خطبة الجمعة (444) 19 ربيع الثاني 1432هـ – 25 مارس 2011م (ناقصة)

 

 

الخطبة الثانية:

حديثٌ في نقاط:

  • الحياة اختبار

يقول القرآن الكريم : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا …}[1]، ويقول {احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين][2].

 

تجلينا الحياة بمختلف ابتلاءاتها، بشدتها ورخائها، بسرائها وضرائها، بالألوان المختلفة من امتحاناتها وفتنها على حقيقتنا، ومن هو احسن عملا واسوء عملا، ومن هم الصادقون ومن هم الكاذبون، ومن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير.

 

 

والشدائد لا تبقى، والعسر لا يدوم، والأيام لا تثبت على حال، والأزمة لابد أن تنفرج، وكلما تضيقت حلق البلاء قرب الفرج، وليس انس للنفس المستوحشة من العسر المتأزمة للضيق إذا كانت مؤمنة من قوله سبحانه : { فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا }[3].

 

وقد جاء ضيق أزمة تنفرج، وإذا كان البلاء لابد منه فلابد من الصبر، ولا يعفى أحدٌ من الناس من البلاء ـ لا مؤمن ولا كافر ـ، ولكن يتفاوتون في الربح والخسارة، ولا سبيل للنجاح في الإمتحان إلا بالصبر والإستقامة على منهج الدين، والأخذ بالشريعة والتقيد بأحكامها، وإخلاص القصد لله والرضا بما حكم.

 

  • كيف نكون؟

في الناس منصف وغير منصف، وعادلٌ وظلوم، وفي المسلمين جميعاً مدركٌ وغير مدرك، ومُشفقٌ على الأمة ووحدتها وغير مُشفق، وحريصٌ على عزتها وكرامتها وغير حريص، ومن يحب الخير لكل أبنائها ومن لا ينظر إلا إلى مصلحته، ومن لا يفرق في الحقوق والواجبات الإجتماعية بين اهل مذهبٍ ومذهب، وبلدٍ وبلد، وقوميةٍ وآخرى، ومن يؤمن بالتفريق ويصر عليه.

 

وعلينا أن نجاهد أنفسنا، لنكون المسلمين الواعين المخلصين لدين الأمة وأبنائها ووحدتها وعزتها وكرامتها، لا ندعو لفرقة ولا نستجيب لها، ولا تغيرنا الخطوات المستفزة على طريقها.

 

وإذا قلنا هيهات منا الذلة، علينا أن نقولها نفياً لها عن كل مسلم، وطلباً للعزة والكرامة له. فنحن لا نقول هيهات منا الذلة لنثبت الذلة لمسلمٍ آخر[4].

 

علينا أن نكون طلاباً للعزة والكرامة والخير لأنفسنا ولكل مسلمٍ ولكل انسان.

 

  • رؤيتنا

رؤيتنا أن أي إرادةٍ بشريةٍ لا يصح أن تتحكم في إرادةٍ بشريةٍ آخرى، وأن الناس إما مُسلمٌ لحكم الله سبحانه وإما غير مُسلم، والأول مذعنٌ لحكم ربه حاكماً كان أو محكوما، والثاني شخصاً كان أو قبيلة أو حزباً، أو من أهل دينٍ معين أو مذهبٍ معين، أو كان قطراً أو قومية، لا يكون حكمه في الناس إلا برضاً وتوافقٍ وتعاقد. ولا يصح حكم الغاب وأن تمضي الإرادة البشرية ـ بما هي إرادةٌ بشرية ـ ورآيٌ متسلطٌ ـ بما هو رآيٌ متسلط ـ على الآخرين.

 

لو كانت إرادة الرسول (صل الله عليه وآله) إرادةً بشرية، ما كان له الحق أن يفرضها على إرادةٍ بشريةٍ آخرى، وإنما لأن إرادته من إرادة الله ولأن رآيه من حكم الله كان على الناس أن يستجيبوا لطاعته.

 

وهذا هو فكر الدنيا كلها اليوم، والأخذُ في الإنتشار، والتمكن في جميع الأقطار وبقاع المعمورة، لا يستوحشه من شعوب العالم شعبٌ من الشعوب، ولا يعاديه منصفٌ في الناس.

 

  • من حق هذا الشعب

كم فرح هذا الشعب لفرح الشعوب المسلمة الآخرى، وكم تألم لألمها، لا يفرق بين شعبٍ وشعب، وبلدٍ وبلد، وأهل مذهبٍ وآخر.

 

فرحنا للنصر الإنتخابي الذي تحقق لجبهة الإنقاذ في الجزائر، وتألمنا كثيراً لضربها، وأذتنا ألام الصومال وتمزقاتها، واوجعتنا مصائب الشيشان وكوارثها، وفرحنا لثورة إيران وتحررها، وهزنا ما جرى في العراق من مظالم ومذابح قبل صدامٍ وبعده، واحتج هذا الشعب على الغزو الأجنبي للعراق رغم ما كان عليه صدام من ظلم ورغم معاناة الشعب المسلم هناك من مظالمه واعتصارنا له، وتألمنا كثيراً لتمزقات لبنان وحربها الأهلية ثم فرحنا لإنتصار لبنان على اسرائيل، وتألمنا لإنتزاع الجنوب السوداني في المؤامرة الدولية، واطربنا انعتاق تونس ومصر بعد العنة الطويل والمعاناة الشاقة والإذلال للشعبين المسلمين الكريمين.

 

وتطلعنا لا ينقطع لفرج كل شعبٍ مسلمٍ يعاني من ظلم ظالم وطغيان طاغية.

 

وكم كانت ألام هذا الشعب طاغيةُ وطافحةً وعميقةً لمآساة غزة، ولما عليه حال القدس وفلسطين عامة، ولا زالت تأكل هذه الألام من النفوس.

 

وضمير هذا الشعب يقف مع كل مظلومٍ في الأرض، مسلماً كان أو غير مسلم، ويحب السلم والسلام، والعدل والخير، والإستقامة والسعادة لكل شعوب العالم.

 

شعبٌ هذا شأنه، حق له أن تفرح الشعوب لفرحه،  وتحزن لحزنه، وتتألم لألمه، وأن تكون له في الحق لا عليه، وأن تضم صوتها إلى صوته المطالب بحقوقه.

 

وكل حركات الساحة العربية سجلت درجةُ عاليةُ من السلمية، وإن اخرج بعضها عنف السلطة وقسوتها إلى اسلوبٍ آخر يواجه القوة بالقوة، والتحرك في البحرين وبرغم كل الألام والضحايا والإنتهاكات لم يغادر خط السلم، وهو مصرٌ على إلتزامه، ولا يصح له غير ذلك.

 

وهذا يزيد في وجوب تأييد هذا الشعب، ودعم هذا الشعب، وتأييده والوقوف معه، لا أن يكون الآخرون عليه أو يقفوا موقفاً غير مبالٍ من محنته.

 

ولا يحمل روح الدين من وقف مع الظالم ضد المظلوم لأن الأول نصراني والثاني مسلم، أو لأن الأول مسلم والثاني نصراني، أو لأن الظالم شيعي والمظلوم سني.. أو العكس. وليكن هذا المجافي في موقفه للحق من أشد الناس احاطةً بفهم الدين واستيعاباً لفقهه، فما دام مناصراً للظالم على المظلوم فهو مع دين الله في تعارضٍ واصطدام.

 

  • منطق القوة

واعني بالقوة هنا، القوة الباطشة، المنفلتة، المستبيحة، المسرفة، المعرضة عن لغة الحق والعدل، المستبدلة عنها بلغة الرصاص، والقنص، والإرهاب، والإختطاف، والسب والشتم، والكلمة الساقطة البذيئة الدنيئة.

 

هذه لغة الغاب التي لا مكان لها في العالم اليوم، والتي لا يمكن لها الإستمرار وأن يستعاظ بها عن الإعتراف بالحقوق والكرامة، هذه اللغة تزيد في استحكام الأزمة وتتصاعد بها، وتسد كل منافذ الحل الذي لا يحتاجه طرفٌ دون طرف، ولا بديل عنه لأحدهما.

 

  • التكافل الإجتماعي

كونوا مجتمعاً متكافلا، يتحسس بعضه حاجة بعض، ولا يترك للحاجة أن تفترس بعضه، أو تضر به، أو يقع في ذلها، وتنهش من صحته أو دينه أو نفسيته، أو تنال من عزته وكرامته. وبهذا تكونون محل نظر الله ولطفه ورحمته.

 

[1] سورة الملك – سورة 67 – آية 2.

[2] سورة العنكبوت – سورة 29 – آية 2،3.

[3] سورة الشرح – سورة 94 – آية 5،6.

[4] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

زر الذهاب إلى الأعلى