خطبة عيد الفطر المبارك 1 شوال 1432هـ – 31 اغسطس 2011م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: آثار طاعة الله عزوجل

الخطبة الثانية: أعياد الإسلام

الخطبة الأولى

الحمد لله الهادي إلى سواء السَّبيل الذي لا يضرُّ مع هُداه إضلال المضلّين، ولا ينفع مع إضلاله هُدى الهادين، وحاشا لله أن يُضِلَّ إلاّ من أراد الضلالة، وسعى إليها، وازدرى بالهُدى وتخلَّى عن طريقه، وهو التوّاب الرّحيم.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسّوء بتقوى الله، وتعظيم ما أمر بتعظيمه، وتحقير ما أمر بتحقيره، فإنّه لم يعظِّم إلاّ ما عظُم، ولم يقبّح إلاّ ما قبُح. ولا عظيمَ إلاّ ما يُوصل إليه، وكلّ ما صدَّ عن ذكره فهو قبيح.
عباد الله علينا أن نأخذ من دنيانا لأخرانا زاداً، والزّاد للآخرة في المعرفة بالله والتقوى. ومن لم يتّق الله فلا زاد له، وكان من الخاسرين.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وارزقنا من خير الزّاد -التقوى- ما تكون به نجاتنا عندك، وفوزنا لديك، وكرامتنا بجودك، ونيلنا للدرجة الرفيعة في جوارك، والمنزلة العالية في جنتك إنّك حنّان، منّان، رؤوف، رحيم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى موضوع:

آثار طاعة الله عز وجل:

إنّ لطاعة الله عزّ وجلّ لآثاراً مباركة في الدنيا إلى جنب آثارها الظاهرة في الآخرة. ولو خلت الدنيا من طاعة المطيعين لله سبحانه، ولولا نفوس بريئة لاشتدّ بأهل الدنيا البلاء، وصُبَّ عليهم العذاب صبّاً.
وإنّ في طاعة أهل الطّاعة لله لرحمةً يصل أثرها لأهل معصيته، والمُدبِرين عن رحمته.
وهذا ما نقرأه في ما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:”لولا عباد لله ركّع، وصبيان رُضّع، وبهائم رتّع، لصبّ عليكم العذاب صبّاً”(1).
وليس في المعصية لله سبحانه إلا سببُ بلاء وشقاء، واضطراب وفوضى، وأمراضٍ وأسقام، وفِتَنٍ وحروب، وفساد بيئة، وعَنَت حياة، واستحقاق غضب من الله عظيم.
وأمّا الطاعة لله سبحانه فخيرٌ بلا شرّ، وصلاحٌ بلا فساد، ونور بلا ظلمة، وهدى بلا ضلال، فلا تَترُك في حياة النّاس إلا الأمن والبركة والرخاء والمحبّة، والائتلاف، وعوامل القوّة والنهوض، والغنى والازدهار.
وتقول الكلمة عن علي عليه السلام:”في قوله تعالى {… وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ… }: معناه يدفع الله بالبرّ(2) عن الفاجر الهلاك”(3).
فالفاجر يأتي من فجوره ما يُهلكه، ويُهلك سواه، وقد يدفع الله عنه الهلاك الذي سعى إليه بعمله ببرّ البَرِّ، والعمل الصالح من العبد المؤمن.
هذا ويلاقي المؤمنون الأبرار وهم أمان للنّاس في الأرض، وبركةٌ عليهم بفضل الله ما يلاقون من شدّة، وأذى من الفجّار.
وعن أثر المؤمن الطيّب على الناس ما عن الإمام الصادق عليه السلام كذلك:”إنّ الله (لـ) يدفع بمن يصلّي من شيعتنا عمن لا يصلّي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمن لا يزكّي… وهو قول الله عزّ وجلّ:{… وَلَوْلَا دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ … }(4)”(5).
فالأرضُ لا تصلح إلا بطاعة الله، والحياةُ لا تطيب إلاّ بها، وما أفسد الأرضَ، وما أشقى الحياةَ إلا المعصية، وكلّما فَشَت في النّاس المعاصي عمَّ البلاء، وطغى الشّقاء، وإذا خَلَت الأرض من أهل طاعة الله كان الفسادُ الشّامل، والهلاك المبين.
وكيف يخرج النّاس من نقمَة الله وقد نزلت بهم، وكيف يسترجعون نعمته التي أزالتها السيئات، وكيف يدرؤون عن أنفسهم العذاب وقد جاءت نذره؟(6)
عن الإمام علي عليه السلام:”ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم، وَوَلَهٍ من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كل فاسد”(7).
فما ذهب من الخير يعود(8)، وما جاء من الشرّ يتراجع، وما دخل على الأوضاع المعاشية والاجتماعية والأمنية وغيرِها من خلل ينصلح.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وأزواجنا ومن يعزّ علينا. اللهم احفظ علينا الطاعة إليك، والنعم من عندك، وزدنا خيراً من فيضك، ولا تُحِلّ علينا غضبك، وباعدنا عن نقمك يا حنّان يا منّان يا جواد يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(9).

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي المجد الذي لا ينتهي، والحمد الذي لا ينقضي، والعِزِّ الذي لا يُدرك، والقدرة التي لا تُنال، والعظمة التي لا تُبلَغ، والغِنى الذي لا يَنفد، والسّلطان الذي لا يُحدّ، وهو على كلّ شيء قدير، وبكلّ شيء محيط.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي المخدوعة للشّيطان بتقوى الله، والاتّعاظ بما وعظ به عبادَه والحذرِ مما حذّرهم من مغبّة الهوى ومتابعته، والتخلّي عن الهدى ومجانبته، فالهوى ينأى براكبيه عن القصد، وينحدر بهم عن الغاية، وينتهي بهم إلى ضياع وخسار.
ومتّبع الهدى ناجٍ من الضلال، بعيد عن الضياع، في مأمن من الخسار، ولا يميل عن طريق الغاية، ولا تزِلُّ قدمه عن الصّراط، وهو بالغٌ أكبر حظٍّ له من الكمال، وأعلى درجة من السعادة التي هُيّأ لها. ولا هدى إلا هدى الله، وكلُّ ما خالفه ضلال وغواية.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم أعذنا من طردك وغضبك فإنّه لا مُغني عنك، ولا يُلجئ منك غيرُك، ولا عاصم إلا أنت، ولا نافع ولا ضارَّ سواك، وقد خاب من رضي عنك بدلاً، وهلك من كان لجأه إلى من عداك.
اللهم صلّ على عبدك وابن عبديك محمد بن عبدالله خاتم النبيين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً قائماً دائماًً.
بعد أيها الأحبّة في الله من مؤمنين ومؤمنات فإلى هذا العنوان:

أعياد الإسلام:

أيَّام الأعياد في الإسلام أيام لشكر الله على توفيقه لطاعته، وظهور كلمته، والاستجابة لما أمر به، والانتصار على هوى النفس، وقمعِ الشيطان ومكابرته.
وشكرُ الله لا تدخله المعصية، ولا تدنو منه التفاهات، ولا تليق به المنكرات. شكر الله لا يكون إلاّ بالطاعة، وفعل الخير والإحسان، والترفّع عن الدنايا، والتعفّف والطهر والنظافة.
وللأعياد في الإسلام فرحتُها، ولكنّها ليست من نوع فرحة الأطفال، ولا من الفرحة التي يريدها الشّيطان، ويعرفها أودّاؤه. فرحة لا يظهر فيها الهوى ويغيب العقل، ولا تكون للغوى والضلال. فرحة لا ينشط فيها الشيطان وجنده، ولا تُنسى القيم، ولا تتجاوزُ بالإنسان حدود الشَّريعة، ولا تستبدل بأحكام الله أحكام الجاهلية، ولا يُتّخذ منها ذريعة للهو والرقص والطرب وارتكاب المحرمات.
إنها فرحةُ رجالٍ ذَوي ألباب، ودينٍ وتقوى، وذوقٍ إيمانيٍّ رفيع يجعل التعبير عنها تعبيراً منسجماً مع مستوى إنسانية الإنسان، ومعرفته بحقِّ ربِّه، ومقتضى الشرعية في دينه، ومتمشّياً مع وقار المؤمن، وغايته الإيمانية، وسلامة خُلُقِه، ونظافة أجوائه وبيئته.
وهو(10) بذلك لا يخرج عن العمل الصَّالح، وإدخال السّرور على النفس والأهل والإخوان بما حلَّ وطاب في دين الله، وعن تزاور وتواصل فيه خير المجتمع، وذكرٍ وطاعةٍ لله سبحانه تُشعِر بقيمة الذّات، والتوفيق في السّعي، والتقدّم على طريق الغاية، وهو أكبر ما ينبغي أن يُسرّ له عاقل حكيم. ولنتّخذ من العيد فرصةٌ لزيارة عوائل الشّهداء والمسجونين شدّاً على أيديهم، وتكريماً لهم، وتضامناً معهم.
هذا هو العيد فيما تقدّمه النصوص للمسلم من فهم، وفيما تريده أن يأخذ به، ويتأدّبَ بأدبه في تعامله مع الأعياد، وهذا هو العيد في فهم وسلوك شريحة من المسلمين ممن يوقّرون دين الله، ويُجلّونه، ولا يمزجونه بباطل الأرض، ومشتهيات الهوى، وما تذهب إليه النفوس الصغيرة.
أما العيد في فهم الكثيرين من مسؤولي الأمّة ومترفيها ممن ينتسبون للإسلام، ومَنْ يأخذ بكلّ ما يأخذ به أولئك فهو لهو، وغناء، ورقص، وطرب، ومنكرات، وانفلات.
وهو يوم لاستيراد الفتنة الجسدية الحرام، والصوت الفاسق، والمجون المتخلّع، والميوعة الساقطة، والأجساد شبه العارية المتهتكة.
يوم تُشنّ فيه حرب عدوانية مكثّفة على الأخلاقيّة الإسلاميّة التي تتمسّك بالعفّة والطهارة، والنزاهة، وشرف الأعراض وكرامتها، وتُبدَّد فيه الثروات الطائلة من خزائن الدول الإسلامية عِداءً لله، ومحاربة لدينه، وتذويباً للأمة، وإجهازاً على صلابتها.
هذا فعلٌ للسياسة المنحرفة. وفعلٌ آخر لها أنها تسلب الشّعوب الشريفة بما ترتكبه من جُرْم، وما تأتيه من ظلم، وما تبثّه من رعب لذّةَ الحياة، وتجعل أيامها كئيبة مصبوغة بلون المأساة حتى في أعيادها الكريمة، والمناسبات التي من حقّها أن تعيش فيها الفرحة والأُنس والابتهاج.
فمن ذكريات شهداء في بلاد إسلامية كثيرة ضُرِّجوا بدمائهم ظُلماً، ومن رجال صالحين ونساء صالحات تُغيّبهم السّجون، وشبابٍ وناشئةٍ كلُّهم أملٌ يقضون الحياةَ وراءَ القضبان، ومن متشرِّدٍ خائف، ومُطَارد مرعوب، وبريءٍ مُلاحَق، وطفل يختنق بالغازات السّامة، وآخر يستقبل صدره الرصاص، إنه جوٌّ مشحون بالرعب يقول لكل الشرفاء والأبرياء ليس من حقّ أحدٍ منكم أن يأمن، وهو الجوّ نفسُه المملوء بغضاء، وكراهية وأحقاداً تُفتّت أبناء الدين الواحد، والكتاب الواحد، والقبلة الواحدة.
قاتل الله حبَّ الدنيا، والسياسة القائمة على تقديسها، واستباحة كل شيء من أجل أيامها المحدودة ولياليها المتقضّية.
أيها المؤمنون لا تنسوا أخوّتكم، ولا تنسوا وحدتكم، ولا تنسوا التواصل، والتراحم، والتزاور بينكم، وزوروا وكثّفوا الزيارة لعوائل الشهداء، وقفوا معهم، وتضامنوا معهم.
ولتكونوا كالبنيان المرصوص كما أراد الله لنا تبارك وتعالى.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا ومن علّمنا علماً نافعاً في دين أو دنيا، ومن أحسن إلينا من كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
اللهم لا تُمت قلوبنا بحبّ الدُّنيا، ولا تجعلنا عبيداً من عبيدها المفسدين فيها، الظالمين من أجلها.
واجعل همّنا قربك ورضاك، وعملنا صالحاً يرفعنا عندك، وقولنا صادقاً يُدنينا من رحمتك، وجهادنا فيك، وكلّ حياتنا في سبيلك يا رحمان يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ميزان الحكمة ج3 ص2424 ط1.
لو تفرّد أهل المعصية بالدّنيا لما استقرّت بهم.
2- وهو المطيع.
3- 251/ البقرة.
تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج2 ص152 ط1، تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي ج1 ص253 ط4.
4- 251/ البقرة.
5- الكافي للشيخ الكليني ج2 ص451 ط4.
6- ما الطريق؟ الإمام علي عليه السلام وجوابه.
7- نهج البلاغة ج2 ص98 ط1.
8- بالتوبة، بالفزع إلى الله، باللجأ إليه، ما ذهب من الخير يعود.
9- سورة الكوثر.
10- أي الفرح.
11- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى