خطبة الجمعة (462) 27 شعبان 1432هـ – 29 يوليو 2011م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: شهر الصيام والقيام

الخطبة الثانية: لامحاصصة – حوار التوافق الوطني

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي يُمسك السّماوات والأرضَ عن أنْ تزولا، ولو شاء لزالتا، والنفوسَ عن الذّهاب، ولو شاء لهلكت، وقلوبَ المؤمنين عن الزّيغ، ولو شاء لمالت، والعقولَ عن الجنون، ولو شاء لَفَسَدَت. لا يقوم شيءٌ إلاّ بقدرته، ولا يستقيمُ أمرٌ إلاّ برعايته، ولا يُهتدى السّبيل إلا بإذنه، ولا تُبلغ الغاية إلاّ بتوفيقه. له الحمد أكملَ الحمد، وأتمَّ الحمد، وأكثرَ الحمد، وأجلَّ الحمد، حمداً لا ينقضي أبداً، ولا يُحصي له الخلائق عدداً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصِيكم عبادَ الله ونفسي الأمَّارة بالسّوء بتقوى الله، وأن يكونَ اعتمادُنا عليه، وثقتُنا به لا على أحدٍ سواه، واهتداؤنا بدينه لا بضلالة من ناوأه، وطاعتُنا له لا لمن عاداه، وأخذُنا بمنهجه لا بمنهج أحد من خلقه، وطلبنا لمرضاته لا لمرضاة من خاصمه، واستحقّ عنده سبحانه الهوانَ والعذابَ.
عبادَ الله ما هي إلا أيّام من طاعة الله طالت أو قصرت بها مُدّة الحياة، وصبرٍ عن المعصية، ومقاومة للضّعف والانحراف، وعوامل الفساد والسّقوط، وتجرُّعٍ لغصص الظّلم والزيغ في الأرض، وثباتٍ في سبيل الله، وسعي جادٍّ إليه، ثمّ منقلبٌ سعيد، ومقامٌ كريم، وحياةٌ طيبة، وسعادةٌ حافلة.
ألا فليرغب الرّاغبون، وليسْعَ السّاعون، وليتنافس المتنافسون، ولنكنْ جميعاً في سباقٍ كان سباقَ الأنبياء والصالحين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وأزواجنا وأصحابنا وأساتذتنا ومشايخنا وكلّ من يعزّ علينا، وكل من أحسن لنا من إخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم أنظِمنا في سباق الصّالحين، المتنافسين في سبيلك، القاصدين إليك، الطّالبين رضوانك، المستقيمين على صراطك، الفائزين لديك، وأصلِحْ شأننا كُلّه يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات:

شهر الصيام والقيام:
فهذا شهر الصيام والقيام شهرُ الله قد أشرف علينا بأنواره وهُداه وبركته. ونسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل هذا الشّهر حقّاً وصدقاً، ويرزقنا صيامَه وقيامَه، وهداه وبركتَه.
شهرٌ أعدّه الله لضيافته يستقبلك، يحتضنك، يُربّيك، يُنقّيك، يزكّيك، ينتشلك، يُعلي همّتك، يُصحّح إرادتك، يُهذّب نيّتك، يرتفع بمستواك.
شهرٌ يُوقِظ القلب بعد سُبات، يحيي الروح بعد ممات، يُنعش الإرادة بعد ذبول، ويعود بالعقل بعد ذهول، ويستقيم بالنّفس بعد انحراف.
شهرٌ تنشط فيه روح المقاومة لكلِّ عوامل الضّعف في النّفس من داخلها، وتتمرّد فيه قوّة الرّوح حتّى على ضرورات البدن، وشهواته المتسعِّرة، وأشدّ جواذب الأرض التي تحاول تعطيل حركتها الصاعدة إلى الله العليّ العظيم.
شهرٌ يشفّ فيه القلب ويتطهّر بألوانٍ متعدّدة من العبادة التوحيدية العالية مركّزة مكثّفة، تنفتح به على الله سبحانه ليتخلّص من الهموم الصغيرة، والأهداف الدونية، والغايات الساقطة، ويزهد في كل ما لا يوصله لله، ويقبح عنده كلٌ جميل موهوم لا يلتقي ورضاه.
وليس من جميلٍ أبداً في ما لا يلتقي ورضى الخالق. كلُّ ما لا يلتقي ورضى الكامل قبيح خسيس، ساقط، مُسقِط.
عن الصوم – وأهمُّ الصّوم هذا الشّهر الفضيل – يقول الكتاب الكريم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(1) فالصّوم سبيلٌ للتقوى، ومُفضٍ لها، والتقوى هي استقامةُ الذّات على طريق الله، وتقديمه على كلِّ من سواه في جميع الأمور. ولا تبقى إنسانيّة الإنسان، ولا تظهرُ في حياته، ولا يَسلَم قلبٌ، ولا يطهر ضمير، ولا تصحو روح، ولا تصحُّ إرادة، ولا تستقيمُ نفس، ولا تطمئنُّ حياة، ولا ينصلح مجتمع كما يكون كلُّ ذلك في ظلّ التقوى القائمةِ على معرفة الله، ودينه الصِّدْق معرفةً لا زيف فيها. وأبلغ ما يُحقِّق ذلك معرفة الله عزّ وجلّ المعرفة التي نالها أنبياؤه ورسله، والأئمّة الذين اصطفاهم من المخلَصين من عباده(2).
ويقول الحديث الشريف الذي منه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:”بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصّلاة والزّكاة والصّوم والحج والولاية”(3)، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:”الصّوم جُنّةٌ من النّار”(4).
فالإسلام مثلومٌ ثُلمَةً عظيمة بلا صوم، ومنهدم ركن من أركانه.
وكفى بالصّوم شرفاً، وأن يرغب فيه مشفق على نفسه أن يكون جُنّة من النّار، ووقاية من عذاب السّعير. والنار عذاب، وألم، وشقاء، وهمٌّ وغمٌّ وكرب، وحزن وخوف، وذُلّ، وخزي، وعار، وضِعة، وحقارة وهوان.
ومما جاء في الخبر عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب رسول الله صلَّى الله عليه وآله النّاس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
“أيها النّاس إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه، وجعل قيام ليلة فيه بتطوّع صلاة كمن تطوع سبعين فيما سواه من الشّهور، وجعل لمن تطوّع فيه بِخَصْلَةٍ من خصال الخير والبرّ كأجر من أدى فريضة من فرائض الله، ومن أدى فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور. وهو شهر الصّبر، وإنَّ الصّبر ثوابه الجنة…”(5).
فما أكرمه من شهر، وما أعظم شأنه عند الله، وما أشدّ لُطف الله فيه بعباده المؤمنين، وما أربحه من موسم تجارة لمن تاجر فيه مع الله سبحانه بعملٍ صالح، ونيّةٍ سليمة مخلصة لوجهه الكريم.
وإنَّ شهر رمضان ليظلّنا كما كان يظلّ من خطابهم الرّسول صلّى الله عليه وآله الذي كانت خطبته فيهم في آخر جمعة من شعبان كما هو اليوم(6).
ومعنى كونه يظلّنا أنَّه يدنو منّا ويُشرف علينا بظلالٍ من أجواء رحمته، ومغفرته، وأفضاله، وبركاته، فما أكرمه من قادم، وما أعزّه وأحبّه من وافد، فأهلاً بك ومرحباً يا شهر الله.
وقد قدّم المقطع المقروء من الخطبة الشريفة صورةً واضحة من مضاعفة الثّواب في هذا الشهر لأهل طاعة الله، وذلك فوقَ ما عليه مضاعفة الثّواب للعمل الصّالح في سائر الشهور(7)، والثواب أَمْنٌ في الدنيا والآخرة، وهو في الآخرة فوزٌ عظيم، وثمنٌ للجنّة التي وَعَدَتْ بها الخطبة الصائمين.
وليس من مطلب أعزّ، ولا خير أكبر، ولا نتيجة أربح، ولا كرامة أعظم من نيل الجنّة بما فيها من خلود ونعيم عقل، وقلبٍ، وروح، وجسد ونفس، ونعمة الرِّضوان(8).
يَقدُم علينا شهر الله لنزداد عزماً في الخير، وعزوفاً عن الشرّ، وتقوى، وإخلاصاً، وترفُّعاً عن الدنايا، وتواصلاً بيننا وتراحماً، وتعاطفاً، وبرّاً، وإحساناً، وانصرافاً للطّاعة، ونأياً عن المعصية، ورغبةً في العبادة، وعفّة في الجوارح، ونزاهة في اللّسان، وطُهراً في الجنان، ونُصدِق المبايعة لله، ولرسوله، وأوليائه الصالحين عليهم السلام.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممّن تظلّه في هذا الشهر الكريم برحمتك، وتشمله بمغفرتك، وتعمّه ببركاتك، وتنقذه من إثمه، وتخرجه من ذنبه، وتقضي دَيْنَه، وتحسِّن دينه، وارزقنا صيامه وقيامه، ومتّعنا بكامل الصحّة فيه، ونشّطنا للخيرات، وأكثر منّا الصالحات، وتقبّل منا يا كريم.
اللهم اجعلنا من عوّاده، المستبشرين به، المأنوسين بلياليه وأيّامه، العارفين بحقّه، المعظّمين لشأنه، ومن أخصِّ من رحمته وحبوته بالكرامة فيه يا حنّان يا منّان، يا جواد، يا مجيد.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(9).

الخطبة الثانية

الحمد لله الموجود في كلِّ مكان، ولا يحويه مكان، المُهيمن على كلِّ زمان، ولا يحدُّه زمان، الحاضر كلَّ ملأ بقدرته وعلمه ورحمته وتدبيره وتصرُّفه مع علوّ ذاته، وتنزّه أسمائه، وجلال شأنه عن المجانَسة والمخالطة والمعاشرة، والمجاورة والمحدودية والمماثلة والمشابهة والتصوُّر والتوهُّم ونيل الأفكار، وبلوغ المدارك، وإحاطة العقول.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله، وأرقّاء قدرته وجميله أُوصيكم ونفسي المملوكة له، المدانة لِنعَمِه بتقواه، وطلب مغفرته فإنّه أهلُ التقوى وأهلُ المغفرة، وأن نُحسِنَ القول والعمل، وأن لا نستبدل عن الحسنة بالسيئة، وعن الجميل بالقبيح، وعمّا يُقرِّب إليه بما يُسبِّب الطرد من رحمته. فليس بعد رحمة الله رحمةُ راحم( )، ولا من بعد مأواه مأوى. والمطرود من رحمة الله مطلقاً لا منقذ له أبداً.
العملَ العملَ، والجدَّ الجدَّ على طريق طاعة الله تبارك وتعالى قبل تصرُّم الأيام، وانقضاء المهلة، وانقطاع المدَّة، ومعاجلة الرّحيل.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم إنّا نعوذ بك من تسويف العمل، وطول الأمل، وانقضاء المدّة قبل التأهّب والعُدّة، ومفاجأة المنيّة في حال من السّكرة والغفلة، ونعوذ بك من قلّة الزاد ليوم المعاد، وفقد الأنيس، ووحشة الغُربة في سفر يوم الأوبة. اللهم الطف بنا وأنت أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى حججك في عبادك وبلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً مبيناً ثابتاً مقيماً.
أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات أجمعين فإلى عنوانين:

لا محاصصة:

تُنادي كلٌّ من الحكومة والموالاة والمعارضة بشعار لا محاصصة، ولكنَّ الاختلاف واسعٌ في التفسير.
تفسير يقسم المجتمع قسمين، يُعطي قسماً كلّ الحصص وكلّ شيء، وإذا كان للطرف الآخر شيء فله الفُتات، أو ما قد يُستغنى عنه، أو ما تحكم به الضّرورة.
وكأنَّ المجتمع مالكٌ ومملوك، ولا حِصّة لمملوك في مُلك مالكه، أو ضيفٌ ومضيِّف، ولا شرط لضيفٍ على مضيِّفه. وإذا تنزَّل هذا التفسير عن هذا المستوى فهو يذهب إلى التأكيد على قِسمة المجتمع إلى قسمين بهذه الصورة بأن لو كان مجموعهم سبعة مثلاً فلثلاثة منهم أضعاف ما للأربعة من مكاسب.
لقسم أكثر الوزارات، والوظائف، والخدمات، والبعثات، والشورى والنواب إلى آخره.
ولقسم الاتهامات والمطاردات، والتنكيل والتعذيب، والفقر والتجهيل، والتضييق الدّيني…، وأنَّ عليه أن يصبر على الفُتات.
تفسيرٌ آخر لعدم المحاصصة يذهب إلى مساواة المواطن للمواطن في الحقوق والواجبات إلاَّ ما قضت به خصائص الأفراد وتفاوتاتهم في القدرة الأصلية، والكفاءة المكتسبة، والتوفُّر على الشّروط العادلة المعتبرة في التقديم والتأخير في تولّي المهمات والمواقع وتحمّل مسؤولياتها من غير مجاملة.
ويرى هذا التفسير في المسألة السياسيَّة أنَّ المواطن كفؤ المواطن، وأن أصوات المواطنين في الانتخاب ذات قيمة واحدة بحيث يتساوى صوت أي مواطن مع صوت المواطن الآخر.
وليُحكِّم كلّ واحد دينه وضميره وعقله ووطنيّته فيقول أي التفسيرين مطابق للعدل دون الآخر.
أليس التفسير الأول في صورته الأقلّ غلوّاً وتطرّفاً هو عين المحاصصة، وأنها محاصصة مجحفة ممزِّقة، وتقوم على إلغاء المساواة في الإسلام، وفي الإنسانية، والمواطنة، وتعتمد ميزاناً ما أنزل الله به من سلطان؟! أليس الطّرح الثاني هو الذي يُلغي المحاصصة حقيقة ويلتزم بقضية أنَّ المسلم أخو المسلم، ويوحّد الناس في القيمة الإنسانية، والقيمة الوطنية، ويتعامل معهم بميزان واحد؟!
مبدأ لا محاصصة بمفهومه الصّحيح، وتطبيقه الأمين، ولا مفاضلة إلا على أساس الكفاءة قادر على أن يُنهيَ كثيراً من مشكلات الوطن، والعديد من تعقيداته، ويُداوي من جروحه، ويساعد على لملمة أطرافه، وجمع كلمته، والقضاء على تصدُّعاته، ويخفِّف من الحساسيات المتفاقمة فيه.
أما مبدأ لا محاصصة بتفسيره الذي يُركّز المحاصصة الجائرة، ويُلغي طرفاً من الحساب، ويريد منه التسليم والإيمان والرِّضى بالتهميش والإهمال والدونية فهو يختار أن يُبقي واقع الظّلم، ومنبع المشكلة، ومصدر التصدُّع والتشرذمات.
مبدأ لا محاصصة بمعنى ارضَ بلا شيء، أو بالفتات وكن من الشّاكرين للحكومة منطق غير ناهض عقلاً ولا شرعاً ولا عُقلائياً ولا عُرفاً على مستوى العالم، ولا إنسانيّاً وأخلاقيّاً، وإذا كانت له بيئة ولا بيئة له اليوم فهي ليست بيئة الأحياء الواعين الأحرار(11).
دعونا أن نكون إخوة كما أراد لنا الله سبحانه يحكمُنا العدل ونأخذ به، ونعمل بالحقّ ونُنادي به، ونتعاون في الخير وندعو إليه، ونعيش الصِّدق والإخلاص والوفاء، ونُشيع المحبة والمودّة في كلّ الصفوف والفئات في هذا المجتمع الكريم، ولا سبيل إلى ذلك إلا العدل والإصلاح والاحترام.

حوار التوافق الوطنيّ:

هذا هو الإسم، والنتيجة توافُق الموالاة مع نفسها الذي يساوي توافق الحكومة مع نفسها. فبعد استبعاد مرئيات المعارضة وتبرُّئِها من نتائج الحوار إمّا أن نقول بفشله أو بأنَّ المعارضة من خارج هذا الوطن، فاستبعاد مرئياتها، وتبرّؤها من نتائج الحوار على هذا لا يضرُّ بصدق التوافق الوطني(12).
وحينما يقال قد تمّ التوافق الوطني ويؤكَّدُ على صدقيته فهذا التأكيد يعني تماماً اعتبار المعارضة من خارج جسم الوطن، ولا عبرة بها في موافقتها وعدم موافقتها(13).
ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا تمّت دعوة المعارضة للحوار، وإن كان بحجم أقلّ من حجمها بدرجات ودرجات إلاَّ أن تكون دعوتها هذه على حدّ دعوة المقيمين، أو بدرجة ثانوية أبعد.
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى إذا كان الهدف البعيد للحوار أن يخرج الوطن من أزماته في عافيةٍ وسلام فكيف تُوصِل إلى هذه الغاية نتائجُ لم يحصل عليها التوافق بين الحكومة والمعارضة أو الشّعب وهو الطّرف الحقيقي الثاني في النِّزاع؟(14)
رجعنا بعد الحوار إلى المربع الأول، وبقيت المشكلة بلا حلّ، والخوف على هذا الوطن من هذا التلكؤ، والتسويف بعد التسويف لقضية الإصلاح.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل الحقّ، والناطقين به، العاملين بالعدل، الدّاعين إليه، المحبّين للإصلاح، السّاعين إليه.
اللهم ارحم شهداءنا، وشهداء الإسلام في كلّ مكان وزمان، وفكّ قيد الأسرى والمسجونين، واشف المرضى والجرحى والمعلولين من المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأرجع الغرباء سالمين غانمين، وانصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين يا قوي يا عزيز، يا أرحم الرّاحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 183/ البقرة.
2- معرفة لا تُبقي ضعفاً في الذّات، ولا شيئاً من ضِعة، ولا تُعطي منفذاً للهوى ولا أي سلطان.
3- الكافي للشيخ الكليني ج2 ص18 ط4.
4- المصدر السابق ص19.
5- بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج93 ص359 ط2 المصححة.
6- نحن في آخر جمعة من شعبان، وخطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في المسلمين بمناسبة شهر رمضان كانت في آخر جمعة من شعبان، فنحن في جمعة كتلك الجمعة.
7- الحسنة في كلّ شهر، في كل يوم، في كل وقت قد تتضاعف إلى سبعين حسنة، تلك مضاعفة تضاف إليها مضاعفة الثواب في شهر رمضان المبارك، فهذا الشهر له مضاعفة ثواب مستقلّة عن المضاعفة في سائر الأيامً.
8- ليست لذّات جسدية قد يُصاحبها ألم روح.
9- سورة التوحيد.
10- أليست القلوب بيد الله؟ أليست كلّ ذرة من كلّ إنسان وكل خلق بيد الله؟ فلو أراد الله عز وجل أن يمنع عن أحدنا الرحمة من أي قلب لفعل. وماذا تنفع رحمة الراحمين وقد سخط الله؟!ّ.
11- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
12- إذا اعتبرنا المعارضة وجوداً من خارج الوطن كان التوافق الحاصل هو توافق وطني.
13- هتاف جموع المصلين بـ(بالروح بالدم نفديك يا بحرين).
14- ما ينهي المشكل هو التوافق بين الطرفين المتنازعين وليس بين طرف ونفسه.
15- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى