خطبة الجمعة (26) 10 رجب 1422هـ – 28-9-2001 م

مواضيع الخطبة:

التصور الإسلامي للمال (6) ذكرى
الانتفاضة الإسلامية في فلسطين – أبعاد الرد الأمريكي على أفغانستان

أما بشأن التداعيات المستمرة التي بدأت في عقب التفجيرات في أمريكا فإنه ليُسأل : على يد من ستدمر أفغانستان المرشح الأول لمسلسل العقوبات الصارمة ومعركة العدالة غير المنتهية بالتعبير الأمريكي، وسيذبح المسلمون الأبرياء فيها ، على يد من ؟ وقبل أن تثبت إدانتها في العقل والشرع والقانون ؟!

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا للإيمان ، وشرّفنا بالإسلام ، وجعلنا من اتباع محمد وآله سُرج الظلام ، نحمده حمداً لا منتهى له ولا حد ، فوق كل حمد ، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وليّ كل شيء ، ولا ولي له من الذل ، ونشهد أن محمد عبده ورسوله هداه وزكاه ، ورضيه عبدا مخلصا ونبيا خاتما ، ورسولا هاديا ورحمة للعالمين ، اللهم صل وسلم عليه وآله الطاهرين .
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، فقد فاز من مات مسلماً ، وخسر من مات لنفسه ظالماً ، وللإسلام مباينا ، والفرصة بيد الإنسان واحدة لا تتكرر ولا تتعدد ، وهي هذه الحياة فمن أحسن فيها ، احسن لنفسه أبداً ، ومن أساء فيها ، أساء لنفسه أبداً ، وما تقاس الدنيا للآخرة سعادة ولا شقاء ، فما النعيم هنا بشيء هناك ، وما النصب هنا بمشبه للنصب هناك . وما من ربح بربح إذا أعقب النار ، وما من خسارة بخسارة إذا أعقبت الجنة . وما كان لعاقل أن يبيع أبقى ما يبقى لديه نفسه بشيء يفنى ، ودارٍ لا تبقى ، وكل ما فيها إلى تغيّر وبلى ، وكيف لعاقل أن يُقدم على بيع يشقيه أبداً ، ويقيم به في النار مخلداً ؟!
اللهم انا عبيدك وإماؤك المذنبون ، وأنت ربنا الغفور الرحيم ، فاغفر ذنبنا وتب علينا وآونا إليك ، واكنفنا برحمتك ، وأدم علينا لنا رعايتك ، و ارزقنا الرشد والحكمة والسداد ، وجنبنا السفه وخفة الرأي وخطأ التقدير ، وقبح العمل، وسوء المصير وشرّ العباد . واغفر لإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا كريم يا رحيم .
نعود لحديث المال في الإسلام بطرح هذا السؤال : ما هو المنبع لمشكلة الفقر في مجتمع الإنسان ؟ وتجيب دراسات من دراسات العصر بأن وراء المشكلة شحاً في الموارد الطبيعة ، وتضخماً في عدد السكان في الأرض قياساً إلى تلك الموارد ، والمخزون الأرضي من الثروات . ونرجئ مسائلة هذه الدراسات بعض الوقت ..
وإذا جئنا للإسلام فهو لا يقبل هذه الإجابة ، ويُقدّم إجابة أخرى على السؤال يمكن تلخيص بعض خطوطها في الآتي :
أولاً : الاكتفاء الطبيعي :
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا )) 25-26 المرسلات / وقالوا عن الكفات بأنه الضم فالأرض تضم الإنسان حيه وميته ، الناس كلهم أحياء وأمواتاً ، تضم الأموات بالطريقة التي تحفظ ولا تؤذي ، وتضم الأحياء بالطريقة التي تحفظ وتنمي ، كيف تضم الأرض أحياءها ؟ كيف تحتضنهم إذا لم يكن الغذاء كافياً ، إذا لم تكن الحاجات مقضيةً بوافر من مخزون الأرض ؟ فالآية الكريمة نستطيع أن نفهم منها أنها تقول بكفاية الثروات التي أودعها الله سبحانه وتعالى حفاظاً على حياة الإنسان إلى الأجل الذي قدره الله سبحانه واقتضته حكمته ..
(( والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان )) 10- 12 الرحمن .
الأرض موضوعة للأنام لا ليموتوا قبل الأجل ، ولا ليفنوا من شح الموارد ، والذي وضعها للأنام هو الحكيم القدير ، هو الرزاق ذو القوة المتين ، فوضع الأرض للأنام ، لهذا العالم ، لا بد أن يكون الوضع المناسب ، ومن مناسبته لهذا الإنسان وحياته ونموه وتكامله على وجه الأرض أن تكون الثروات كافية وأن تكون الموارد موفورة ..
(( وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم )) 60 العنكبوت / الثروة لم توجد لتغطي حاجة الإنسان فقط وإنما حاجة كل حي ، كذلك الأرض جعلت كفاتاً للأحياء من الإنسان وغير الإنسان .
(( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )) 58 الذاريات / فإذا كان هو الرزاق وهذا مبالغة من الرازق وفي الرزق وذو القوة المتين ، وهو سبحانه وتعالى احكم الحاكمين ، فلا يمكن أن يوجد هذا الأرض وابنها الإنسان ، إلا أن تكون الأرض معطاءةً بقدر ما يكفي أبناءها من جنس الإنسان وغيره ، فالاكتفاء في التصور القرآني حاصلٌ والثروات والموارد الطبيعية وجدت لتكفي حاجة الإنسان وتغطي فوق ما هي ضروراته ..
ثانياً : التقدير الحكيم :
(( وبارك فيها – والمبارك كثير الخير ، فالأرض كثيرة الخير معطاءة – ..))
(( وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين )) 10 فصلت / وكل حيٍٍ سائلٌ حاجته ، ضارعٌ إلى الله سبحانه وتعالى بأن يمده بما فيه دوام حياته وبما فيه صلاح شأنه وهؤلاء السائلون ، كل السائلين ، قد قدرت في الأرض أقواتهم ، وقدر في الأرض ما يفي بحاجاتهم .
ولكن هنا تقديراً وموازنةً ، بين ما عليه حاجة الإنسان ، وبين ما فيه صلاح الإنسان ، وبين ما هي وظيفة الإنسان ودروه ، وبين الثروة المودعة في الأرض ، فليست الثروات المودعة في الأرض مودعة بشكل مفتوح وبشكل يفوق حاجة البشر ملايين المرات ، لأن في هذا خطأ في التقدير وحاشى لله سبحانه وتعالى أن يخطئ التقدير وأن تتخلف حكمته ، فالآية الكريمة لا تقول بتوفير الرزق في الأرض فقط ، وإنما تقول بأن هناك موازنةً دقيقة ، وهناك مقايسةً محكمة ، ونظرةً صائبة ، في الموازنة بين ما عليه حاجة الإنسان ، صلاح الإنسان ، حياة الابتلاء هنا وبين وفرة الأرزاق وكميتها ..
فليست الأرزاق بالتي تعطل مسيرة الإنسان لشحٍ فيها ، ليست الأرزاق بصورتها الطبيعية ، في وضعها التكويني ، في ما أودعت فيه الأرض ، بالصورة التي تقل عن حاجة الإنسان ، تقصر عن حاجة الإنسان ، بحيث تعطل حياته ، وبحيث لا تسمح له بالنمو و التكامل على خط روحه وعقله ، وليست بالقدر الذي يفوق حاجة الإنسان بمرات و مرات ، حتى تتحول هذه الثروة إلى ملهاة للإنسان ، وتتحول حياته إلى حياة عبثية ..
(( وخلق كل شيء فقدره تقديرا )) 2 الفرقان / كما قدر الإنسان ، قدّر أعداده ، قدّر أجياله ، كم سيكون تكاثره ، كم سيكون التفجر السكاني ، وفي أي وقت سيكون تفجر سكاني ، وفي أي وقت تتقلص الأعداد البشرية على وجه الأرض ، كل هذا معلومٌ إليه مقدرٌ في علمه ، فكذلك الثروات هي الأخرى مقدرة التقدير الدقيق وموزونة بالوزن الدقيق البالغ ..
فنستخلص من النقطتين السابقتين :
أن الثروات والموارد في نظر القرآن ، ثروات لا نقص فيها بالنسبة لحاجة الإنسان ، وهي ليست موجودة لفئة خاصة (( والأرض وضعها للأنام )) ليست موضوعة لفئة خاصة ، إنها قد خلقت للجميع ، ولتفي بحاجة الجميع ولتساعد على نمو وتكامل الجميع ، ثم إنها مقدرة بالتقدير الدقيق ، وأن بينها وبين الأعداد السكانية توازناً دقيقاً مرسوماً بعلم الله وحكمته وقدرته ..
ثالثاً : حالات عارضة :
نعم توجد حالات عارضة كما يذكر الإنسان وهي حالات عارضة لحكمة إلهية (( و لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) 155 البقرة / نعم إنها التربية التي يحتاجها الإنسان ، إنه الدرس الذي لا بد أن يواجهه الإنسان في حياته ليكسر منه غروره ، وليتذكر أنه مرزوق ، وليتذكر أنه ضعيف ، وليتذكر أنه يستمد من القوي العزيز الغني ، حياته وأسباب حياته .
(( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون )) 130 الأعراف / حين ينحرف الإنسان ، حين يطغى حين يستكبر ، حين يدير بوجهه عن الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى الدرس القاسي رحمةً من الله به لعله يعود إلى الدرب ، فإن الجوع هنا ، نقص الثمرات ، أهون بملايين المرات بما لا يدركه الحساب من عذاب جهنم ومن شقاء الأبد .
رابعاً : منبع الخلل :
إذن أين منبع الخلل يا سنة ، يا إسلام ؟؟
تقول الأحاديث الشريفة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيت العصمة أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .. (( إن الله جعل أرزاق الفقراء في أموال الأغنياء ، فإن جاعوا وعروا ، فبذنب الأغنياء )) الحياة ج4 ص127 عن المستدرك 1/ 509 ..
جعل قبل أن يكون هناك جعل تشريعي لكون أرزاق الفقراء في أموال الأغنياء ، هناك جعل تكويني ، وجعل تشريعي على مستوى القانون العام النظام الاقتصادي والاجتماعي ، كيف ؟
الأرض أعدت – كما سبق – للناس جميعاً وحتى للطير وحتى للحشَر فضلاً عن البشر ، كل أولئك من إنسان وغيره هم خلق الله وعيال الله ، وقد تكفل رزق الله بإعالة عياله ، فحين يكبر المال في يد الغني ، ينكشف أن هذا المال فيه سرقة ، حين يكبر المال في يد الغني ويشح في يد الفقير إلى حد الإضرار أو إلى حد تنشأ به طبقية مخلة ، ينكشف هنا أن في مال الغني مالاً مسروقاً هو مال الفقراء ، سرقه بيده ، أو سرقه له القانون ، سرقه له النظام الجائر ، أو سرقه التحايل على النظام العادل .
إنه بذنب الأغنياء ، الأغنياء اللذين عادةً يضعون النظام الأرضي ، الذي يحافظ على مصالحهم ، الذي يطغى ويبغي ويظلم المستضعفين ، فهؤلاء لهم ذنب من خلال ما وضعوه من نظام اقتصادي وفرضوه على الفقراء ، وبذنبهم حين يتحايلون على النظام الصحيح ، وهم مذنبون حين يمنعون ما كتبه الله عز وجل تشريعاً في أموالهم للفقراء ..
(( إن الناس ما افتقروا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء )) الحياة 128
(( أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء )) المصدر عن المستدرك 2/322
(( لو عدل في الناس لاستغنوا )) المصدر عن الكافي 1/542
نظام عادل ، تطبيقٌ دقيقٌ للنظام العادل ، بهذا لا يظهر أبداً بأن هناك شحاً في الثروات ، لو طبق النظام العادل ، لو كان النظام عادلا وطبق بعدل ، لأنكشف أن ثروات الأرض كافية ، وأن الموزانة بين الثروة والإنسان دقيقة ..
