خطبة الجمعة (581) 9 صفر 1435هـ – 13 ديسمبر 2013م

مواضيع الخطبة :

الخطبة الاولى : الأنس

الخطبة الثانية : الأمن الخليجي 

 

الخطبة الأولى

       الحمد لله الذي كلُّ شيء ممكنٍ مما وُجِدَ أو لم يوجد مقدورٌ له؛ حدوثُه منه، واستمرارُه بيده، ولا مُحدِثَ له، ولا مُبقيَ غيره، وعلمُهُ محيطٌ به، ولا خروجَ له أبدًا عن علمه، وهو الغنيُّ عن كلّ من عداه، ولا غنيَّ بالذَّات سواه، وهو الربُّ الذي لا ربَّ من دونه، والإلهُ الحقُّ الذي لا إله بالحقّ عداه.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عبادَ الله علينا أن نُعطيَ التفكير حقّه في شأن البدن، وشأن الرّوح، وشأن الدّنيا والآخرة؛ ولن يُقدِّم من يُحسن التفكيرَ والتدبّر شأنَ البدن على شأن الرّوح، ولا شأنَ الأولى على الآخرة.

       لا تفكير بحقٍّ إلّا قدّم الروحَ على البدن، والآخرةَ على الأولى. وحقُّ ما قدَّمه التفكيرُ ورأى أهميته أن يُقدَّم في مقام العمل. ومن السُّخف الواضح أن يقدّم التفكيرُ الدّقيق شيئًا فيُؤخَّر عملًا، وأن يؤخِّر شيئًا فيُقدّم.

       فلنُقدِّم في كلّ حياتنا ما قضى التفكيرُ السليمُ بتقديمه من شأن الروح وشأن الآخرة، وهو عينُ ما قدّمه دين الله الحقّ القويم.

       ولتكن حياتنا سيرًا إلى الله لا تعدل لحظةٌ منها عن صراطه الذي لا عِوَجَ فيه، ولنتّقِ الله العليّ العظيم في كلّ شأن من شؤون الحياة، وفي كلّ معبر، ومنعطف من معابرها ومنعطفاتها. وما مال أحدٌ عن طاعة الله العليِّ العظيم الملك الحقّ المبين إلّا كان من الخاسرين بالخسران الجسيم الذي لا يَعدِله خسران.

       اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا وأزواجنا وكلّ من أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة يا غفور يا رحيم.

       اللهم ارزقنا من المعرفة بك ما يجعلنا نخشاك، ولا نُفارق تقواك، وما تطمئنُّ به نفوسنا إلى رحمتك، وتزداد في طاعتك، ويُلهِب شوقنا إليك، وارزقنا من فهم دينك ما يجعلنا لا نخطئه، ولا نزيد فيه أو ننقصُ منه، ولا نتعدّى حدًّا من حدوده، ونتجاوز حُكمًا من أحكامه؛ وذلك منك منٌّ عظيم يا رحمان يا رحيم.

       أما بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فلا زال موضوع الأنس محلًّا للحديث:

       الأنس بين النّاس:

       تكون للمؤمن أخلاقه الكريمة، وطيبتُهُ، وبشاشته، وابتسامته، وصفاء قلبه مما يؤنس الصّالحين من جُلسائه، وله من تلاقيه معهم في الرّوح والقلب ما يجعله يأنس لهم، وتطيب عنده مُجالستهم.

       وينبغي للمؤمنين أن يجالس بعضهم بعضًا، ويتحادثوا، وأن يكمّل بعضهم البعض، ويأنس كلٌّ منهم بالآخر، ويستريح له من تعب الحياة، وما يُثيره سوء خُلُق الآخرين، والوحشةُ التي تبثّها بهيميتُهم.

       وقرينُ السَّوء لا يمكن للمؤمن أن يجد فيه أُنسًا، وهو لا يلقى منه إلّا الوحشة فنفسٌ تعيش الخير وقد تربّت عليه لا يجذبها الشرّ، ولا تجدُ إقبالًا عليه، ونفسٌ ملؤها الشرّ لا تملك أن تقدّم أنسًا لمن كان حبُّه للخير، ولا يمكن أن تُدخِلَ عليه إلّا الوحشة([1]).

       ونقرأ للمعصومين عليهم السلام عن هذه المعاني شيئًا من حديثهم فيها:

       عن الإمام عليّ عليه السلام:“سوءُ الخُلُقِ يوحِشُ النَّفسَ، ويَرفَعُ الاُنسَ”([2])، “مَن ساءَ خُلُقُهُ، قَلاهُ مُصاحِبُهُ ورَفيقُهُ”([3]).

       وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“أوحَشُ الوَحشَةِ قَرينُ السَّوءِ”([4]).

       وعن الإمام عليّ عليه السلام في الحِكَم المنسوبة إليه:“العاقِلُ بِخُشونَةِ العَيشِ مَعَ العُقَلاءِ، آنَسُ مِنهُ بِلينِ العَيشِ مَعَ السُّفَهاءِ”([5]) ويدخل في السفه سقوط الرّأي، وفُحْش الكلمة، وسُوء الخلق، والجهل في التصرُّف.

       وأُنس المؤمن، وإيناسه لا يخرج به أحدهما عن حشمته ووقاره واتزانه، ولا يسترسل به الاسترسال الذي يُسقط مهابته.

       عن الإمام الصادق عليه السلام:”حِشمَةُ الاِنقِباضِ أبقى لِلعِزِّ مِن اُنسِ التَّلاقي”([6]).

       فإذا كان التلاقي وما يُعطيه من أنس سيصير بالمرء إلى فقد عزّه وكرامته قُدِّم الانقباض على ذلك التلاقي والأنس.

       وعن الإمام الرضا عليه السلام:“الاِستِرسالُ بِالاُنسِ يُذهِبُ المَهابَةَ”([7]) فعدم وضع حدٍّ لما تتطلبه النفس من أنس في المجالَسة مع الإخوان نتيجته أن تسقط مهابتها، ويتحوّل المرء إلى مصدر فكاهةٍ وهزل. والمؤمن لا يفعل ذلك بنفسه.

       ولندخل معًا في الحديث عن مصادر أُنس المؤمن كما جاء في الأثر عنهم عليهم السلام:

  1. عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى: لَو لَم يَكُن فِي الأَرضِ إلّا مُؤمِنٌ واحِدٌ لَاستَغنَيتُ بِهِ عَن جَميعِ خَلقي، ولَجَعَلتُ لَهُ مِن إيمانِهِ اُنسا لا يَحتاجُ إلى أحَدٍ”([8]).

والله سبحانه هو الغنيُّ المطلق بذاته والذي لا يحتاج إلى أحد في غناه، فغنى الله سبحانه الذي يعنيه الحديث كما يُفهم من حديثٍ آخر هو أنَّ الحكمة الإلهية من خلق السماوات والأرض يكفي لها وجود مؤمن واحد بحقّ([9]).

       والإيمان قد جعله الله كافيًا وحده لأُنس المؤمن حتى لو كان وحيدًا في الأرض لا أنيسَ معه فيها، كما جعله سبحانه أُنسًا للمؤمن الآخر.

  1. القرآن:

عن الإمام عليّ عليه السلام:“مَن أنِسَ بِتِلاوَةِ القُرآنِ، لَم توحِشهُ مُفارَقَةُ الإِخوانِ”([10]).

والمؤمن في السِّجن الانفرادي يجد أُنسه في كتاب الله وذكره سبحانه كما جرَّب ذلك عديدٌ من الإخوة المؤمنين.

  1. التقوى:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“مَن خَرَجَ مِن ذُلِّ المَعصِيَةِ إلى عِزِّ الطّاعَةِ، آنَسَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِغَيرِ أنيسٍ، وأعانَهُ بِغَيرِ مالٍ”([11]).

  1. الكتاب النافع:

عن الإمام عليّ عليه السلام:“مَن تَسَلّى بِالكُتُبِ لَم تَفُتهُ سَلوَةٌ”([12]).

  1. العلم:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“تَعَلَّمُوا العِلمَ… وهُوَ أنيسٌ فِي الوَحشَةِ، وصاحِبٌ فِي الوَحدَةِ”([13]).

ولذلك نجد أنَّ لأهل العلم صبرًا كثيرًا على الخلوة بل يأنسون بها، ولا يشعرون بالفراغ وهم يستقون مزيدًا من المعرفة، ويرقَون علمًا، ويتعمَّقون فهما. ولا غُربةَ مع العلم فهو يُعوِّض عن الجليس المؤانس من الخلق.

بل هو أفضل الجليسين كما عن الإمام علي عليه السلام فيما أتى عنه:“العِلمُ أفضَلُ الأَنيسَينِ”([14]).

  1. الحق:

عن الإمام علي عليه السلام لأبي ذرّ لمّا أُخرج إلى الرَّبَدة:“يا أبا ذَرٍّ… وَاللّهِ لَو كانَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ عَلى عَبدٍ رَتقا ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ لَهُ مِنها مَخرَجاً، فَلا يُؤنِسكَ إلَا الحَقُّ، ولا يوحِشكَ إلَا الباطِلُ”([15])تنسدّ كل الطرق، وتنغلق كلّ المنافذ، وتنعدم كلّ الفُرص، وتستحكم الشدّة على من اتّقى الله ولا يدخله اليأس، ولا تستبدُّ به الوحشة، ويأتيه من الله الفرج، ويجدُ من تمسّكه بالحقّ أنسًأ.

  1. ذكر نعم الله:

عن الإمام الباقر عليه السلام:“إلهي ذِكرُ عَوائِدِكَ يُؤنِسُني، وَالرَّجاءُ لِأنعامِكَ يُقَوّيني”([16]).

هذا التذكُّر والرجاء يُعطي النفس اطمئنانًا كافيًا بأنها ليست منسية ولا مهملة ولا مغفولًا عنها من رعاية الله وعنايته فلا تشعر بالخذلان، ولا يَمَسُّها اليأس، وتحيا بالأمل المؤنس لها.

  1. التعلّق بالآخرة:

عن الإمام علي عليه السلام:“مَن أصبَحَ وَالآخِرَةُ هَمُّهُ، استَغنى بِغَيرِ مالٍ، وَاستَأنَسَ بِغَيرِ أهلٍ، وعَزَّ بِغَيرِ عَشيرَةٍ”([17]).

إنه باهتمامه الكبير بالآخرة، وتعلُّق نفسه بها لا يترك فَقْدُ شيء من الدّنيا حسرةً فيها ولا ينال شيئًا من شعورها بقيمةِ ذاتها، ولا يشغله عن أُنسه بما يربحه فيها([18]).

  1. الأمل:

عن الإمام عليّ عليه السلام في الحِكَم المنسوبة إليه:“الأَمَلُ رَفيقٌ مُؤنِسٌ، إن لَم يُبَلِّغكَ فَقَدِ استَمتَعتَ بِهِ”([19]).

ما دام الأملُ حيًّا في نفس صاحبه يؤنسه، وقد يبلغ به ما أمَّله إذا كان له جهدٌ وسعيٌ وصبرٌ من وزن أمله، وقُدِّر له فيفرح بذلك، وقد لا يتحقَّق ما أمَّل، ويذوب أملُه.

فعلى من يؤمِّل أن يؤمِّلُ صحيحًا([20])، وممكنًا([21])، ويسعى سعي جدّ لتحقيق أمله، ويصبر على كلفة ما أمّل، ويصبر على ما لم يتحقق له أمله محتسبًا أجره عند الله.

  1. الموت([22]):

عن الإمام علي عليه السلام:“وَاللّهِ لَابنُ أبي طالِبٍ آنَسُ بِالمَوتِ مِنَ الطِّفلِ بِثَديِ اُمِّهِ”([23]).

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام:“اللّهُمَّ… وَاجعَل لَنا مِن صالِحِ الأَعمالِ عَمَلاً نَستَبطِئُ مَعَهُ المَصيرَ إلَيكَ([24])، ونَحرِصُ لَهُ عَلى وَشكِ اللِّحاقِ بِكَ، حَتّى يَكونَ المَوتُ مَأنَسَنَا الَّذي نَأنَسُ بِهِ، ومَألَفَنَا الَّذي نَشتاقُ إلَيهِ”([25]).

وهذا الأُنس لا تناله إلا نفس اطمأنّت إلى رضا الله عنها، ووثقت تمامًا بكرامتها لديه. وهل من وحشة يمكن أن تُفسِد هذا الأنس عند من رُزِقه؟!!

والأمور المعنوية الجليلة التي يأنس بها المؤمن العاقل أُنسًا عظيمًا يستوحش منها الجاهل الكافر والفاجر استيحاشًا كبيرًا. أمَّا أُنسه([26]) فإنما هو بما سفل.

عن الإمام علي عليه السلام:“الجاهِلُ يَستَوحِشُ مِمّا يَأنَسُ بِهِ الحَكيمُ”([27]).

فالنفوس الرَّفيعة أنسها بما سما، والنفوس الوضيعة إنما أنسها بما دنا. وفي هذا اختبار للنفس من نفسها ومن غيرها كذلك([28]).

والحمد لله رب العالمين.

اللهم اجعل أنفسنا من النفوس العالية التي يجتذبها جمالُك، وتأنس بذكرك، ويلَذُّ لها قربُك، ولا يُرضيها إلّا أنْ تنال الكرامة لديك، ولا يَطيب لها شيءٌ كما تطيب لها طاعتك وعبادتك يا كريم يا رحمان، يا رحيم.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

“قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ([29]).

الخطبة الثانية

       الحمد لله الغنيّ الحميد الذي تنتهي إليه حاجاتُ العباد كلّها، ولا قاضي لها دونه، ولا يُشاركه في قضائها مشارك، ولا يحتاج إلى الجزاء على نِعَمِه، ولا للشكر على آلائه، ولا يملك أحد أن يَجزيه على إحسانه، ولا يُحصى عظيمُ امتنانه، وغِناه غنى مطلق لا حدَّ له حتى يقبلَ أن يزيد، وخزائن رزقه لا تنفد، ولا يَنقُصها العطاء العظيم، وكيف تنفد خزائن رزقه وكلُّ رزقه لمخلوقاته من قُدرته المطلقة على الإنشاء والخلق والتدبير؟!!

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا.

       عباد الله إنْ طلبتم صلاح دنياكم فلا صلاح لها إلا باتّباع منهج الله، وإنْ طلبتم صلاح آخرتكم فليس لها من صلاح في منهج سواه.

       فاطلبوا كلًّا من صلاح الدّنيا وصلاح الآخرة بالتزام منهج ربّكم، وأقيموا أمرَكم كلّه على الأخذ بهدى دينه والتقيُّد بأحكامه وسُنَنِه، واستقيموا على طريق تقواه فإنْ تفعلوا لم يفِتْكُم خير من خير الدّنيا ولا الآخرة، ومن يعدل عن ذلك فقد بَخَسَ نفسه، وسَلَكَ بها طريق الضلال المبين.

       اللهم صلّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرَّحيم.

       ربّنا ارزقنا نعمة الهداية والرَّشاد، ولا تعدل بنا عن صراطك، ولا تُفرِّق بيننا وبين طاعتك، واجعلنا من أهل محبّتك وولايتك، واحشُرنا في زمرة الصَّالحين، وملأ المتّقين يا أرحم الرّاحمين، ويا أكرم الأكرمين.

       اللهم صلّ على محمد وآل محمد خاتم النبيين والمرسلين الصَّادق الأمين، وعلى عليٍّ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزَّهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القُدُس ياربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.

       أما بعد أيّها الإخوة والأخوات الأحبّة في الله فإلى هذا العنوان الواحد:

       الأمن الخليجي:

       أمنُ الخليج وكلّ الدول المطلّة عليه مهمٌّ لأبناء هذه الدول، وهو جزء من أمن الأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة الذي يهمُّ أبناء الأمّتين معًا. وهو مؤثِّرٌ على أمنهما وأمن العالم.

       والأمن المطلوب لكلّ أمَّة، ولكلِّ دولة، وأبناءِ كلِّ دولة أمنُ دمٍ ونفوس، ومعيشة، واقتصاد، وعقيدة، وكرامة، وحريّة إنسانيّة، وحقوق. وما انتقض أمنُ واحد من هذه الأمور إلّا هزَّ أرضية هذا الأمن كلِّه أو كاد ينال من الأمن في عددٍ من الأمور المذكورة.

       وعندما تُفكِّر شعوب الخليج في أمنها فهي على حدّ كلِّ الشعوب في ذلك حيث يتوجّه اهتمامها للأمن الشامل المستوعب لكلِّ أبعاده لا لبعضٍ منها فحسب.

       ومما يتطلّبه أمن الخليج ودوله وكلّ أبنائه اليوم:

  1. أن تأمنَ الدّولُ المطلّة عليه بعضها من بعض.
  2. أن تصلح العلاقات بين كلِّ هذه الدول، وتقوم الثِّقة بينها مكانَ الشكّ.
  3. أن يأمنَ الخليجُ وكلّ هذه الدّول من بطش الدول الأجنبية الكبرى.
  4. أن تتمتع كلّ واحدة من هذه الدّول بالأمن الداخليّ.

وما يضمن الأمنَ الداخلي لكلّ بلد في العالم هو أن تقومَ العلاقة بين السُّلطة والشعب على الثِّقة والرضا.

وهذا يتطلَّب أن تكون سياسة أيّ حكومة من إرادة شعبها، وأن يُعترف عمليًّا بالدَّور الأساس للشّعب في إدارة شأنه العامّ، ويحقوقه كاملة، وأن يلمسَ فعلًا صِدْقَ حكومته وصدق إخلاصها في تمثيل إرادته، ورعاية حقوقه، وتقدير حرّيته، وإلّا فكيف يرضى شعبٌ بسياسة حكومته وحكومته تنتهج ما يخالف كلّ ذلك، وكيف تنبني عنده الثِّقة بها؟!!

وبشأن الوحدة فإنَّ الدّين جاء لتوحيد أبناء الإنسانيَّة جميعًا على أساسٍ من قاعدة جامعة في الالتفاف بها احترام الجميع، ورعاية حقوق الكلِّ، وتحكيم مقياس الكفاءة، وتوجّهُ الجهود البشرية جمعاء لقضية البناء والإعمار الإيجابيّ الشامل وهي قاعدة التوحيد([30]).

ويُحذّر الدّين من أيّ وحدة لتكريس الانقسام، وتفتيت المجتمع البشري، ولخلق العداوات، والنيل من الآخر بغير حقّ، ولأيّ غَرَضٍ يتنافى مع ما يستهدفه الدين من ترسيخ قِيَم الحقّ والعدل وحبّ الخير للجميع.

الوحدة التي يدعو إليها الدّين الحقّ ويحثُّ عليها هي الوحدة التي يقوى بها الحقّ، ويضعف الباطل، وينتشر العدل ويضمر الظُّلم، وتكون الكلمة للإصلاح والصَّلاح لا للإفساد والفساد.

فصلاحُ الأوضاع يسبق اتحادَها وإلّا كان من الاتحاد الضّار لا النافع، وكان مؤدّيًا لمضاعفة المشكلة.

وعن العدل والظلم، والصَّلاح والفساد يقتصر الكلام هنا وبصورة مختصرةً على الوضع الوطنيّ الخاصّ بالبحرين، وحسب شهادة المنظَّمات الحقوقية، ومُخرجات مؤتمرات دوليّة كبرى، وتصريحات دول صديقة للسُّلطة في البحرين، وما شُكِّل بإرادة النظام من لجنة لتقصّي الحقائق، وكلّ ما تقوله هذه المصادر عن الوضع السياسي والحقوقي هنا أنه وضع متردٍّ والحاجة فيه ملحّة للإصلاح، وتقول بعدم وجود إرادة إصلاحيّة جادّة عند النظام. وهذا الذي تقوله هو بعض ما تعجّ به البحرين من مأساة الواقع.

فبالنّسبة لما عليه وضعُ وطننا الذي يعاني في واقعه المؤلم من خَلَلٍ سياسي واسع، وانتهاك للحقوق، واستباحة لأمن المواطن، واستخفاف بقيمة الشَّعب، فإنَّ هذا الوضع يتطلَّب الإصلاح الجادّ الشَّامل لِيُعِدَّ نفسه لمسألة الوحدة التي يرضاها الدّين، وتنفع الشّعب وكلّ المنطقة، ولها عائدها الجميل على الأمة.

وإذا كانت أكثر الحكومات في مجلس التعاون الخليجي ترى أنَّ وقت الاتحاد الناجح لا يزال يحتاج إلى تفاهمٍ، وإعدادٍ أكثر، ودرجةٍ عالية من التحضير النفسي والعملي على المستوى الرّسمي بين أطرافه، فإنَّ الشعوب ترى أنَّ أهمّ مقدِّمة من مقدّمات الاتحاد المقبول فضلًا عن الناجح والنافع والمؤمّل هو أن تُصحَّح الأوضاع السياسية داخل كلِّ دولها، ويتوحَّد الاتجاه في إعطاء الشعوب دورها المعترفَ به على مستوى العالم والمرتبطة بموقعها السياسيّ وكونها مركز الثقل في العملية السياسية المتربطة بإدارة شأنها العام، والمسار المؤثِّر على مصيرها، وأن يُعترف لها دستوريًّا وعمليًّا بكامل حقوقها.

وهذا أمرٌ لا يختلف عليه شعبٌ من شعوب المنطقة كلِّها.

وسنبقى نحن في البحرين نؤمن بوحدة الأمة، وبقيمة السَّلام العالمي، وبأيِّ تقارب صادقِ النيّة، سليمِ الهدف، متّجهٍ لما يُرضي الله سبحانه فيه خيرُ منطقتنا، وخيرُ أمتنا ولا يعود على الإنسانيَّة إلّا بما فيه خيرها.

وسنبقى نعتزُّ بوطنا، ونحرص على سلامته، ونتمسَّكُ بوحدة أبنائه بما فيه هُداه، وخيره، ورضا ربّه سبحانه، مشدِّدين على أن يأخذ في اتجاه جديد للعدل والإنصاف، والمساواة، والاعتراف بالحقِّ السياسيّ الأساسيّ للشَّعب وسائر حقوقه المغيَّبة، وإنهاء حالة الغَبن والاضطهاد.

وما من مسلم حقّ إلا ويتمنى وحدة الأمة الإسلامية وعزّتها وكرامتها ونفاذ كلمتها، ويعرف من الإسلام أنه وحَّد قلوب المؤمنين وعقولَهم وصفوفَهم وجمعهم على الهدى، وأشادَ منهم أمّة وسطًا تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى الله، وتتميّز بالعدل، وتنتصر للمظلوم، وتردُّ عدوان الظالم، وتثأر للحقِّ، وتُناهض الباطل.

فكلُّ وحدةٍ على هذا الطريق القويم ومن أجل هذه الأهداف العالية الكريمة لابدَّ أن تلقى ترحيبَ المؤمن، وتستحقَّ البذل منه في سبيلها. وليس لأيِّ وحدةٍ من نوع يُخالف هذه الوحدة أن تتوقَّع من المجتمعات الإسلامية الواعية أن تلقى عندها شيئًا من القبول.

وبهذا يكون القبول إنما هو قبول لوحدة تكون على طريق الوحدة الكبرى الصالحة.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، اللهم ادفع عن هذه الأمّة كلّ سوء، ووحّد كلمتها على التقوى إنك أرحم الرّاحمين. اللهم أبعد هذه الأمّة عن الانقسامات، والتشرذمات، وعن أيّ ما يضرّ بوحدتها الإسلامية الكبرى.

اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، وردَّ غرباءنا سالمين غانمين في عزّ وكرامة برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([31]).

 

[1]– أهل الشرّ لا يُدخلون على المؤمنين إلا الوحشة، ولا يأنس المؤمن إلا بمن هو أهل للخير من مثله.

[2]عيون الحكم والمواعظ ص286 ط1.

[3]– المصدر السابق ص437.

[4]– موسوعة معارف الكتاب والسنة ج5 ص409 ط1.

[5]– شرح نهج البلاغة ج20 ص42.

عيشٌ خشن، عيش صعب لكنّ من يحيطون بك عقلاء، هذا العيش آنس لك من عيش رغيد، وحياة مترفة لكن يحتوشك فيها أهل سوء وأهل شر وجهّال.

[6]بحار الأنوار ج71 ص180 ط2 المصححة.

[7]بحار الأنوار ج75 ص353 ط2 المصححة.

[8]– الكافي ج2 ص245 ط4.

[9]– مؤمن واحد بحقّ يستحق عند الله عزّ وجلّ أن تُخلق من أجله السماوات والأرض. فكم هو عظيم شأن المؤمن عند ربّه سبحانه! كن مؤمنًا تكن عظيمًا عند الله.

[10]عيون الحكم والمواعظ ص437 ط1.

[11]موسوعة معارف الكتاب والسنة ج5 ص415 ط1.

[12]– عيون الحكم والمواعظ ص442 ط1.

[13]– الأمالي للشيخ الصدوق ص713 ط1.

[14]موسوعة معارف الكتاب والسنة ج5 ص417 ط1.

[15] الكافي ج8 ص207 ط4.

[16]الكافي ج2 ص558 ط4.

[17]– الأمالي للشيخ الطوسي ص580 ط1.

[18]– هو يرى نفسه إذا كان على طريق الآخرة في ربح دائم، وإنما يفقد الإنسان الأمل، وإنما يحزن، وإنما يستوحش لفقد الخير، فإذا كان ما فقده ليس شيئًا بالنسبة إلى ما هو على طريقه لم يؤثّر فقده لذلك الشيء في نفسه شيئا.

[19]– شرح نهج البلاغة ج20 ص340.

[20]– إذا أمّلت فليتعلق أملي بما هو صحيح ونافع ومرضي لله سبحانه.

[21]– لا أؤمّل المستحيل.

[22]– الموت من المؤنسات، الحديث يذكر أن الموت من المؤنسات. واعجباه!

[23]نهج البلاغة ج1 ص41 ط1.

[24]– الموت محلّ أمنية، وشوق، الموت في طاعة الله، في حال جهاد في سبيل الله، من أي نوع من الجهاد، هذه نفسيات فوق ما نستطيع.

هذا يستبطئ يوم عرسه، وهذا يستبطئ أن يكمل قصره، وهذا يستبطئ تظهر جائزته. الإمام زين العابدين عليه السلام يريد عملا يستبطئ به الموت.

[25]الصحيفة السجادية الكاملة ص196. بعد مراجعة المصدر المذكور لم نجد فيه عبارة (اللهم).

[26]– الكافر والفاسق والفاجر.

[27]موسوعة معارف الكتاب والسنة ج5 ص419,

[28]– فلأرى أنسي.. فإن كان أنسي بما وضع كانت نفسي وضيعة، وإن كان أنسي بما سمى فلنفسي شيء من سموّ.

[29]– سورة الجحد.

[30]- قاعدة التوحيد تُعطي كلّ ذلك للاتحاد الذي يقوم عليها، ولأهل هذا الاتحاد.

[31]– 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى