية في الوقت الذي تبرهن أمريكا على كذبها وزيفها. الواقع يقوم على الحصد، وشعارات الديمقراطية والتعددية الحزبية والمجتمع المدني شعاراتٌ لمقابلة الصحوة الإسلامية.. الصحوة الإسلامية فرضت نفسها على الساحة فكبرت حسابات أمريكا لمستقبل هذه الصحوة، واشتد فزعها منها، وكل يومٍ لها ألعوبةٌ في الأرض الإسلامية، ولكل مرحلةٍ شعارات في البلاد الإسلامية تصدر من الغرب وتستوردها أيدٍ وكيلة هنا في الشرق الإسلامي. مرحلتنا تتطلب اليوم تصدير واستيراد هذه الشعارات لمواجهة الصحوة، ولتضليل الرأي العام الإسلامي الذي بدأ يرفض كل الأطروحات الأخرى ويؤمن بالأطروحة الأصيلة، أطروحة السماء، وقيادة السماء، قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله، والخط الامتدادي لهذه القيادة.
2- نلاحظ أن هناك بقية من ضميرٍ في هذا العالم، وهي مكبوتة ومقموعة إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، إلا أن الضمير الإنساني والفطري والديني له بقية في هذا العالم وهو يطلق صرخاته ضد الإرهاب الأمريكي وإشعال الساحة العالمية ناراً وحقداً بغيضة، والأخذ بشعار التصادم الحضاري بدل شعار الحوار الحضاري القائم على الفكر الدقيق العلمي، والقائم على الموضوعية، والقائم على طلب الحق والتسليم له، وإذا اتجه العالم إلى حوارٍ حضاري من هذا النمط وهو لا يكون على يد الساسة، أؤكد أن هذا النمط لا يكون على يد الساسة، لو اتجه العالم من النمط المذكور لكان الرابح في الساحة العالمية هو الإسلام وبصورة قاطعة وبكل تأكيد. نعم، أطلق القسيسون وبعض الرهبان صوتهم مع أصوات المنكرين للإرهاب الأمريكي والغرب معط حقا أن يتحدث عن ضميره، أن يتحدث عن نفسه في شارعه قبل العالم الإسلامي بسنوات وسنوات، وبمسافات ومسافات، لأن الإنسان هناك غير الإنسان هنا، الإنسان هناك معترفٌ له بإنسانيته، الإنسان هنا وبالنظرة الداخلية أيضاً بنظرة العالم الإسلامي في الداخل على المستوى الرسمي أنه إنسانٌ حيوانيته تبلغ ثلاثة ارباع من مستواه.
نعم، التدرب بالتحالف الشمالي والحكم للأمريكان، المواجهة الحادة والجادة والتي تقوم على التضحيات الكبيرة لن تكون بين الأمريكان وبين الطالبان، ستكون بين التحالف الشمالي وبين الطالبان والدور الأمريكي دورٌ يقصف من السماء البعيدة التي لا تطالها نيران أفغانستان لو كانت لأفغانستان نيرانٌ تطال بعض الطائرات. أما الحكم فمسبقاً فقد أعلنت أمريكا أنه لها ومن خلال فرضها ظاهر الشاه.
وفيما يتعلق بالساحة الفلسطينية التي تتركز فيها مجازر الصهاينة ضد المسلمين الفلسطينيين والتي حياها مشروع القانون الأمريكي الجديد بتخصيص ميزانية دعم عسكري بالمليارات. يطلب من شعوبنا الإسلامية أن تقدم ما تملك من دعم للطرف المضطهد في هذه المذابح العدوانية الظالمة التي تكشف بكل جلاء عن قبح الحضارة المادية القائمة وسحقها للقيم المعنوية وكل كرامةٍ للإنسان.. – وبهذا الصدد توافينا جمعية التوعية الإسلامية بإعلانها المعنون بهذا العنوان (معا على طريق القدس) والمتضمن مجموعة من الأنشطة التي تمثل لوناً من النصرة للشعب الفلسطيني المظلوم ومجاهديه الأشاوس، فمن بين هذه الأنشطة والمشاركات: التبرع بالدم، التبرع بالأموال النقدية والعينية – طابور عرض –، وممارسات خطابية وثقافية أخرى وهو أمرٌ يقدر لها ويتطلب من الجميع الدعم والمساندة الفاعلة بكل قوةٍ واندفاع، منطلقهم الاستجابة لله ولرسوله وللمؤمنين.
ثم إنه علينا أن نتذكر المشكلة العمالية في وطننا ومثلث الحل لهذه المشكلة:
1- الاستغناء عن الفائض العمالي والوظيفي الخارجي من خبراء وفنيين وعمال، والعمل على إحلال العنصر المحلي مكانهم.
2 – الإسراع والجدية والوفرة في دورات التأهيل المهني ورفع الكفاءة والتزويد بالخبرة وبصورة مستوعبة للطاقات الوطنية لتأخذ مواقعها اللائقة وبجدارة.
معالجة تدني الأجور للطبقة العاملة، حيث لا تحفظ لها بمستواها الحالي مستوى العيش الكريم.
وأخيراً أنبه بنات الجيل الصاعد، وكل المؤمنات اللاتي يبحثن عن مستوى إنساني رفيع، ويهمهن أمر الشرف والعفة، وأمر الحياة الآخرة، وسلامة المجتمع، وحفظ القيم، وبقاء الإباء والرجولة والصمود عند الأجيال الشبابية الصاعدة، وعزة الأمة وكرامتها، ونيل مرضاة الله سبحانه، وإدخال السرور على رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.. أنبههن على أن لباس الحشمة البعيد عن الشبهة، والذي يقي عن الفتنة، ويقطع طمع مرضى القلوب، ويسهم في تحسين الوضع الأخلاقي، والاستقرار النفسي، ويسد منافذ كثيرة من منافذ الشيطان يتصف بأمور ثلاثة: 1- ساتر غير شفاف، 2- فضفاض غير مبرز لتقاسيم الجسد ومواضع فتنته وإثارته، 3- معتدل اللون غير جذاب ولا مثير. إذا حافظت على المواصفات للباسك كنت ناصرةً للإسلام، كنت داعية إلى الله، كنت محتضنة من فاطمة الزهراء (ع) وزينب بنت أمير المؤمنين (ع).
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وذرياتنا وإخواننا وأخواتنا وكل أهل الإيمان ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من لئام خلقك طرفة عينٍ يا كريم، اللهم وانصر الإسلام وأهله، واهزم الكفر والنفاق وأهله يا قوي يا عزيز يا شديد يا جبار يا قهار يا عظيم.

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90))

زر الذهاب إلى الأعلى