خامساً : إشارة إلى الحل :
والحل نظام كامل ، أطروحة كاملة ، وقيّم معصوم أو قريب من المعصوم على الأطروحة .. الحل هو هذا أطروحة معصومة ، قيّمٌ معصوم ، وفي غيبته قيّمٌ أقرب ما يكون من الآخرين إلى المعصوم .. هذه الإشارة ماذا تقول :
(( المال أربعة ألف – نحن نقرؤها آلاف ولكنها مكتوبة في الرواية ألف ولذا نحافظ عليها – .. المال أربعة ألف ، واثنا عشر ألف كنـزٌ ، إذا بلغ المال عند الشخص وسيولته فوق حاجاته ربما ، هذا المذخور الذي يعده لطوارئه ، فوق ما هي المؤونة قد نحمل هذا المال على هذا الوجه ….
((المال أربعة ألف ، واثنا عشر ألف درهم كنـزٌ ، ولم يجتمع عشرون ألفاً من حلال …)) إذا كان هناك اقتصادي عادل في وسط نظام عام عادل ، فإن المال في نظر الإمام عليه السلام كما هي الرواية لا يجتمع منه عشرون ألفاً بيد وتكون العشرون ألفاً حلالا ، لا بد أن تكون لاجتماع العشرين ألف من خلل في النظام أو تطبيقه ..
((..وصاحب الثلاثين ألفاً هالك )) يعني تجاوز كثيراً ، هالكٌ هلاكاً أخروياً ..(( .. وصاحب الثلاثين ألفاً هالك وليس من شعيتنا )) هذا بعيد جداً عن الخط ، أيضاً من اجتمع عنده عشرون ألفاً ولم تكن من حلال ففي تشيعه اتهام ، عنده انحراف عن التشيع ، صاحب الثلاثين ألفاً عنده ميل أكثر عن التشيع ، لكن تصل الحالة إلى أن يخرج من خط التشيع نهائياً ،((….وليس من شيعتنا من يملك مائة ألف درهم )) 229 تحف العقول .
يعني الدقيق في الإسلام ، المراعي للحلال والحرام ، المخرج لحقوق الله من ماله ، تقول الرواية بأنه لا يمكن وهو يتمسك من التشيع ، من الإسلام .. أن يجتمع عنده مائة ألف درهم .
عودة للإجابة الأول وهي الإجابة الأرضية :
تنطلق الإجابة الأولى من ملاحظة الواقع القائم ، من حيث الحاكمية للنظام البشري ، والتخريب العارض على رؤية الإنسان للكون والحياة ، والجشعُ الشديد الذي يستولي على مشاعره ، وعديد من نقاط الخلل التي يعاني منها واقعه وعلاقاته بأخيه الإنسان . كما تنطلق من التأثر بالحالات العارضة من الجفاف والتصحّر التي لم تغفل الإشارة إليها في التصور الإسلامي ، ووضعها في موضعها الاستثنائي العارض لأسباب تربوية وتأديبية تحتاجها حياة الإنسان . إن واقع المجتمع البشري اليوم وهو يعج بالنهب والغصب ، وسرقة ثروات الشعوب ، والروح المادية الجامحة ، والفسق والمجون ، والخروج بالمال عن وظائفه البناءة ، ودوره القوامي الصحيح ، ليكون أداة إرهاب وتدمير وتخريب وسيطرة ظالمة ، لا يمكن أن يقاس عليه في الحكم على الموارد الطبيعية وكفايتها ن لأن شخصاً واحداً يسئ استعمال الثروة يمكن أن يضّيع على الملايين حصتهم في خيرات الطبيعة ، وإن فرداً من أفراد الإنسان إذا انطلق نهمه المادي ، وانطلق معه لا تكفيه الدنيا كلها . فكيف إذا كانت مجتمعات عملاقة بكاملها في هذا الاتجاه ؟! إن هذا الوضع شاذ وهو لا يقتصر في إرباكه على الحياة الاقتصادية وإنما يمتد بالخلل لكل جنبات الحياة ..
ودعونا نطرح عدداً من التساؤلات من تساؤلات كثيرة يمكن أن تطرح على هذه الإجابة :
– الصحيح أن المشكلة الاقتصادية منبعها شحّ طبيعي في الثروات أم أن وراءها ما يأتي :
1- دولاً استكبارية ، تنهب ثروات الدول المستضعفة ، لتفسد الأولى بالثروة المنهوبة ، والثانية بالفقر المفروض ؟
2- سلاح الدمار الشامل الذي يلتهم ثروة الأمم وجهود المكدودين ؟
3- أمن العالم الجاهلي الذي لا يتم ولو جزئياً وإلى حين إلا بأجهزة مخابراتية ضخمة تعيش عالة على الثروة العامة والدخل القومي للدول ، وعلى جبال من الأسلحة الفتاكة المستنزفة لثروات الأمم ؟
4- اللهو والمجون ، وسهرات العربدة والرقص ، والشرب الحرام ، وهي المحرقة الأخرى للاقتصاد ، المفسدة للضمير ، والباعثة على السرقة والنهب والاستغلال وتكديس المال الحرام بالأيدي العابثة ؟
5- كون ميزانية من هم بقدر أصابع اليد الواحدة في كثير من البلدان تفوق ميزانية البلد الذي ينتسبون إليه ؟
6- كون ميزانية اثني عشر طاغوتاً من طواغيت المال في العالم تعادل ميزانية أكثر من مائة دولة ؟
7- النظام الاقتصادي الذي يحكم العالم ، وهو نظام جاهلي يبرر سرقة الأغنياء للفقراء ، ويطلق يدهم الآثمة في الثروات الطبيعية ، وخنق الفرص أمام المستضعفين ، إلى ما يقف خلفه من نظام تربوي مادي فاقد للقيم ومجحف للروح ، ومعاد للضمير مما يحقق أرضية نفسية مناسبة لذلك النظام الاقتصادي الجائر ؟
8- الكماليات من درجة الترفيه والعبثية التي تسرق أموال الناس وتفرغ جيوبهم في حين يفتقدون الغذاء الكافي والدواء المطلوب والمأوى المناسب ؟
9- إقصاء الكفاءات القادرة على تطوير الإنتاج في كثير من البلدان ، انتظاراً لتزكية تقوم على الولاء الأعمى الذي لا يناقش حتى الواضح الفاضح من أخطاء السياسة وظلمها المتعمد ؟
10-كون لعبة واحدة كلعبة كرة القدم تستهلك من جهد المستضعفين وعرقهم المبذول في الثروة العامة المليارات هنا وهناك ؟
11-كون السياسية المالية المروج لها في كثير من البلدان المستضعفة هي سياسية الاستهلاك السرفي المتلف للثروة في صناديق القمامة ؟
12-فقد الضمير الديني ، وتفشي القيم المادية التي ترفع من مستوى شهوة المال مما يتسبب في التساهل في المواصفات الصحية المطلوبة للسلع الغذائية ، الشيء الذي يستتبع كثيراً من الظواهر المرضية بالإضافة إلى عدم تجنب المحرمات من الطعام ،والشراب ، والتسيب في علاقات الجنس مما يزيد في الأمراض الفتاكة والسارية ، مما يحمل الميزانيات الصحية تكاليف باهضة ويسبب شل طاقات كبيرة عن الإنتاج .
13- التخطيط المالي والإداري والسياسي لأن تبتلع المشاريع الاقتصادية العملاقة للأشخاص والشركات المحسوبة على الأنظمة مشاريع الصغار وتطردها من سوق العمل ؟
14- تشريع القوانين والتحايل عليها بصورة تجعل مصادر الإنتاج من ارض وماء ومعادن حكراً على الكبار حيث يحرم الملايين من ذلك بالصورة المباشرة وغير المباشرة ؟
15- الحروب الطاحنة التي يخطط لها مصاصو دماء العالم والتي تهدر ثروات الشعوب والدول في أيام قلائل بفعل الآلة الحربية المدمرة إلى جنب ما يستنزفه السلاح الذي تصب أثمانه الباهظة في جيوب المحتالين العالميين .
16-كون ليلة واحدة من سرف المترفين في هذا العالم ولهوهم وفحشائهم قد تكلف نفقاتها ما يشبع ملايين من الناس أو تشيد مشاريع عمل بأعداد غفيرة للعاطلين ؟
17-التخطيطات الشيطانية ،التي لا تتيح للدينار أن يستقر في جيب شاب ولا شابة من الطبقات المحتاجة ليجد سبيله إلى جيوب المختلسين القانونين من أصحاب مشاريع اللهو الهابطة التي تتحايل على المال، وتفتك بالصحة وتدفع إلى الجريمة وتقلق المجتمع ؟
إن الإجابة الأرضية على المشكلة بعد هذه التساؤلات وقبلها لا يمكن أن تصمد أمام قوله سبحانه (( وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين )) وأمام قول رسوله الصادق الأمين (( إن الله جعل أرزاق الفقراء في أموال الأغنياء فإن جاعوا وعروا فبذنب الأغنياء ))
يا غافر الذنوب اغفر ذنوبنا ، يا ساتر العيوب استر عيوبنا ، يا كاشف الكروب اكشف كروبنا ، يا قوي يا عزيز ادفع عنا وعن جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ،واغفر للأحياء منهم والأموات يا كريم يا رحيم ..
(( بسم الله الرحمن الرحيم
وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9) ))

الخطبة الثانية

الحمد لله كما هو أهله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. أولٌ لا أول لأوليته ،آخر لا آخر لآخريته ،كل شئ هالك إلا وجهه وكل شئ معروض للتغير إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صدق فعله قوله، وما أخلف وعده ، وما نقض عهده ، وما حاد عن دربه درب الهدى والحق والصواب . صلى الله عليه وآله الأطياب.
عباد الله اتقوا الله وصونوا أنفسكم عن النار، وادرأوا عنها غضب الجبار الذي لا تقوم السماوات والأرض وجبالها الراسيات لغضبه . عباد الله تاجروا مع الله بأنفاسكم وأنفسكم فلستم بواجدين تجارة أربح من التجارة مع الله ، ولا بيعاً في عوائده الكريمة كالبيع له، ولا مبايعة صادقة الوعد جزيلة العطاء منجحة أبداً كمبايعته.
اللهم صلِّ على صفيك وحبيبك ورسولك المصطفى محمد وآله النجباء . اللهم صلِّ وسلم على محمد وآل محمد. اللهم صل وسلم على كريمة رسولك الطاهرة الصديقة الحوراء فاطمة الزهراء الصابرة اللهم صلِّ وسلم على قادة الأمم أوليائك المعصومين وخلفاء رسولك المنتجبين، والصادعين بالحق ، والناطقين بالصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، اللهم صلِّ وسلم عليه . والسبطين الزكيين الحسن بن علي وأخيه الحسين ، اللهم صلِّ وسلم عليهما . وعلي زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلي بن موسى الرضا ، ومحمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي ، والحسن بن علي العسكري الطيبين الطاهرين ، اللهم صلِّ وسلم عليهم أجمعين . اللهم صلِّ وسلم على الولي المذخور ، والسيف المسلول ، ماحق الظلم ومقيم العدل الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر ، اللهم صلِّ وسلم عليه وعجل فرجه وسهل مخرجه . اللهم افتح له فتحاً يسيراً ، وانصره نصراً عزيزاً وأذل به الكفر وأهله وأعز به الإسلام وأهله يا كريم . اللهم أيّد وسدد وانصر ناصره، واخذل خاذليه الصادين عنه ، والمحاربين له يا من هو على كل شئ قدير ..
اللهم اغفر ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتولنا برحمتك وارزقنا من عندك عافية عظيمة مقيمة وأصلح أمرنا للدنيا والآخرة واغفر لآبائنا وأمهاتنا وذرياتنا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولجميع أهل الإيمان يا أرحم الراحمين .
أما بعد ، فنقف أولاً وقفة إجلال وتقدير وتبرك بذكرى إطلالة نور من أنوار الهداية الإلهية ، والرحمة للعالمين ، ذكرى مولد الإمام التاسع من أئمة أهل بيت النبوة والرسالة ، الإمام محمد بن علي الجواد (ع) الذي ملأ موقع الإمامة الهادية الكبيرة الذي لا يملؤه إلا من كان من الصفوة المصطفاة من قبل الله سبحانه في سن مبكرة من عمره الشريف مما دعا من كان جاهلاً بمقامه أن يستكثر عليه هذا الموقع الذي لا يملأ فراغه بحق وبصورة شاملة إلا نبي رسول أو وصي من أوصيائه بالحق حتى ظهر من علمه ومواقفه في صغر سنه – السابعة- فما فوقها، ما أفحم المعاند ، وطمأن الباحث ، وسرّ العارف ..
وهذه الذكرى الأولى السنوية لانتفاضة المجاهدين المسلمين في فلسطين ضد الوجود الصهيوني الغاصب تستجيش المشاعر ، وتذكر بالبطولات ، وروح التضحيات السخية التي يقف وراءها الإيمان ، وبالصمود الفولاذي الذي تتربى عليه نفس الإنسان المسلم المتطلعة إلى ثواب الله ورضوانه إذا خاضت تجربة الكفاح في معركة الحق والباطل إحقاقا للأول وإزهاقاً للثاني.
وللإنسان المسلم أن يخاطب الأنظمة الحاكمة للأمة من داخلها بأنه إذا كان الإرهاب الذي اشتكت منه أمريكا ، يستحق أن يهب في وجهه بهذه الاندفاعة القوية ، من قبل الحكومات في البلاد الإسلامية ، أفلا يستحق الإرهاب الإسرائيلي المنظم ،والاستباحة العامة لمسلمي فلسطين، والأمر الذي يمارس يومياً ضد النساء والأطفال والشيوخ ، ويجتث كل أخضر ويابس ، ويعلن عن مسلسل اغتيالاته لمن يشتهي اغتياله ، ويفتخر بسياسة تكسير العظام أن يواجه بعشر هذا الحماس ، وبجزء من هذه العاصفة التي ربما استهدفت الأمة في الصميم ، وقامت على رميها بالتهمة قبل التحقيق ؟! كما يمكن أن يقال لجماهير الأمة المسلمة إذا تعللت الأنظمة الحاكمة بما الله أعلم بمعذّريته وعدمها ، وكانت لبعضها مواقفه الملاينة أو المتعاونة مع العدو الصهيوني والمعادية أو المترددة والمتذبذبة به من قضية الانتفاضة لهذا العذر أو ذاك فأنت يا جماهير الأمة لابد أن يتسم موقفك بالمناصرة للحق ، والثبات في مواجهة العدو الإسرائيلي الغاشم ، وأن يكون الهمّ والفعل بمستوى أحداث الأمة التي تتهدد مصيرها ، وتنذر بسحق وجودها ..
وإن الحضور الشعبي على مستوى الأمة في مثل هذه القضية قضية الوطن الإسلامي السليب ، والتراب الإسلامي المدنس حضوراً فاعلاً متمثلاً في كلمة صارخة ، ونداء حي ، واستنكاراً متصلاً سافراً ، وفعلاً مسنداً ليحمي هذه الأمة من موت الشعور ، وتيبس الضمير ، وشلل الإرادة وفتور الغيرة ويجعلها أقرب إلى بذل النفس ، والتضحيات السخية ، ويمثل شيئاً من الإسهام في معركة من المعارك الكبرى الفاصلة . وهذا الحضور الواسع على مستوى الأمة له أثران إيجابيان ، فهو يقدم حجة بيد الأنظمة لو أرادت أن تخلص للقضية في مواجهة الضغوط الخارجية التي تمارس عليها لصالح إسرائيل ، ويخلق لها حالة من الإحراج لو أرادت أن تتجاهل مصلحة الأمة وتنسى واجبها .
أما بشأن التداعيات المستمرة التي بدأت في عقب التفجيرات في أمريكا فإنه ليُسأل : على يد من ستدمر أفغانستان المرشح الأول لمسلسل العقوبات الصارمة ومعركة العدالة غير المنتهية بالتعبير الأمريكي، وسيذبح المسلمون الأبرياء فيها ، على يد من ؟ وقبل أن تثبت إدانتها في العقل والشرع والقانون ؟! إذا كان هذا التدمير بيد أمريكا وأوربا فهو أمر مؤلم غير مقرون بالعجب . وإذا كان على يدنا أو بمشاركتنا نحن المسلمين فالألم أكثر والجرح أشد ، ولا أدري هل من عجب أو ليس من عجب ..
و المسموع أن لنا شرطًا في اشتراكنا في الحملة التأديبية الناقمة- نحن العرب المسلمين – على الإرهاب بتحديده الأمريكي و تحت القيادة الأمريكية و هو أن لا تشارك إسرائيل بصورة مكشوفة في مذبحة المسلمين حتى لا يقال أننا حاربنا مع العدو الصهيوني في خندق واحد ضد أخوة الإسلام . لكن هذا سيفسر من جماهير غفيرة من أبناء الأمة بأننا قمنا بدور الوكيل عن إسرائيل في هذه المهمة المشرفة , و ربما بخسنا إسرائيل حقها حين لم نتح لها بهذا الشرط أن تشفي غلَّ صدرها بيدها مباشرة من المسلمين , و حين استحوذنا على شرف حرق الشعوب الإرهابية حسب المعيار الأمريكي للإرهاب ..
و الملاحظ أن الدول في العالم درجات .. فقسم من الدول يشترط للمشاركة في المذبحة المقدسة ثمناً تعد به أمريكا , أو تكتب له وثيقة به . و هذه لابد أن تكون من الدول التي لا زالت تشعر بذاتها و لا تكترث بدمار الأبرياء و لا ترى للإنسان كرامة و لا لدمه حرمة . و مثالها روسيا . و قسم آخر قد تكون مشاركته مسبوقة بهز العصا أمامه , أو النظر في وجهه نظرة غاضبة .. و قسم ثالث يقول بلسان الحال و المقال مبادراً متعجلاً : سعياً على الرأس لا سعياً على القدم ؛ و نتمنى أن لا تكون دول من الدول الإسلامية كذلك .
و لعربي مسلم أن يتساءل : أصدقتم يا عرب .. يا مسلمون أنكم محتاجون للإسلام , لعودة جادة إليه ، ليعيد إليكم وزنكم وعزتكم وسؤددتكم أم بعد ، وأنكم تنتظرون يوم كارثة لا قومة بعدها ، و ساعة لا ينفع الندم.
وفي دائرة أحداث التدمير في أمريكا والآراء بشأنها يقولون أن الديموقراطية والحرية الغربية ضاقتا وسعاً بتصريح وزيرين من وزراء الحكومة الأمريكية شطا كثيراً في نظر السيد بوش حينما قالا بأن الأحداث هناك درس من دروس الغضب الإلهي ، وأثر من الآثار الموضوعية للبعد عن خط القيم السماوية في أمريكا ،و التسافل الجنسي والإباحية الحيوانية المنفلتة التي يرعاها ويغذيها النظام هناك، حتى طلب من الوزيرين أن يسحبا تصريحيهما بحكم من الديموقراطية والحرية المتقدمة . و لا غرابة فإن ديموقراطية اللاقيم من حقها أن تسكت صوت القيم . أما صوت القيم وخط القيم لو ندد يوماً بالآثار المدمرة لخط اللاقيم فهذا ما يسمونه بالدكتاتورية .. وهذا تعصب ورجعية وضيق أفق وانغلاق وحجر وإرهاب فكري.
وموقف ديمقراطي آخر صارخ تبرهن به الديمقراطية على صدقها ويتمثل في هذا الحكم العادل الذي ينطلق من حرية الطرف الآخر والذي يقول من لم يكن معنا في الحملة على أمته فهو إرهابي وإن لم يحرك ساكناً في ميدان الإرهاب .
اللهم اغفر لنا وتب علينا واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات واكشف الغمة عن هذه الأمة ، وابعث فيها روح العزة والكرامة واهدها إليك وخذ بيدها على طريق دينك ، وحقق لها النصر واكفها الهزيمة ، وقرب فرج وليّك المنتظر واشف به صدور المؤمنين ، يا ارحم الراحمين واكرم المعطين .

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى