خطبة الجمعة (20) 27 جمادى الأولى 1422هـ – 17-8-2001 م

مواضيع الخطبة:

التصور الإسلامي للمال (1) –
أزمة الحضارة – دائرة الأوقاف والولاية على المسجد

الذي يقال لأنظمة الحكم ,اتركوا لجماهير الأمة أن تعبر عن ذاتها , اتركوا لها أن تنموا , اتركوا لها أن تبدع, لا تقطعوا عليها الطريق إلى الله , إلى العزة و الكرامة, إلى النصر الساحق

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أقام النظام بالدقة البالغة ، وشرّع الأحكام بالحكمة التامة ، فما كان في النظام من خلل ، وما كان في الشريعة من خطل . أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان في الناس نوراً ولم يزل ، ولسان حقٍ ناطقٍ لم يعرف الكلل ، ولا زال بالحق ناطقاً وعلى الخير دليلا ، وللهدى قائداً . اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمدٍ وآله الذين انتجبتهم للهداية ، وجعلت لهم على عبادك الوصاية .
عباد الله – ولنذكر أننا عباد الله – عباد الله اتقوا الله وأمضوا العمر في طاعته تبلغوا رضاه ، وما من ثمرةٍ للحياة كثمرة رضوانه ، وما من عاقبةٍ ترجى لهذه الدنيا كعاقبة جنانه ، فغداً تتبعثر كل بٌنى الدنيا ، وتنهدمُ عمارتها وتبدل الأرض دكاً ، وتتحول الراسيات فيها هباء ، فلا يبقى بيدٍ مما جنته في الدنيا للدنيا باقيةً من خير أبداً ، وما كسبته يدٌ مما يغضب الله سبحانه وتعالى ستلقاه شر العواقب
اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونسترشدك ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، و من غرور الدنيا ووسوسة النفس وكيد الشيطان الرجيم وجمعه الغاوين .
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فإن الإسلام العظيم وقد جاء لمعالجة المشكلات الحياة وتربية الإنسان التربية الكاملة الرشيدة لا يسعه أن يهمل أي مشكلة من المشكلات التي تعترض السير التكاملي لمجتمع الإنسان وأفراده ، وفي الطليعة من المشاكل التي تحوّل حياة الإنسان عن مسارها الصحيح وتستهلكه في بوتقة الدنيا وتحطّم إنسانيته المشكلة الاقتصادية التي تقسم الناس في الغالب إلى غنّي متبذخٍ مستكثرٍ متطاولٍ بأمواله مستهلكٍ لها ، ساقطٍ ضحية في جسمه وروحه وإنسانيته لبريقها ، وفقيرٍ منسحقٍ يستذله فقره ويوهنه عظمه ، ويٌسقط إنسانيته ، ويهدر كرامته ويقتل مواهبه وإبداعاته .
وتقوم المشكلة الاقتصادية على نظامٍ اقتصادي يصنعه الأقوياء ، ويسمح بسرقة القوي مال الضعيف ، ومحاصرته بشبكةٍ من القوانين التي تكبلّهٌ دون بناء نفسه ، وتبقيه دائماً ضعيفاً إلا في مقدار من قوته العضلية مما هو ضروري لتمشية سياسة الغني وخدمة مصالحه الاقتصادية ، وذلك في الوظيفة التي تتطلب جهداً عضلياً لا تمتلك توظيفه في المكان المناسب ثيرانٌ ولا آلة .
الإسلام وهو يريد أن يحافظ على إنسانية الإنسان وينميها ويزكيها لا يمكن له على عدله وحكمته أن يتفرج على مشكلة هذا الانقسام الخطير في مجتمع الإنسان إلى غنيٍ يفسده غناه المسروقُ من جهد الآخرين وحصصهم في المال العام ، وإلى فقيرٍ يذلهُ فقره ويُزريه بذهاب حقه في جيوب الآخرين الذين ينصبون من أنفسهم آلهةً زائفةً له ، وموقف الإسلام من المشكلة الاقتصادية كأي مشكلة أخرى تؤثر سلباً على هناءة الحياة عند الإنسان وتحوّلها عن مسارها الصحيح ليس موقفاً سطحيّاً ومعالجته لمختلف المشاكل ليس معالجةً انفعالية . وإنما تأتي هذه المعالجات أنظمة تفصيلية دقيقة تتناسق وتتكامل في صورة منظومة متناغمة ومتلاقية على هدف واحد كبير هو صناعة الإنسان ، وتزكية الحياة ، والأخذ بهما في معراج الكمال الإلهي الذي لا ينقطع . وليس المطروح في خطبةٍ ولا كتابٍ واحد وحتى لأكبر المختصين من فقيهٍ منظّرٍ حاذق ، واقتصاديٍ إسلامي بارع النظام الاقتصادي الإسلامي المتكامل ، فهو جهد يحتاج إلى كثير من المختصين المتضلعين في الفقه والاقتصاد ممن لهم صبرٌ طويل على البحث ورؤية ثاقبةٍ وتقوى من الله العظيم .
المطروح هنا وربما يأتي الحديث متتابعاً في الناحية الاقتصادية رؤىً من رؤى الإسلام وتعاليمٌ من تعاليمه في هذا المجال للإشعار فقط بأهمية الموضوع في الإسلام وأنه دين الدنيا والآخرة ، والبدن والروح ولتوجيه نظر الجيل المؤمن إلى بعض الكنوز الإسلامية التي يسعه أن يستنجد بها لحل مشكلات الأمة بل وسكان المعمورة كلها .
وليكن المحور الأول لهذا الحديث المتتابع – إنشاء الله – هو التصور الإسلامي للمال :
أطرح سؤالاً هو :
1- المال كل المال لمن ؟
أ – الآيات الكريمة : (( لله ما في السماوات وما في الأرض )) 284 البقرة ، وتأتي آيات بإضافة الواو لتكون المقطع القرآني : (( ولله ما في السماوات وما في الأرض )) وهذا التعبير وارد بصورة متكررة في القرآن الكريم ..فما من شيء في السماوات والأرض إلا له فلا يفكرن أمرؤ بأنه يملك المال الذي بيده .
(( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم )) 33 النور / إنه مال الله ..
(( آمنوا بالله ورسوله ، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ))7 الحديد / فأنت تتصرف في المال عن طريق الاستخلاف بالوكالة ، فالمال كله مال الله سبحانه وتعالى .
عن الإمام الصادق عليه السلام (( المال مال الله جعله ودائع عند خلقه )) عن المستدرك 423/2 ../ أرأيت أن صاحبك يضع عندك وديعة لا يصح أن تتصرف فيها إلا بهذا الإذن وفي حدود هذا الإذن .
(( ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض )) 66 يونس / من يتصور من نفسه أنه يملك المال ، هو أيضاً مملوكٌ لله سبحانه وتعالى إضافةً إلى ماله …
هذه مجموعةُ من النصوص مجموعةٌ أخرى تقول :
ب – (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام )) 5 سبأ / هناك المال مسندٌ إلى الله سبحانه وتعالى ، في هذه الطائفة الثانية المال يسند إلى الناس (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام )) لكن المال إذا كان مالي فكيف لله عز وجل أن يضع قيوداً على تصرفي في هذا المال ؟؟ … الآية الكريمة وهي تتحدث عن هذا المال وكأنه مال المخاطَب فكأنها تعطي التصرّف فيه لله سبحانه وتعالى فهو الذي يحدد هذا التصرف .. (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام )) .. وهذا ما يأتي تفسيره ..
(( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اله لكم قياماً )) 5 النساء /هي أموالكم من جهة ومن جهة أخرى من أن تؤتوا هذه الأموال السفهاء والسفيه شخصاً وقد يكون مؤسسةً وقد يكون دولة وقد يكون مديراً مالياً أو وزير اقتصاد أو رئيس مؤسسة تجارية ، إذا كان من الممنوع أن يعطى المال حتى بمقدار عشرة دنانير لشخصٍ اكتسبه بعرق جبينه ، إذا كان هذا المقدار من المال الذي اكتسبه الشخص بعرق جبينه قد يحجّر عليه فيه فكيف بالمال العام يُعطى لسفيهٍ من السفهاء ، فالآية الكريمة إذن وهي تخاطبنا بألاّ نؤتي السفهاء المال ، أكبر مصداق لما هو المنهي عنه في هذه الآية الكريمة لا يبعد أن يكون هو المال العام …
(( لتبلوّن في أموالكم وأنفسكم ))186 آل عمران / على كل حال هذه النصوص تسند الأموال إلى الناس ..
(( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )) 111 التوبة / يترقى النص القرآني عن إسناد الأموال إلى الناس إلى أن يدخل الله تبارك وتعالى وجلّ وتقدّس في معاملة مع هذا العبد المملوك له حين يبذل هذا العبد من ماله في المصارف والوجوه التي أمر الله سبحانه وتعالى وندب إليها ، تجارة بين الله وبين العبد يضمن الله للعبد إذا أعطى من هذا المال أن يعطيه الجنة وكأن المال ملك خالصٌ للعبد حين يعطيه الله سبحانه وتعالى يستحق على الله الجنة .
جـ – طائفةٌ أخرى وهي تجمع بين الطائفتين السابقتين :
(( قلت يا أبا عبد الله ما حقيقة العبودية ؟؟ قال : ثلاثة أشياء : أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً ، لأن العبيد لا يكون لهم ملك ، يرون المال مال اله )) البحار225/ 1 عن خط شيخنا بهاء الدين العاملي كما قال الحياة ج3ص63
تخويل.. إعطاء إذن بالتصرف وليس ملكاً ، فالملك الذي تعبّر عنه الآيات هناك وتسند المال إلى العبد إنما هو ملك مجازي ، مرة حصرت الملك في الله ثم وصفت العبد بأنه مالكٌ للمال كيف نجمع بين الطائفتين ؟؟ التعبير الأول محمولٌ على الحقيقة أي الملكية الحقيقة للمال هي ثابتةٌ لله وحده وليس لله شريكٌ في ذلك . أما الملكية المسندة إلى العبيد فهي ملكيةٌ مجازيةٌ تسامحيه .. تعبيرٌ مجازي تعبيرٌ تسامحي ..
((.. ما حقيقة العبودية ؟؟ قال : ثلاثة أشياء : أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً ….)) لأن العبيد لا يكون لهم ملك لأن العبيد لا يكون لهم ملك …(( .. يرون المال مال الله )) إخلاصك للعبودية لله سبحانه وتعالى منه أن ترى المال الذي بيدك مال الله سبحانه وتعالى .
عن الرضا عليه السلام (( … وكان ما في أيدي الناس عواري – جمع عارية – وإنهم مالكون مجازاً لا حقيقة له .. )) المستدرك 552/1 .
عن النبي صلى لله عليه وآله وسلم في ما جاءت به الرواية عنه صلى الله عليه وآله (( يأتي على الناس زمانٌ يشكون فيه ربهم ..يقول الرجل والله ما ربحت شيئاً منذ كذا وكذا ، ولا آكل ولا أشرب إلا من رأس مالي ، ويحك وهل أصل مالك وذروته ، إلا من ربك )) الوسائل 34/ج12.
ألك مال ؟ من أولك إلى آخرك أنت مملوك لله سبحانه وتعالى ، وربما ذهب وهمٌ إلى أن الناتج الصناعي هو من إنتاج الإنسان ، ما من ذرة في السماوات والأرض إلا لله سبحانه وتعالى لا ذرة ولا جزيء من ذره يمكن أن تخلقه القدرة البشرية فالتصرف كله في ملك الله . الإنسان له يستحدث الهيئة ولا يستحدث المادة ، هيئة الأشياء يستحدثها كيفتها يستحدثها ثم إذا ما استحدث الهيئة يستحدثها بماذا ؟؟ بقوانين من عنده ؟؟ أو بقوانين من الله ؟ يستحدثها بعقلٍ من عنده أو بعقلٍ هبةٍ من الله ؟؟ فما من شيء إلا هو من الله سبحانه وتعالى .
هذا أصلٌ يقرر الإسلام بهذا الصدد ليقوم عليه بناءٌ اقتصاديٌ سامق ربما أتى الكلام عليه في أحاديث أخرى ..
د – النتيجة المترتبة على ذلك :
إذا كان المال مال الله وكان المال عواري وودائع في أيدي وليس لهم منه شيء إنما هو باقٍ على ملكية الأصل والحق وهو الله سبحانه وتعالى .. وأزيدكم أيها الأخوة أن بقاء المال مالاً ، أن بقاء الشيء شيئاً ، أن بقاء ثوبك ، بقاء بيتك ، بقاء مصانعك ، بقاء مزارعك ، هو بقاءٌ بإذن الله سبحانه وتعالى ، فليس أن هذا المال خُلق مرةً واحدة وانتهى خلقهٌ ، إنما خلق هذا المال خلقٌ متجددٌ متدفق دائم ، ولو انقطع مدد الله عن هذا المال وعن مالك المال لحظة لكان العدم الصرف ..فأين ملكية الإنسان ؟؟
نعم تترتب هنا نتائج :
في الحديث : (( يضعونه حيث أمر الله به )) كونه أن المال مال الله وأن المالك هو الله لهذا المال ماذا يفرض ؟ يفرض أن ل يتصرف أمرؤ في هذا المال إلا بما يأمره الله سبحانه وتعالى (( يضعونه حيث أمر الله به )) حيث أمرك المالك تأتمر في هذا المال ، حيث نهاك تنتهي ..
الإمام الصادق عليه السلام (( اجعل مالك كعارية تردها )) 244مشكاة الأنوار / ونحن في العارية نردها كعينها إلى صاحبها ، أما في عواري الله في أيدي الخلق فكيف نردها إلى الله ؟؟
ترد إلى الله في بناء عقلي يرد إلى الله ، في بناءٍ روحي يرضاه الله في إقامة العدل حكومة العدل والإحسان ، في تطبيق كلمة الله في الأرض في أن تبنى الأبدان من أجل العبادة ، في أن تبنى العقول من أجل الهداية ، في ، يصرف المال من أجل بناء الإنسان وبناء ما حول الإنسان ، بهذا يكون رد العارية إلى الله سبحانه وتعالى ..
(( إنما أعطاكم هذه الفضول من الأموال لتوجهوها حيث وجهها ، ولم يعطكموها لتكنزوها )) الكافي 42/2 .. هذا أمر آخر ، الأمر الأول أن يكون الإنفاق بإذنه وليس كما أشاء ، الأمر الثاني هو أن لا تعطل هذه الأموال وإنما تحرك الثروة العامة للنماء ، لئلا أن يركد الاقتصاد وفي تجميد الأموال ركود الاقتصاد ، المالك يقول ولأنه مالك يقول ليس لكم الحق في أن تعطلوا دور هذه العواري هذه العواري لها دورٌ ضخمٌ كبير يتصل بخلافة الإنسان الكبرى ، هذا المال لم يعطى اعتباطاً إنما أعطى من أجل دوره المهم الضروري في بناء الحياة والإنسان .
كيف يكون الإنتاج ؟ كيف يكون التوزيع ؟ كيف يكون الاستيراد ؟ كيف يكون الإنفاق ؟ كيف يكون إنشاء المؤسسات الاقتصادية هذا كله راجعٌ إلى إذن المالك الحق فلا يأتي شيء من هذا إلا طبق إذنه وفي حدود إذنه ، ليس لنا ننتج كل شيء ، ليس لنا أن نستورد كل شيء ، ليس لنا أن نخترع التوزيع من عندنا ، إنما التوزيع على مستوى الثروة الأولية ، وعلى مستوى الناتج النهائي راجعٌ إلى الله سبحانه وتعالى .. استيرادنا تأسيسنا لمؤسساتنا الاقتصادية ، النظام الاقتصادي الذي نختاره ، إنما هو نظامٌ اقتصاديٌ يرتبط بالمال المملوك لله ، فلا بد أن يؤخذ هذا النظام الاقتصادي من الله سبحانه وتعالى .اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وأرنا إياك ربنا الذي لا شريك له ولا مثيل ، وأرنا أنفسنا عبيدك الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً وحياةً ولا نشوراً ، واجعلنا لا نلجأ إلى سواك ولا نطلب الخير إلا من عندك ، والهدى والرشد إلا من فضلك ، ولا تقدم على دينك دنيا ، ولا نبتغي عن شريعتك بدلا يا أكرم من كل كريم ويا ارحم الراحمين ..
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

الخطبة الثانية

الحمد لله العدل الحكيم , العزيز الرحيم , يهدي من يشاء , و يضل من يشاء , و هو العليم الحكيم , أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , و لا معقب لأمره . إنما الهدى من عنده , و النور من فيضه , و المعرفة من فضله . و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله , لا نجاة إلا باتباعه , و لا خروج للعالم من الشقاء إلا بالاهتداء بهديه , و الأخذ بشريعته , صلى الله عليه و آله الطيبين الطاهرين , الهادين المهديين .
عباد الله أوصيكم و نفسي بتقوى الله الذي لا مرجع إلا إليه , و لا يفر من عقوبته الظالمون , و لا يفلت من أخذه العاصون , و لا شفيع لأحد عنده إلا بإذنه , فالشفيع في الأصل رحمته , و النجاة في الحق بكرمه و عفوه .
اللهم صل و سلم على البشير النذير و السراج المنير محمد بن عبد الله (ص) , اللهم صل و سلم على محمد و آل محمد , اللهم صل و سلم على وليك و وصيي رسولك , و الصراط القويم علي أمير المؤمنين اللهم صل و سلم عليه , اللهم صل و سلم على تلميذة مدرسة الوحي , و ربيبة بيت الرسالة , و الواسطة بين نور النبوة و الإمامة , الزاخرة بالإيمان , المفعمة بالتقوى , أمتك المهدية فاطمة الزهراء اللهم صل و سلم عليها و على أبيها و بعلها و بنيها . اللهم صل و سلم على الممتحنين الصابرين , المجاهدين الصادقين , الوليين الطاهرين الحسن بن علي المجتبى و أخيه الحسين الشهيد بكر بلاء اللهم صل و سلم عليهما .
اللهم صل و سلم على أئمة الهدى , و مصابيح الدجى , و الحجج على أهل الدنيا علي بن الحسين زين العابدين , و محمد بن علي الباقر , و جعفر بن محمد الصادق , و موسى بن جعفر الكاظم , و علي بن موسى الرضا , و محمد بن علي الجواد , و علي بن محمد الهادي , و الحسن بن علي العسكري , النجباء اللهم صل و سلم عليهم أجمعين .
اللهم صل و سلم على من طال انتظاره , و تعلق الشوق بأنواره , و تزدهر حياة الإيمان بظهوره , مجلي المحن , محمد بن المهدي بن الحسن , اللهم صل و سلم عليه و عجل فرجه و سهل مخرجه يا كريم .
اللهم عجل فرجه , و سهل مخرجه , و اجعلنا من أهل نصرته , و المشاركين في بناء دولته , اللهم من سعى سعيه , و دعا دعوته , و مهد بالحق لظهوره , فأيده و انصره و رد عنه كيد الأعداء , و بغي الظالمين .
اللهم يا من لا غنى عن عفوه و مغفرته , اعف عنا , و اغفر لنا , و تب علينا , إنك أنت التواب الرحيم . اللهم ارزقنا إخلاص النية , و سلامة الضمير , و طهر السريرة , و رشد القول و العمل , و حكمة الحركة و السكون , و الصبر على ما ابتليتنا به , و عافية الدين و الدنيا معًا يا كريم .
الأخوة المؤمنون و الأخوات المؤمنات : أطرح هذا السؤال : أين تكمن أزمة الحضارة بسياستها و اقتصادها و اجتماعها و تربيتها و كل نواحيها , و من أين يبدأ حل هذه الأزمة ؟ و لأدخل في الإجابة على هذا السؤال واضعًا لها في عدد من النقاط :
1 . الكثير من أهل الأرض يتطلعون إلى العدل و الأخوة الصادقة , يتطلعون للرفعة و التقدم , يتطلعون للأمن و الاستقرار و السلام . و إنسان الأرض و لو كان مخلصًا غير مؤهل إنتاج الأطروحة الشاملة التي تضع حياة الإنسان على الطريق الذي يحقق طموحات الإنسانية وأشواقها وتكاملها . ذلك لان هذا الإنسان مبتلى بالمحدودية والأنانية ، ومأسور في نظرته لضغط الواقع الآني ولمخلفات ماضيه المتسمة بالقصور ولرواسب أزماته الفكرية والنفسية والعملية ومحكوم لدوافع وغرائز مادية تحجبه عن الرؤية، وتحول بينه وبين الحق والحقيقة .
2. لو أمكن للإنسان المحدود جدلاً وهو غير ممكن أن يصوغ الاطروحة الناجحة الكاملة التي تحرك الحياة وتثريها ، وتتقدم بها مستمراً على خط العدل والأمن والمحبة والسلام والرقي والتكامل والانسجام بين أبعاد وجوده الكبير، لو أمكن له ذلك ، فلن يجد أن يعطي لهذه الأطروحة نجاحها المطلوب وديمومة الدفع والتحريك الصاعد بالإنسان بعيداً عن خط الله والعبودية لوجهه الكريم. وعليه فكل الصيغ والأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية المنحدرة عن خط الله لا يمكن أن ترقى لمستوى الحل الناجح لمشكلة الإنسان وتدارك نواقص الحضارة المنتجة على يديه ثم أنها لا يمكن أن تكون لها القدرة على الدفع والتحريك على الخط الصاعد في مختلف أبعاد هذه الحضارة . في ظل هذه الصيغ المخترعة على يد الإنسان غير القادرة على التغلغل إلى أعماقه واستقطاب أجياله إلا على مدى محدود ومن خلال بقاء الباب مفتوحاً داخل النفس البشرية على أخلاقية الاستكبار والاستضعاف والاستغلال والاستحمار يمكن تحويل أي اطروحة تتوفر على النجاح نظرياً بأي نسبة من النسب إلى شعار مفرغ من محتواه على المستوى العملي والى آلية من آليات المخادعة البشعة واستغفال الجماهير العريضة .
3. تفسير ما تقدم أن الإنسان مركب من قبضة من طين وهي درجة متدنية من بين مراتب الوجود ، ونفخة من روح الله وهي مرتبة وجودية عالية من مضمونها إدراك الحق واستذواق الجمال المعنوي من علم وعدل واحسان ورحمة وتسامح إلى آخره ، وشوق دائماً إلى المطلق من هذا الجمال. والجانب الطيني في النفس البشرية جانب حي قوي دافع يبحث عن بقاء الجسد ولذائذه ومشتهياته والجمع والاستكثار من أجله والتمدد في الثروة والقوة والسيطرة على حساب الآخرين لمتعته وضمان استمراره ويرتبط به الغرور والبطش وقهر الآخرين والتمرد على القيم والقوانين ما أمكن حماية لمصلحة الذات واستمتاعاتها المادية المتنوعة . فإذا انطلق الجانب المادي في ذات الإنسان انطلق بطاشاً مكتسحاً للقيم والأخلاق والأعراف ومصلحة الشعب والوطن والأمة إرواء لنهم بهيمي لا يرتوي عند حد . فإذا لم تكن قوة في داخل الإنسان لها من الحضور والشدة والفاعلية ما يمكنها من ضبط شهوات الطين ودوافع المادة فيه وربطها بمحور القيم المعنوية فكل اطروحات الإصلاح ومحاولاته ستواجه بالنسف والاجتثاث من دوافع الطين عند الأقوى . إن اقدر نظام على الإصلاح مطلقاً وهو الإسلام لو أريد تطبيقه مفصولاً عن انفتاح النفس البشرية بجانبها الروحي على الله وتقديسه وتوقيره وخوفه ورجائه لم يستطع أن يحقق أهدافه المرجوة ولاستعمل شعاراً للاستقلال فقط ، هذا فضلاً عن المحاولات الأرضية في هذا المجال وبهذا نعرف أن مشكلات المجتمع البشري الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها والتمزقات الخطيرة والنكسات المفجعة التي يعاني منها هذا المجتمع تكمن في الإنسان نفسه وسيطرة الجانب الحيواني من محتواه على داخله ولا نهاية لهذه المشكلات الإنسانية إلا أن يصحح الموقف الداخلي عند الإنسان ويكون اتخاذ القرار قائماً على قاعدة الفكر القويم والقيم الرفيعة والإحساس بالمسؤولية الكبرى ولا يتم له ذلك أبداً وبشكل مستمر إلا بالإنشداد إلى الله وعشقه أو خوفه ورجائه . لا يمكن لأي أطروحة إصلاحية و لا يمكن للإنسان على خط أي اطروحة من هذه الأطروحات أن يبلغ النجاح و يحقق الطموحات المرجوة له , تلك الطموحات الخيرة حتى يتحقق النجاح في جهاد النفس , جهاد النفس الذي عدّه رسول الله (ص) هو الجهاد الأكبر , فإن جهاد النفس هو الذي يؤسلم داخل الإنسان لتتأسلم الحياة في الخارج و يقضي على الظلم دون أن يستبدل إلى ظلم غيره و ظالمين آخرين جدد , و هنا قضايا لا تتجاوز :
و قع بيدي من أحد الأخوة العلماء بيان لدائرة الأوقاف الجعفرية , منسوب للدائرة و ليس موقعًا من قبلها , هذا البيان لا يتمشى مطلقًا مع الحكم الشرعي , و يصادر كل فرصة للانفتاح و لحرية الكلمة الدينية في أقدس مؤسسة دينية و أكثر مؤسسات الدينية أصالة و هي المسجد , البيان يمنع على المؤمنين إقامة أي احتفال و لو ديني , إذا لم يوافق خادم المسجد , موظف المسجد , و ترك الصلاحيات لموظف المسجد , صلاحيات دائرة أمن , أو صلاحيات وزارة من وزارات الدولة , و غريب كل الغرابة , المسجد يفتح ساعتين فقط , تبدأ من الأذان و بتمام الساعتين يغلق الباب , تغلق الكهرباء كل المرافق التي تتصل بالمسجد , هناك أكثر من بند و كل هذه البنود تصب في صالح تحجيم أو محاصرة الكلمة الدينية و ربطها بإجازة دائرة الأوقاف بل بإجازة موظف دائرة الأوقاف في المسجد , و تعرفون أن هناك فرقًا كبيرًا بين الولي على المسجد وبين موظف دائرة الأوقاف في المسجد , موظف دائرة الأوقاف بالمسجد من شأنه أن ينظف المسجد أن يغلق باب المسجد أن يراعي نظافة المسجد و ما إلى ذلك , و ليست له ولاية في مال المسجد و مصالحه , هذا الموظف العادي يقام وزارة أو يقام دائرة أمن صارمة حاسمة القرار من قبل دائرة الأوقاف الجعفرية إذا كان هذا البيان حقًا صادر من دائرة الأوقاف الجعفرية , فهو منكر بوضوح .
تتوقعون كلمة عن الواقع الفلسطيني و عن إسرائيل و أصبحت الكلمة سمجة لتكرارها فما ندري من هو المدان في هذه العملية في هذا الظلم , المدان العالم كله ؟ والمدان الرأي العالمي ؟ أمريكا ؟ إسرائيل ؟ . و المدان الأول في نظري هو أمتنا الإسلامية و حكام الأمة الإسلامية , حكام الأمة الذين لم يشهد منهم توظيف كل إمكانات الأمة في سبيل رد هذا الظلم و البغي المقيتين , و في سبيل استنقاذ المقدسات , و المسؤولية مسؤولية حكام الأمة في سن هذه القوانين المكبلة لإرادة الأمة و لإجهاض روح الإبداع فيها و لمحاصرة الكلمة الحرة على لسان أبنائها و كل ذلك يقتل الشعور بالثقة , و كل ذلك بقزم الذات في داخلها , و كل ذلك يكون سببًا للهزيمة و الانسحاق , الذي لا يعيش العزة في داخل أمته , و لا يتوفر له النظام الذي يحفظ عزته كيف يعيش روح العزة و الإباء و الكبرياء أمام العدو الشرس ؟ أمام العدو المدعوم بأقوى قوة عالمية , إنه لولا بقية من روح الإيمان في نفوس جماهير الأمة , لولا بقية من شعاع التربية الإسلامية , لولا نبض من نبض الرموز و الأمثلة الإسلامية الكبرى الذي يحرك النفوس و يضيء للنفوس الدرب , لانسحقت هذه الأمة بالكامل , إن عزتها لا تقوم على أنظمة الحكم اليوم , إن عزتها تقوم على وعي الجماهير , و تقوم على الثورية و الإباء في نفوس المؤمنين , و إن الزحف المؤمن لن يتوقف , إلا أن يحقق النصر الكبير , و النصر الكبير استرداد الأرض مقدمته , و ليست نهايته , النصر الكبير هو أن تنبني النفوس على العزة , أن تنبني النفوس على الإيمان , أن تنبني النفوس على الإباء , أن تنبني النفوس على تحمل المسؤولية , و الإحساس بريادة هذا العالم المحتاج إلى الإنقاذ , و ليس هناك باب مفتوح للإنقاذ على هذا العالم , و لا نافذة صغيرة , غير البوابة الواسعة التي يفتحها الإسلام على النصر , و على إنقاذ هذا العالم , إنها مسؤولية كبرى تتحمل الأجيال الإسلامية , و لتقطع الأمل و لتيأس من أنظمة الحكم من كونها تستطيع أن تسترد القدس و أن تستعيد فلسطين , الذي يقال لأنظمة الحكم , اتركوا لجماهير الأمة أن تعبر عن ذاتها , اتركوا لها أن تنموا , اتركوا لها أن تبدع , لا تقطعوا عليها الطريق إلى الله , إلى العزة و الكرامة, إلى النصر الساحق , الأمة الإسلامية التي نجد شريحة من شرائحها في نساء العراقيات المؤمنات , اللاتي يخرجن في مسيرة و هن يتزيين بزي الإسلام , في الشعارات التي تطلقها المظاهرات , هنا أو هناك , أو حتى في أرض فلسطين , و ليس من الجبهات الإسلامية , إن الناس أصبحت لا تتوق و لا تعلق أملاً , و لا ترجو إنقاذ إلا من الإسلام , و الارتباط به و الإنشداد إليه , فيا أبناء الإسلام , يا أبناء رسول الله (ص) , يا أبناء رايات بدر , و كل فتح اسلامي , أنتم في مقدمة الصفوف , و أنتم الصادقون و أنتم الصابرون , و أنتم المؤهلون للثبات , و أنتم المؤهلون لأن تكتسحوا القوى الكبرى , فثقوا بأنفسكم , و سيروا على بركات الله , على درب الإيمان و الالتحام بخط الإسلام و القرآن .
إن تركيا قد اقتطعت , و ما الذي اقتطعها أيها الأخوة , تركيا مثال صارخ لبلد إسلامي اقتطع صريحًا , و أكثر البلاد الإسلامي مقتطعة للعدو الغربي , إلى العدو الكافر بنسبة من النسب , تركيا هي المثال الواضح الصارخ لهذا الاقتطاع , و أنها اقتطعت معنويًا و سياسة و توجهًا , موقفًا سياسيًا , موقفًا اقتصاديا , موقفًا داعمًا , اقتطعت لصالح أمريكا , لصالح إسرائيل , و في أكثر بلدان الإسلام , نسبة مقتطعة تتراوح بين قليل و أكثر و هي مقتطعة لصالح العدو الغربي الذي يحاربكم و تحاربونه , و هذا الاقتطاع يتم عن طريق سهل أيها الأخوة , عن الطريق الذي لا يستثيركم , عن الطريق الذي لا يصدمكم حسًا , هو طريق التغريب الثقافي فاحذروه .
اللهم اغفر لنا و لإخواننا المؤمنين و المؤمنات أجمعين و أدرا عنا كل سوء و احمنا من كل شر و كد لنا و لا تكد علينا يا كريم .

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى