خطبة الجمعة (400) 9 ربيع الثاني – 26 مارس 2010م

مواضيع الخطبة:

*حديث في البصيرة * أولاً: أملاك الدولة * ثانياً: دفاع عن الخمر * ثالثاً: العربدة الإسرائيلية * رابعاً: المحاكمة المعادة * خامساً: خريجون بلا عمل

إلى أين يصل التسامح بهذا المعنى الذي يطرحونه، بالمسلم في هذا البلد؟ إلى أن يقدم الخمرة والعرض والشرف لمتعة الآخر وعندئذ فحسب حتى نكون متسامحين منفتحين؟! على المسلم هنا أن يقدم عرضه، وأن يتنازل عن دينه وعن شرفه وإحساسه بذاته وانتمائه حتى يكون متسامحا في مفهومكم؟!

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي رزق الإنسان فطرة نيّرة، وعقلاً هادياً، وقلباً واعياً، ورشداً وبصيرة، وجعل له في كل شيء دليلَ هدى، وبرهان معرفة، وأنزل منهجاً يأخذ به إلى خيره، وأرسل رسلاً يدلّونه على ربّه، ويَبْلغون به غايته، ويصلون به إلى كماله، ويحقّقون له سعادته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً صلّى الله عليه وآله وسلّم.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فإن خير ما نتناصح به ونتواصى تقوى ربنا الحميد المجيد العليّ القدير، العليم الخبير، الفعّال لما يريد. وإنّ خير حياة ما كانت عن تقوى تضعنا على طريق الله وتنتهي بها إلى رحمته ورضوانه.
ولنرغب عباد الله في التوبة إليه من كل ذنوبنا فعن الرسول صلّى الله عليه وآله:”ليس شيء أحبّ إلى الله من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة”(1).
وفي هذا بشارة كبرى، ودافع عظيم يستثير حرص المؤمن والمؤمنة على التوبة إذ لا جزاء يُنتظر، ولا مرغوب فيه أكبر من حبّ الله للعبد.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم. اللهم اغفر لوالدينا وأولادنا وأزواجنا أرحامنا وجيراننا وأصحابنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
اللهم وفّقنا جميعاً لخالص التوبة عن معصيتك، والأوبة إليك بعد التباعد عنك، والقبول لديك بعد غضبك، فما نجا من حلّت عليه نقمتك، وما أفلح المطرودون من رحمتك، وقد سعد من فاز برضاك، واستحق مثوبتك.
أما بعد أيها الملأ المؤمن الطيّب فهذا حديث في البصيرة:
والبصيرة نَظَرٌ ثاقب، ووجدانٌ عادل، لا يختلط عليه الحقّ والباطل، وتشخيص دقيق، وخيار صائب لا يُقدِّم متأخِّراً، ولا يؤخِّر متقدّماً في الحقّ، ولا ضارّاً على نافع، ولا صغيراً على كبير، ولا فانياً على باقٍ، ولا وضيعاً على شريف، ولا يضع شيئاً في غير موضعه، ولا يتّخذُ من الصّديق عدواً، ومن العدوّ صديقاً، ولا يَتّضِعُ بصاحبه ولا بغيره عن قَدْرِه، ولا يتجاوز به حجمه.
البصيرةُ يرى القلبُ بها ويسمع، ويعرفُ دلالةَ الآيات، وهُدى البيّنات، ولا يكون الجهلُ عنده علماً، ولا العلمُ شكّا، ولا تأخذ الحقائق عنده غير وزنها، ولا تلبسُ الأمورُ غير وجهها، ولا يعمى عن نور، ولا يقع في ظُلمة، وإذا عَلِم بنى على العلم، وإذا شكّ تبيّن، من غير أن يختلط عليه جهلٌ بعلم، ولا شكٌّ بيقين.
صاحب البصيرة يفقه الدلالة الورائية البعيدة مما يكون خلف المرئي والمسموع، ولا يقف به النظر عند حدّهما، ويستوعب الحكمة والدرس مما يصل إليه من حوادث الحاضر والماضي، وما يزخر به الكون من أشياء.
وحين نأتي إلى التطبيق نجد فرقاً كبيراً بين عالِمين كلٌّ منهما وقف على الأسرار العلمية الهائلة في تكوين الذَّرة والخليّة مثلاً، والتصميم الدقيق المبدع في المنظومات الكونية، والأبعاد الشاسعة للنظام الكوني وامتداداته البعيدة المكتَشَفة والمتجاوزة لمئات الملايين من السنوات الضوئية من غير أن يدخلَها خلل أو يسودَها اضطراب؛ عالِمَين كانا كذلك ووقف كلٌّ منهما على الملاءمة والتناسق الكامل بين كل عضوٍ في الموجودات الحيّة ووظائفه والحاجة إلى هذه الوظائف، والتلاؤم والتكامل بين مجموع الأعضاء للحيّ وفي ما تختص به من وظائف، وعلى التناسق بين حاجة الأحياء في الأرض وما تغنى به هذه البيئة مما يُلبّي الحاجة من غذاء وشراب ومسكن وملبس وأشياء أخرى لأحيائها، وعلى معادلات موزونة وزناً بالغ الدِّقّة في كل صغير وكبير من أشياء الكون العريض ثمّ من بعد كل هذا يذهب أحد العالِمَين إلى رؤية الخالق المدبّر العليم الحكيم القادر القاهر وراء هذا الخلق المتقن المسيَّر بينما يعمى الآخر تماماً عن رؤية هذه الحقيقة ليتضح للآخرين أنه فاقدٌ للبصيرة وإن تمتع ببصر حسّي حديد كبَّرته الصناعة ما كبّرته، وإن جمع من علم الحقائق والقوانين المرتبطة بعالم المادة ما جمع، وإن بنى على ما علمه من هذه الحقائق ما بناه من استفادات عملية في مجال التعامل مع المادة وقوانينها.
وانظر لنا حين لا نقرأ من ظواهر الموت والحياة والغنى والفقر، والضعف والقوة، والعزّ والذُّل، والنمو والذبول، والبزوغ والأفول والتبدل والتغير الذي يحكم حياتنا وحياة الآخرين حين لا نقرأ من كل هذا حجمنا الحقيقي، ومحكوميتنا، ولا نقيم حياتنا في ضوء كل هذه المؤشّرات، ونتجاوز الواقع لننصب من أنفسنا آلهة في الأرض لا تُقهر مستكبرين على الله سبحانه لا نسمع له أمراً ولا نهياً، ولا نُقدّر حكماً وتشريعاً.
ألسنا نكون بهذا فاقدين للبصيرة صُمّاً وعمياناً؟!
وإذا كانت كلّ دروس الواقع والتاريخ، وما تزخر به حياةُ كلّ الأقوام في الأرض من متاعب وكوارث وتمزّقات وتصدّعات وفتن ومآسٍ للانحراف عن خطّ العبادة لله سبحانه ودينه القويم، وما يُعطيه الالتزام بهذا الخط من نتائج رابحة في حياة الأفراد والجماعات…. إذا كانت كل هذه الدروس لا نتعلّم منها ضرورة الرجوع إلى الله تبارك وتعالى، ودينه القويم في كل حياتنا أفلا يكشف ذلك عن غفلة وسفه وعمى وصمم؟!
وإذا قبل أحد من الناس العبودية للعبيد، واستكبر على الله شامخاً بأنفه أفليس ذلك من عمى وسفه وجنون؟!
وإذا بنينا حياتنا على البقاء على وجه الأرض أبداً ونحن نرى كيف تساق الأفواج بعد الأفواج إلى الموت، وكيف يُغيَّب الملايين تحت الثرى أفليس هذا هو عين الغباء والعمى والذهول؟!
قد يكون البصر حديداً، والسمع قويا، من دون قلب فاقه، وعقل واع يتلقى الدروس البعيدة من المرئي والمسموع، وهذا هو فقد البصيرة {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(2).
والنتيجة لعمى القلب وصممه لا تُقاس بسوئها نتيجة {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(3).
قلوبهم حسب الفطرة فاقهة، وأعينهم باصرة، وآذانهم واعية، وأما ما صارت إليه هذه القلوب والأعين، والآذان من انسداد وعمى وصمم فذلك لأنهم ضادّوا الفطرة وخرجوا على مقتضاها فأفسدوها على أنفسهم، وطمروها. ولذلك ولما أسقطوا به قيمة إنسانيتهم وانحدروا بمستواهم عمداً إلى ما دون مستوى الأنعام ناسبهم جدّاً أن تكون عاقبتهم النار.
وفي كلمات المعصومين عليهم السلام أن التمتع بسلامة العين، وقوة البصر الحسي لا يعني شيئاً على مستوى إدراك الحقائق المعنوية، وتلقِّي دروس الرّوح والحياة الإنسانية التي تقف وراء مشاهد الحسِّ ومعايناته. فتبقى المشاهدات كلّها حسيّة، وقد تَنْفَذُ الرؤية إلى قوانين المادّة وعلاقاتها دون إدراك الحقائق الكبرى العالية ذات العمق المعنوي التي يعكسها المحسوس في واعية وشعور أصحاب البصيرة، ويقوم شاهداً عليها.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:”نظر البصر لا يُجدي إذا عمي البصيرة”(4).
وعنه عليه السلام:”فاقد البصيرة فاسد النظر”(5).(6)
ويفهم من الكلمتين العاليتين ما تقدم ذكره، وإن كانت الغفلة قد تتناول حتى المستوى القريب ليبقى المحسوسُ سطحيّاً والواقع تحت النظر الصورة الخارجيّة من غير الوصول حتى لدلالاته القريبة من الحِسّ، ولو استولت الغفلة لغام المحسوس حتى السطح منه، وصارت العين كأنها لا ترى.
أما البصيرة فلها شأنٌ آخر، ووظيفة أبعد وهي أبعد مدى وأعمق غوراً فهي تتناول أمهات الحقائق وأصولها. فعنه عليه السلام:”فإنما البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثم سلك جُددا واضحاً يتجنّب فيه الصرعة في المهاوي”(7).
فالبصيرة تذهب من المُشاهَد الحسي لِكلّ دلالاته، وتستوعب أبعد ما يرمز إليه، وتستلهم كل إشاراته وما يمكن أن يترتب عليه من دروس، وتنتفع من ذلك كله في الأخذ بالخيارات الرشيدة، وسلوك الطريق القويم الواصل الآمن.
وفي مفارقة بين أهمية البصر والبصيرة تقول الكلمة عنه عليه السلام:”فقد البصر أهون من فقد البصيرة”(8).
ذلك لأن عطاء البصيرة أكبر، ولأنّه لا يوجد عوض عنها، وخسارتها خسارة هائلة مصيرية تجتاح نجاح الدنيا ولا يكون معها نجاح في الآخرة .
وللحفاظ على البصيرة، وتعميقها وتركيزها وتوسيعها علينا أن نأخذ بالهدى، ونحمل النفس عليه، ونتبع الحق وإن وجدناه مرّاً، ونفتح صدورنا لتلقيه وإن صعب ذلك على النفس وأرهقها.
وفي هذا يأتي القول عنه عليه السلام:”بالهدى يكثر الاستبصار”(9).
وكُنْ – أخي المؤمن – من أشار إليه الإمام عليه السلام في كلمته الآتية لتكون أبصر الناس فعنه عليه السلام:”أبصر النّاس من أبصر عيوبه، وأقلع عن ذنوبه”(10).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ارزقنا سلامة البصر والبصيرة ونفاذهما وقوتهما، وارزقنا قوة الدّين واليقين، واجعلنا في الصالحين، وارحمنا في أمر الدنيا والدين، واجعلنا من المفلحين الفائزين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا ملجأ من دونه، ولا تعويل إلاّ عليه، ولا مفرّ إلا إليه، ولا خوف على من آمنه، ولا أمن لمن أخافه، ولا ذلّ لمن أعزّ، ولا عزّ لمن أذل. ولا ينفع توكلٌ إلا عليه، ولا تعلّقٌ إلا به. يُغني الله عن كل شيء، ولا يُغني عنه شيء، ولا نفع من أحد لأحد إلا بعطائه، وإذنه وتقديره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أفلا فلنتّق الله الذي يُغيث ولا يُغاث منه، ويحمي، ولا يحمي أحد من غضبه، ويؤي ولا يؤي شيء من طلبه. له ما في السماوات والأرض وما بينهن وهو العزيز الحكيم، الغفور الرّحيم، العدل الذي لا يجور.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل لقلوبنا اعتماداً على غيرك أبداً، وآمنها بالاعتماد عليك، والثِّقة بك، والرجاء في فضلك وكرمك، وأغنها بك عمن سواك، واشغلها بحمدك وشكرك وتقديسك وتسبيحك والانصراف إليك يا حنّان، يا منّان، يا كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، على الأئمة الهادين المعصومين النجباء: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا قائما ثابتا.
أما بعد أيها الأعزاء من مؤمنين ومؤمنات فإلى هذه الكلمات:
أولاً: أملاك الدولة:
1. أملاك الدولة أملاك الشعب توضع في مصالحه العامة وضروراته الشخصيَّة، وليس للدولة مال معزول عن مصلحته فضلاً عن أن يكون في الإضرار به.
2. ولا عجب أن يحرس كل مالك ملكه، بل هو مسؤول عن حراسته، والدفاع عنه عند التعدي عليه، والعمل على استرداده ممن غصبه.
3. والمعلومات التي أُفصح عنها علناً من لجنة التحقيق في أملاك الدولة فيما يتعلّق بالتلاعب بها، وتغييبها والاستيلاء عليها ترسم صورة مرعبة لما عليه واقع الفساد المالي المستنزِف لثروات الشعب ومن بعض حماة هذا المال وأمنائه من ناحية خارجيّة عمليّة.
4. أملاك دولة من مساحات أرض واسعة تحمل وثائق رسمية يُكتشف تحوّلها في الظلام إلى أملاك أشخاص وشركات، ومساحات أخرى يلفُّها الغموض ولا تتلقّى لجنةُ التحقيق عنها أيَّ جواب.
ما ثبت عند لجنة التحقيق التعدّي عليه من أملاك الدولة من العقارات تبلغ مساحته 65 من الكيلومترات المربّعة. وقيمته في الحد الأدنى بحسب شركة (بي تي زد) 15 مليار دينار.
أرض واحدة من هذه الأراضي بمليار دينار، وأخرى بمليارين.
وتقرير اللجنة يتحدث في هذا الشأن بلغة الوثائق. وفرق بين لغة الوثائق واللغة الإنشائية الدعائية.
وهناك مساحات منهوبة حسب القرائن، وأخرى محل الشك ولا يوجد تعاون كامل مع اللجنة في تقديم المعلومات.
ما هو الجزاء؟ هل أقل من عودة هذه الأراضي إلى ملكية الدولة بلا ضجيج، وعدم خروجها ثانية إلى ملكية الأفراد والشركات، ومِنْ توظيفها توظيفاً أميناً، وصرفها في مصالح الشعب، وتلبية حاجاته كحاجة الإسكان المتنامية؟
ثانيا: دفاع عن الخمر:
لابد بعد كل الذي حدث في البلد من تخطيط للبُعد عن الإسلام، وإفشاء المنكر، وإشاعة روح التحلل والمجاهرة بالمعاصي أن يوجد من يتصدّى بحرارة وعلنيّة للدفاع عن الخمر خاصّةً إذا كان فيه عائد مالي كبير على المدافعين وإن كان من المال الحرام في نظر الشريعة.
وليس لنا شأن بمن قال ولكن الشأن بما قيل.
قالوا بأن البحرين ستموت جوعاً إذا مُنعت الخمرة. والصحيح أنّ تدفّق المال الحرام على بعض المترفين سيقل. ومثل هذه الضجة ضجة كانت للمترفين في أمريكا يوم إلغاء الرّقيق(11).
ومن الفئة المترفة من لا يفكر في الناس وأمنهم وصحتهم وشرفهم. وإنما كل تفكيره في تنمية الرصيد المالي الذي ليس له حد في تطلّعه، وأن تُفتح كل الأبواب للعبِّ من كل اللذائذ التي يراها لذائذ وإن فتكت به قبل غيره.
وإذا كان هناك عدد محدود يتضرر بمنع الخمر لخسارة دخلٍ حرام، أو فوات لذة محرَّمة فإنَّ في منعِهِ منفعة جماهير عريضة، ودفع ضرر بالغ عنها، وفي بقاء إقراره تلف أموال وصحة وشرف وأعراض وعقول ونفوس.
ويُسأل: البحرين بخمورها المتدفِّقة أغنى من أي دولة خليجية؟
ومن أي بلد خليجي لا تُباع فيه الخمرة خرج الغربيون مخلّفين وراءهم الفرص الاستثمارية المغرية؟(12)
والقول بأن البحرين ستخسر خسارة كبيرة بمنع الخمر فضيحة لاقتصاد يعتمد بدرجة رئيسة على الخمر في بلد مسلم كريم، وتعريض لهذا البلد في أي لحظة بالانهيار.
وقالوا إن قانوناً يمنع الخمر يعني فرضاً ووصاية. والسؤال وما حال كل القوانين الأخرى، الأمنية وغير الأمنية، ظالمة كانت أو عادلة؟ فهل تعترضون عليها؟ وهذا القانون وصاية على أي مقدار من هذا الشعب، وكم هم المكرَهون المهانون بقانون الإباحة؟(13)
وقالوا البلد بلد انفتاح. وهل يعني هذا فتح أبوابه لكل سيء وقبيح وخبيث؟
وماذا تقولون عمن يريد من الغرباء أن يمارس الفحشاء في الشارع، ويسوّق لها كذلك كما يُسوّق للثياب والقمصان؟
وقالوا البلد بلد الثقافات المتنوّعة والتسامح. وهم يعنون بهذا أن لا فرق أساساً بين ما هو حق وباطل، ومسلم وكافر من هذه الثقافة… ويعنون أنه لابد أن يخرج هذا البلد من هويته الإسلامية وتاريخه وانتمائه وواقعه الإسلامي باسم تنوّع الثقافات والتسامح.
وإلى أين يصل التسامح بهذا المعنى الذي يطرحونه، بالمسلم في هذا البلد؟ إلى أن يقدِّم الخمرة والعرض والشرف لمتعة الآخر وعندئذ فحسب حتى نكون متسامحين منفتحين؟! على المسلم هنا أن يقدم عرضه، وأن يتنازل عن دينه وعن شرفه وإحساسه بذاته وانتمائه؟! حتى يكون متسامحا في مفهومكم؟!
وقالوا إن نصف البحرين أجانب، وعلينا أن نراعي هذا النصف! أقول: وهل جاء هذا النصف بشرط تنازل البحرين عن هويتها ودينها؟
والاحتجاج بأن نصف البحرين أجانب فعليكم أن تبيحوا الخمر والمحرمات الأخرى يبيّن كارثة التجنيس، فكلما تعاظم، فسيكون على المواطنين الأصليين أن يصوغوا حياتهم الصياغةَ التي تُريح الآخر وترضيه، وعليهم أن يذوبوا بالكامل في الوجود الطارئ. على الوجود الأصيل أن يذوب بالكامل في الوجود الطارئ!!
الغرب أيها الأساتذة يطالب المسلمين هناك بالاندماج والذوبان في حياته وعاداته وتقاليده وأنتم تطالبون مجتمعاتنا أن تذوب في الوافد، وفي كل ما يشتهيه من خبيث؟!
وقالوا أن على مجلس الشورى أن يكون مجلس تشريع لا إفتاء بمعنى أن عليه أن يُشرِّع في قبال شرع الله، لا أن يهتدي بهدى شريعته… وما أكبر إثمها من كلمة!!
ثالثا: العربدة الإسرائيلية:
إسرائيل مستمرة في توسّعها الاستيطاني وتنفيذ خطتها في مصادرة المسجد الأقصى، والاستيلاء على القدس الشرقية، و العرب باقون على مبادرة السلام. وكلما تلقوا صفعة من إسرائيل بعد أي عودة للمفاوضات عتبوا عليها، وكأنّها الصديق، وشجبوا تصرفاتها لكن لا يبارحون موقفهم الملتزم بمبادرة السلام، ولا يُقدِمون على أي خطوة جزائية مقابلة من قطع علاقة أو حتى تخفيفها، وتوقيف الاتصالات المكشوفة وغير المكشوفة.
لكن لهم موقف متكرر هو إعلان الاستغاثة والاستنجاد بالشيمة الأمريكية على إسرائيل ربيبة أمريكا ومدللتها.
وأمريكا لها تصريحاتها الجلية جدّاً في الحفاظ على أمن إسرائيل وضمان حمايتها، والحرص على بقائها أكبر قوة في المنطقة بالمال والدعم المفتوح.
وتبرهن أمريكا على صدقها وجدية تصريحاتها هذه بمواقف عملية سخية على إسرائيل معجَّلة غير مؤجَّلة.
وللعرب من أمريكا كلمات إنشائية لتهدئة الخواطر، وتمرير المواقف الإسرائيلية والتبرير لتنازلات جديدة لإسرائيل على العرب أن يقدِموا عليها في ظل التطمينات الأمريكية والخلاف الجزئي الشكلي مع إسرائيل.
وهذه المرة يقول العرب بوجود خلاف جدي بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي فلئن كان فهو ليس من أجل العرب، ولا يصل إلى حد القطيعة فضلاً عن العداوة، وسيكون بحساب دقيق لا يُعطي العرب أي امتياز خارج المصلحة الأمريكية وبما يمسّ مصلحة إسرائيل.
رابعاً: المحاكمة المعادة:
شباب كرزكان ثبتت براءتهم قضائياً وانتهى الأمر لكن اشتهت السياسة أن تعيد هذه المحاكمة.
وليس من عاقل يمكن أن يُصدِّق بأن النيابة العامة قد ادَّخرت بعضاً من أدلتها المدَّعاة لإدانة المتهمين لما بعد المحاكمة الأولى التي انتهت بالنطق ببراءتهم.
فمن أيّ جيب ستأتي هذه الأدلة، ومن أي مسرح عمليات، ومن أي تمثيلية؟
لا جديد في الأمر، وعليه فلا يصح أن يكون جديد في الحكم. فجديد الحكم يتبع جديد الدليل، فحيث لا جديد من الدليل لا يصح أن يكون جديد في الحكم
خامسا: خريجون بلا عمل:
التخرج من المستوى الدراسي المؤهل للعمل صار يستوعب شطراً كبيراً من عمر الإنسان، ولا يحتمل بناؤه لحياته الأُسرية بعد هذه الدراسة تأجيلاً لسنوات، وهو مضطر لذلك إذا لم يكن من أُسرة ذات يسار عريض، فعليه أن ينتظر سنوات وإن استقبله العمل والراتب المجزي بعد الدراسة مباشرة. فكيف إذا تعطّل سنوات بعد التخرج من غير عمل أو توفر على عمل براتب غير لا يجزيه؟
لقد صار من أوضح وظائف الدولة في ظل القبضة الحديدية على الثروة العامة والأوضاع الاقتصادية، وفي ظل القوانين الاقتصاديه المشددة على الطبقة العادية الخانقة لها، وشح الفرص أمام العمل عند المواطن أن توفر فرص العمل من جهتها، وتقدم الراتب المقوم لحياة الموظف والعامل وأسرته.
على الخرّيجين الذين لا يجدون عملاً مناسباً أن لا يتركوا سبيلاً ولا وسيلة قانونية في المطالبة والاحتجاج السّلمي إلا أخذوا بها للتوفّر على الوظيفة والعمل المناسب، وهكذا بالنسبة لغير الخريجين.
وعلى الحكومة أن تخطوَ الخطوات الجديَّة في توفير فرص العمل للمواطنين تخليصاً لهم من المشكلة المعيشية والمشاكل الأخرى الأسرية والنفسية والاجتماعية التي تتسبب فيها حالة البطالة.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم طهّر قلوبنا من رجسها، وعقولنا من ظُلَمِها، والأرض من بغي الطغاة فيها، ووحّد قلوب المؤمنين على التقوى وانصرهم بنصرك، وأعزَّهم بعزك يا قوي يا عزيز يا من هو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(14).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج6 ص21.
2 – 46/ الحج.
3 – 179/ الأعراف.
4 – ميزان الحكمة ج1 ص266.
5 – المصدر السابق.
6 – النظر المعنوي، النظر للحقائق الكبرى.
7 – شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج9 ص158.
8 – ميزان الحكمة ج1 ص266.
9 – المصدر السابق.
10 – المصدر السابق.
11 – كما أحدث إلغاء الرقيق خسائر مادية للمترفين كذلك إلغاء الخمرة سيحدث خسارة مادية للمترفين البعيدين عن شرع الله عز وجل، هذا هو الصحيح وليس أن الشعب سيخسر. دخل الخمرة ليس للشعب، ولا يسر الشعب مثل هذا الدخل .
12 – أي بلد في الخليج خرجت منه الشركات الطامعة في الثروة الخليجية لأنه لا تباع فيه خمرة، أي بلد؟! ويمر هذا الكلام على بعض العقول من غير مناقشة.
13 – كم الذين يجري قانون الإباحة رغماً على أنوفهم، وعلى اعتزازهم بدينهم وشرفهم وكرامتهم. أنتم كم؟ والباقون كم؟! وتنظرون للغرباء وشتها يتم المحرَّمه، وتنسون المواطن الأصلي؟! وإن المنظور الحقيقي للمعترضين على القانون الأموال الوفيرة التي يدرها الخمر على جيوبهم على حساب مصالح الشعب، وأن ينأى البلد عن أجواء الاسلام.
14 – 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى