خطبة الجمعة (24) 26 جمادى الثاني 1422هـ – 14-9-2001 م

مواضيع الخطبة:

التصور الإسلامي للمال (5) –
أحداث التفجيرات في أمريكا

هل سيلتفت العالم إلى استغلال الصهاينة فرصة غليان الشارع الأمريكي والأوربي بتوجيه مزيد من الرعب والموت والدمار والسحق، والتلذذ بتعذيب الفلسطينيين؟! و هل الدعوة إلى تحالف عالمي ضد الإرهاب يشمل إرهاب الدولة المقنن، وفي مقدمته إرهاب إسرائيل؟

الخطبة الأولى

الحمد لله أهل الحمد ووليه ، ومنتهى الحمد ومستحقه ، البدئ البديع ، الأجل الأعظم ، الأعز الأكرم ، المتوحد بالكبرياء ، والمتفرد بالآلاء ، القاهر بعزه ، والمتسلط بقهره ، الممتنع بقوته ، المهيمن بقدرته ، و المتعالي فوق كل شيء بجبروته ، المحمود بامتنانه وبإحسانه ، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده ، الموسع برزقه ، المسبغ بنعمته ، نحمده الحمد أكمله وأتمه وأجله ، وأرضاه لوجهه الكريم ، وأنسبه لشانه العظيم ..
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، برأ الخلائق بقدرته ، وأحكم الصنع بعلمه ، وفطر النفوس على معرفته ، وأودع في الأشياء آيات توحيده ، وأقام بالنظام الحجة على محكم تدبيره ، ودوام ربو بيته . كل الأشياء مفارقة له قائمة به ، متعال عن ملامستها و مداناتها.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ابتعثه للرسالة الكبرى ، و انتدبه للهداية العظمى ، فدّل بذلك على عظيم شأنه ورفيع منـزلته صلى الله عليه وآله الأولياء الأزكياء الطاهرين المعصومين ..
عباد الله لا ألزم لأحد من تقوى الله ، ولا تقوى إلا بعمل , ولا عمل إلا بتقوى . وليكن أحدنا أنظر إلى نفسه وما يصلحها ، أكثر من نظره إلى أي شيء آخر ، فإن صلاح كل شيء مع فساد الذات لا يُسعد المرء غداً ولا يُغنيه ، وإن صلاحها وإن فسد كل شيء من دونها لا يضره غداً ولا يُشقيه . فليكن أكثر ما نطلبه من هذه الدنيا صلاح أنفسنا وتزكيتها ، فليس يبقى لنا من الدنيا إلا أنفسنا بنيناها أو هدمناها ، نميَّناها وزكيّناها أو هبطنا بها ودسيّناها . فإصلاح المرء ما هو غيره مع فساد نيّته ، وسوء سريرته إصلاحُ لذلك الشيء الذي لا يبقى له ، وتحطيم لنفسه التي لا تنفك عنه ، وترد لذاته التي بها يُسعد أو يشقى ، وقد اختار لها بما أساء إليها وظلمها الشقاء والجحيم . إن الفلاح كل الفلاح في تزكية النفس وترويضها على التقوى ، والأخذ بها على طريق الطاعة والهدى ، وإن أفدح الخسران ، وأشد الخيبة في سقوط النفس وعماها . إثراء النفس هو الإثراء ، وخواؤها هو الخسارة الكبرى (( قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها )) 9-10 الشمس / ويا أيها الإنسان الموّدع للدنيا ، السائر على طريق الآخرة كنت في غضارة الشباب أو زهرة الصبا ، أيها القادم على الرحلة الكبرى إن الزمن يحملك سريعاً إلى هناك .. إلى عالم المساءلة والمحاسبة والمجازاة وإن كل نَفَسٍ من أنفاسك خطوة إلى المستقبل المحتوم ، واليوم الذي لا يفر منه … لا تدري ما المسافة بينك وبين يومك الموعود كم يوماً هي الفاصلة عن عتبة القبر والآخرة .. كم هي الأنفاس المتبقية …كم كسوةً .. كم لقمةً .. بقيت من نصيبك في الدنيا ، متى ينادى بك إلى الرحيل فلا تملك أن تتأخر ولو بمقدار طرفة عين .. يا هذا الإنسان .. يا هذا المحمول على كتف الليالي والأيام التي لا تفتر حركتها ولا تتوقف في سيرها أبداً لا يكن نظرك إلى ما تستدبر ، وليكن نظرك إلى ما تستقبل ، ولا تجعل أمانيك تتجه إلى الخلف فالخلف في الدنيا أنت عنها في ادبار .. ما احراك أن تتجه بأمانيك إلى الأمام إلى حياة أخرى أنت منها في اقتراب .. حياة تبقى وتدوم .. إذا بنيت في الدنيا فلا تبني لها ، وإنما وأنت تبني فيها فليكن هذا البناء من العمل الصالح الذي تشاد به الآخرة ، ولا غضاضة أن يكون مما يعين في الدنيا إذا كان من النظيف الطاهر الحلال ، وكنت تريد به التَقَوّيَ لعمل الآخرة ، من دون أن تستغرق في الدنيا ، وتعيش في الآخرة ، من دون أن تستغرق في الدنيا ، وتعيش بكل مشاعرك فيها ، وتعطيها كل جهلك وهمّك ، والساعات والأيام التي تمثّل كل رصيدك (( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى )) 131 طه .
اللهم صل وسلم على عبدك المصطفى محمد النبي الأمي خاتم النبيين المرسلين وآله النجباء الميامين . اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ، وباعد بيننا وبين معصيتك ، ولا تفرق بيننا وبين طاعتك ، وقنا من كل مخوف يتهددنا في علمك ، واصرف عنا كل سوء يهجم علينا لولا دفعك يا أكرم الاكرمين ويا أرحم الراحمين ..
أيها المؤمنون والمؤمنات الوقفة اليوم قصيرة مع مسألة المال في الإسلام ولكنها مهمّة . أقرأ لذلك هذا النص
(( .. ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً ، ولا ستغنى بما فرض الله له ، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء ..)) الحياة ج3ص310 عن الوسائل 6/4 ..
ثم نقرأ النص الآخر (( إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما مُتّعَ به غني ( أو بما منع غني ) والله تعالى سائلهم عن ذلك )) 328 نهج البلاغة .
إذا رجعنا إلى النص الأول نجده يقول ((..ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً ..)) مسلمٌ في النظام الإسلامي ، حين يُطبّق النظام الاقتصادي ضمن النظام العام الإسلامي ، ولا تكون تخلفات ولا تكون خروقات ، هنا لا يبقى مسلمٌ فقيراً محتاجاً ولا ستغنى بما فرض الله له ، وأقلّ الغنى فيما يذهب إليه الاصطلاح الفقهي هو أن يتوفر الإنسان على مؤونة سنته ، ليس اكلاً وشرباً فقط إنما كل ما يحتاجه ، وبالمستوى الذي يجعله من أوساط الناس ، من الوسط العام وبالمستوى الذي يحقق لها حد الكفاية فلا يشكو حاجة ، لا يضايقه وضعه المعاشي ، يجد ما يتعالج به ، يجد ما يستقبل به ضيفه ، يجد ما يركبه ، يجد من يستخدمه عند الحاجة ، تقضى له كل حاجاته العرفية ، لا يبقى فقير واحد ويتحقق للجميع الغنى ، بما فرض الله له ((..وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء ..)) وربما أشار الذيل إلى قضية أخرى هي قضية العدل في التوزيع ، عدم التخلفات عدم الخروقات .
قد يعطي الغني الزكاة ، قد يعطي الغني الخمس ، ولكنه كان قد سرق من أموال الفقراء أكثر مما يدفع من خمس و من زكاة ، فالذيل كأنه فيه تأكيد على هذا الجانب ، جانب أن لا تكون هناك سرقات ولا خروقات ، ولا يكفي أن أجمع المال من الحلال و الحرام ثم أصير إلى التخميس والزكاة ، فإن الخمس والزكاة موضوعهما الأساس ، موضوعهما بحسب المطلوب الشرعي والتخطيط الشرعي الاقتصادي هو أن يكون المال الداخل حلالا ، يأتي الخمس في المال المختلط ولكنها مسألة طارئة عرضيّة .
(( إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء …)) والقوت مثال أما الذي فرضه الله سبحانه وتعالى في أموال الأغنياء فليس اللقمة فقط ، اللقمة المسكن الكساء ، كل ما يحتاجه الإنسان بما يحقق له القدرة أن يعيش الحياة ، على أن يعيش لإصلاح النفس ، على أن يعيش لاعمار الأرض وإخصابها بعدل الله ، بالعلم من علم الله ، بالحكمة من حكمة الله ، باللطف من لطف الله .
الإسلام يجاهد كل المجاهدة بأن لا يكون الإنسان حبيس همّ اللقمة ، حبيس همّ الكسوة ، حبيس همّ المأوى ، فيستغرق هذا الهمّ الضروري الصغير المحدود الضيق كل حياته لتكون حياة الإنسان في النهاية كلها جهادٌ من أجل لقمةٍ وكسوةٍ ومأوى ، مما يتوفر عليه حتى الصراصير .
أترون أن الله سبحانه وتعالى أوجد النظام وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل أن تكون حياة الإنسان كلها كداً للخنفساء والنملة وما دونهما ..
هناك سرقة تتمثل في مخالفة النظام ، وتخلفات جزئية عن النظام ، يُطبّق النظام الإسلامي في ظل حكومة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، في ظل حكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، هنا تحصل انثلامات ، تحصل تخلفات ، تحصل اختلاسات ، سرقات تجاوزات ، تضر بالاقتصاد تؤثر عليه سلباً ، لكن وبمقدارٍ كبير يمكن أن يمتصها النظام الاقتصادي المتكامل ، فلا تنخلق في داخله أزمةٌ تفرض نفسها على حياة الإنسان كلها .
أما نوعٌ من السرقة والتخلّف فهو سرقة نظام وتخلّف نظام ، هناك نوعٌ اقتصادي كامل ومتكامل يمكن أن تحدث في إطاره تخلفات وتجاوزات ، وحتى في ظل حكومة المعصوم عليه السلام ، لأن المعصوم هو الإمام وليس كل الناس ، الذين يطبّقون هذا النظام ..
أما النظام الآخر النظام الرأسمالي ، النظام الاشتراكي ، فالسرقة تنبع من نفس النظام ، التخلّف هو تخلّف نظام ، الغصب والاختلاس ، هو غصبٌ واختلاسٌ من النظام نفسه ، النظام نفسه يقود حركة الاقتصاد ، إلى أن تكون الكلمة واليد المستحوذة عليها ، هي يد الأغنياء ، التخطيط الاقتصادي أصلاً قائمٌ على أن يجمّع الثروة في جلّها بيد فئةٍ قليلة ، فهنا الحاصل ليس تخلفات وتجاوزات في إطار تطبيق النظام ، إنما هو تخلّف النظام نفسه ، إنما هي مشكلة النظام نفسه ، الناس يسرق للأغيناء ، النظام يغصب للأغنياء ، النظام يختلس للأغنياء ، فإذا أطلق الملكية وطُبّق الاقتصاد الحر الذي يضع حداً لتجاوز الغني ، ولقدرة رأس المال أن يتمدد على حساب الآخرين ، ومن غير خلقية من القيم والمشاعر النظيفة داخل النفس ومن غير هدف وراء هدف الحياة ، فهنا يستأسد الأغنياء تطول أنيابهم ، تطول أظفارهم ، تتقلم أظفار المساكين والفقراء إلى حد أن تتقرح أصابعهم ، هنا النظام نفسه يُحدُثُ أزمة ، يحدث مشكلة يعرقل مسار الحياة ..
أيضاً الفقراء في النظر فقراء على نوعين … الفقراء نوعان فقراء طبيعيون : هناك من الفقر ما هو طبيعي ، وهناك من الفقر ما هو مصطنع ، الفقر الطبيعي هو فقر فئةٍ يصيبها المرض ، الشيخوخة ، العوارض الأخرى ، أما الفقر المصطنع فهو النابع من مثل النظام الرأسمالي أو النظام الاشتراكي في المجال الاقتصادي ، ماذا يفعل هذا النظام ؟؟…هذا النظام إما أن يقتل دافع العمل فيهبط مستوى الثروة القومية بشكل عام وبشكل شامل فيكثر الفقر والطبقة الحاكمة ، طبقة العمال بل الفئة المتحكمة في فئة العمال وليس كل العمال هم اللذين يتحكمون في رأس المال وهم يمتلكون خزائنه ومفاتيحه ، أما بقية الشعوب بقية الأمة فإنها تأن تحت وطأة الفقر ، حين يقتل دافع العمل من خلال عدم الاعتراف بغريزة حب الملكية ودافعها ..
الرأس مالية حين تستغني بالآلة وتستورد الأيدي العاملة من الخارج في صورة رقيق بصورة مستحدثة فإنها تفرض فقراً اجتماعياً وتشل أيدياً عاملةً قادرة ، الأذرع المفتولة ، السوق القوية – من جمع ساق – كلها تتعطل ، كلها تركد كلها تسل عن العمل فهنا فقر وهذا الفقر ولّدهُ سوء النظام وتخلّف النظام ..
متى تكفي الزكاة والخمس كما في الأحاديث ؟
تكفي الزكاة والخمس في وسط نظام إسلامي مطبّقٍ بالدقةِ كما سبق وحينما لا يكون فقراءٌ إلا طبيعيين ، هذا الحدّ وُضعَ بما يكفي الفقراء الطبيعيين وليس الفقراء الاصطناعيين ، الخمس والزكاة لا يمكن أن ينهضا بمعيشة ملايين من الناس تتعطل عن العمل ، تتعطل عن العمل بسوء نظام أو بمحض إرادتها ، الاسترخاء الكسل الذي يفرض نوعاً من الفقر ، سوء النظام الذي يفرض نوعاً من الفقر ، لم يوضع في حساب الخمس والزكاة أن يسد الحاجة الذي تسببه مثل هذه الأسباب ، الخمس والزكاة وضع ليكفي حد الفقر الطبيعي ، وحين يُطبّق النظام الإسلامي على اليد العادلة ..
ونحتاج إلى أن نمر بنقطة مهمة عملية ، من ركائز نجاح النظام الإسلامي الاقتصادي ، وهو هذا الدافع الذي يخلقه الوعي الإيمان ، روح الإيمان ، تلمّظ الإيمان ، حساب الجنة في نفس الإنسان المسلم …
هذا الأمر الذي يدفعه إلى البذل بسخاء ، للعطاء لا ينتظر جزاءً هنا في الدنيا وإنما ينتظر ثواب الله سبحانه وتعالى ، ليست هناك شرطة للتفتيش في مسألة الزكاة وفي مسألة الخمس ، أنت موكولٌ لك أن تخرج الخمس تستطيع أن تغالط ، تستطيع أن تدعي أن لا مؤونة ، لا فاضل عن المؤونة ، ليس هناك من يلاحقك حتى في حكومة المعصوم عليه السلام ..
في الزكاة يستطيع المكلف أيضاً أن يتهرب من الزكاة بحيلة وأكثر من حيلة ، وبإنكار أن لديه النصاب ، ولكن ما هو القدر الذي كان يتخلف عن دفع الزكاة حين كانت التربية الإسلامية ؟؟ إنه الشيء الذي لا يُذكر …
أما الضرائب الرسمية التي تفرضها حكومات اليوم فإنها تدفع تحت طائلة العقاب ، تحت طائلة الإدانة العملية الصارخة المؤذية ، وإلا فلا دافع …
أقول : أنظر إلى هذا الدافع الذاتي في ذات الإنسان المسلم والذي يمثل رافداً من روافد النجاح الاقتصادي الإسلامي والنظام الإسلامي بكامله ، إن هذا الدافع لا زال يغذي الملايين من أبناء المسلمين …
الفقراء المسلمون ، في كل أرضٍ إسلامية ، يصلهم كم يصلهم من تبرعات المؤمنين ومن خيراتهم وصدقاتهم وزكواتهم وأخماسهم …؟؟ وكم يصلهم من ثروة النفط ؟؟!!!
إن النظم الاقتصادية المهترئة في البلاد الإسلامية عالةٌ في مساحةٍ كبيرة من الشعوب على دافعٍ واحدٍ من الدوافع التي خلقها الإسلام في نفس الإنسان المسلم والتي يتركز عليها نجاح النظام الاقتصادي في الإسلام.
اللهم إنا نسألك المغفرة والرحمة وأن تزيدنا هدى ، وتجعلنا اقرب للتقوى ، وترزقنا القربة والزلفى . اللهم واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات يا خير مسؤول وأكرم مقصود .
(((بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد )))

الخطبة الثانية

الحمد لله. نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله، ويملأ قدر آلائه وكبريائه،ويبلغ بنا إلى رضاه، ويشفع لنا برحمته عنده. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قاهر كل قاهر، جبار الجبابرة، لا راد لقضائه، ولامغير لقدره، ولامناهض لإرادته، يفعل ما يشاء وهو العزيز الحكيم. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما بدّل وما غيّر، وما نكص وما تراجع، وما قدّم وما أخّر،، فكان القرآن دليله، والوحي معلّمه وهاديه، ورضى الله غايته ومبتغاه، صلّى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الذي لاربّ لأحد من دونه، ولا نعمة بيد إلا من عنده، ولادافع لما قدّر، ولا مانع لما أراد. إن تتقوا الله تتحصنوا من الشيطان، وتنجوا من عذاب الحريق، وتفتحوا على أنفسكم أبواب الخير للدنيا والآخرة ” ومن يتقّ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب “،( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا )….”
” ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ” – الطلاق- 5،4،2.
اللهم صلّ وسلم على وليّك و حبيبك وخيرتك من خلقك، وخاتم رسلك الهادي الأمين محمد وآله الطيبين.
اللهم صلّ وسلم على أول الأئمة، القاسم بالسوية، السبّاق للإيمان، الثابت في الميدان علي بن أبي طالب، اللهم صلّ وسلم على زوجه البتول فاطمة الزهراء بنت الرسول، اللهم صلّ وسلم على نجليه الكريمين، والإمامين الزكيين الحسن و الحسين، اللهم صلّ وسلم على الأئمة من ذرية الحسين ،علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري أئمة المسلمين وأنوار الدنيا والدين.
اللهم صلّ وسلم على نور الإيمان، وترجمان القرآن، والمؤيد من الرحمن محمد بن الحسن المنتظر المقدام. اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه، وافتح له فتحا يسيرا، وانصره نصرا عزيزا ياقوي يا عزيز يا علي يا عظيم.
اللهم الموالي له والممهد لظهوره بالوقوف مع الحق والدعوة إليه والتمكين له أيّده وانصره وادفع عنه يا من هو على كل شئ قدير. ومن بعّد عنه فباعد بينه وبين ما يريده من سوء بالمؤمنين.
أيها المؤمنون والمؤمنات نقف عند -القضايا الآتية- مما يتصل بالشأن العالمي والإسلامي والمحلي ومن الله التوفيق و التسديد.
أحداث أمريكا:
1- ما يتمناه الإنسان المسلم للناس جميعا هو الهدى، والتمتّع بالعدل، والأمن والسلام، وارتفاع كل أسباب الرعب الهلع في الأرض، وتلاشي ظاهرة الإرهاب سواء كان من مستوى الفعل الابتدائي، أو رد الفعل. ويستحيل أن يتحقق هذا بلا عودة إلى قيم السماء، والكفّ من شياطين العالم عن تدمير إنسانية الإنسان، ومحاولات مسخ الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
2- إنّ هناك خلفية موضوعية تقف دائما وراء الإسراع بتوجيه إصبع الاتهام إلى المسلمين والعرب عند أيّ حدث تدميري في أمريكا أو الغرب عموما، وليست هذه الخلفية إلا الجور الواقع على المتهم من قبل أمريكا والغرب بما لا يكاد يوجد مثيل له اليوم في العالم، مما يجعلهم ولأول وهلة من الحدث يسيئون الظن في الفريسة لأنهم يتوقعون منه دائما رد فعل من جنس ما يمارسونه في حقه. وهذا أمر ينبغي أن يدفع جميع العالم في اتجاه خط العدل الإلهي والإنصاف والقيم العالية، واحترام الإنسان لأخيه الإنسان.
3- هل سيلتفت العالم إلى استغلال الصهاينة فرصة غليان الشارع الأمريكي والأوربي بتوجيه مزيد من الرعب والموت والدمار والسحق، والتلذذ بتعذيب الفلسطينيين؟! و هل الدعوة إلى تحالف عالمي ضد الإرهاب يشمل إرهاب الدولة المقنن، وفي مقدمته إرهاب إسرائيل؟ وهل يشمل إرهاب الدول الكبيرة للدول الصغيرة والمستضعفة ؟! وهل يشمل إرهاب الدول لشعوبها؟!
4- ظهر واضحا من أحداث أمريكا أن أمن العالم لا يمكن أن يكون من نصيب الكبار فقط، وإنما هو أمن واحد إما أن يتمتع به الجميع أو يخسره الجميع. ولكن عالم اليوم لا يتعلم الدروس، ويواصل درب الخطأ. وهذا صادق على مستوى العالم بما هو كل، وبما هو بلد ، فإنّ أمن العالم كله هو أمن واحد وإن أمن البلد الواحد أيضا هو أمن واحد لا يمكن أن يتجزأ، فهل لكل الكبار في الدنيا، وهل لكل الحكومات في الدنيا أن تتعلم هذا الدرس الضخم لتستريح وتريح؟.
5- سمعنا من أصحاب الكراسي ومتسلطي العالم في هذه الأحداث كلمات ترفض الوحشية، والقسوة و الظلم، وربما تسمع الشجب لسقوط القيم، وتردي الضمير، في حين أن السياسة العالمية، والتربية العالمية تتجه لمسخ القيم وإسقاطها، وتقديس سياسة الظفر والناب، ومحاربة المعنويات الروحية، وتأجيج دوافع المادة والشهوة، وإن في ذلك لحجة على ضلال الحضارة المادية. حيث تشعر بالضرورة بالحاجة إلى القيم في وقت أن تشتد الأزمات، في وقت أن تلم بها المشكلات في وقت أن يصيبها الظلم في وقت أن تحس بألم الجور، حينئذ ماذا؟ تجأر وبكل قوة تنادي بالعدل وتنعى العدل في الدنيا وتدين الآخرين الذين ترميهم بالخروج على العدل، وهي تحفر قبرها بيدها كلما ابتعدت عن القيم الروحية، ومعطيات الفطرة.
6- إننا نألم أن تنصب جهود الإنسانية على بناء حضارة مادية تتميز بناطحات السحاب و الصواريخ العملاقة والصناعة الضخمة والعمران المادي المحكم على أساس من ملح أو كف عفريت يتمثل في القيم المادية من شره وحرص وعدوانية وتهارش على متاع الدنيا وإن قلّ لتنهدم هذه الحضارة على رؤوس الناس في كل مكان، ويتبخر وجودهم ووجود سعادتهم الموهومة في لحظة… وقد تحدثت الأحداث المروعة في أمريكا بذلك لأنها ومهما يكن الفعل من صنع ظالم ربته هذه الحضارة على الظلم، أو من صنع مظلوم دفعته هذه الحضارة بما مسته من ضرها إلى ذلك فهو جريمة هذه الحضارة نفسها وقيمها المهترئة. من فعل هذا؟ بمن تعلقت الإجابة؟ ومن كان الفاعل؟ فهو جرم هذه الحضارة، لأنه إما ظالم والحضارة تدفع إلى الظلم،وتزين الظلم، وتقوم على النهب والغصب،وإما أن يكون هذا مظلوما محترق الفؤاد فقد أعصابه،إذا أرادوا أن يقولوا بأنه قد فقد أعصابه، فليقولوا بأنه قد فقد أعصابه، لكن هذا رد فعل، رد الفعل بسبب ماذا؟ ومن أي أخلاقية انطلق؟ رد الفعل بهذه القوة، انطلق من الظلم،انطلق ردة فعل على الظلم، فلماذا لا نحاسب الظالم ابتداءً؟ ولماذا نحاسب المظلوم في ردة فعله القاسية قبل أن نحاسب الظالم نفسه؟.
7- هذا الحدث الذي عبّر عنه حتّى الفراعنة في العالم بأنه حدث مهول مرعب مروّع ومأساوي إنما هو حدث صغير ضئيل لا وزن له و إن حطّم ما هو من أعتى ما بنى الإنسان، وأقوى قلاعه وحصونه وأبرز مظاهر فنه وعمارته وغروره. إذ ماذا يساوي هذا من الزلزال الأرضي العام الشامل؟ ” إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان مالها؟” أين العقول؟ أين الأفئدة؟ أرأيتم كيف يتبخر ما بنى الإنسان؟ كيف تنهد الحضارة العملاقة؟ كيف تتبعثر أقوى البنايات؟ كيف يذهب علم الإنسان، خبرة الإنسان، فن الإنسان، كيف يعصف به قدر الله؟ ألا من حساب؟ هنا ينبغي أن لا نقف مع ما يبني الإنسان، ألا نقف مع علم الإنسان، مع فن الإنسان، مع خبرة الإنسان، فلننطلق دائما بعقولنا، بمشاعرنا، بأفئدتنا، بأرواحنا إلى الله القوي العزيز. وأين يقع من هذه الصورة؟ ” فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكّتا دكّة واحدة” أو من هذا المشهد ” إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت. وإذا البحار فجّرت. وإذا القبور بعثرت.” الكون هذا يتبعثر، الأرض هذه، هي الأرض التي تحمل حضارة الإنسان، تتحول إلى لا شئ، جبالنا تتحول إلى قطن منفوش، تتطاير الجبال الراسيات الشامخات.
الإنسان يبني الأبراج القلاع وناطحات السحاب والملاجئ ويقيم الصناعة والزراعة بوهم أنها تحميه وتضمن له البقاء و الأمن. ولكن الأرض التي تحمل كل حضارته سيأتي عليه زلزال لا يبقي ولا يذر، وستدك دكةً واحدة وكفى، وجبالها الراسيات تدك معها” وحملت الأرض و الجبال فدكتا دكة واحدة” وكأنها الريشة، وهذه الجبال الشامخات المتجذرات ماذا تكون أيضا؟ ” ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا، إذا رجت الأرض رجا، وبست الجبال بسا، يوم تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، وسيرت الجبال فكانت سرابا” ياويل الإنسان الذي يبحث عن حمى يحتمي به من قدر ربه، يوم يأتي أمر ربك لا حامي ولا عاصم من دونه قل ” قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين” 43 هود، أي جبل يحمي من قدر الله؟! أي برج يحمي من قدر الله؟! أي قلعة تحمي من قدر الله؟! أي ملجأ يحمي من قدر الله؟! قدر الله يقوم به كل شئ، وهو الذي يهدم كل شئ، سبحانه وتعالى ربنا هو القادر على كل شئ وكل شئ من دونه مقهور لقدرته.
نعم سيذهب كل ما يبنيه الإنسان على الأرض، وستفلت من يده كل مكاسبه، وتكون قيمته في نفسهم لا في ما بنى وأشاد فإما أن يخرج من هذه الحياة نورا مشعا، أو طينا ساقطا وشيئا مهينا. لم يبق لك بيتك لم تبق لك حقولك لم تبق لك قلاعك لم يبق شئ مما يبنيه الفراعنة لم تبقى حضارة مهما شمخت ومهما امتدت، الأرض التي تحمل الحضارة سيهب بها إعصار القدر ليحولها إلى عبرة، لكن يوم لا قيمة للاعتبار. وسيفلت من يده كل ما أراد أن يحتمي به نحن نحاول أن نحتمي من خلال رصيد في المصرف، من خلال بيت نؤسسه تأسيسا مكينا، من خلال شد العلائق الاجتماعية والبحث عن رصيد اجتماعي، من حلال العشائر، من خلال الجاه، لكن كل هذه القلاع وهمية، لكن كل هذه الحصون واهية، لا حصن إلا حصن الله. ويجد في كنفه الراحة والأمان ولا يبقى إلا الاحتماء بالله لمن وثق صلته به سبحانه وتعالى.
أكتفي بهذا المقدار وغفر الله لي ولكم والسلام على عباد الله الصالحين،اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. وأرنا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه يا كريم يا رحيم.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأرنا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه يا كريم يا رحيم.

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى