خطبة الجمعة (533) 29 محرم 1434هـ ـ 14 ديسمبر 2012م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: تكملة لموضوع: الأسوة

الخطبة الثانية: ماهو المسار، متهي الغاية؟

الخطبة الأولى

الحمد لله خيرِ مأمول، وأكرم مرجوّ، وأحفظ حافظ، وأرحم راحم، وأعظم مُثيب. توّابٌ على التّائبين، غفّارٌ للمستغفرين، كاشِف كَرْبِ المكروبين، وهمّ المهمومين، منزّه عن كلِّ نقص، متعالٍ عن كلّ ظلم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله ألا إنّ تقوى الله زينةُ العباد، وفيها كمالُهم، وبها يُنقذون أنفسهم من النّار، ويشترون بها الجنّة، وتأمنُ حياتهم في الدّنيا، وتستقيم معاملاتهم، وتصلح نيّاتهم، وتطهر قلوبهم، وتزكو أرواحهم، وما زَهَد في التقوى إلا من غَفَل عن ذكر ربّه، وجَهِل نفسه، وبخس ذاته؛ فلنطلبْ التقوى لأنفسنا، ولمن نُحبّ، ولنرفع رايتها في النّاس.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم إنّا نعوذ بك من أن نقعَ في الغفلة من ذكرك، وتحولَ الظلمة بين قلوبنا ورؤية عظمتك، فننسى أنفسنا، ونخسر التقوى، وننغمر في الضَّلالة، ونُقيم على المعصية، ونسعى بأقدامنا إلى النّار.
أما بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه عودة للحديث في موضوع :

الأسوة:

القدوات أوزان:
في كلّ عبدٍ صالح، أو أمّةٍ صالحة قدوة حسنة، والقدوات أوزان، وليست على وزن واحد، ولا حجم واحد، فهي مستويات سعةً وغزارةً وثباتًا في كلِّ ما لهم من صفات كمال، ومواقف تُحتذى، ونور يُهتدى به.
وحجمُ أيّ قدوة حسنة من حجم الرؤية التي ينتمي إليها، وأصالتها، ونقائها، وصفائها، وقدرتها على صناعة المستويات العملاقة، والوصول بأصحابها إلى الآفاق المحلِّقة.
وهو من حجم ما عليه القدوة من قدرة على مسايرة تلك الرؤية، وانفعاله بها، وتجسيده لمقتضاها.
ولا حجم لمبدءٍ كما هو حجم الإسلام، ولا صِدْق لدين كصدقه، ولا إشعاعَ لرؤية كما هو إشعاعه، ولا قدرةَ لأطروحة على صناعة الإنسان الرّاقي، وخلق الشّخصية الفذّة كقدرته.
ولا تجسيدَ من أحدٍ للإسلام كتجسيد المعصومين عليهم السلام، ولا بلوغ من أحد لأُفُقِهِ البعيد كما هو مبلغهم.
وهذا لا ينفي أن يكون في كلّ من له حظّ من وعي الإسلام، وصدقه، وأخلاقه، وإرادته، وسعة أفقه، وهداه وفاعليته المعطاءة الخيّرة، ورحمته، وشفقته قدوة حسنة، ومثالٌ في الخير والصلاح بقدر ما استفاده من الإسلام، واكتسبته شخصيته.
ولما عليه أهل البيت عليهم السلام من تجسيد لا مثيل له للإسلام شمولًا وكمالًا وثباتًا ودوامًا جاء الحثّ في الحديث على اتباعهم بما لا يدع مجالًا للشكّ.
وفي مقدّمة ما جاء بهذا الشأن حديث الثقلين، والأحاديث كُثْرٌ مما سيق من أجل هذا الهدف.
من ذلك ما عن عدد من المصادر: تاريخ دمشق وكنز العمال، حلية الأولياء، بشارة المصطفى، الأمالي للطوسي، الأمالي للشجري عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربي فليوالِ عليًّا من بعدي، وليوالِ وليّه، وليقتد بالأئمّة من بعدي؛ فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهمًا وعلمًا….”(1).
وعنه صلّى الله عليه وآله في بيان منزلة الأئمة عليهم السلام:”هم أبواب العلم في أمّتي، من تبعهم نجا من النّار، ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم، لم يهب الله محبتهم لعبد إلاّ أدخله الله الجنّة”(2).
عن الإمام عليّ عليه السلام:”من اتبع أمرنا سبق”(3).
وعن الإمام الحسين عليه السلام:”لَكُم فِيَّ اُسوَةٌ “(4).
ويغنى تاريخ الأمّة وحاضرها بقدوات رفيعة من بعد الرسول صلّى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وإن كانوا هم القدوة الأولى لكلّ الأمّة التي هي قدوة الأمم فيما يجب أن تكون عليه.
وتتضاعف مسؤولية من اتخذه النّاس قدوة في سبيل الهدى والخير في بناء نفسه، ومواجهة ضعفه، والاستعلاء على هواه، وتكميل نقصه، والارتفاع بمستواه.
وتتعاظم هذه المسؤولية كلّما اتّسعت دائرة تأثيره، وازداد عدد محبّيه ومريديه، وتأكّدت ثقة النّاس فيه في البُعد الدِّيني أو السياسي، أو أي بُعد مؤثّر آخر.
عن الإمام عليّ عليه السلام:”من نصب نفسه للنّاس إمامًا فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم النّاس ومؤدّبهم”(5).
نعم من أدّب نفسه فذلك أدلّ على صدقه وإيمانه بفكرته، وعلى جدّيته وتحمّل أمانته، وأبلغ تعبيرًا عن وضاءة ما آمن به، وقدرته على الصناعة الناجحة للإنسان واستقامته.
أما تعليم الآخرين فلا يملك كل هذه الدلالات، ولا يحتاج في الأساس إلى أكثر من عامل الاستيعاب الفكري للقضية التي يريد توصيلها.
وهل ترى أن من يُؤثِر على نفسه يُساوي خُلقَه هذا أثرًا بليغًا، ودرسًا مؤثّرًا أن يدعو قولًا إلى خلق الإيثار(6)، ويشرح قيمته الخلقية؟!(7)
وإذا كان هذا الإيثار في حال الخصاصة، والحاجة إلى ما يؤثر به فما هي قيمة كلمة ناصحة به بإزائه؟!
{… وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ…}(8).
وعن الإمام عليّ عليه السلام في الحِكَم المنسوبة إليه:”من لم يصلح خلائقه، لم ينفع النّاس تأديبُه”(9).
والمؤمن يقتدي بمن هو فوقه إيمانًا وفكرًا وعملًا، كما يُقتدى به، وكلُّ من له حُسْنُ دين وخلق، وصفةٌ من صفات الخير كان في المؤمنين محَلَّ قدوة لمن افتقد ذلك، أو كان الأوّل أكمل منه فيه. فكلٌّ متّخذٌ من أخيه قدوة في ما يسبقه أخوه فيه من صفة كمال(10). وقد يقتدي بك صاحبُك في صفة كريمة أنت أغنى بها، وتقتدي به في صفة كريمة أخرى هو أكثر توفّرًا عليها(11).
وقد تجد شخصيّة لها كمالات معنوية كبيرة كثيرة درسًا لها تحتاجه، وموردًا مهمًّا من موارد الاقتداء المربي النافع في شخصيه مغمورة لا تلحظها العيون.
فكم من خُلُقٍ كريم، ودرس في الصّبر الجميل لا تكاد تجد مثله وتجده في من لا ذكر له في الذاكرين!!!!(12)
ويتفاحش البُعد ما بين الاقتداء الحسن، والاقتداء السّيء بما لا يمكن أن يُحدَّ بمسافة حتّى يصل في جانب الحسن إلى أن تتخذ نفسٌ الله مثلها الأعلى، وفي الجانب السيء أن تتخذ نفس الشيطان قدوة ووليّا.
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(13).
وعن الإمام عليّ عليه السلام – في الحكم المنسوبة إليه -:”يا عجبًا للناس، قد مكّنهم الله من الاقتداء به فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم”(14).
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أعذنا من أن نختار غير سبيلك، أو نأخذ بغير دينك، وأن يكون لنا اقتداء بغير أوليائك، أو هوى في غير رضاك، وألزمنا تقواك، وجنّبنا معصيتك، وخذ بيدنا على صراطك يا رحمان، يا رحيم، يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(15). 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما هو أهله، وكما ينبغي لِكَرَمِ وجهه، وعزّ جلاله، حمدًا يقصر عنه كلّ حمد، ولا يجوز عليه حدّ، ولا يكون لأحدٍ سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
إخوة الإيمان… عباد الله: الإسلام دين الله الصادر من علمه، وحكمته، وعدله، ولطفه، ورحمته فكلّه لُباب، ولا قِشر فيه فيُرمى، وكلّه محلّ حاجة، فلا زائدة فيه عنها يستغنى، وكلّه بناءٌ متكامل متماسك لا تصحّ عليه التجزئة والتبعيض والتفكيك، وكلّه وصفة واحدة مترابطة في مكوّناتها فيها حلّ كلِّ ما يعترض الحياة من مشكلات، وبها تُكفل سعادة الإنسان هنا وفي الآخرة.
وما من تخلٍّ عن شيء من الإسلام إلا وهو تخلٍّ عن الحقّ، والعلم، والعدل، واللطف، والحكمة، والرحمة، وليس في شيء من التخلّي عن الإسلم إلاّ ما يُعقب النَّصَبَ والضرر والشقاء فلنتّق الله، ولا نزهدْ في شيء من دينه، ولا نُعطِّل شيئًا من أحكامه، ولا نُعمِل رأينا في شريعته، ولا نستبدل بشيء عن ملّته.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تجعلنا ممن يتعامل مع دينك بالرّأي والهوى فيقبَلُ ما يرى، ويرفض ما لا يرى، ويأخذ بما يهوى، ويدع ما لا يهوى. اللهم اجعلنا لك مسلمين، وبدينك راضين، وله متّبعين، وعنه مدافعين، ولرايته رافعين برحمتك يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين الصَّادق الأمين، وعلى عليٍّ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزّهراء الصّديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن عليّ الزّكي، والحسين بن عليّ الشّهيد، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليٍّ الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعليّ بن موسى الرِّضا، ومحمد بن عليّ الجواد، وعليّ بن محمد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، ومحمّد بن الحسن المهديّ المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أما بعد أيها الأحبّة في الله فالعنوان:

ما هو المسار، ما هي الغاية؟

لشعب البحرين مسار واضح، وغاية واضحة، وخيار واضح، وأنّه لابد من تغيير… لابد من إصلاح، وقد عبّرت الجمعيات السياسية المعارضة عن سقف الإصلاح الذي ترى ضرورتَه ملتزمةً بالأسلوب السّلميّ ونبذ العنف ورفضه من كلّ الأطراف، وذلك في وثيقتين: وثيقة المنامة، ووثيقة اللا عنف.
ولا مطالبَ أخفض سقفًا في كلّ التحرُّك العربي مما طالبت به الجمعيات السياسية في البحرين، ووثيقة المنامة، ولا التزام بالسلميّة في كلّ هذا الحراك كالتزامه من الحراك في البحرين، ولا تشديد على السلمية في مكان كالتشديد عليها من العلماء والجمعيات السياسية، ورموز سياسية كثيرة في البحرين.
ثم لا حكومة أكثر تشدّدًا وتصلّبًا في مواجهة المطالب العادلة وتنكيلًا بالمطالبين السلميين بها في كلِّ السَّاحة العربية التي شهِدت حراكًا شعبيًّا متواصلًا من حكومة البحرين.
هذا لحدّ الآن، وماذا عن المسار الذي تختاره الحكومة، والغاية التي تختارها الحكومة، ومنتهى الأزمة الذي تختاره الحكومة للمستقبل؟
الإصلاح قريبًا له إشاراته، والمبشِّرات الدالة عليه، ولا شيء من ذلك، وما على الأرض أقرب إلى العكس.
الإصلاح المؤجّل، وبعد أَمَدٍ بعيد. وهذا في حكم العدم(16)، وفيه فتح الباب لعنف الدولة على مصراعيه، وما يُنتجه هذا العنف من مخاطر على الوطن كلِّه، وما يتسبّب إليه من تحطيم كلّ الجسور، وما يُفرزه من أحقاد، ويُحدثه من دمار، ويسدّ الطريق إلى أي إصلاح.
ما هو الحل، وما فيه رحمة بالوطن، وما هو مقتضى العقل، وما يلزم به العدل، وما يحتّمه الحقّ، وما تضطر إليه مصلحة البلد هو الإصلاح القريب جدًّا، والجديّ جدًّا، والصادق جدّاً، والأساسيُّ جدًّا؛ فإن يكن ذلك فهو خير، وإن لم يكن فإن الحكومة تكون قد فرّطت في أمانة هذا الوطن حتّى النهاية.
إنّ على السلطة أن تُؤسّس لعلاقة جديدة مع الشعب تنطلق من نظرة جديدة لقيمته العالية، وموقعه الأساس في العمليّة السياسية؛ نظرة تنسجم مع رأي الدِّين، وكرامة الإنسان، وتعترف بحق الشعوب، وتقبل بأنَّ الشّعب أولى منها في اختيار مسار حياته، وتحديد مصيره، وأنّه الأصل والأساس في العلاقة السياسية بين الطّرفين، وهذا ما عليه واقع هذه العلاقة في كلِّ البلدان المتقدِّمة، وما تتجه إليه الحياة السياسيّة بصورة عامة في هذا العصر.
نظرةُ أنَّ الأرض والشعب مُلْكٌ لسلطة تفرض نفسها عليه بالقوّة والبطش، وأنَّ لها أن تتصرف في الثروة والإنسان خارج إرادته وكما تهوى، وترى فيه مصلحتها نظرة بالية، ولا يمكن أن يُعترف بها اليوم في أيّ بُقعة من الأرض، ولا من أيِّ شعب من الشعوب، أو يستسلم لها الزمن.
إنَّ بقاء البحرين بلا إصلاح، وبقاءَ شعبها معزولًا عن النظر في أمر نفسه، وتقرير مصيره، بلا اعتبارٍ لرأيه، مع تجريمه لمطالبته بحقوقه يجعلها وجودًا شاذًّا في هذا العالم، وكأنّها ليست من دول هذا العصر، وأنها تعيش زمنًا غير هذا الزمن.
وعندما يُقرّر شعبٌ أنّه لا يريد ولا حربًا، ولا عنفًا وإرهابًا، ويقرّر مع ذلك أنه إمّا أن يحيا عزيزًا، أو يموت عزيزًا، ولا يبخل بحياته على عزّته لا يأتيه لوم، ولا يلحقه نقد ولا تأثيم، ولا يلويه عن هدفه شيء، ولا يُمنى بهزيمة(17).
وقرار هذا الشعب أن ينأى بنفسه عن طريق الإرهاب، وأن لا يأخذ بأسلوب العنف، وأن يُطالب بحقوقه ما دام حيًّا، ويصر على الإصلاح الجادّ الحقيقي متقيّدًا بدينه، وبصورة سلمية وحضارية راقية.
هذا الشعب مُصِرٌّ على أن ينتصر، وانتصاره في استرجاع الحقّ، وإقرار العدل، وإنصاف كلِّ المواطنين، وتثبيت الأُخوّة الإسلامية والوطنية في هذا البلد، وتثبيت المرجعية الشعبية في الشأن العام بدل أن تكون المرجعيّةُ الأصل والمبدأ لجانب السلطة، وأن تكون لها الوصاية الشاملة والولاية التامة، والطاعة المطلقة على النّاس.
هو انتصار للشعب كلّه لا لفئة خاصّة منه، وللوطن كلّه لا لجزء منه على حساب جزء آخر.
إنه انتصار لا يعني ظلم أحد، أو اضطهاد أحد، أو تدمير أحد، أو استضعاف أحد، أو غبن أحد.
وشعب هذه نيّته، وهذا هدفه، وهذا تصميمه شعب لا يُلام، ولا يُقهر، ونصره محقّق بإذن الله العزيز الحكيم.
كلُّ الأساليب التي كانت فشلت عن قطع الطريق لهذا النصر، وكلُّ الأساليب الأخرى لهذه المحاولة مصيرها الفشل بإذن الله.
وسياسة خلق ألف مشكلة وحلّ بعضها للصرف عن الحلّ الجاد، ومعالجة أساس كلِّ المشكلات، وردم منبع الفساد وهو المشكل السياسي، هذه السياسة قد توضَّح فشلها، وأنها عادت بلا تأثير.
وزيادة المشكلات التابعة، والأزمات الذيليّة إنما يُحفِّز بدرجة بالغة على الاهتمام الشديد، والتركيز بقوة على حلِّ المشكل الأساس، ومصدر كلِّ الأزمات المتفرّعة.
أمَّا عن إدانة العنف فقد تكرَّرت لمرات من طرف المعارضة قبل وثيقة اللا عنف وبعدها وبقي على طرف السلطة أن يُوقِف عمليات العنف التي تُنفِّذها أجهزته، وأن يدين عنفها بصورة صريحة(18).
وقد تكررت دعوة المعارضة للخروج من الأزمة عن طريق الإصلاح، وبقي على الحكومة أن تستجيب لهذه الدعوة من غير تسويف.
وإذا كان الحوار الجدّي مقدّمةً لابد منها للإصلاح في نظر السلطة فإن المعارضة لم تزل تدعو إليه وتنادي به لسنوات من قَبْل الحراك الشعبي الأخير، وفي أثنائه، ولا زالت كذلك.
وإذاكانت السُّلطة تريد للأزمة أن تنتهي فعليها أن تستجيب بجدية لقضية الحوار، وأن تُوفِّر الأجواء المناسبة لنجاح المحاولة، وأن تتجاوز بقرارٍ شُجاعٍ الأصوات من داخلها ومن التابعين لها والتي ترى أنَّ في الحوار إثمًا، وتحاول بكلِّ جهدها لتعطيل الحلّ، وتشديد الأزمة، وحرق الوطن.
وعن سماحة السّيد أحمد الماجد فإنَّ وضع صحّته وسلامته مُقلق لنا جميًعا… لكلّ من يحترم حقّ المواطنة، وكرامة المواطن، وحرية الكلمة، ويُقدِّر القيمة العالية للإنسان، ومدى القيمة المتميّزة للإيمان والعلم(19).
وفي شأن المساجد فإنَّ مساحة متر واحد من مسجد لا تعدلها عشرة آلاف متر من أرض غير مسجديّة.
المساجد ليست محلّ تجارة دنيوية، وليست معروضة للبيع والشراء، ولا تعويض عن مواقعها بمواقع أخرى.
ونحن قبل أن ننظر إلى الناحية التاريخية لأي مسجد وقِدَمِه زمنيًّا وما يحمله ذلك من دلالات موضوعيّة خاصّة لها قيمتها يتركّز نظرنا أولًا وبالذّات على القدسيّة المسجديّة، ووجوب رعايتها على كلّ المسلمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من مُضِلات الفتن، ومن غَلَبَة الهوى، والثّلمة في الدين، وأن تخذلنا عند المحنة، وتُسلمنا عند الشدّة، ومن أن تحرمنا تأييدك، وتمنعنا نصرك.. ربنا ارأف بنا وارحمنا وتجاوز عنّا يا كريم، يا رحمان، يا رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك أسرانا وسجناءنا، وردّ غرباءنا في عزٍّ وخير وكرامة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (20).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – تاريخ مدينة دمشق ج42 ص240. (لمعرفة تفاصيل المصادر الأخرى الرجاء مراجعة الكتب المذكورة في المتن).
2 – بحار الأنوار ج38 ص92 ط2 المصححة. والمعنيّ المحبّة الصادقة.
3 – عيون الحكم والمواعظ ص424 ط1.
4 – موسوعة معارف الكتاب والسنة ج3 ص26.
5 – نهج البلاغة ج4 ص16 ط1.
6 – شخص يدعو إلى أن آثروا الناس على أنفسكم. وفي مقابلة شخص يُؤثر عملًا على نفسه من دون أن ينطق بوعظ في الإيثار. أيهما أبلغ؟
7 – فلأدعو ما عشت للإيثار من دون أن أمارسه، إن هذا كله لا يساوي موقفا عمليّا واحدا من مواقف الإيثار لو وقفتها.
8 – 9/ الحشر.
9 – شرح نهج البلاغة ج20 ص263.
10 – قد تكون متوفّرًا على صفة من صفات الكمال، وتفقد أخرى تجدها في أخيك، فلك منه قدوة فيما يملك من كمال، وله فيك قدوة مما تملكه أنت. كلٌّ منكما له قدوة في الآخر فيما يملك من كمال.
11 – والحق كل الحق أنْ ليس منّا من يتوفر على كل الكمال، وهو محتاج إلى أن يتفحص في سلوك الآخرين عن كمالاتهم ليقتبس منها.
12 – شخص لا ذكر له في الناس قد تجد فيه أغلى الدروس وأغناها.
13 – 42/ الحجر. والآيات كثيرة في هذا الباب.
14 – شرح نهج البلاغة ج20 ص332.
بل هم أضلّ سبيلا.
15 – سورة الكوثر.
16 – إذا كانت هناك نيّة إصلاح على المدى البعيد فإنه في حكم العدم.
17 – هتاف جموع المصلين (هيهات منا الذلة).
18 – المُطالَب بإدانة العنف الآن إنما هي السلطة، المعارضة كلّ تاريخها كان يدين العنف، رموز المعارضة، العلماء مع المعارضة، كلّ تاريخهم هو إدانة العنف، ورفض العنف، والتصريح في هذا متكرّر، والسلطة هي المطالبة بأن تدين أجهزتها وأن توقف عنف أجهزتها.
19 – هتاف جموع المصلين (نطالب بالإفراج عن المساجين).
20 – 90/ النحل..

 

زر الذهاب إلى الأعلى