خطبة الجمعة (528) 24 ذو الحجة 1433هـ ـ 9 نوفمبر 2012م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: للإنسان عُمُرا يجهله

الخطبة الثانية: يوم عاشوراء – التفجيرات الأخيرة – سحب الجنسية

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي منَّ على عباده بمعرفته، وفَتَحَ لهم السّبٌل لهدايته، ودلَّهم على طريق كمالهم بأمرهم بطاعته، ومَنَحَهم الكرامةَ بأن حضّهم على عبادته. وهو رحيم بعباده يقبل اليسير من الطّاعة، ويَجزي عليه الكثير، ويعفو عن كثير من المعصية، ولا يَجزي السّيئة إلا بمثلها، ويقبل توبةَ التائبين الصَّادقين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله ما خاب من أطاع الله، وما أفلح من عصاه، وما أنصف نفسه من لم يرضَ بأُلوهيّته، ورضي ألوهية من عداه، وما أعمى من نسي ربوبيته، وتوهّم ربوبيّة من سواه!!
وهل غيرُ الله شيءٌ مالك لنفسه وجودًا أو حياة أو خيرًا، أو دفعًا أو منعًا إلاّ بالله؟! فعلى من غير الله مستقِلًا يكون الاعتماد، وممن يُطلب من دون الله الفلاح والنجاح؟!.
التقوى التقوى من الله، ولتنصرف الوجوه إلى بارئها بالطاعة والعبادة والاستجابة المطلقة، والضراعة والخضوع. ولن يفلحَ مستكبر.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد أفضل ما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، اغفر لنا ربّنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أحينا ما أحييتنا على هداك، وأمتنا إذا أمتنا على رضاك، وأسعدنا بتقواك، ولا تُشقِنا بمعصيتك، ولا تدخلنا النار التي توعّدت بها أعداءك، ولا تحرمنا الجنّة التي وعدتَ أولياءك يا رؤوف، يا رحيم، يا كريم.
أما بعد أيّها الإخوة المؤمنون والمؤمنات الأعزّاء والأحبّة في الله:

