الغريفي: الحضور غداً للصلاة الموحدة جزء من الوفاء لهذا الرمز الكبير

حديث الجمعة لسماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي في مسجد الصادق “ع” بالقفول 

٢٧ نوفمبر ٢٠١٤م – فيديو الحديث: http://bit.ly/Algriffi27Nov

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين…

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فمع أكثر من عنوان..

الموسم العاشورائي/ الحلقة الخامسة:

من أهم المسائل الخطيرة في قضية (المراسم العاشورائية) هو (الحفاظ على أصالة وشرعية هذه المراسم العاشورائية).

ماذا نعني بالأصالة؟

الأصالة تعني (الحفاظ على أهداف عاشوراء)

فأيّ تغييب لهذه الأهداف هو مصادرة وإجهاض للمراسم العاشورائية وإفقادها مضمونها الحقيقي.

ما أهداف عاشوراء (أعني أهداف الموسم العاشورائي)

تتمركز هذه الأهداف في ثلاثة أهداف:

  • إحياء مأساة عاشوراء..
  • إحياء مفاهيم عاشوراء..
  • إحياء قيم عاشوراء الرُّوحية والأخلاقية والاجتماعية والجهادية..

فيجب أنْ نحاسب (الممارسات العاشورائية) أو (المراسم العاشورائية) لتحديد أصالتها أو عدم أصالتها وفق هذه الأهداف، فأيّ ممارسة لا تحقِّق شيئًا من هذه الأهداف فهي فاقدة للأصالة فيجب تصحيحها أو تنقية الموسم العاشورائي منها، أنا لا أتحدَّث هنا عن (شرعية وعدمها) فهذا يأتي في عنوان تالي..

الحديث هنا عن (الأصالة وعدمها)

وللتوضيح نطرح الأمثلة التالية:

  • مجالس عاشوراء:

هذا العنوان بلا إشكال هو من (المراسم العاشورائية) بل هو من (الشعائر العاشورائية)

إلَّا أنَّه قد يفقد الأصالة حينما يتخلَّف عن إحياء أهداف عاشوراء أو بعضها..

فالمجالس العاشورائية التي تفقد مثلًا (إحياء مفاهيم عاشوراء) أو تفقد (إحياء قيم عاشوراء الرّوحية والأخلاقية والاجتماعية والجهادية) هذه المجالس تعتبر فاقدة للأصالة وإنْ حقَّقت إنتاج (الحزن العاشورائي) أو (الدمّعة العاشورائية).

  • مواكب عاشوراء:

هي الأخرى يجب أنْ تحاسب وفق المعيار المذكور لتحديد (أصالتها وعدمها)

فأيّ شكل من أشكال (المواكب العاشورائية) لا ينسجم مع (أهداف الموسم العاشورائي) فهو شكل فاقد للأصالة..

قولوا لي بالله أيّ هدف من أهداف عاشوراء يحقِّقه موكب (المشي على الجمر)؟

وقولوا لي بالله أيّ هدف من أهداف عاشوراء يحقِّقه موكب (التشبه بالكلاب)؟

وقولوا لي بالله أيّ هدف من أهداف عاشوراء يحقِّقه موكب (جلد النفس بالسكاكين والسّيوف}؟

وأكرِّر إنَّ الحديث هنا ليس عن (الشرعية وعدمها)

لتأتي مسألة (الإيذاء وعدمه)

الكلام عن علاقة هذا النمط من الممارسات بأهداف عاشوراء…

  • شعارات عاشوراء:

فلكي نحكم على هذه (الشعارات) بالأصالة أو عدمها يجب أنْ نخضعها لمعيار (الأهداف العاشورائية) فمتى ما حقَّقت الشعارات أهداف عاشوراء (حزن عاشوراء، مفاهيم عاشوراء، قيم عاشوراء) فهي شعارات تملك الأصالة العاشورائية، ومتى غابت تلك الأهداف أو بعضها فهي شعارات لا تملك الأصالة.

فمسؤولية القائمين على الشأن العاشورائي ومسؤولية واضعي الشعارات العاشورائية أنْ يحاسبوا أيّ شعار يطلق مكتوبًا أو منطوقًا في موسم عاشوراء خشية أنْ يصطدم مع أهداف عاشوراء، ولا بدَّ من مراجعة العلماء وأصحاب الفكر في طرح أيّ شعار، ولا يترك أمر الشعار العاشورائي لكلِّ إنسان وإنْ كان عاميًّا أو لا يملك وعي عاشوراء وأهداف عاشوراء…

وإنَّ الشعار العاشورائي له دوره الكبير والخطير في صنع وعي الجمهور العاشورائي، فكما للمنبر العاشورائي، وكما للردَّات العاشورائية الدّور الكبير والخطير في صنع وعي الجمهور العاشورائي، فكذلك (الشعارات العاشورائية) لا تقل قيمة وخطورة عن المنبر، والقصائد، والردَّات…

فالحذر الحذر من تدوين أيَّ كلمات على حيطان الحسينيات وفي الشَّوارع، وعلى لافتات المواكب إلَّا بعد مراجعة أصحاب الخبرة في الشَّأن الدِّيني والشَّأن العاشورائي…

نخلص إلى القول: أنَّ كلّ الممارسات العاشورائية يجب أنْ تصبْ في اتجاه تحقيق أهداف عاشوراء وإلَّا فقدت قيمتها ومعناها.

وأمَّا الحديث عن (الشرعية) فنتناوله في اللِّقاء القادم إنْ شاء الله.

الاعتداء على منزل آية الله الشّيخ عيسى أحمد قاسم:

لا أريد أنْ أتحدَّث عن مبرِّرات طرحوها وهي في غاية السَّماجة، كون هذا الاقتحام هو بحث عن مطلوب فارٍ من وجه العدالة، ولماذا في منزل سماحة الشِّيخ هل يريدون أنْ يقولوا أنَّ الشيخ يأوي الهاربين والجناة والمطلوبين للعدالة…

ربّما يكون ذلك، إلَّا أنَّ أهداف هذا العمل أكبر من ذلك، وحساباته لا يُغطِّيها هذا التبرير الواهي جدًا، والذي يعلمون هم قبل غيرهم أنَّه تبريرٌ ساقط…

لماذا يُستهدف منزل سماحة الشِّيخ؟

وقبل الإجابة عن هذا السُّؤال نحاول أنْ نتعرَّف على موقف سماحة آية الله الشِّيخ عيسى أحمد قاسم في حراك هذا الشَّعب المطالب بحقوقه المشروعة، وبالأساليب السِّلمية البعيدة عن كلِّ عنفٍ وتطرُّف…

أوَّلًا: كان لسماحته الدور الكبير والبارز في الارتقاء بمستوى الوعي السِّياسي لدى الجماهير، هذا الوعي الذي يملك مجموعة محدّدات ومن أهمِّها:

  • المحدِّد الدِّيني، فسماحة الشِّيخ فقيه، بصير، ومفكِّر إسلامي، ومثقَّف استوعب مفاهيم الدِّين، فحينما يمارس إنتاج وعي سياسي، فهو وعي ينطلق من رؤى الدِّين، ورؤى الشَّريعة، وهذا الفارق بين مَنْ يمارس السِّياسة محصَّنًا بمفاهيم الدِّين ورؤى الإسلام، ومَنْ يمارسها جاهلًا بتلك المفاهيم والرؤى..
  • المحدِّد الموضوعي: فسماحته يملك قدرة كبيرة وناضجة، وخبرة طويلة في التَّعاطي مع الواقع الموضوعي للشَّأن السِّياسي ممَّا أعطاه بصيرة في قراءة مسارات ومعطيات هذا الواقع السِّياسي…

فخطابه السِّياسي ليس خطاب لا يملك وعي السِّياسة، ولا خطاب سياسي لا يملك رؤية الدِّين…

فالخطر كلّ الخطر حينما يتصدَّى للشأن السِّياسي مَنْ لا يملك بصيرة الدِّين ووعي السِّياسة…

ثانيًا: النقد الموضوعي للسِّياسات الفاسدة، ليس بدافع التحريض ضدَّ النظام وإنِّما من أجل النصح والإصلاح، وتصحيح الأوضاع في هذا البلد، فخطابه صريح كلّ الصراحة في الكشف عن أخطاء السِّياسة، سواءً أكانت أخطاء النظام أو أخطاء القوى المعارضة أو أخطاء الشَّعب…

وإذا كان تركيزه الأكبر على أخطاء النظام، فلأنَّ هذه الأخطاء هي الأخطر وهي الأساس في إنتاج الأوضاع الفاسدة في البلاد، ولأنَّ النظام هو الذي يملك كلَّ أدوات التغيير والتصحيح…

ولا شكَّ أنَّ خطابًا مؤهَّلًا وكفوءًا وبليغًا ومؤثِّرًا كخطاب سماحة الشِّيخ يستنفر غضب النظام، وقلق النظام، وكراهية النظام لصاحب هذا الخطاب…

ولو وجد العق والحكمة والإنصاف لكان الأولى بالنظام أنْ يثمِّن قيمة هذا الخطاب النَّاصح والمخلص لهذا الوطن لا أنْ يُعاقب، وتُستنفر ضدَّه كلَّ وسائل الإعلام الرَّسمي…

ثالثًا: كان لسماحته دوره الكبير في تغذية الصمود الشَّعبي في طريق المطالبة بالحقوق العادلة، وكذلك في تحصين هذا الصمود من الانفلات والنزوع نحو العنف والتطرُّف، ولو لا خطاب سماحة الشِّيخ الواعي والمعتدل لكانت الأمور تسير في اتجاهات أخرى…

ورغم إصرار النظام، وإصرار إعلامه، وإصرار الأقلام الموالية له على اتهام سماحة الشِّيخ واتهام خطابه بأنَّه خطاب تحريض، وخطاب تطرُّف، إلَّا أنَّ هذا افتراء وتزوير وكذب، خطاب سماحة الشِّيخ هو صمام الأمان الذي حصَّن الشَّارع في مواجهة كلّ أشكال الانفلات والتطرُّف والعنف إلَّا أنَّ المشكلة لدى هؤلاء أنَّهم يعتبرون الخطاب الذي يعرِّي الأوضاع الفاسدة، ويعرِّي أخطاء النظام هو خطاب تحريض، وهو خطاب عنف وتطرُّف…

أمَّا الخطاب الذي يدافع عن النظام، ويبارك كلَّ سياساته، ويبرِّر كلَّ أخطائه…

أمَّا الخطاب يُكفِّر طائفة بكاملها، ويسبّ رموزها وعلماءها بأسوء الكلمات…

أمَّا الخطاب الذي يحرِّض على القتل، والقمع، والبطش، والاعتقال، وهتك الحرمات، ومحاربة الشَّعائر…

هذا الخطاب هو خطاب معتدل، ومنصف، ونظيف، وصادق، ومخلص لهذا الوطن…

هذه المعايير في هذا الزمن حيث تغيرت القيم، فأصبح الحقُّ بالطلًا، والباطل حقًّا، وأصبح المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا…

  • في الحديث المروي عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله…

«كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم، وتركتم الأمر بالمعروف والنَّهي عنْ المنكر؟

قالوا: أوَ يكون ذلك يا رسول الله؟

قال صلَّى الله عليه وآله: نعم وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف..

قالوا: أوَ يكون ذلك يا رسول الله؟

قال صلَّى الله عليه وآله: نعم وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا…».

حديثنا عن سماحة الشِّيخ له تتمَّة إنْ شاء الله تعالى…

كلمة أخيرة:

أيُّها المؤمنون أنتم على موعدٍ غدًا مع صلاة الجمعة الموحَّدة خلف سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم…

الحضور تعبيرٌ عن الاستنكار لما حدث مِنْ اعتداء آثم على منزل سماحته…

والحضور جزءٌ من الوفاء لهذا الرَّمز الكبير الذي أعطى كلَّ وجوده من أجل الإسلام ومن أجل الدِّين، ومن أجل الدِّفاع عن كرامة هذا الشَّعب، وتحمَّل كلَّ العناء، وكلَّ الإهانات، وكلَّ السبِّ، وكلَّ الإساءات من أجل أنْ يقول الكلمة الصَّادقة، والكلمة الحقَّة، والكلمة الجريئة…

لم يداهن، ولم يساوم، ولم يضعف، ولم يتراجع…

فهل تبخلون بوقفة ولاء وحبّ..

عرفناكم أوفياء كلّ الوفاء..

وعرفناكم صادقين كلّ الصِّدق..

وعرفناكم ثابتين كلّ الثبات..

ولكن حذارِ حذارِ منْ أنْ تمارسوا عنفًا، أو اعتداءً، أو تطرُّفًا، أو عبثًا بأمن هذا الوطن…

هذا هو الوفاء لشيخنا ورمزنا الكبير…

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

زر الذهاب إلى الأعلى