خطبة الجمعة (387) 10 ذو القعدة 1430هـ – 30 أكتوبر 2009م

مواضيع الخطبة:

*الغيرة على الأهل *إرهابان مدمّران *خطأ وخطيئة *المسجد الأقصى

التجنيس خطيئة كبرى إذا انطلق من الفكر والهدف والنفسية التي تقف وراء مؤامرة البندر التي قد يحكم عليها بأنها تستهدف طائفة ومذهباً معيناً، وهي في النّظر الدّقيق تستهدف الشّعب كلّه من حيث نتائجُها الوخيمة، وما تؤدّي إليه من نزاعات وصراعات مهلكة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خَلَقَ الإنسانَ في أحسن تقويم فكان منه من يُردّ بسوء عمله إلى أسفل سافلين، ومنه من يكون بفضل ربّه، وحُسنِ عمله في أعلى عليين، وله أجرٌ غير ممنون، ومقام عند الله كريم. نحمده حمداً خالصاً صادقاً دائماً لا ينقطع أبداً، ولا يكافأ بما دون مغفرته وعفوه ورحمته وجنَّته ورضاه، وهو الذي لا خير إلا منه، ولا دافع للشّرِّ سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله الذي لا غنى لأحد عن رحمته ونفسي المملوكة له بتقواه، وعدم التفريط في طلب الرحمة منه. “جاء رجل إلى النبيّ صلَّى الله عليه وآله فقال:…. أحب أن يرحمني ربي؟ قال (ص): ارحم نفسك وارحم خلق الله يرحمك الله…”(1) ورحمةُ النَّفس بطاعة الرّب تبارك وتعالى. فعنه صلّى الله عليه وآله:”تعرَّضوا لرحمة الله بما أمركم من طاعته”(2). ويدخل في رحمة النّاس كفُّ الأذى عنهم، وعونهم على قضاء حوائجهم مما ينفعهم ولا يضرّهم، ومن أعظمها هدايتهم، ودفع الضلالة عنهم، والأخذُ بهم إلى الطريق القويم.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرّحيم.
اللهم اجعلنا من المرحومين لا المحرومين، ومن الهادين المهديين، لا الضّالين المضلِّين، وارزقنا درجة اليقين، وأمْنَ الدُّنيا والدّين يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الرَّاحمين.
الغيرة على الأهل:

أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون الأعزاء فالحديث في موضوع الغيرة على الأهل:
الغيرة درجة من الحساسية النفسيّة البالغة تجاه تدنّس العِرض كالزوجة والبنت والأخت وسائر الأهل، وثَلْمِ شرفه، ومنطلق هذه الحساسية والأذى والحميّة والأَنَفَة هو إباء النفس وعزّتها وكرامتها ورفضُها الإهانةَ والهوان.
وهناك فرق عند النّفوس الشّريفة وفي وجدانها الفطري الصافي بين ما يعني بذله للآخر كرماً وجوداً وسماحةَ نفسٍ وفضيلة كالمال يُبذل لمحتاجه، وبين ما يعني بذله خسّة نفس وانحدارة، وسقوطاً، وتضييعاً للقيم، وهدراً للكرامة، وفَقْداً للعفّة، وتبذُّلاً، وترجّساً وتنجّساً كما هو الحال في السّكوت على الانحرافات الجنسيَّة الخطيرة أو ما يقع على طريقها مما قد يُصيب ببلائه الشنيع من يُصيب من ذكر أو أنثى والرضى بذلك فضلاً عن المساعدة عليه.
وما عليه فطرة الإنسان وتاريخه أنَّ أهل الشرف والرّفعة والسموّ من بني الإنسان تجدهم أسخياء بالمال، حريصين على سلامة العِرض وطهارته، أمَّا أهلُ الدّناءة النفسية فربما وجدتهم شحيحين بالمال حريصين عليه أشدّ الحرص، متساهلين في أمر العرض.
وللإسلام موقف واضح جليّ قويّ من مسألة العِرض والغيرة على الأهل، وحماية الشّرف، والمنع من تسلُّل حالة التبذُّل في الأسر، ووصول اليد العابثة إلى حريمها بما يَمسُّ العرض والكرامة، ولو كان في ذلك بذل النفس والنفيس.
ولننعطف بالحديث على طريق حديث المعصومين المرويّ عنهم عليهم السلام ففيه الكفاية:
الغيرة والإسلام:
عن الرسول صلّى الله عليه وآله:
“إن الغَيْرة من الإيمان”(3)، فحيث يكون الإنسان متوفّرا على الإيمان فإن الإيمان ينبت في نفسه الغيرة، ويضعه على طريق حماية العرض والذود عنه، وحيث لا غيرة عند الإنسان فإن في ذلك درجة من الكشف عن ضعف الإيمان إلا إن لم يكن انعدامه.
“إن الغيرة من الإيمان، وإن المذاء(4) من النفاق”(5). فهناك أرضيتان: أرضية إيمان، وأرضيّة نفاق، أرضية الإيمان لها نباتها، وأرضيّة النفاق لها نباتها الآخر، أرضية الإيمان ماذا تنبت؟ تنبت الغيرة، أما أرضية فتنبت المَذاء، حيث يجمع الرجال والنساء يلاعب بعضهم بعضاً، أو هو الدياثة بمعنى أن يعلم الزوج ما عليه زوجه من انحراف جنسي وهو ساكت.
“كان إبراهيم أبي غيوراً، وأنا أغير منه، وأرغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين”(6). أرغم أنفه يعني أذلّ أنفه، فمن لا يغار على العرض فهو ذليل خسيس دنيء.
“إني لغيور، والله عزّ وجل أغير مني، وإن الله تعالى يحب من عباده الغيور”(7). الغيرة خلق مقتبس من الله عزّ وجلّ.
“لا أحد أغيرُ من الله؛ فلذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن”(8). فتحريم الله عز وجل للفواحش ما ظهر منها وما بطن منشأه غيرة الله عزّ وجلّ على أعراض عباده وشرفهم، وحبّه لسعادتهم.
النفسيّة الغيورة:
عن الإمام علي عليه السلام:
“على قدر الحميَّة تكون الغيرة”(9). الأنفة والحميّة شعور بالشرف وبالعزّة والكرامة، واستعداد نفسيّ للذود عن كل ذلك، درجة من الإباء يستحيل على المرء معها أن يقبل بالذلّة والهوان، وأن تُداس كرامته.
فبمقدار ما في الصدور من هذا الخلق الكريم خلق الإباء والحميّة بالحقّ، والأنفة على طريق الحقّ تنشأ الغيرة، وإذا خَلتِ الصدور من ذلك الخلق الكريم هان على المرء أن يُداس عرضه.
“غيرة الرجل على قدر أنفته”(10) وهي كما تقدم شعورٌ بعزة النفس وكرامتها ومكانتها وقيمتها.
الغيرة تمنع من الرذيلة. فأثر الغيرة ليس هو الدفاع عن العرض فحسب، وذلك ما يكشف أن الغيرة غير الأنانية المنخنقة. التي لا تسمح بالخبر للآخر. إن الغيرة كما يستحيل معها القبول بدناءة العرض المنسوب إلى النفس يستحيل عليها أيضاً أن تمتد بالإهانة إلى عرض الآخرين، فللغيرة أثران: أثر الذود عن العرض، وأثر الترفُّع والتنزّه والعفة عن مس عرض الآخرين.
نعم إن الغيرة تحمي من الرذيلة وترفع بصاحبها عن النيل من عِرضِ الأخرين.
عن علي عليه السلام:”ما زنى غيور قط”(11). فالغيوركما يعزّ عليه عرضه وكرامته فإنه يقدّر كل إنسان، ويرى في كل إنسان كرامة، فتمتنع يده، وتقف شهوته دون أن تسقط به في تدنيس عرض الآخرين.
فاقد الغَيْرَة:
عن الإمام الصادق عليه السلام:”إذا أغير الرجل في أهله(12) أو بعض مناكحه من مملوكه فلم يَغرْ ولم يغيّر بعث الله إليه طائراً يقال له: القفندر حتى يسقط على عارضة بابه، ثم يمهله أربعين يوماً ثم يهتف به: إن الله غيور يحب كل غيور… ثم يطير عنه فينزع الله بعد ذلك منه روح الإيمان، وتسميه الملائكة: الدَّيوث”(13).
عن الرسول صلّى الله عليه وآله لما سُئل عن الديوث، جاء الجواب:”الذي تزني امرأته وهو يعلم بها”(14).
عن علي عليه السلام:”أما تستحيون ولا تغارون؟! نساؤكم يخرجن إلى الأسواق يزاحمن العلوج!!”(15). ليس الأمر هو الخروج إلى السوق لقضاء حوائج ضرورية، وفي تعفّفٍ ووقار وتنزّه، إنما هو الخروج لحاجة ولغير حاجة، وللاختلاط، ولمزاحمة الرجال، هذا فكيف بمسامرة الرجال طول الليالي، وكيف بالمهاتفات المتهتّكة، وكيف بعرض الزينة، وكيف بالاختلاط بلا حدود، وكيف بالتلاقي لساعات ومن غير قيد شرعي، وكيف بالخلوات المحرَّمة؟!
عن الصادق عليه السلام:”إذا لم يَغِرِ الرجل فهو منكوس القلب”(16). الفطرة مع الغيرة، الاستقامة مع الغيرة، الدين مع الغيرة، العقل مع الغيرة، عقلائياً الغيرة مأخوذ بها، تاريخ الإنسان يدلّ على الغيرة، اختصاص كلّ رجل في أغلب المجتمعات الإنسانية إلا ما شذّ، بشريكة الحياة، وذود الرجل عن المرأة كلّه يدل على أن استقامة الفطرة تأخذ بالإنسان إلى خلق الغيرة، فمن لم تكن له غيره فقلبه منكوس.
عن الرسول صلَّى الله عليه وآله:”إن الجنَّة لتوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام(17)، ولا يجدها عاق، ولا ديّوث، قيل يا رسول الله، وما الدّيوث؟ قال الذي تزني امرأته وهو يعلم بها”(18).
لا إفراط ولا تفريط:
عن الرسول صلّى الله عليه وآله:”من الغيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله: فأما ما يحب؛ الغيرةُ في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير الريبة”(19). قد تكون قرائن، أو شيء من علامات مما يبعث على الشك في العفة والنزاهة والالتزام. فهنا تبدأ الغيرة، وتكون بمقدار ما يظهر من هذه العلائم.
أما أن تكون امرأة صالحة عفيفة لا يبدو عليها سوء، وليس فيها مؤشّر من مؤشرات الانحراف وتكون الغيرة عند زوجها أو أخيها أو أبيها فذلك من الظلم الشنيع، ومن سوء الظن الذي لا ينبغي أن يكون، وهو سبب من أسباب الانحراف والغواية كما سيأتي في أحاديثهم عليهم السلام. وفيه إهانة لحرمة الإنسان المؤمن وتعدٍّ عليها، الإنسان المؤمن له موقع وكرامة عند الله عز وجل، وهذه الغيرة وإعطاء مؤشّرات التهمة للطرف الآخر فيه سحق لكرامته وإهانة لا يرضاها الله تبارك وتعالى.
عن الإمام علي عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام:”إيّاك والتغاير في غير موضع الغَيرَة؛ فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم، ولكن أحكم أمرَهُن فإن رأيت عيباً فعجّل النكير على الكبير والصغير”(20). سواء كان ذكراً أو أنثى، والمعالجات المبكّرة خير ما تواجه به هذه الأمور، وكل الأمراض الجسدية أو النفسية أو الخلقية، والإهمال الطويل يبعّد المسافة عن تدارك الأمور.
عن الصادق عليه السلام:”لا غيرة في الحلال….”(21). قد تحادث الشابَّة أخاها، أو تتزوج البنت فتكشف الأمّ وجهها على زوج البنت فيغار من هذا البعض، ففي هذه الغيرة تعَدّ للمحدود، وليس من حقّ المرء أن يتعّدى حدود ربّه، وأن يغار من الحلال، إلاّ أن تبدو بوادر الغيرة غير جيدة، فيتغير الموضوع، ويتغير الحكم. إلا أن تبدو بوادر غير جيّدة.
منطلق الغيرة:
عن الإمام علي عليه السلام:”غيرة الرجل إيمان، وغيرة المرأة عدوان”(22). كيف؟
يأتي التفسير من حديثهم عليهم السلام.
عن الإمام الباقر عليه السلام:”غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر، إن النساء إذا غرن غضِبن، وإذا غضبن كفرن إلاّ المسلِمات منهن”(23).
في الغالب أنّ غيرة المرأة من خيّرتها من الحسد، ومن التنافس الدنيوي، وهذا المنطلق منطلق الحسد منطلق أقرب إلى قائمة الكفر، والكفر ليس معناه دائماً الجحود بوجود الله تبارك وتعالى، والكفر على مستويات: منه المستوى الذي يضادّ الإيمان في أصله، ومنه ما يعني الانحراف العملي، والتخلّف عن حكم من الأحكام الشرعية، في كل مخالفة لله عز وجل كفر بواجب من واجبات العبد، وحق من حقوق الله، وفي ذلك كفر لنعم الله تبارك وتعالى.
الحسد خلق دنيء لئيم، وهو من مترشّحات الكفر ومن دواعيه وأسبابه فإذا كان منطلق الغيرة الحسد كانت هذه الغيرة من فصيلة ما يترتب على الكفر، وينشأ منه الكفر.
ولنتذكر قضية إبليس، وكيف أن الحسد والكبر أخرجاه من الإيمان إلى الكفر.
وليس كل النساء مبتليات بهذه الغيرة، وإن كان الكثير منهن مبتلى بها، إلا أن المسلمة المتوفّرة على درجة مركّزة من الإيمان والإسلام، والمتخلّقة بخلق الإسلام إلى حدّ الصبر على تكاليفه الصعبة تجدها بعيدة من هذا الخلق غير المناسب لشخصية الإنسان المسلم.
ويجدر التنبيه إلى حاجة المجتمع المسلم اليوم إلى خُلُق الغيرة المعتدلة التي لا ميل فيها عن خطّ الشريعة لحماية الأعراض المستهدفة بالتشويه والخسَّة من خطط التمييع، وموجات التحلُّل، والغزو الثقافي المدمِّر.
اللهم احمِ أمة الإسلام ومجتمعات المسلمين من التآكل والذوبان الخلقي، ومما يُريده بهذه الأمة أعداؤها من الانحسار عن الفضيلة، والسّقوط في مستنقع الرذيلة، وأنقذها من الافتتان بسفه الكفر وأهله، ومتابعة أهل الضلال، ورُدّها إلى خلق القرآن العظيم، ورسولك الكريم، وصلّ على النبيّ محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يزيد مِن نعمائه من شكره، ويرزق من تفضّله من كفر به، ويثيب المطيع، ويمهل العاصي، ويضاعف الحسنات، ولا يَجزي بالسيئة إلا مثلها، ويعفو عن كثير، وهو الوليُّ الحميد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله، والشُّكرِ لما أنعم، والإحسانِ إلى عباده كما أحسن، واستدامة عطائه بالبذل، واسترجاع ما فات من آلائه بالصبر. فعن النبي صلَّى الله عليه وآله:”إن لله عباداً اختصّهم بالنّعم يُقرُّها فيهم ما بذلوها للنّاس فإذا منعوها حوّلها منهم إلى غيرهم”(24)، قد تكون النعمة نعمة مال، أو نعمة علم، أو نعمة جاه، نعمة قوّة، إلخ. وعن الإمام علي عليه السلام:”أحسن النّاس حالاً في النعم من استدام حاضرها بالشكر، وارتجع فائتها بالصبر”(25). شكرك للنعمة الحاضرة يبقيها عليك، وصبرك عن نعمة تأخرت عنك سببٌ لنيلك لها.
فمن أراد أن يكون في خير دائم فليكن الشاكر لله على النعمة القائمة، والصابر على ما لم يقدر له من نعمة.
وفوت النعم ليس نسياناً من الله سبحانه، ولا بخلاً، ولا لضيق في الملك، وإنما هو التدبير الحكيم، والتقدير العادل الدقيق، ووضع كلِّ شيء في موضعه، والعلم الذي لا يخطئ ما يُصلح العباد أو يُفسِدهم، وبما تؤول إليه الأمور، وتنتهي إليه من عواقب، وما تقضي به الحكمة من تعجيل العقوبة أو تأجيلها.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واجعلنا لنعمائك من الشّاكرين، وعلى بلائك من الصّابرين، ولك ذاكرين حامدين، وارزقنا عافية الدّنيا والدّين يا رحمن يا رحيم يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين الصادق الأمين، وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك، وطريقك إلى جنّتك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مقيما.
أما بعد أيها الاخوة والأخوات الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه بعض كلمات:
إرهابان مدمِّران:
1. إرهاب الحكومات المناقضة لمصلحة الأمة وإرادتها، والمتآمرة مع أعدائها على هُويتها، والداخلة في التبعية المذِلّة والانسياق المخزي وراء إرادة أولئك الأعداء مع استعمال القوّة الباطشة وأساليب القمع والتنكيل لتثبيت هذه السياسة، وقهر كل صوت حر وصرخة شعبية مؤثرة. ذلك إلى جنب النهب والغصب والاستحواذ على الثروة، وممارسة ألوان الظلم والتمييز، وإحداث الفتن والتفنن في خلق أنواع الأزمات.
أنظمة من هذا النوع هي إرهابيّة، وهي أساس الفتنة في الأرض، وسياسات من هذا النوع لابد أن تولِّد حالة الإرهاب.
2. إرهاب الجماعات المتطرفة التي امتهنت جريمة القتل الجماعي الحرام بلا حساب، ولا تفريق بين رجل وامرأة، أو شيخ كبير، وطفل صغير وحتى الرّضع، وبين من له دور سياسي ومن لا دور له في السياسة، وبين سوق ووزارة ودار عبادة، وبين جماعة تزفّ عرّيساً، وأخرى تشيّع جنازة.
وقد وُلِد الإرهاب الثاني في الأجواء الفاسدة البغيضة للإرهاب الأول ليجتمع تدميران هائلان لوجود الأمة، وتشويهان بالغان لإسلامها، وطاعونان للقضاء على أخضرها ويابسها.
والمصيبةُ الكبرى أنَّ كلاًّ من الإرهابيين ينتسب للإسلام، ويدّعي تمثيله، ويتمترس بجبهة عريضة من العلماء والفتاوى العُلمائية المتراشقة.
وليس من الضّروري أن يكون هؤلاء العلماءُ علماء، ولا أُمناء ولا أتقياء، وممن يخاف اللهَ في دينه وفي أموال المسلمين وأعراضهم ودمائهم.
ولو كانوا ممن يعرف الدِّين، ويخاف الله، لما اشتركوا في ظلم، ولم يدفعوا إلى جرم، ولَفَقَدَ كلا الإرهابيين دعامة من أكبر دعائمهما.
أيُّ عالم بحقّ له فهم بالإسلام، وإيمانٌ بقيمه، وفقهٌ بأحكامه، وتقيّدٌ بشريعته يمكن أن يُبرِّر ما يجري من الاستهداف المتعمد للشيوخ والأطفال والنساء والأبرياء من كل الأعمار بتمزيق الأشلاء، وتطاير الأكفّ والرؤوس وعلى مستوى جماعي كبير من الضحايا في الأسواق والمساجد ودور العلم والمصحّات وفي كل مكان كما في العراق وباكستان وغيرهما؟!!
وهل يُحارَب الغزاة المستكبرون بهذا القتل والتدمير للمستضعفين الأبرياء ممن يُعادُون الاستكبار ولا يكنّون له إلا البغضاء، وبنشر الرُّعب وفوضى الخوف والهلع في صفوف الآمنين من المسلمين المصلّين والصّائمين الذين لا يتمنّون للإسلام والأمّة الإسلامية إلا النّصر والعزَّ والسّؤدد؟!
وفي الساحة العراقية يتناصر إرهاب الحكومات المعادية لاستقرار العراق ومصلحته وفي مقدمتها الحكومة الأمريكية مع إرهاب الفئات المتطرّفة وذيول البعث ويتمُّ التنسيق بين الإرهابين في مواجهة الخيار الديمقراطي للشعب، وإرادته الحرة واختياره لحكومته وتقرير مصيره.
خطأ وخطيئة:
ذلك هو التجنيس غير المقنَّن والذي صارت تتراكم آثاره السلبية المؤذية لكلّ الأطراف بصورة منذرة جدّاً. وما آثارهُ الطّافحة المؤلمة اليوم إلا بدايات خطرٍ هائل يتهدّد هذا الوطن وأهله بلا استثناء.
ما نراه كبيرا اليوم من آثار التجنيس سيكون صغيراً بالقياس إلى الآثار المستقبلية.
التجنيس خطأ لو أُريد به حماية الحكومة وتدعيم وجودها وتوفير الجوِّ الآمن لها مهما مارست من ظلم للشعب، وأمعنت في اضطهاده أو استهدفت فئة خاصة منه بألوان الظلم والاضطهاد؛ فإنّ هذا الهدف لا يمكن تحقّقه في مثل هذا الزمن، وإنما من شأنه أن يؤجّج الوضع الأمني إلى أقصى حد. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ستكون لهم للمجنّسين مطالباتهم المتوسّعة من بعد حين والتي ستمتد إلى البُعد السّياسي الذي سيخنق رقبة الحكم، وقد بدأت تحرّكات هذا الوجود على الأرض لِتُقلق الوضع الأمني وتناهض ما تشتهيه الحكومة من سياسة في بعض الأبعاد والموارد. وهي تحرُّكات على خطورتها إنما تُعبِّر عن البداية، أما السّيل العارم من هذه الأخطار والتي تستهدف الحكومة في الأصل فأمامه شيء من الوقت قد يطول بعض الشيء، وقد لا يطول.
والتجنيس خطيئة كبرى من منطلق استهدافه لمصلحة الشّعب وتماسكه وقوّة نسيجه، ومنطلق تفتيت لحمته، وإضعافه، وزيادة الاستئساد على مستضعفيه ومحروميه، والمغلوبين على أمرهم من أبنائه، وفتح الطريق واسعاً للمزيد من التهام ثرواته، والاستيلاء الشخصي من نفر قليل متسلط ومتنفذ على كل شبر مما قد يكون بقيَ من أرضه بحيث لا يُواجَه كل ذلك بصوت عالٍ ولا همس.
التجنيس خطيئة كبرى إذا انطلق من الفكر والهدف والنفسية التي تقف وراء مؤامرة البندر التي قد يحكم عليها بأنها تستهدف طائفة ومذهباً معيناً، وهي في النّظر الدّقيق تستهدف الشّعب كلّه من حيث نتائجُها الوخيمة، وما تؤدّي إليه من نزاعات وصراعات مهلكة(26).
وبذا تكون مناهضة التجنيس في مواصلتها ودعمها مسؤولية الشعب بكامله، فما يتهدّده التجنيس غير الخاضع للقانون وغير المحدَّد إنما هو أمن الشعب كله ومصلحته ولقمته ودواؤه ومسكنه وثقافته وخصائص وجوده.
مسيرة27 اليوم فرصة تعبير عامٍّ شعبي عن الرفض للتجنيس الظالم. فرصة للتأكيد على هذه الكلمة الحاسمة في إصرار شعبي قوي ودائم (لا للتجنيس) حتى يرتفع صممُ الأذن الرسمية التي تحاول أن لا تُعير الإرادة الشعبية أي اهتمام(28).
ومع الإصرار والإرادة الشعبية على مطالبها الحقة، ومنها إيقاف التجنيس ثمّ تقنينه سترتفع عاهة الصمم عند الوجود الرسمي، وتستجيب للحق الذي لابُدّ منه.
المسجد الأقصى:
استباحة المسجد الأقصى من قبل الشرطة الصهاينة والاعتداء على المصلين هناك لغة عمليّة مُستفِزّة ومتحدية لكل العرب والمسلمين، واختبار لما وصلت إليه إرادة الأمة على المستوى الشعبي… أما على مستوى أغلب الحكومات العربيّة والإسلاميّة فقد سجّل الرصد الإسرائيلي وبصورة موثّقة ومضمونة وموقّع عليها من هذه الحكومات بالكلمة والموقف الاستسلام الكامل من إرادتها لما تمليه وتشتهيه كلٌّ من أمريكا وإسرائيل اليومَ وغداً. والإعلانُ عن هذا الاستسلام نراه يتنامى مع الأيام، ولا يُؤمَن من أن تسري حُمَّاه الخطيرة المعدية إلى الشّعوب ما لم تسترجع وعيَ ذاتها الحضاريّة الإسلاميّة العملاقة، وتُحقق عودة جادّة للإسلام العظيم.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً واهدنا صراطك المستقيم، وابعث فينا روح الإسلام العظيم، وانتصر بنا لدينك القويم، واهزم على أيدينا الكافرين والمنافقين يا ولي المؤمنين وقاهر الجبّارين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – كنز العمّال ج16 ص 129. والرواية طويلة
2 – ميزان الحكمة ج2 ص1051.
3 – من لا يحضره الفقيه ج3 ص444.
4 – المذاء: – بفتح الميم – كسماء هو جمع الرجال والنساء وتركهم يلاعب بعضهم بعضاً، أو هو الدياثة. القاموس المحيط: 4/ 389. (هذا الشرح منقول من كتاب ميزان الحكمة ج3 ص2342).
5 – كنز العمال ج3 ص385.
6 – بحار الأنوار ج100 ص249.
7 – كنز العمال ج3 ص387.
8 – الدر المنثور ج3 ص81.
9 – ميزان الحكمة ج3 ص2342.
10 – المصدر السابق.
11 – نهج البلاغة ج4 ص73.
12 – أي تسبب أحد في تحدي غيرته، وامتحان غيرته.
13 – وسائل الشيعة ج20 ص153.
14 – وسائل الشيعة ج20 ص155.
15 – وسائل الشيعة ج20 ص236.
16 – الكافي ج5 ص536.
17 – أي عام؟ من الأعوام العادية أو من الأعوام الخاصة ذات المدد الخاصة العالية جدا؟؟ والإنسان البعيد عن الجنّة بمقدار مسافات شاسعة لا قياس لنا لها يجد ريحها الطيب، ولا يجدها عاق ولاديوث على قوتها وشدتها، هذه ريحها وليست هي، هو أبعد عن ريح الجنَّة لأكثر من خمسمائة عام، عن ريحها، عام أما عنها فأكثر وأكثر.
18 – من لا يحضره الفقيه ج3 ص444.
19 – كنز العمال ج3 ص385.
20 – بحار الأنوار ج74 ص215.
21 – الكافي ج5 ص537.
22 – ميزان الحكمة ج3 ص2344.
23 – الكافي ج5 ص505.
24 – بحار الأنوار ج72 ص353.
25 – ميزان الحكمة ج4 ص3313.
26 – هتاف جموع المصلين بـ(كلا كلا للتجنيس).
27 كان التعبير عن الفعالية الاحتجاجية بالمسيرة وهي في الواقع سلسلة بشرية ممتدَّة.
28 – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).

زر الذهاب إلى الأعلى