خطبة الجمعة (11) 23 ربيع الأول 1422هـ – 15-6-2001م

مواضيع الخطبة:

الدقة في خلق الكون – اللهو والعطلة
الصيفية – معامل الألبسة سفر الطاعة والمعصية – مشروع جهاز البناء

معامل الألبسة الجاهزة وغيرها من المعامل تقدم ثياباً ونطلب منها ألا تهدم خلقا، وتصلح خرقاً ونطلب منها ألا تفسد إنساناً، وإذا كانت المعامل تحتاج إلى إجراءات وقاية وسلامة صحية

الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقدّمات فيها بناء المجتمع

تمجيد الله والثناء عليه:
الحمد لله أكمل الحمد، وأجمله وأجله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء بقدر، وربط كل شيء بحكمة، ودبر كل شيء بعلم وقدره، وهدى الأشياء إلى غاياتها، وأجرى الأمور في مجاريها، جل عن التضييع إتقانه، وعن العبث حكمته، وعن اللهو عظمته، وعن النسيان علمه، وعن الخلل صنعه، وعن أن يكون خلق الأشياء لهواً أو افتقاراً، أو تشهياً أو عن باطل.
( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالعلم هادياً، وبالحكمة مسدداً، وبالخلق القويم، والنهج السليم مربياً ومزكياً، فكان صلى الله عليه وآله أن نوّر العقول، وهدى النفوس، ورفع الهمم، وصحّح الإرادة، وقوّم السلوك، وهذّب الخطى، وأطلق روح الجد، وحارب الكسل والخمول، ونأى بالحياة عن اللهو والعبث، والإسفاف والانحدار، كل ذلك بتوفيق وتسديد وتأييد من الله العزيز الحميد، اللهم صل وسلم على النور الأنور، والبدر الأتم عبدك المصطفى، وآله النجباء، وضاعف عليهم أجمعين بركاتك وتحياتك وصلواتك وتسليمك يا كريم، اللهم واهدنا بهدى محمد وآل محمد، وثبتنا عليه، ونوّر به قلوبنا، ورضّي به نفوسنا، ولا تجعلها تعدل به شيئاً مما في أيدي الناس مما لا ينتهي إلى هداك وهدى أوليائك، والقرآن الذي أنزلت، والإسلام الذي رضيت يا خير من أمّل وأكرم سُئل.
عباد الله اتقوا الله ولا تشتغلوا بيومكم عن غدكم، فإن اليوم راحل، وإلى غد المصير، وإن الحياة زائلة، وفي الآخرة المستقر، وما يوم منقض كيوم مقيم، وما دار ممر كدار مستقر، فلتنظر نفس ما قدمت لغدٍ، ولتنظر نفس حل نفسها في المقر بعد. أما بعد فإن أصدق القول وأحسن الحديث هو قول الله العزيز الحكيم، وقد قال سبحانه في كتابه المجيد :
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ(116) ) سورة المؤمنون ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36) ) سورة القيامة ” أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ(1)حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ(2) ) سورة التكاثر

الدقة في خلق الكون:
هذا الكون العظيم، ليس شيء منه قد خلق عبثا، خلق كل شيء لحكمة، ولمصلحة، والمصلحة لا تمس الله سبحانه تعالى وإنما تتصل بالأشياء نفسها، لكل شيء غاية، وكل شيء موضوع في مساره بغايته ، كل شيء في هذا الكون مما يفتقد الإرادة تكويناً إلى غاية محددة لا يفلت منها لا يميل عنها لا ينحدر به خطه عن الوصول إليها، أحدنا في رحم الأم له طريق مرسوم، لا يعدل به هذا الطريق عن بلوغ غايته، حتى ينتهي إلى الخروج من رحم أمه، قوانين وإعداد وتهيئة تامة وحكيمة ودقيقة لا تخطأ أبداً تصل هذا المخلوق إلى غايته، وأحدنا لا يملك من أمر نفسه في رحم أمه شيئا، ولا يستطيع أن يقدم أو يؤخر أجلا، ولم يعط قرار سيره ليختار هذا السير فينحرف عن غايته، ولو أعطينا خيار السير في رحم الأم لما صبرنا، ولتاهت الرؤية، وظل الرأي عند الأكثرية الغالبة من الناس، حتى لا يصلوا إلى يوم ولادة، الشمس لو كان لها إرادة اللهو والعبث واللعب فنزحت لحظة واحدة، وخرجت عن المدار لتغير كل شيء في هذه الأرض، الذرة الواحدة وجسيماتها الصغيرة جداً جدا، لو أن هذه الجسيمات كانت لها إرادة الحركة أو عدمها، أو كانت لها إرادة أن تنضب عن المسار او تنحرف عنه لكانت الكارثة، نعم، هذا الإنسان وفي جانب منه فقط أعطي إرادة الفعل وعدمه وكثيراً ما أساء، كثيراً ما ظل عن الطريق، وكثيرا ما عبث فانحدر به عبثه عن طريق غايته، وكلما كان الموقع كبيراً في الناس فمازج هذا الموقع لعب أو عبث كانت الكارثة أكبر، الكون كله يشهد بالحكمة، وينطق بالدقة، والصوابية البالغة، إنه يقوم على العلم والخبرة والحكمة واللطف والتقدير والتدبير الدقيق الذي لا يبلغ ولو كان غير ذلك لهدمت السماوات واندكت الأرض ولم يبق شيء، لو عاش الكون العريض حالة العبث واللهو لحظة، واللهو: أن تشتغل بما لا يصل بك إلى الغاية، وبما لا يقع على طريق الهدف، أقول الكون لو لها لحظة، لو لعب لحظة، لما كان.. لانتهى.. لتلاشى، والقوانين التكوينية في عالم الاجتماع وعالم المساحة الإرادية من حياة الإنسان، مخالفة قوانين الله ، مخالفة أحكام الله تعني عبثاً لهواً لعبا، وما لعب شيء إلا ضيع، وما لهى شيء إلا تاه، وما عبث شيء إلا وانقطع عن الغاية، عن أمير المؤمنين عليه السلام:
(( ما خلق الله سبحانه شيئاً عبثاً فيلهوا، ما ترك الله سبحانه أمراً سداً فيلغوا)) غرر الحكم
لو كنت مخلوقاً عبثاً بقصد العبث، لو كنت قد خلقت بلا غاية، لم يحدد لي بحسب خلقتي هدف ولا غاية صح مني العبث، وجاء مني اللهو مقبولا، أما وأني قد خلقت لغاية محددة، ودور مرسوم، وهدف لا بد لي من أن أبلغه في تقدير الله وتشريعه، فإن العبث هنا يكون على العاقل محالة، ويكون على الحكمة مستحيلا، أنت إذا أردت أن تبقى على هدفك وغايتك أن تبلغ إنسانا، إنساناً ترقى فيه إنسانيته، تشف فيه إنسانيته، تتبلور فيه إنسانيته ، تتكامل وتتكمل فيه إنسانيته، فيتخرج من هذه الحياة إنساناً لا حيواناً، أنت إذا أردت أن تستقيم على درب هذه الغاية ، وتنطلق مع مسار هذا الهدف، استحال عليك إذا احتفظت بالحكمة أن تلعب أو تلهو، هذا في الفرد فما حال المجتمع، المجتمع الصغير فضلاً عن المجتمع الكبير، وعالمنا اليوم عالم لهو وعالم عبث وعالم لعب وضياع، ما انحدر الركب عن خط الله إلا وكان سعيه إلى بوار، وكانت غايته الهلاك والدمار، والعالم ينحدر اليوم بقوة هائلة عن خط الله، ينحدر إلى المنسحق الخطير، نعم ، فئة في العالم آمنت بالله، تتنادى من شرق ومن غرب ومن شمال ومن جنوب بأن يعود الركب إلى خط الله، وترجع القافلة إلى خط الله سبحانه وتعالى، ليكون الإنقاذ وليكون التدارك، ما خلق الله سبحانه عبثاً ليلهو ، ما خلق الله أمراً سدى فيلهو، يكون فضولاً ، ليس من لهو، وليس من عبث ، وليس من خطر في الكون ، ولقد ركبت أيها الإنسان تركيباً عديداً ،
( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)) التين- فيما أفهمه أنه الرد الجزائي وليس الرد الابتدائي، الرد الله عبده، إلا أسفل سافلين بإرادة العبد، وبما اختار العبد من طريق الانحدار ، ومن الاتجاه إلى الهاوية، حين يتجه أحدنا بإرادته إلا الهاوية ، فإن قوانين الله عز وجل في الإجتماع، وفي عالم الأنفس، توصله إلى الهاوية، حين يتجه أحدنا إلى العلو، إلى سموات الله سموات قدسه، وسموات عظمته، وسموات جلاله وجماله، فإن قوانين الله عز وجل الاجتماعي النفس تأخذ بهذه النفس إلى ما تستطيع من دنو ولو جزئي ضئيل.. ضئيل.. ضئيل.. في اتجاه الله، وإلى أجواء قدس الله ، والضئيل من الدنو إلى الله كبير، والاقتراب الذي يكون في اتجاه الله وإن صغر عظيم.

من أمور الجد وليست من اللهو:
(( كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه عن القوس، وملاعبة امرأته فإنه حق)) عن الوسائل ج 13 ص 347
أمور هي من أمور الجد وليست من اللعب واللهو، تأديب الفرس من أجل أن يكون أداء قتال في سبيل الله، ومركباً يقضي به العبد حوائجه التي يستعين بها على بلوغ مرضاة الله، جد وليس بهزل، الرمي عن القوس تدريب عسكري مطلوب في الإسلام وينتقل من الرمي من القوس إلى التدرب على الصاروخ، إلى التدرب على أكثر الأسلحة تقدماً وفاعلية وهذا جد وليس بهزل، ملاعبة الرجل امرأته، زوجته، جد وليس بهزل إذا نظرت إليه نظرة تحليلية حكيمة رسالتيه، لأنه المقدمة للألفة والمحبة والود والستر والعفة والصيانة وهو مقدمة لإنجاب الجيل الجديد الذي يتربى في أحضان المحبة والمودة والإيمان، ثلاث مفردات كلها من الجد تسميها الكلمة عنهم عليهم السلام وهي من الكلمات المنقولة في الوسائل لهوا، ذلك ربما لأنها تحمل نوعاً من المرح النفسي، وتمثل جواً تجديدياً في الممارسة يعطي للنفس نوعاً من الانشراح، ولأنه انشراح بدني وإن كان مقدمة الحق ومقدمة الرقي الروحي إلا أنه بالنظر النسبي القياسي هو لهو. لأن الجد كل الجد في ما بنى الروح، وفي ما اتجه بقوة إلى بناء الروح، هذه مقدمات فيها بناء المجتمع، وفيها بناء روح، ولكن لما قد يطغى على الإنسان في ممارستها من الانصراف إلى لذة البدن وشهوة البدن والأنس الحيواني، لذلك كانت لهواً بدرجة نسبية. فإذن اللهو الذي لا يتجه بنا إلى الغاية ولا يمثل خطوة إلى الأمام من اجل الهدف لهو مرفوض في الإسلام على نحو الوجوب أو الاستحباب، المطلوب للإنسان المؤمن أن يكون الإنسان الجاد، ولكن مع تغيير النشاط وتلوين الممارسات في حدود المباح والأخذ بقسط من الراحة البدنية والالتفات إلى زينة الحياة بمقدار لا يتسلط على النفس ولا يأخذ منها شيئا، أن يلتفت إلى زينة المرأة.. إلى زينة الحديقة.. إلى زينة السماوات.. إلى زينات أخرى من هذا النوع المباح، من أجل ماذا؟ من أجل أن يستجد النشاط، وأن يستعيد الحيوية، إننا نستغني عن كل اللهو الحرام لو وعينا بتلوين النشاط، وتجديد الممارسة، وإيجاد المشاريع المنشطة من أنواع مختلفة.
(( شر ما ضيع فيه العمر اللعب )) غرر الحكم.

اللهو يفسد العزائم:
اللهو يفسد العزائم، وهذا هو الوتر الذي عرفه العالم الطاغوتي الاستكباري، واشتغل عليه في نفوس الشباب والشابات من أبناء المسلمين والمؤمنين، بل في نفوس الكهول والشيوخ، لأن النظرة في علم النفس لا يمكن أن تخالف هذا الفهم، وهو أن اللهو إذا طغى واللهو قد يبتدأ بداية أولية بسيطة، ثم يجتذب صاحبه ويستهويه، حتى يستفحل أمره، وتكون شهية صاحبة معه، وتنفعل به نفسه إلى حد الامتلاك، وحين إذن تكون الكارثة العظمى والطامة الكبرى فلا جد مع هذا اللون من العبث والمستوى من العبث، والخطط الغربية المدمرة، إنما تستهدف أن تستغرق حياتنا باللهو والعبث والمجون، وأن تمتلك علينا مشاعرنا، وأن تنسينا الغايات القريبة الغاية البعيدة، ولا تقوم قائمة للحضارة الغربية المادية مع ذكر الله، إذا وجد مجتمع في الأرض يعيش ذكر الله، ويرى الله، ويسمع كلمة الله، وله فؤاد يخفق بحب الله، هذا المجتمع تراه الحضارة الغربية المادية خطراً ذريعة، لأنه يأخذ بالعالم إلى اتجاه معاكس مائة بالمائة، لاتجاه معاكس تماماً، فالعدو الأول للحضارة المادية الغربية والشرقية هو أن يكون إسلام وأن يكون إيمان، الشاب والشابة المؤمنة قنبلة، قنبلة ذرية على المدى الطويل، الفرد لا ينظر في نفسه فقط، حين ينولد العملاق المؤمن، تنولد أمة عملاقة مؤمنة ولذلك تكون الرؤوس الكبيرة، الرؤوس المفكرة ، هي المطلوب الأول للحضارة الغربية في بلاد الإسلام إما تصفية معنوية وإما تصفية جسدية، كان محمد صلى الله عليه وآله فرداً فتحول إلى إنسانية عريضة وإلى أمة خالدة، وإلى تيار إنساني كبير فيه القضاء على الظلم والاستكبار والجبابرة في الأرض.
(( مجالس اللهو تفسد الإيمان )) (( اللهو يفسد عزائم الجد )) عن غرر الحكم
(( اللهو يسخط الرحمن، ويرضي الشيطان، وينس القرآن )) عن البحار ج78 ص 9
الثقافة القرآنية تبقى شيئاً ثقيلا، لأن النفس اللاهية لا تحتملها، ولا تستطيع أن تتحملها.. اللهم ارزقنا الجد في الخير ، وتوفيق الطاعة، والبعد عن المعصية، والترفع عن اللهو والعبث، وترك الدناءات، وما سفل من الأمور، وما يحط من الإيمان، وما يثلم من المروءة، وارفع همتنا إليك، وزد في شوقنا لقائك، ولا تقف بعملنا عن نيل رضوانك، يا من لا يخيب من رجاه، ولا يرد سائله يا كريم..

بسم الله الرحمن الرحيم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1)وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3)لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(6)فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ(7)أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَـــمِ الْحَاكِمِينَ(8)).

الخطبة الثانية

وقفة مع عدد من القضايا
حمد وثناء:
الحمد لله الذي بعد فلم يرى، وقرب فشهد النجوى، لا تخفى عليه خافية، ولا يرغب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا يدرك كنهه، ولا ينال وصفه، ولا يبلغ علمه، ولا يؤدى شكره، ولا تعد آلاؤه، ولا تحصى نعمه، ولا يوجد الغنى إلا من عنده، ولا يتم العفو إلا برحمته، ولا طريق إلى رضوانه إلا بطاعته.
ذكر النبي وآله والصلاة عليهم:
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسبغ عليه نعمه، وميزه بوافر منته، ورجح عنده بصدق العبودية، وخالص الطاعة حتى من عليه بالشهادة العظيمة في قوله تبارك وتعالى:
( وإنك لعلى خلق عظيم ) إكراما له، ورفعاً لدرجته، وإظهاراً لعلو منزلته. اللهم صل وسلم على مختارك من أنبيائك ورسلك، للخاتمة من رسالاتك، الذي أرسلته بالكتاب المهيمن، والمنهج الكامل، والشريعة الشاملة، الرسول المؤيد، والقائد المسدد، حبيبك المصطفى محمد (ص).
اللهم صل على أمتك الرضية، والصابرة الزكية، بنت رسولك وزوج وليك، أم السبطين فاطمة الهادية المهدية.
اللهم صل وسلم على وليك وأخي رسولك حامل علم الكتاب، وصي المصطفى، والصابر على البلوى، أول المجاهدين بين يدي رسولك رتبة، وأخصهم منزلة، وأظهرهم كرامة، وأرفعهم مقاما، إمام المتقين، وولي المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللهم صل وسلم على ورثة الكتاب، والأئمة الأطياب، والناطقين بالصواب، الحسن بن على والحسين بن علي وعلي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الأئمة الأطهار.
اللهم صل وسلم على منتظر العالم، والإمام القائم، سيف الحق ومقوض الظلم، وباسط العدل، وباعث الإسلام، ومحيي القرآن، محمد بن الحسن إمام العصر والزمان.
اللهم ارفع أعلامه، وبارك أيامه، وانصره وانتصر به، واقمع به أعدائك، وأعز به أوليائك، واجعل إيماننا به شديدا،
وإسنادنا له أكيدا، وسعينا على دربه سديدا، يا أكرم من كل كريم، ويا أرحم من كل رحيم.
اللهم سدد وأيد من يخطوا خطاه، وينحوا منحاه، ويهتدي بهديه، ويسترشد بمعالم دربه.
اللهم إنا نستغفرك ونسترحمكم ونستهديك ونستنصرك، فافعل بنا ما أنت أهله، يا من لا جود كجوده، ولا عطاء كعطائه، يا ولي يا حميد.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات، فوقفة مع عدد من القضايا التي لا تنفصل عن صياغة الواقع الذي يعيشه أبناء الأمة الواحدة في هذه البلد أو في غيره من بلاد الإسلام:
العطلة الصيفية:
يقدم الصيف والعطلة الصيفية على أبناء المسلمين والمؤمنين وبناتهم، أولئك الذين يمثلون الأمانة الغالية، أمانة من الله، ومن رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -، الذين يمثلون الرصيد الضخم للمستقبل، ويمثلون الأمل الكبير للإسلام على تقدير، ويمثلون الكارثة العظمى للأرض كلها، ولجميع أبناء الإنسان، أبناءنا وبناتنا.. فلنحاسب أنفسنا كم تلقوا من وعي الدين، ومن فهم الرسالة، وكم فهموا من عظمة رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار، والصحابة الاماجد، وكم تلقوا من دروس ا لإسلام، وكم تغذوا بكلمة الوحي، وكم كان لهم من رصيد إيماني تقدمه المدرسة والمنهج المدرسي، ما مقدار صناعة المدرسة لإسلام الولد؟ ولإسلام البنت؟ نحن نعرف حجم الدور المدرسي في صناعة الولد والبنت وفي الأكثر نخاف على الولد والبنت مما يقدمه كثيراً من المدارس والمناهج، فضلاً عن أن نطمئن إلى التربية الكاملة السليمة للولد والبنت.
العطلة الصيفية تعطى بعد ملل، بعد كسل استعقبه الجهد الجهيد، والعمل المضني، والصيف هو الجو الحار الذي يثقل المشاعر، ويقلل الحركة والنشاط، هذا المقدار البسيط الضئيل، يستحقه الإسلام منكم أو لا؟ تستحقه أمانة الأولاد والبنات أو لا؟
الحث على حضور الدورات التربوية الصيفية:
فلتكن هناك قوة واحدة، ونشاط مكثف، وبرامج مرسومة، ومناهج مدروسة، وبذل للمال، وحث للولد والبنت على حضور الدورات الصيفية التربوية والتي قد تدخل بقسط من الإيمان، ومن الفهم التاريخي السليم، ومن زرع أمل الإسلام في نفوس الأبناء والبنات، ومن الاتجاه إلى الله عز وجل في نفوس هؤلاء الأبناء والبنات الذين هم أمانة كبرى وأغلى رصيد بيد مؤمن أو كافر. فلتبذل الأموال بسخاء، وأنت هنا تتصدق أحسن الصدقات، أنت هنا لا تبني أجساداً بقدر ما تبني أرواحاً وعقولاً وتوقظ أفئدة، غداً سيتحول الدينار الواحد بيدك في الآخرة إلى ما لا تعرف من ملك، وما لا تعرف من رضوان من رضوان الله سبحانه وتعالى. فليكن البذل بسخاء، وليعطي المدرس جهده، ولينوي النية الخالصة، ولتكن مشاريع التربية بعيدةً عن تدخلات الشيطان، ولتحرس الحراسة الشديدة عن أن يدس الخلق الدنيء فيها أنفه. لابد أن تتحول عندنا كلمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مشاريع لا إلى أن تختفي تلك الكلمات، وإنما لتتعايش الكلمة مع المشروع، فإن الكلمة من أجل المشروع، والمشروع لا يبقى إلا مع استمرار الكلمة. يريد قاعات زواج، وبرك سباحة،ومشاريع من هذا النوع يخطط لها الرساليون، وتكون تحت حراستهم وإشرافهم، وتحت يد أتقى الأتقياء منهم، وتزود بكل ما هو مفرح، وبكل ما هو مهنئ مع مراعاة الحكم الشرعي والنظافة الشرعية.
معامل الألبسة الجاهزة:
معامل الألبسة الجاهزة وغيرها من المعامل تقدم ثياباً ونطلب منها ألا تهدم خلقا، وتصلح خرقاً ونطلب منها ألا تفسد إنساناً، وإذا كانت المعامل تحتاج إلى إجراءات وقاية وسلامة صحية، ووقاية عن الحريق، الذي يأتي على المباني والألبسة أو غيرها، فإنها بحاجة أشد إلى إجراءات وقاية خلقية، يسلم فيها الإنسان عقله، قلبه، خلقه، سلوكه، تدخل المرأة عفيفة فتخرج عاهرة، ويدخل الرجل غيوراًً فيخرج ديوثا، الدولة مطلوب منها أن تفرض إجراءات خلقية على المعامل، كما تعرف أن تفرض إجراءات وقائية صحية، ومواصفات بنائية، وما إلى ذلك المعامل. والمؤمنون يجب أن يكون لهم حضور فاعل دائماً في رفع هذا الصوت المنكر المنكر، والآمر بالمعروف.
سفر الطاعات وسفر المعصية:
يأتي الصيف فيأتي سفر الطاعات أو سفر المعصية، سيتجه أبناء المساجد وبنات المساجد إلى سوريا وإلى العراق وإلى إيران وإلى مكة، وهذه زيارات في ظاهرها أنها زيارات طاعة، فهل تنقص غيرة امرئ رجلاً كان هذا الإنسان أو امرأة عن أن تحمل معها أمانة الإيمان، وتتحمل أمانة الإيمان، وشرف هذا الدين، وكرامة هذا البلد، وتاريخ هذا البلد، بلد الإيمان والعلماء، إلى حيث تذهب، وإلى حيث يذهب، كان الرجل المسلم يذهب للتجارة، إلى البلد الكافر، فيشع منه ذلك البلد بالإيمان، ويحي قلوباً وعقولاً ونفوسا، وعرف البحراني أو البحريني على لغة، أنه يخرج إلى أي بلد، ويشرع أول ما يشرع بإقامة المسجد أو الحسينية، وإقامة نشاط المسجد والحسينية، إذا ابتلي جيل سابق، أو حاضر، إذا ابتلي جيل حاضر بشيء من نقص في تحمل الأمانة، وللتمثيل الكريم للمذهب والإسلام والبلد، فإنه يجب أن تكون ثورة من داخل النفوس، وإنكار للمنكر عريض، وتشديد وإحكام، وإعمال للقيمومة، على الأبناء والبنات في السفر للخارج، وعلى الزوجات والأخوات ونصح وتوجيه وإرشاد للأخوات، زمنك جعل من الخطر أن تنسى ابنتك في بيت جارها، وأن تنسى ابنتك في بيت عمها وخالها، فما لك أيها المؤمن اليقظ تنسى ابنتك ثلاثة أشهر أو أقل في بلد تجد فيه الفرص الشيطانية مفتوحة، وتجد الأعين المفترسة متلهبة متلهفة.
اتقوا الله، عباد الله، ولا أدري أنه إذا ضيعنا أمانة الولد والبنت، أي أمانة كانت، من ضيع أمانة الزوج وأمانة البنت والولد، فأي أمانة من بعد يؤمن عليها.
الدعوة إلى إقامة مشروع جهاز البناء التعاوني:
مشروع آخر، وهو مشروع جهاز البناء التعاوني، أرى من الصالح جداً أن ينتشر تشكيل أجهزة بنائية تعاونية في كل القرى والمناطق من أجل النهوض بحاجة السكن أو المشاركة في قضاء حاجة السكن بالمحتاجين والمعوزين، وأن تكون هناك المعامل والمصانع والمختبرات التي تتصل بمثل هذا الأمر لتساعد على ذلك، فنصف تكاليف البناء هو في الأجور ، في أجور البناء، وتأثيث الأثاث, وما إلى ذلك، بمثل هذا نكون مجتمعاً متعاوناً صدقاً وحقا، وبهذا يشعر أحدنا بالرابطة القوية لأخيه، ونخلق المجتمع المتآلف المتناصر الذي إذا سمع نداء الحق هب هبة واحدة.
أشبعوا جوعة الفقراء، ولا يبقى عار بيننا، ولا يبقى أحد بلا مأوى، ولا يتبذخ أحدنا ليجوع أخوه وليحرم أخوه، بذخك مضرة على بدنك ودينك، وإنفاقك في سبيل الله وبناء المجتمع المؤمن القوي ذخر لك لا يضيع.
اللهم إنا نسألك المغفرة والرحمة والتوفيق لأحسن الأعمال، والسداد في القول والفعل، وأن ترزقنا وشبابنا وشاباتنا بصيرةً نافذة، ورؤية صحيحة، ويقيناً ثابتاً، وقوةً في الدين والدنيا، وأن تلهمنا رشدك وتمنحنا الهدى من عندك، وأن تنقذنا من مضلات الفتن، ومصائد الشيطان الرجيم، وجنده الغاوين، يا كريم يا رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى