خطبة الجمعة (377) 24 رجب 1430هـ – 17 يوليو 2009م

مواضيع الخطبة:

*العِشرة الزوجية – متابعة *ولاية غير الفقيه

لا بد أن تكون البيعة على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، ليحكما العلاقة بين الطرفين، ويكون لهما الفصل في محل الخلاف، وإذا وضع دستور معين يأخذ كل أحكامه من الكتاب والسنة وجرت البيعة في إطاره فهي بيعة على الكتاب والسنة، والحاكمية إنما تكون لهما عليه.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ودلّه على الصراط المستقيم، وهداه بالأنبياء والمرسلين، وأنزل الكتاب المبين هدى ورحمة للعالمين، ودعا إلى الاجتماع على الحقّ، والمحبة والائتلاف، وحذّر من الفُرقة والخلاف. وهو الهادي إلى السبيل، ولا هدى إلاّ من عنده، ولا نورً إلا من فيضه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله الذي لا خلق ولا رزق ولا تدبير إلا بيده(1)، ولا مُقدِّم ولا مؤخّر، ولا معجِّل ولا مؤجِّل، ولا رافع ولا واضع إلا هو، ولا يمنع مانع قَدَره، ولا ينقض ناقض حكمه، ولا يعطّل أحد قضاءه. وأنّى لأحد ذلك والكلّ مملوك له، وطوع إرادته، ومنقادٌ قهراً لقدرته، ولا حول ولا قوة له إلا به، والكلّ من دونه محدود، وهو الذي لا حدود له، ولا منتهى لكماله على الإطلاق؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصدِق منّا الإسلام والإيمان، وارزقنا تقوى تكون لنا عندك حجاباً من النّار، وننجو بها من سخطك، وننال بها رضاك يا حنّان يا منّان يا رحيم يا رحمان.
أما بعد فهذه تتمة للحديث عن العِشرة بين الزوجين:
البيت السعيد: في كلمات:
البيت السعيد لا يبنيه الآتي:
1. لا تبنيه قوانين وضعية تنتقص من حقّ المرأة محاباة للرجل، أو تنتقص من حقّ الرجل مراعاة للمرأة، وإنما تبنيه أحكام الشريعة الإلهية العادلة، والإحسان الذي هو خلق من خلق الله العظيم.
2. ولا إنشاء بيوت الإيواء التي تغري بحالة التوتر في البيوت، وعدم التسامح، ولا تمثّل مواقع أخلاقية كريمة مأمونة راقية.
3. ولا قضاء تميل كفّتُه لهذا الطرف أو ذاك.
4. ولا إعلام جاهلي يذكي نار الفتنة بين الزوج والزوجة، ويضرب على وتر العواطف لتمزيق المجتمعات، وهو يخفي وراءه أغراضاً حضارية معادية، وأهدافاً سياسية دنيئة ضدّ كلّ من الرجل والمرأة، ويشتري ودّ النساء للحكومات بثمن وهمي، وبضرر يعود على كل من الرجل والمرأة.
5. ولا مؤسسات بعناوين متعددة وشعارات برّاقة تسيرها السياسة، وتستهدف ولاء المرأة ضد نفسها ولو لم تشعر بذلك، و تسعى لأهداف سياسيّة مكشوفة تحت عنوان حقوق المرأة ومناصرتها.
ومن الملفت أن هذه المؤسسات لا تعير اهتماماً للمرأة في سكنها، وأمنها المعيشي، وفي عذابات أبنائها وعذاباتها لعذاباتهم، وتبارك أن يكون صوت رجل واحد في دائرة انتخابية بقيمة عشرة أصوات من أصوات النساء في دائرة انتخابية أخرى.
وكثير من هذه المؤسسات والكتّاب والأجهزة الإعلامية التي تملأ الدُّنيا ضجيجاً رافعة عقيرتها باسم حقوق المرأة وحريتها هي داعمة لسياسات التمييز والتجنيس الضاغط على المواطن ذكراً كان أو أنثى، وللسياسات الظالمة الأخرى التي لا تفرّق في الظلم والاضطهاد والتهميش بين رجل وامرأة.
6. ولا في اتفاقية سيداو التي تصادم في بعض بنودها أوضح الواضحات في الشريعة الإسلامية السمحاء الوضّاءة العادلة، ولا في أيّ من مقررات ووصايا الجاهلية الحديثة المنحدرة.
وهذه شهادة الواقع العملي على الأرض تؤكد لنا أنه كلّما اقتربت الحالة الاجتماعية والأسرية من تصوّرات الغرب وأخلاقياته وقوانينه وجاهليته كلما تدهور واقع الأسرة والمجتمع، وكثرت حالات الطلاق، وزاد التفكك والتمزق والتبعثر، وبرزت ظاهرة الخيانة والتشرد والانفلات والسقوط.
والأكثر الأكثر من دعاة التغريب وأنصارِه في حياة المسلمين، والذين يحاولون بإصرار على أن ننسلخ من الهوية الإسلامية، ونكون جزءاً تابعاً لأمة الغرب المعادية بقوةٍ للإسلام لا يفعلون ذلك غفلة عن الآثار التدميرية الهائلة التي تلحق بأمتنا، وتمسخ إنسانها وتذله وتهينه، وتنأى به عن ربّه الكريم ورحمته وهداه. ومسؤولية الأمة أن تحمي نفسها من هذه المحاولات، وتقف ضدها وقفة واعية يقظة دائمة صلبة قويَّة.
الحياة السعيدة، والبيت السعيد، والمجتمع الإنساني السعيد في الأخذ بما شرَّع الله لعباده، وفيما أوصى به من تقواه والتربية عليها، وفيما دعا إليه من إحسان يدفع إليه الإيقان بما وعد به من جميل ثوابه، وجزيل عطائه دنيا وآخرة.
فبمقدار ما يكون عليه الزوجان من نصيب من التربية الإسلامية الكريمة، وانشداد للإسلام، وعمل بمقتضى تكاليفه، وارتقاء إلى مستوى خلقه، وإيمان بأهدافه وغاياته، وحبّ لله، وتعلّق به، وإكبار له، وخوف منه، وطمع في رضاه، واستغناء به تغنى الأسرة بعلاقات وثيقة كريمة مترشّحة عن الدين والتقوى، وتسودها أجواء الاحترام والتقدير، والوفاء والإخلاص، والإحسان والتسامح، والإيثار، والصدق، والأمانة، والتوافق المريح، والحب المتبادل، والمودة المشتركة العميقة.
أما لو بقيت الأسرة عند حد التقيّد بالأحكام الإلزامية من وجوب وحرمة، ولم ترقَ إلى حدّ التعامل الخلقي المطبوع بطابع الإحسان والتسامح والتضحية والإيثار، وأصرّ كل واحد من أطرافها على استيفاء حقّه كاملاً دون أي تسامح، ولم يتجاوز ما ثبت عليه من واجب إلى شيء من الإحسان فإن النتيجة ستكون كالآتي:
1. لن يُضمن في غياب معطيات التربية الإسلامية التي تدفع للتغاضي والتسامح والبذل والتضحية والتعاون على الخير تطبيق الحد المذكور، وتحمّل أمانته لضعف الدافع الديني حيئنذ، حيث يكون في حدّه الأدنى المعرّض دائماً للاهتزاز.
2. سيتطلب أمر المحاسبة الدقيقة في مسألة الحقوق والواجبات في إطار الأسرة، والإصرار على استيفاء الحقّ كاملاً، وعدم التنازل للطرف الآخر مطلقاً مشاكل لا تعد ولا تحصى يثيرها الخلاف في هذه القضية؛ قضية أن حقي وصلني أم لم يصلني، وأن ما عليّ قمت به أو لا.
وعليك أن توجد حينئذ لكل أسرة مصلحين بين أطرافها، وعلى مستوى آخر عليك أن توفر شهود عدل لتحمّل الشهادة في هذه الخلافات في كل بيت، وأن تفتح محاكم قضائية بأعداد كبيرة لتستوعب النظر في سيولٍ من الشكاوى المتعلقة بها.
ويتأكد هذا لو بعدت الأسرة عن روح التقوى، واحترام الشريعة، وأخلاقيات الدين وقيمه؛ فإنه إذا أصيب جوّ الأسرة بالجفاف الروحيّ، وموت الضمير، وسادته الروح المادية والأنا الجاهلية، وتشبّع بقيم الأرض، وتقديس الشهوات، وحكمته قضية المنفعة الشخصية الدنيوية كان ذلك منبعاً دائماً لتغذية النزاعات والصراعات وسلب الحقوق، والتنكر لها، ومصادرتها، وللوقوع في حالة مستمرّة من الاحتراب.
ولضرورة الدّين والخلق في استقامة العلاقة الزوجية وسعادتها، وتوفرها على أداء أهدافها الكريمة النبيلة من السكن النفسي، والمودة الصادقة، والجو المريح، والبيئة المعنوية الراقية، والثقة والاطمئنان، والتعاون على الخير، وخلق المناخ الروحي الطاهر، وثمرة الولد الصالح، وتربيته التربية الواعية الهادفة الصالحة النزيهة ركّزت النصوص الدينية بدرجة عالية على الاهتمام بالدّين والخلق الرفيع والوراثات الكريمة في كل من الزوجين، وحثت كلا منهما على أن لا يقع تحت تأثير المظاهر الخارجية لِتصرفه عن الأبعاد التي هي أبعد عمقاً وأشد تأثيراً في بناء العلاقة الزوجية الناجحة.
فعن الرسول صلّى الله عليه وآله:”أنكحتُ زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام”(2).
فالإسلام، صدق الإسلام، عمق الإسلام في شخص الزوجة،و في شخص الزوج هو المنظور الأول لصلاح العلاقة الزوجية.
عن حسين البشّار قال:”كتبت إلى أبي الحسن عيه السلام: إن لي ذا قرابة قد خطب إليّ(3) وفي خلقه سوء(4)؟ فقال: لا تزوجه إن كان سيء الخلق”(5) وإن كان على الدين الحق من ناحية عقيدية ومن ناحية تطبيق الواجبات.
عن الرسول صلّى الله عليه وآله:”تزوجوا في الحجز الصالح(6)؛ فإن العرق دسّاس”(7).
يشير إلى تأثير الوراثات السلبية والإيجابية.
عن أبي جعفر عليه السلام قال:”أتى رجل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يستأمره في النكاح(8)، فقال: نعم انكح وعليك بذوات الدّين تربت يداك”(9).
“جاء رجل إلى الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: زوّجها من رجل تقي(10)؛ فإنه إن أحبّها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها”(11).
أمّا شخص لا إيمان له، لا يخاف الله فإنه إذا أبغضها ضربها ظلمها و آذاها.
ومعلوم أن موضوع الأسرة أوسع مما جاء في هذا الحديث، والاستيعاب والدراسة العلمية المستقصية له غير مستهدفة هنا.
وبقي لي أن أقول بعض كلمات في الموضوع:
1. البيت السعيد ليس في الحالة المادية الترفية المبالغ فيها والمظاهر الباذخة التي قد تتعشقها بعض الزوجات حتى من الزوج الذي لا يستطيع، وتضغط عليه كثيراً في هذا السبيل.
2. والحبّ ليس في الإسراف على المرأة، وما أخلص لزوجته من بخل عليها.
والمرأة التي تبدو وكأنها تستنزف جيب زوجها توحي إليه بأن علاقتها به مادية نفعية صرف، وأن تقديرها لماله لا لمعنويته. وأن علاقتها به مرهونة بالمال، وهذا ما يسوء به ما بين القلبين، ويقلل من شأن المرأة في قلب الرجل، ويخلق حالة من الحقد عليها بعد أن يحسّ بأنها تستهدف منافعه وكل تعلقها بالمال لا به.
3. الدار الوسيعة مع ضيق صدر أهلها ضيقة، ونورها ظلمة، وغناها فقر، وجمالها مغمور، والدار الضيقة مع سعة صدر أهلها واسعة بسعته، نيرة، غنية، جميلة بما في قلب أهلها من نور وغنى وجمال.
4. الرجل يمرض والمرأة تمرض، وقد يضيق صدر هذا مرة وهذه مرة لضاغط قوي، وأمر لا يُدفع، وقد تمر سحابة انقباض عند الزوج أو الزوجة، وقد يدخل سوء ظن عابر عند أحد الطرفين تجاه الطرف الآخر، وهي أمور تتكرر.
فما لم تكن محاولة تغلُّبٍ على الظرف، وقدرٌ كاف من التفهّم، وتحملٌ لجرعة من الصبر، وروحٌ تحتمل الآخر وتحنُّ عليه، وتخلِصُ له فإن للأسرة في كل يوم مشكلةً بل مشاكل يتصاعد مستوى تراكمها إلى حدّ الانفجار.
5. إنها جاهلية مقيتة لا تستقيم مع الإسلام أن ننقسم إلى رجال لا يدافعون إلا عن حق الرجل،ونساء لا يدافعن إلا عن حق المرأة، أولئك لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا بما اتصل بمصلحة الرجل، وهؤلاء لا يهمهن من هذا التكليف إلا ما كان يعالج ظلماً يصيب المرأة.
الإسلام لم يقسم المجتمع الإسلامي إلى صف رجال ونساء في إصلاح المجتمع، في أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وتصحيح المسار الاجتماعي بحيث يكون مطابقاً للمسار الإسلامي، ومن جهة الهداية والضلال، و الحق والباطل، و العدل والظلم. قسّم الإسلام المجتمع إلى كافرين وكافرات، وفاسقين وفاسقات في طرف، وإلى مسلمين ومسلمات، ومؤمنين ومؤمنات، وقانتين وقانتات، إلخ.
الكافر يوالي الكافرة، والكافرة توالي الكافر، والمؤمنُ والمؤمنة في الولاء مشتركان.
وإنه لو كان لا ينتصر الرجل إلا للرجل ولو في الحق،ولا تنتصر المرأة إلا للمرأة كذلك لكان ما نقوله أو نفعله في هذا السبيل تعصّباً للصنف، وعبادة للذات، واستجابة مغفّلة لمكر يمكره أعداء هذه الأمة بها في الليل والنهار.
يريدوننا أن ننقسم قسمين في مجتمعنا، وفي داخل أسرنا من أجل أن يتلهى بعضنا بحرب البعض الآخر عن ظلمهم، وعن مكرهم بنا الذي يمكرونه في الليل و النهار.
عادِ أمك، وأمك تعاديك، عادِ بنتك، وبنتك تعاديك، عادِ زوجتك وزوجتك تعاديك، عادِ أختك وأختك تعاديك، وهم المشفقون على أمك وأختك وبنتك ومستعدون أن يهبُّوا ويقفوا معهن في خندق واحد ضدّك، لا اخلاصاً وإنما للاصطياد في الماء العكر.
الصحيح أن ننكر رجالا ونساء مؤمنين ومؤمنات كل منكر، ونقف في وجه الظلم في إطار الأسرة وخارجها جاء من رجل أو امرأة، وضد أي كان، وأن ندفع للمعروف والتزام الحق في تعامل كل منهما للآخر.
اللهم اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم صل على محمد وآل محمد، وادرأ عنا كل سوء، وأصلح شأننا كله برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يوازي ملكهُ ملك، ولا تعدِل قدرتَه قدرة، ولا يناهِض سلطانَه سلطان، وليس مثلَ عدله عدل، ولا ثوابهِ ثواب، ولا عقابه عقاب، ولا أخذه أخذ، ولا بطشه بطش، ولا كشمول رحمته رحمة، ولا كسعة عفوه عفو.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، واغتنام الفرص قبل يوم الغُصص، والأخذ بالأُهْبَة قبل يوم الكربة؛ فإن العمر لا تستقر حركته لحظة، ولا يعرف توقّفاً أو تراجعاً على الإطلاق، والمدى قصير، والمسافة بمرمى من النظر، والغاية قريبة، والأجل آت آت لا يدفعه دافع، ولا يؤخّره مؤخّر. وليس ما بعد الأجل يومُ عمل، ولا تداركَ لما فات، ولا يلقى المضيّعُ إلا حسرة وندامة، وعتاباً وحساباً وشدة وغصصاً وكروباً وأهوالاً وعذاباً وجحيماً. ألم نسمع قوله تعالى:
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
إنَّه خسر شامل، غامر، محبط، مغطّ،مستول فبئس به من مصير.
ألا فلينتبه غافلنا، وليستيقظ نائمنا، وليرشد منه السفيه، ويجدَّ المضيّع.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أيقظنا من نوم الغفلة، ومن سبات العقل، ومن سكرة النفس، وغيبوبة الهوى، وارزقنا توفيق الطاعة، والبعد عن المعصية، واسلك بنا إليك، وأنلنا رضاك يا ولي الأمر كلّه، يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مقيما.
أما بعد فإلى هذا العنوان:
ولاية غير الفقيه:
أولاً: لا اعتراض في عالمنا الوضعي، وفي عالمنا الديني العادي على ولاية وحكومة غير الفقيه بما هو غير فقيه ومن حيث هذا السلب بعد التسليم بنظام الحكم الذي يحكم باسمه، والشرعية القانونية لوصوله لمنصب الحكومة حسب ذلك القانون.
ثم إنه لا حكم بلا حكومة، ولا حكومة بلا حكم.
وإذا كان اعتراض فإنما هو على شرعيَّة النظام، أي نظام، أو شرعية وصول الحاكم إلى الحكم حسب ذلك النظام.
فهناك نظام حكم ديموقراطي يعتمد الخيار الحر للشعوب ولو نظريّاً، وهناك حكم يفرض نفسه بالقوّة، ويوجد نظام حكم دستوري، وآخر غير دستوري، وحكم وراثي تكسبه صلة الأبوَّة والبنوة أو الأخوّة.
ويوجد اعتراض على نوع هذا النظام أو ذاك؛ وهو اعتراض نظري في الأكثر اليوم.
وقد يطعن في اكتساب الشخص صفة الحكم بعد الاعتراف بشرعيّة النظام، كما في الاعتراض على نزاهة الانتخابات التي أوصلت الشخص المعيّن إلى الحكم في النظام الديموقراطي.
أمّا بعد التسليم بأصل النظام، وصحة الطريق الذي يعتمده في الوصول إلى الحكم فلا اعتراض من أحد على حكم الحاكم وولايته.
ثانياً: وبعد هذا التسليم الواسع في عالمنا اليوم بولاية غير الفقيه وعدم الاعتراض عليه من حيث هذا الوصف يأتي الاعتراض على حكومة ولاية الفقيه العادل.
وهذا الاعتراض إما أن يكون من المسلم أو غير المسلم هذا من جهة.
ومن جهة أخرى إما أن يكون اعتراضاً على أصل النظام الديني، والحكم باسم الدين، ومن منشئه، وتحت نظره، وأخذ الشرعية منه، وإن كان بتوسيط البيعة الحرة التي تعني التصويت الانتخابي الحر، وإما أن يكون اعتراضاً على وصف الفقاهة أو العدالة في الحاكم، للتأثير السلبي لكلا الوصفين أو أحدهما على كفاءة الحكم ونزاهته وعدم تفرّده.
وقالوا بأن ولاية الفقيه لون من فرض الوصاية على الآخرين، واتهام لهم بالقصور، وهو نوع من تهميش كفاءات الآخرين وعزلها وإقصائها.
ثالثاً: الكلام مع غير المسلم في اعتراضه على المنشأ الديني الإسلامي للحكم يسبقه الكلام عن قيمة الدين والإسلام ودورهما في الحياة، ولهذا الكلام مكان آخر، وكذلك بالنسبة للكلام عن شرط الفقاهة وإيجابيته وسلبيته التي تلحق بالحكم، أما العدالة فلا أظن بعاقل ممن يرجّح الخير على الشر يسجّل اعتراضاً عليه.
أما الكلام مع المسلم في اعتراضه على حكومة الفقيه وولايته فإن كان من جهة المنشأ الديني لهذه الحكومة، وأن الدّين لا يصلح منشأ للحكم مطلقاً للفقيه أو غير الفقيه، لعادل أو غير عادل، فإن كان ذلك بحجة دينية فلو ثبتت وهي على خلاف الضرورة الدينية في الإسلام فإن فيها تخطئة لرسول الله صلى الله عليه وآله الذي حكم باسم الدين وأخذ شرعية حكمه منه، وتخطئة لكل من نظرتي الإمامة، والخلافة عند المسلمين، لأن الخلافة عند من يقول بها إنما تقوم على أن الدين يحكم، وكذلك الإمامة، فلو خطَّئنا الحكم باسم الدين وعلى أرضية الدين ومن منشأ الدين فقد ألغينا شرعية حكم رسول الله صلى الله عليه وآله فضلا عمن بعده من معصوم أو غير معصوم.
وإن كان بحجة خارج الإسلام وعلى خلاف رأيه ففي ذلك مفارقة واضحة، وعدول من هذا المسلم عن إسلامه ولو في هذه المسألة وهو جَرح عظيم في إسلامه، وأمر يدخله في عداد الآخرين في النقاش المتعلق بهذا الموضوع.
ولو كان هذا المسلم لا يبدي اعتراضا على الرجوع إلى الدين في الحكم، وإضفاء الشرعية على الحكومة من خلاله، ولكن اعتراضه ينصبّ على الحكومة باسم الإسلام لو اشترط فيها الفقاهة والعدالة، أو حتّى جوزت للفقيه العادل أن يحكم لكان ذلك من المنكر الذي لا يستقيم مع دين الله في شيء، ولا مع عقل، ولا نظر عقلائي.
الدين يقول بأن العدالة مانعة، والدين يقول من فهمني لا يصلح حاكما؟! العقل يرى أن العدالة مانع للحكم؟! يرى أن العلم والفهم مانع للحكم؟!
رابعاً: ولنسأل ما هي حكومة الفقيه وولايته والتي تستحق كل هذا الاستغراب والاستبشاع والإنكار والتهريج والضجيج والاستهجان والمواجهة والمحاربة؟
إنها تعني أن الشريعة وهي لا ترى في الأصل ولاية لأحد على النّاس إلا بأمر الله سبحانه قد أعطت إذناً للفقيه العادل الخبير الكفؤ في غياب الرسول صلّى الله عليه وآله، وعموم المعصوم عليه السلام عن الساحة العملية لحياة المسلمين بحيث لا يمكن الرجوع إليه – أي المعصوم – في الحكم وتدبير الأمور في الزمن الطويل؛ أعطته أن يتولى منصبَ الحكومة حيث يمكنه ذلك، وعلى المسلمين أن يختاروه على غيره لهذا الأمر ويعينوه عليه، ويدخلوا في البيعة له فيه، فإذا ذهب المسلمون عمليا إلى هذا الخيار، أو أخذ به بلد من بلدانهم تمّت الحكومة الفعلية لمن اختاروه من الفقهاء العدول ولو في حدود المكان الذي تمت له البيعة في إطاره.
ولا بد أن تكون البيعة على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، ليحكما العلاقة بين الطرفين، ويكون لهما الفصل في محل الخلاف، وإذا وضع دستور معين يأخذ كل أحكامه من الكتاب والسنة وجرت البيعة في إطاره فهي بيعة على الكتاب والسنة والحاكمية إنما تكون لهما عليه .
وعليه فإن الحكومة دستورية على الفرضين، والطريق إلى فعليتها هي البيعة، واختيار النّاس.
وإذا تم للفقيه العادل الوصول إلى موقع الحكم بهذه الطريقة، وكان عليه أن يتقيد في حكومته بالصلاحيات المعطاة له دستوريّاً، ولا يتعداها، وكانت ولايته في مساحة الشأن العام وما يتعلق بها من حياة الأفراد، وحَكَمَ من خلال المؤسسات الدستورية، واستعان بأهل الخبرة، وكان تحت رقابة مؤسسة معتمدة من الدستور فما هو محل الاعتراض على هذه الحكومة الإسلامية الشعبية، وأين هي الوصاية التي تستقل هذه الحكومة بها عن باقي أنواع الحكومات؟! وكيف تجب طاعة كل الحكومات الأخرى إلا هذا النوع من الحكومة؟!
يمكن فرض الآتي في سبب الاستنكار، وعدم الطاعة:
1. شرط الفقاهة وهي علم اجتهادي بالشريعة. ولو كان كذلك فمعناه تقديم الجاهل على العالم، واشتراط الجهل في موقع الحكومة.
2. شرط العدالة. ومعناه أن الفِسق والظلم والتحلل مقدّم على العدل والاستقامة والالتزام.
3. الاحتكام إلى الشريعة. وإذا صح لغير المسلم أن يتفوه بهذا فإنه لا يصح للمسلم. وغير المسلم سبق أن النقاش معه يأتي في الرتبة قبل هذه المسألة.
4. أخذ الشرعية من الإسلام، والكلام فيه كالكلام في سابقه.
5. قيام فعلية الحكم وثبوته للفقيه العادل من بيعة الناس واختيارهم. وهذا إذا طرح من الديكتاتوريين فإنه لا ينبغي طرحه من الديموقراطيين. العيب أن الناس بايعوه!! المانع من طاعة حكومته أن الناس بايعوه، وأن بيعته حرّة؟!
6. أن تكون للفقيه العادل حكومة بعد إذن الشريعة واختيار النّاس. وهذا من أغرب ما يُستغرب. وهل يوجد حاكم بلا حكومة؟!
وعدم الاعتراف بصلاحية الحكم، وعدم الوجوب الدستوري، أو الشرعي الإلهي لطاعة هذا المنتخب يجعلنا محتاجين إلى منصب آخر تكون له صلاحية نفاذ الحكم مثل منصب رئيس الوزراء.
فلما كانت ملكة بريطانيا بلا مسمّى احتاج ذلك البلد إلى من له الإسم والمسمى ليملأ فراغ الحكومة وتنفذ أوامره الحكومية على المحكومين في حدود الصلاحيات المتاحة له من ناحية دستورية.
والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم انصر الإسلام وأهله، وأذل النفاق وأهله، اللهم ادفع عن المؤمنين والمسلمين كل سوء، وأعز دينك برغم أنف الكافرين والمنافقين والظالمين، والحمد لله رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وصل على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ومن كان كذلك لابد أن يُتّقى.
2 – مكارم الأخلاق – الطبرسي ص 207.
3 – خطب منه ابنته.
4 – يصلي ويصوم ويحج لكن له مزاجا حادا، ولا صبر له على الطرف الآخر، ويضيق صبره بأقل سبب، ربما شح بالمال بحيث يضيق به صدر أهله.
5 – ميزان الحكمة ج2 ص1183.
6 – المنبت الطيب. أصل هذا الشخص ذكرا كان أو أنثى، وصلاح الأم، وصلاح الأب، وكلما ارتقى مستوى البيت إيمانا ونسبا، كلما ساعد ذلك على العشرة الطيبة، والنسل الكريم.
7 – كنز العمال ج16 ص296.
8 – أتأمرني يا رسول الله بالنكاح ؟ بلحاظ خصوصيات الشخص، التي ربما كان رسول الله صلى الله عليه وآله على اطلاع بها وإن كان يعرف أن الاسلام يحبذ النكاح في اصله.
9 – وسائل الشيعة (آل البيت) ج20 ص38.
10 – التقي لا ينفي الصفات الأخرى، وإن التقوى هنا في قبال عدم التقوى. أتختار التقي على الغني أم تختار الغني المترف والذي لا تقوى له على التقي؟ أتختار ومن أقوى الأقوياء، أتختاره على صاحب التقوى أم تختار صاحب التقوى والصحة معتدلة، على هذا القوي الفولاذي الشديد؟ فذكر التقي هنا لا يلغي لحاظ الصفات الأخرى المطلوبة في الزواج.
11 – مكارم الأخلاق – الطبرسي ص204.

زر الذهاب إلى الأعلى