فإنّ للإنسان عُمُرًا يجهله، وعند الله علمُه وتقديره. وقد يكون من عمر الإنسان المقدَّر عند ربّه ما يطول بتقدير الله بالوقاية وعمل الحسنة، أو يقصر بالإهمال وإتيان السيئة. وكلُّ ذلك بمقدار.
ومنه ما هو محتوم لا يتقدّم ولا يتأخّر، ولا تفعل فيه الأسباب.
وكلّ ما مُلِّك الإنسان من أسباب نُجْحٍ وكمال وعاقبة حميدة إنما مداه مدى العمر، ولا يتجاوزه؛ فالعمر على هذا هو كلّ شيء في الأصل في وجود الإنسان، فإن ضيّعه ضاع، وإن أساء استعماله لم يكتسب إلاّ سوءًا، وإن أجاد استثماره بَلَغَ الغاية.
ولا يُستثمر العمرُ الاستثمار الصالح إلا بعبادة الله وطاعته، والأخذ بمنهج الحياة الذي رضيه لعباده.
وكلُّ العمر لحظاتٌ يعقُب بعضها بعضًا، ولا عودة لأيّ لحظة تمضي منها، وكلُّ لحظة تنقضي من عمر التكليف لا تخرج عن ثلاث: لحظة ضاعت مع الفراغ، ولحظة عُبِّئت إثمًا وشرًّا، ولحظة زانها جميل الطّاعة، وعظيم المثوبة.
ولنسمع نصوص القرآن والسنة وهي تتحدث لنا في موضوع العمر:
{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(1).
فليس من أحدٍ إلا وعمره معلوم عند الله الذي لا يُخطئ علمه، ولا يقبل تحويلًا ولا تبديلًا، والأعمارُ كلّها مملوكة لله وحده لا لأحدٍ من خلقه.
وتُثير النصوص الإحساس العميق بأهمية الوقت، وضرورة توظيفه على طريق الغاية التي كانت من أجلها الحياة ولا غاية للحياة إلا كمالُ الإنسان، وسعادتُه الأبدية، ولا طريق لهذه الغاية إلاّ عبادة الله وطاعته.
عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:”كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك”(2).
فلا تضع شيئًا من عمرك في ضَرَرِك، ولا تتلف منه شيئًا في غير نفعك مما لا يخدم غايةَ حياتك؛ فإذا كان المالُ قد يُعوَّض فإنَّ العمر الذي يمضيه صاحبه على غير طريق الغاية لا عِوَضَ له، ولا بديل عنه.
وعنه صلّى الله عليه وآله:”إنّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قُدِّر له فبادروا قبل نفاد الأجل”(3).
“بادر بأربع قبل أربع: بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سُقمِك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك”(4).
وعن الإمام عليّ عليه السلام:”فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل، فإنّه لا يُرجى من رجعة العمر ما يُرجى من رجعة الرّزق”(5).
كلّ يوم يأتي على الإنسان من عمره يذهب لا ليعود، وكلُّ لحظة تتصرَّم منه لا تتكرّر، والأيام معدودة، والآنات محدودة، ولا شيءَ مما بيد الإنسان من شبابه، وصحّته، وغناه، وحياته يبقى، وكلُّ شيء مما يجده إلى زوال، والزّمن مليءٌ بالمفاجآت، وقد لا تستوي عشيّةٌ وضُحاها في حال الإنسان، وما عليه صحّته وقوّته وغِناه وحياته فلا سبيل عندئذٍ للتّسويف بطلب إصلاح الذّات، وكمالها، والاستعداد للقاء الله سبحانه بطاعته وعبادته.
ولا يُبخل بمال على صلاح الذات وكمالها، وطَلَبِ النجاة والفوز برضا الله عنها فإنَّ المال يذهب ويجيء، وينقص ويزيد، ويمكن أن تكون له رجعة على صاحبه؛ أمَّا العمر الذي هو فرصة العمل الصالح وبناء الذات فلا رجعةَ له.
وعن الإمام عليّ عليه السلام:”من اشتغل بغير المهمّ ضيّع الأهمّ”(6).
أمور الدُّنيا يتقدّم بعضُها أهميَّةً على بعض، ولكن لا أمر من أمور الدنيا كأمر الآخرة في ذلك(7)، ولا شأن لشيء مما للإنسان في مقياس عقل أو وجدان سليم له من الأولوية والمكانة ما للإنسان نفسه وصحة تفكيره، واستقامة مشاعره، وصفاء روحه، واهتدائه لغايته، وكماله، ودينه الذي لا يسلم له شيء من ذلك، ولا يتم إلاّ بسلامته وتمامه.
ولا تعدل سعادةُ الدّنيا ولا شقاؤها ما عليه السّعادة المرتقَبَة للآخرة، والشّقاءُ الذي يتهدّد الإنسان فيها.
فالرّجحان دائمًا في النظر ورعاية الأهميَّة عند العقل والفطرة الهادية للإنسان والدين وأمر الآخرة. وهذا لا يعني أبدًا إهمال أمر الدُّنيا، وإنّما أن يُجعل الإنسان والآخرة غايتها، وأن تُصاغ الحياة فيها على طريق هذه الغاية، وأن تُوظَّف من أجلها.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل لنا تردّدًا في تقديم الدّين على الدنيا، ولا تَلُكّأً عن طلب رضاك بكل ما ملّكتنا، ولا وهنًا في السعي في سبيلك، ولا شكًّا في دينك، ولا زُهدًا في طاعتك، ولا رغبةً في معصيتك يا أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وأرحم الرّاحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(8). 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يُعجزه شيء، ولا يمتنع من قدرته ممتنع، ولا يُجير من أخذه مُجير، ولا يدفع عقوبتَه دافع، ولا يتجاوز قضاءَه متجاوِز، وهو العدلُ الذي لا تعطيل لعدله، ولا تشوبُ عدلَه شائبةُ ظلم، ولا يُخالطه جور.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عباد الله من طَلَبَ الخيرَ فلا خيرَ إلا عند الله، ومن فرَّ من الشرّ فإنّه لا مفرَّ من شرٍّ إلا بإرادة الله، ومن رأى أن يَشْكُرَ النِّعَم فلا نعمة عند أحد، ولا عطاء من أحد إلا بإذن الله فلا حقيقَ كالله سبحانه تبارك وتعالى بأن يُرجَى، ويُخافَ، ويُشكر.
وهو الذي لا يُغني رضا الخلقِ كُلِّهم عن رضاه، ولا يقوم سخطهم مقام سخطه، ولا يُجدي شكرُهم عن شكره، ولا يضرُّ مع رحمته ودفعه ضارّ.
فلنرغب عباد الله في تقوى الله، وليكن حرصُنا على رضاه، ولنتحصّن بحصن طاعته، ونحتمِ بحماه.
اللهم اجعلنا كذلك وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا من الصَّالحين، والسّاعين بالخير في عبادك، والصلاح في بلادك، وممن كتبت لهم الهداية وصِدق الولاية لك ولمن والاك، ورزقتهم الكفاية والوقاية، والسعادة في الدارين يا رحمان يا رحيم يا جواد يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الله فإلى هذه العناوين:

يوم عاشوراء:

موسم عاشوراء لحيويّة الفِكْر، لنشاط الرُّوح، لقوّة الإرادة، لاشتداد العزيمة، لحياة الدّين، لوحدة الأمّة، لاحترام إنسانية الإنسان، لصوغه راقيًا مهتديًا، مستقيمًا، شديدَ الحساسيّة من الظّلم، منشدًّا لمطمح العدل، بعيدًا عن الفساد والإفساد، ساعيًا في الإصلاح، عابدًا لله، خارجًا من عبادة العباد.
أكبرُ ما يجب أن يُركّز عليه الموسم هو الانصياع إلى الله عزّ وجلّ فيما أمر ونهى، وفي كلِّ ما شرّع، لا فرق في ذلك بين ما اتّصل بحياة الفرد أو الأسرة أو المجتمع، وأن تكون العبادة له وحده، وطاعته هي الأصل الذي يُرجَعُ إليه في أمر كلّ طاعة.
ووحدةُ الأمّة وتماسكها معلَم مهمّ من معالم مواسم عاشوراء، وهدفٌ رئيس من أهدافه.
ويأتي تقريب الأمّة من الفهم الصحيح لأهل البيت عليهم السلام: موقعهم في القرآن والسنة، إمامتهم الهادية، جهادهم في سبيل الله وحفظهم لدينه، شفقتهم وعطفهم على الأمة، سعة أفق رؤيتهم للإنسان معلما كبيرا من معالم عاشوراء.
موسم عاشوراء لوعي الأمّة كلّ الأمة، لرشد الأمّة كلّ الأمة، لإنصاف الأمّة كلّ الأمّة، لتلاحمها، لعزّتها، لكرامتها لتقدُّمها لا لبعضٍ دون بعض، ولا لبعض على حساب بعض، ولا لانفصال بعضٍ عن بعض، وقوّة بعض وإضعاف بعض.
الحسين عليه السلام إمامُّ الأمّة جميعًا، وخطابه بالإصلاح خطاب لها كلِّها، وكلُّ الأمّة تتحمّل مسؤولية الاستجابة لنداء الحسين عليه السلام؛ النداء الإلهي الصّادق المخلِص المنقذ.
وهي مسؤولية قائمة باستمرار ما دامت الأمّة قائمة.
الاستجابة لنداء الإصلاح في الأمة، والعودة إلى خطّ القرآن والسنة الهادية، واتخاذ الإسلام قاعدة انطلاق وغاية، وارتباط حياة الأمَّة في كلِّ أبعادها به، وإعطاء ثورة كربلاء حقّها بالاتجاه بالأوضاع العامة والخاصة إلى خطّ الدين والعدل الإلهي، وما عليه أحكامُ شريعة الله؛ كلّ ذلك ليس من مسؤولية فئة خاصّة من الأمة إنّما هو واجب الأمّة كلِّها بجميع فئاتها وطوائفها ومكوّناتها، والأخذ به يصبّ في مصلحتها كذلك.

التفجيرات الأخيرة:

1. تفجيرات مزعجة، ظالمة، مؤلمة تأتي في وسط تتصاعد فيه تصريحات وإجراءات موازية لا تشعر منها إلاّ أنّها في اتجاه التصعيد.
يجري هذا في الوقت الذي تعلو فيه أصواتٌ من الداخل والخارج منادية بالإصلاح المنقِذ، وتطويق الأزمة، والتخلُّص منها.
2. أيُّ تفجير يكون قد وقع، أو يكون أن يقع -أبعد الله ذلك- من أي جهة كان مرفوض ومدان، وهو استخفاف صارخ بحرمة الإنسان، ولا مكان له من حرمة الدماء، ومصلحة الوطن، وسدّ أبواب الفتنة، والخروج من الأزمة. ولا قبول على الإطلاق بأي أسلوب من أساليب العنف والعدوان.
3. حتّى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويرتفع الغموض الذي يكتنف هذه الحوادث، وتُعرف الجهة الجانية، فتدانَ بعينها لابدَّ من لجنة تحقيق مستقلة محايدة تمام الحياد تنظر فيها وتُعطي الرأي الموضوعيّ بشأنها والذي ينتهي إليه بها البحث النزيه المحايد.
4. رأيي الثابت المتكرّر والذي أجزم بأنه رأي الإخوة العلماء أنه لا استهداف أبدًا للأنفس أو الممتلكات الخاصّة أو العامَّة، وأنَّ العدوانية في هذا الجانب من أكبر الكبائر، وأنكر المنكرات.
رأينا لا عنف من أي طرف تجاه طرف آخر.
لا عنف من الحكومة، لا عنف من الشعب.
لا عنف من أي طرف ضدّ مواطن أو مقيم، أو ضيف على هذا البلد. لا عنف ضدَّ أيّ جنسية من الجنسيات، ضدّ كبير أو صغير(9).
ولا أظن بأحدٍ من أبناء الشعب ممن يأخذ برأي العلماء يُمكن أن يعتدي على نفس أو مال عام أو خاص أمسِ أو اليومَ، أو غدًا.
5. التفجيرات الأخيرة المستهدَفُ فيها عُمَّال أبرياء آسيويون يخدمون هذا البلد، وهم مُستضعفون وصفتهم الداخلية بأنّهم لا ناقةَ لهم ولا جمل، وحقًّا إنهم لا ناقة لهم ولا جمل.
واستهدافهم جريمة منكَرة، وظلم صارخ مُدان دينًا وعقلًا وضميرًا، ولا تُبرّره إلاَّ أهداف سياسيّة دنيئة ساقطة لا تحسب لدينٍ، ولا ضميرٍ، ولا مصلحة وطن.
ومثل هذا الحادث يُؤكِّد على الحاجة إلى لجنة تحقيق محايدة، وأنَّ ذلك ضرورة من ضرورات الوضع الأمنيّ العامّ.
6. بيِّنٌ جدًّا أن مثل هذه الجريمة لجرّ الساحة في اتجاه العنف، والأخذ بها إلى المجهول.
وعلى الشعب أن لا يستجيب لهذه التطلعات الشيطانية التي تُضاعف من مأساة هذا الوطن، وتُغرقه في ويلات أشدَّ وأفتك.
ولقد أصابت الجمعيات السياسية السِّتّ في إعلانها الإدانة للعنف بكلِّ أشكاله ومصادره وأطرافه، والتزامها باحترام الحقوق الأساسيّة للأفراد والقِوى المجتمعية وبالدّعوة إلى ثقافة اللا عنف وانتهاج السُّبُل السّلمية والحضارية في المطالبة بالحقوق، واحترام حُرُمات الأنفس والأعراض والأموال. ويأتي هذا الإعلان منها تأكيدًا على المنهج السِّلمي الذي التزمته في معارضتها.

سحب الجنسية:

أُعلن سحب الجنسية من عددٍ من المواطنين الشُّرفاء الذين عُرِف من عدد منهم رأيهم السّياسي المعارض لرأي الحكومة ونشاطهم السّلميّ في هذا الاتجاه، ومن هؤلاء آية الله الشيخ حسين نجاتي، وآية الله الشيخ محمد سند، وسماحة السّيد علوي البلادي، والنائبان السابقان جواد فيروز وجلال فيروز.
ومعارضةُ الرّأي إنما تكون بالرأي، ومقارعة الحجّة إنما تكون بالحجّة، ولا يُعرف أنَّ الرّأي السياسي المعارض له عقوبة بسحب الجنسية أو ما هو أقلّ من ذلك بدرجات.
وهذا ما تقوله كلُّ المنظّمات الحقوقية، ومواثيق حقوق الإنسان.
واللجوء إلى القوّة، وغلق أبواب الإصلاح، وسدّ الطرق المفضية إليه لم يُقدِّم حلّاً لمشكلة من مشاكل الأوطان على الإطلاق.
ويبقى الحلُّ كلُّ الحل في الإصلاح، والخيرُ كلُّ الخير في التعجيل به، لا في إهماله وتسويفه.
يبقى الإصلاح مطلبَ الحقِّ والعدل، والضرورةَ التي لا تستقيم بدونها الحياة، والحاجة الملحّة لاستقرار المجتمع، والشعار الذي لا يمكن أن يقبر، والنداء الذي لا يمكن أن يموت.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، واكفنا ما أهمّنا من أمر ديننا ودنيانا، وأصلح لنا أمرهما برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفُكَّ أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، ورُدّ غرباءنا في خير وعافية، وانصر من نَصَرَ الدين، واخذل من خَذَلَ الدين إنك أنت القوي العزيز، الرّحمان الرحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 11/ فاطر.
2 – الأمالي للطوسي ص527 ط1.
3 – بحار الأنوار ج74 ص179 ط3 المصححة.
4 – من لا يحضره الفقيه ج4 ص357 ط2.
5 – نهج البلاغة ج4 ص226 ط1.
6 – عيون الحكم والمواعظ ص460 ط1.
7 – أي في الأهمية.
8 – سورة العصر.
9 – هتاف جموع المصلين (معكم معكم يا علماء).
10 – 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى