خطبة الجمعة (363) 7 ربيع الثاني 1430هـ – 3 ابريل 2009م

مواضيع الخطبة:

*الدنيا مدرسة ملهمة*العلاقة بين الحكومة والشعب *قضية الحجيرة *البحرين وشرفها

تجربة العنف فاشلة هنا وفي بلدان أخرى، وحتّى العنف الذي رأته أمريكا طريقا لملك هذا العالم تبرهن أنه تجربة فاشلة، وكون الحكومة تمتلك سلاحاً كثيرا، وجيشا قويّا، وشرطة، وميزانية كلّ ذلك لا يكفيها لتحقيق نصر تتوهّمه على شعبها، وضعفُ شعبها ضعف لها.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي رزقنا الوجود بعد العدم، والحياة بعد الموت، وجعلنا لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، وفتح لنا أبواب معرفته، وطريق رحمته، ودلّنا على سبل رضوانه، والوصول إلى جنّته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله الذي لا حول ولا قوّة إلا به، ولا تعويل إلا عليه، ولا مَخْرَجَ من مكروه إلا بفرجه. وإنّ من كان على تقوى من الله كان أبعد الناس عن ظلم العباد، وأيّ شيء من الخلق، ووجدته أعفّهم لساناً، وأنقاهم يدا، وأطهرهم سريرة، وأشدّهم نأياً عن الشرِّ، والإضرار بغير حقّ.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وعلى آله الأخيار الأطهار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ومن يعنينا أمره، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل لنا من تقواك دافعاً إلى الخير، ورادعاً عن الشر، وباباً للهدى، وسلّما للكمال، وطريقا موصلا للغاية التي رضيتها لسعداء عبادك، والمُكرمين من أحبائك وأوليائك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
الدنيا مدرسة ملهمة:
أما بعد فمن كلمات نهج البلاغة:”وحقّاً أقول: ما الدّنيا غرّتك ولكن بها اغتررت. ولقد كاشفتك العظات وآذنتك على سواء(1). ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوّتك أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرّك”(2).
كيف ندّعي أنّ الدّنيا غرَّتنا وهي مدرسة معلِّمة أمينة، وشفّافة صادقة مهلمة تقدّم الدروس الواعظة، والعظات الموقظة، والإضاءات الكافية؟!
هذا الذي نقع فيه من غفلة، ومن بُعد عن الهدف، ومن نسيان لله ولأنفسنا، ومن التلهّي بالأمور الصغيرة، أهو تغرير من الدنيا إلى حدِّ القهر؟ هل أن الدنيا تقودنا قوداً إلى ما تريد؟ هل لا نملك أن نقف أمام سحر الدنيا؟ هل إرادتنا ساقطة أصلاً أمام ما في الدنيا من إغراء وإلهاء؟ أم هو الاغترار منّا؟ وأنّ الدور دورنا؟ وأن التقصير تقصيرنا؟ وأنّ الغفلة بسببٍ منّا وإذا فقدنا وزننا أمام الدنيا فإننا لا نفقده من غير اختيار؟!
الذي يراه الإمام علي عليه السلام إنّه الاغترار، أي أنه الدور المسؤول الذي فرّطنا فيه.
إننا نملك الإرادة أمام الدنيا، ولم يخلق الله عزّ وجلّ الدنيا فوق طاقتنا، ولم يقدِّر ما فيها من إغراء وقدرة على الإلهاء والاستلفات إلى الحدّ الذي لا نملك إرادتنا أمامه.
حين نُصرع أمام سحر الدنيا فليس لأن سحرها فوق إرادتنا، وإنما لتقصير منّا تضعف من خلاله إرادتنا فنسقط.
الدنيا لها قوّة اجتذاب، وقوة استقطاب، ولكن لستَ الذي بلا وزن، وبلا قدرة على الامتناع، ولستَ الفاقد للمقاومة لجاذبية الدنيا واستقطابها.
ولذلك نكون مسؤولين ومحاسبين وإلا لو كانت الدنيا فوق طاقتنا ما جاء دور حساب ولا عقاب في عدل الله تبارك وتعالى.
الدنيا فيها مقتضٍ لانجذابنا نحوها، ولنسيان الآخرة، وللإدبار عن الدين، وللذوبان فيها، ولكن لابد من قابل لقدرة الاستقطاب للدنيا، وقابلٍ للانفعال بهذا الاستقطاب.
وهذا القابل عنده قابلية المقاومة، وليس فاقداً للقدرة على الصمود. والانجراف هنا راجع لتقصير القابل، ولذلك يأتي الحساب والعقاب.
إذا أغلقنا السمعَ والبصر والفؤاد عن الموت، والفقر، والمرض، والكوارث، وفقر الغني، وسقوط الملوك والرؤساء، وذلّ الجبابرة، والمرض الذي يعتري قويّ البُنية في أيّام فيهدّه هدّا، إذا لم نلتفت إلى آيات الخلق المستمرّة في هذا الكون، إلى تدفّق الحياة كلّ لحظة على موجوداتٍ وأحياءٍ جديدة، إذا لم نلتفت إلى ما تُعقبه لذائذ الدنيا وما هي علاقاتها وعدم دوامها، وهشاشة علاقات فيها نحرص على ابتغائها، والوصول إليها أصبنا بالعمى وأكبرنا الدنيا، وتجاوزنا بها كثيراً عن حجمها وحقيقتها.
إنّ لبعض الناس ولداً يتمنّى أن لم يكن له ذلك الولد، ومن الأبناء من يتمنّى أن لم يكن ابناً لذلك الأب، والزوجة التي كانت على أشدّ فرحها يوم أن تقدّم لها خطيبها ربّما تمنّت الآن أن لم تره على الإطلاق، والزوج العشّاق الذي دفعه عشقه العارم لطلب ابنة الحلال بأغلى الأثمان التي يملكها ربما تمنى اليوم أن لم تعرفه ولم يعرفها، وهذه أمتن العلاقات؛ علاقة أبٍ وابنه، وعلاقة زوج وزوجه، وتريك الدنيا أن هذه العلاقات وهؤلاء الأحبة قد يكونون عليك لا لك، أليس من الأولاد والأزواج – نساءاً أو رجالاً – من هو فتنة؟! هذه الدنيا.
إذا فتحنا أعيننا على القصور، والحقول، والمناصب، ولم نفتح هذه الأعين على نهايات القصور، والحقول، والمناصب، وفتحنا أعيننا على جمال الزهرة، وجمال الطبيعة، ولم نفتح هذه الأعين على ما ينتهي إليه جمال الزهور والورود، وجمال الطبيعة، وأنّ كل شيء إلى زوال، وأنّ كل شيء إلى أفول فسنكون مسحورين للدنيا، أمّا إذا وقفنا وقفة التأمّل، وواجهنا الدنيا بأسماع مفتوحة، وأبصار نافذة، وأفئدة وعيّة فإنّ الدنيا ستأخذ بنا إلى طريق الآخرة، وستعلّمنا أنها المعبر والممر، وأنّ الحياة الحقيقية ليست فيها.
الدنيا تقدّم مغريات، وملهيات، وفي مقابلها دروساً وعظات.
أين الآباء؟ أين الأصدقاء؟ أين كثيرون من الأعداء؟ أين الجمال الذي ذاب في التراب؟ أين القوّة التي تحوّلت إلى وهن؟ أين الأشدّاء الذين صاروا يُترحّم عليهم؟ أين الملوك وأبناء الملوك؟ أين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين العباقرة؟ في جانب أين ملوك رأيناهم فراعنة في حياتهم القصيرة؟ سمّيتهم رؤوساء جمهوريات أو ملوكاً أو غير ذلك، وأين مثل الشهيد الصدر أعلى الله مقامه؟ ومثل الشهيد الخميني أعلى الله مقامه؟ أين كبار الآخرة في هذه الدنيا، وأين كبار الدنيا فيها؟
إنّها نعم المعلم، إنها نعم الأستاذ، ولكننا نسيء التعامل مع فهمها.
نعم، لم يُخلق الإنسان نباتاً يقاد إلى غايته قودا، ولم يُخلق حيواناً يُساق إلى نهايته سوقا، إنما خُلقنا إنسانا مسؤولا عن مصيره، أُعطي الإرادة التي يختار بها جنّة أو نارا.
وعن الكاظم عليه السلام:”اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه. واستعينوا بذلك على أمور الدين فإنّه رُوي “ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه”(3).
هذه ضابطة كافية لكيفية التعامل مع الدنيا.
فالتعامل مع الدنيا يقوم في العقل والدين على أخذ ما تحتاجه النفس منها. لنا ضرورات، لنا حاجات، وفوق ما نأخذ من الدنيا ما نحتاجه فإنّ لنا أن نأخذ منها ما نشتهيه.
النقطة الثانية في الضابطة أن يكون ما نأخذه من الدنيا حلالاً، وهذا الشرط يسدّ أمر باب عظيم من أبواب الإثراء بغير حقّ، ويمنع من الاضطراب الاقتصادي، وتهاوي البنية الاقتصادية، ويسدّ باب حروب عدوانية كثيرة.
لو أخذ النّاس من هذه الدنيا ما يحتاجونه وما يشتهونه ولكن عن طريق الحلال لما كانت أزمة اقتصادية، ولما كان اقتتال كبير في الأرض، ولما كان شرٌّ مستطير.
واللذة منها طيّب وخبيث فما طاب منها حل، وما خبث دخل في الحرام.
ويدخل في ضابطة التعامل مع الدنيا أن لا يتصاغر الإنسان فيسقظ أمام شهواتها ولو كانت هذه الشهوات في حدود ما هو من الحلال.
صحيح أنك تطلب حلالاً تغذّي به طموح الشهوة الحلال، ولكن وأنت في طريق تلبية هذه الشهوة تبذل من ماء وجهك الكثير، ويخفّ وزنك عند هذا وذاك، وتفقد المنزلة من شرفك في الناس بعد المنزلة، وتُسجّل على نفسك منّاً بعد منٍّ ممن يستحقّ وممن لا يستحقّ، وتدخل علاقات تودّدية مع الآخرين وكل ذلك من أجل لقمة، أو كسوة، أو مسكن يوافق مشتهاك وإن كان فوق حاجتك، وبذلك تفعل بنفسك سوءا، وأفعل بنفسي سوءا بهذا التهالك على الدنيا والارتماء في أحضانها وإن كانت من الحلال على حساب ما هو أهم من لذّة عابرة، وشهوة منقضية.
هذا حدٌّ من حدود طلب الدنيا وهو أن لا أبيع نفسي رخيصاً ولو منزلتي في الدنيا، سمعتي في الناس، وزني في الناس. لِمَ أبيعه من أجل لذّة من لذات الحياة يمكنني الاستغناء عنها؟!
ويأتي من مقوّمات الضابطة أنّك إنسان لا توغل في طلب المشتهيات، وكل طلبك الحلال، وعن طريق الشرف، ولكن تخرج من أكلة ملذّة إلى أكلة أخرى ملذّة، تبني منزلا ثم تبني المنزل الثاني بحيث يكون أفخم منه أو أكثر تطريزا، وتمضي الأيام والليالي وهمّك مصروف في المنازل، وفي اللذات، وفي ما يُسمّى بالديكور، وفي تجديد الأثاث، في كل هذه الأشياء وأمثالها. هذا عمر، هذا عقل، هذه روح، هذه إنسانية تبيعها على هذه اللذّات؟! أتستهلك ذاتك في لذّات منقضية؟! لا توغل في طلب المشتهيات لتتحوّل عبداً لها، ولتستهلك منك عمرك، وقابلياتك الكبيرة، ومستواك الرفيع عند الله عزو جل حتى يضمر ويقلّ حظّك في الآخرة.
ويدخل في ضابطة التعامل مع الدنيا أن توظَّف الدنيا من أجل الإنسان نفسه. اطلب، اعمل، ولكن لا تعمل، ولا تكسب من أجل العمل والكسب الدنيوي نفسه، أو من أجل أن تكون دنياك دنيا للذة ومتعة لا غير. فلتأكل حين تأكل، وتشربْ حين تشرب، وتلبس حين تلبس، من أجل رفع مستواك المعنويّ، وبناء إنسانيتك، والقرب من الله عزّ وجل، وطلب الموقع الكبير في الآخرة. فلتعش دنياك بوعي غايتك التي أوجدك الله سبحانه وتعالى من أجلها وهي أن تكون الإنسان الكريم السعيد عنده في الآخرة.
ونتعلم من كلمته عليه السلام أن الآخرة ليست لتعطيل الدنيا، ولا لعرقلتها، ولا لعذاب أبنائها، إنما فكرة الآخرة من أجل التقدم بالدنيا على خطّ بناء الإنسان وتكامله.
الكلمة الأخيرة ولو قراءة وهي عن الإمام علي عليه السلام:” إنْ جَعَلْتَ دينَكَ تَـبَعاً لِدُنياكَ أهْلَكْتَ دينَكَ وَ دُنْياكَ ، وَ كُنْتَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ. إنْ جَعَلْتَ دُنْياكَ تَبـَعاً لِدينِكَ أحْرَزْتَ دينَكَ وَ دُنْياكَ ، وَ كُنْتَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الفائِزينَ”(4).
وهي نتيجة حتمية،. هذه البعثرة في العالم، وهذا الصراع الذي يسكن كل بيت، ويفسد على الناس حياتهم وهناءتهم جذره هو أننا جعلنا ديننا تبعاً لدنيانا.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا أمر ديننا ودنيانا، وأسعدنا في أولانا وأخرانا، واكفنا ما أهمّنا من أمرهما معا، واجعلنا من خير من انتفع بالدنيا للآخرة، وتزوّد منها ليوم المعاد، يا خير من دُعي، وأكرم من أعطى، ويا أجلّ جليل، ويا أعظم عظيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي دلّ على نفسه بخلقه الخلق، وعلى غناه ببسطه الرزق، وعلى قدرته بتواصل الإيجاد والإحياء والإماتة، وعلى إرادته بتصريف الأحوال، وعلى كرمه برزق الأبرار والفجّار، وعلى رحمته بإمهال العصاة والأشرار.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً..
عباد الله ألا فلنتّق الله المبدئ والمعيد، القوي الشديد، والمعاقب والمثيب، ولنسترشد بما جاء من القول عن عبده ووليِّه أحد أبوي هذه الأمة علي أمير المؤمنين عليه السلام:”لا يترك الناس شيئاً من أمور دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضرّ منه” فقد يكون من أمر الدين ما يتطلب تضحية بشيء من راحة الدنيا ومشتهاها أو سمعتها وشهرتها، وما يوافق هوى النفس فيها، وتارك أمر الدين للدنيا إبقاء عليها، وطلبا لسلامتها، والتمتع بها يفتح الله عليه كما في كلمة الإمام عليه السلام باب ضرر أكبر يراه في آخرته أو أولاه، ويذوق مرارته عاجلاً أو آجلاً.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم جنّبنا كل ضرّ وشر وسوء، ولا تجعلنا نقدّم خير دنيا على خير آخرة، ولا نفرّ من شرّ عابر إلى شرّ مقيم، ولا ندخل في ما يسخطك، ولا نخرج مما فيه رضاك.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين، حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا مقيما ثابتا.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الله فإلى موضوع العلاقة بين الحكومة والشعب:
هذه العلاقة هل هي ممتازة أو جيدة أو متوسطة أو متردّية؟
الجواب الذي لا يزاحمه جواب آخر بوضوح وللأسف الشديد هو أن هذه العلاقة متردّية.
وهذا يعني أن الوضع غير طبيعي، وضارّ جداً.
إلى أين تتجه هذه العلاقة؟ إلى تحسّن أو إلى مزيد من التردّي والانحدار؟
الواقع بلغته الصريحة وليس على مستوى المؤشِّرات فحسب يقول بأنّ العلاقة تتّجه إلى مزيد من التردّي والانحدار.
وهذا الوضع لا يرتضيه عاقل مخلص.
أين تضع العلاقة إمكانات الطرفين؟
للحكومة قوّة، وللشعب قوّة، هناك إمكانات، وهنا إمكانات، وهذه الإمكانات في الأصل هي للبناء، للتطوّر، للإصلاح. هذا هو الأصل، والصحيح أن هذه الإمكانات مجتمعة ومحشودة من أجل البناء والإصلاح وخير الجميع.
ذلك هو الأصل، أما الواقع فهي لإضعاف الآخر. إمكانات الحكومة مستعملة لإضعاف الشعب، ويترتب على ذلك أن تكون إمكانات الشعب لإضعاف الحكومة، وإضعاف الشعب ليس في صالح الوطن، وإضعاف الحكومة وهي الحكومة ليس في صالح الوطن.
ما دامت الحكومة هي الحكومة، وما دامت ستبقى الحكومة فإن إضعافها لن يكون لصالح الوطن، والأساس هو أن الحكومة صارت تعمل جادّة على إضعاف الشعب، فلابد أن ينالها من هذا ضعف.
والذي يُرى لحدّ الآن أنها على نيّتها، وعلى هذا النهج حتّى يأتي ما يدلّ على غير ذلك.
إمكانات الحكومة هي ملك الشعب، والحكومة في الأصل أفراد شأنهم شأن غيرهم، وليس في يد الحكومة شيء تستقلّ به ملكا، ما بيد الفرد من الشعب هو ملك له على مستوى الاعتبار، وما في يد أي شخص في الحكومة مما هو معدود ملكاً شخصيّاً له هو ملك له في الاعتبار، على أن يكون ما في يد أي فرد من هذا الشعب، وأي فرد من أفراد الحكومة هو من الطرق المشروعة.
أما ما في يد الحكومة بما هي حكومة فليس لها، ولا ذرّ منه للحكومة، إنما هو للوطن، للشعب، ولأفراد الحكومة بما هم أفراد من الشعب.
وهذه الإمكانات التي بيد الحكومة بصفة أنها وكيل قانوناً عن الشعب في هذه الأموال إنما يصح تصرّفها فيها لمصلحة الشعب وليس لضربه وإيذائه وإضعافه.
وإمكانات الشعب أيضاً ليس لهدم الوطن، وإنما هي لبنائه، والأخذ به على طريق التطوّر والتقدم والازدهار.
والحكومة قادرة بشدة على إيذاء الشعب، والشعب هو كذلك قادر وبقوّة على إيذاء الحكومة.
أما قضية القضاء على أحد الطرفين فهي بعيدة المنال، وأمر غير عملي. إذا أراد الشعب أن يقضي على الحكومة فإن عليه أن يدفع ضريبة كبيرة جدّاً، ومرهقة، وقد لا يتأتّى له ذلك، ومستحيل على الحكومة أن تقضي على الشعب. في المتعقِّل العملي أن الشعب لا يستطيع أن يسقط الحكومة في المدى المنظور، ولا الحكومة تملك أن تسقط الشعب.
فإذاً لن يعطي استمرار الصراع، وتفاقمه وتعاظمه واشتداده إلا الإضعاف والاستنزاف، والمتاعب المستمرة للطرفين، والقلق الدائم، وتوريث الصراعات، هذه هي النتيجة.
إلى متى التدهور والتردي والاقتراب من حافّة الانفجار والانهيار؟
هذا ليس شعرا، ليس إنشاءاً، وإنما هو الدرس الذي تقدّمه لنا كلّ الصراعات في البلدان والأقطار، وأنها تصل في الأخير إلى حافّة الانفجار فتنفجر الأوضاع انفجاراً مدمّراً، ويكون الانهيار.
لتحاشي هذا الأمر، ودرئه يحتاج إلى موقف من الحكومة وموقف من الشعب، أن الحكومة تُعطي ما اغتصبته من حقوق الشعب، وما سلبته وهمّشته، وأن تعترف بأن هناك مشكلات سياسية ومعيشية ودينية واجتماعية وأخلاقية لابدّ من السعي الجادّ المبرهن عليه عمليّاً لحلّها.
ودور الشعب أن كلّما قدّمت الحكومة برهاناً على جدّيتها في الاعتراف بحقوقه، وأعطت من نفسها الحقّ كلّما كان عليه أن ينوّه بذلك، وأن يعترف بذلك، وأن يطلب الاقتراب من التوافق على الحلّ.
إذا استمر السيفان؛ سيف الحكومة وسيف الشعب كلٌّ منهما في وجه المقابل فإن النتيجة لابد أن تكون فظيعة، ومروِّعة، ولا نتائج إيجابية في المنظور على الإطلاق.
هل الطرق سدّت؟ الفرص ضاعت؟ الحريق صار حتميّا؟
لا، إذا صار التعقل هناك، وصار التعقل هنا، وحصلت الجديّة هناك، وحصل التجاوب مع هذه الجديّة هنا.
تجربة العنف فاشلة هنا وفي بلدان أخرى كثيرة وكثيرة، وحتّى العنف الذي رأته أمريكا طريقا لملك هذا العالم تبرهن أنه تجربة فاشلة، وكون الحكومة تمتلك سلاحاً كثيرا، وجيشا قويّا، وشرطة، وميزانية كلّ ذلك لا يكفيها لتحقيق نصر تتوهّمه على شعبها، وضعفُ شعبها ضعف لها.
على أن العنف يدعو للعنف، وعنف أي طرف من الطرفين لن يسدّ الباب على عنف الآخر، والتجربة العملية لسنوات وسنوات برهنت على ذلك.
سيفك لن يكسر السيف المقابل، وسيف المقابل لن يكسر سيفك.
قضية الحجيرة:
أما عن قضية الحجيرة، فقد وضُح أنها مهزلة، فلابد أن يطلق سجناؤها، وسجناء قضية كرزكان، والقضايا الأخرى التي لم تستطع الجهات الرسمية إثباتها، والإقناع بها، وكل سجين لم تُثبِت إِدَانَتهُ الشريعة الإلهية وبالطريقة التي ترتضيها بريء، ولابد أن يُخلّى سبيله.
والحديث عن السجناء ذو أهمية بالغة وضرورية، ولكن مع كونه كذلك إلا أنه حديث عن تداعيات المشكلة، وليس هو الحديث عن صلبها، وإطلاق السجناء لابد منه، وهو مدخل للحل، ولكن لا يقف الحل عنده، والحلّ في روحه وصلبه يكون في التوافق على أمر الملفات المختَلَف عليها.
على الطرفين أن لا يأخذا البلد إلى العنف، فالعنف قَتَّالٌ للطرفين، وعلى الطرفين أن يحسبا لمصلحة الوطن، ومصلحة الوطن هي أن تعترف الحكومة بحقوق الشعب، وأن يعترف الشعب بالاستجابة لهذه الحقوق إذا توفّر الاعتراف العملي من الحكومة بها، ويتمّ التوافق.
البحرين وشرفها:
ولنا سؤال عمّا نُشر من كون البحرين ثامن دولة في العالم من حيث الفاحشة والدعارة: أصدق أو كذب يا حكومة؟ علّقي على الخبر بلغة الحقائق والأرقام الصادقة حتى يتبين الصدق من الكذب. على أن السكوت سيؤخذ أنه اعتراف.
أمن تخطيط الحكومة هذا أو من غيرها؟ أعلى علم منها به أم على جهل؟ أخدمة هو لشرف البحرين وسمعتها وكرامتها وفخرها؟ أهو من وفاء الحكومة للشعب وللدين؟ أهذا هو الإصلاح والإصلاح التربوي بالخصوص؟ ألكرامة المرأة هذا المركز المتميّز للبحرين أم لسحق كرامتها وتمزيقها، وتمريغها في القذارة والنجاسة والرجس من أنصار المرأة المشفقين عليها من شريعة الله العادلة الذين يريدون أن ينسفوا بأحكام الشرع في الأحوال الشخصية إنقاذاً لها من جور الشريعة؟!
أليس هذا الذي يُذكر ومع الأسف الشديد – وأقولها بتحرّج – هو من القِوادة الرسميّة في بلد دينه الإسلام، وقبلته الكعبة، وفي دستوره أن الشريعة مصدر رئيسي من مصادر التشريع كما يقولون؟ عيبٌ على البحرين أن يحدث هذا، على صغير أبنائها وكبير أبنائها، على كل ذكر وأنثى، إنه ضربة بخنجر في ضمير كل واحد من أبناء هذا الشعب الأبيّ الكريم(5).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم طهّر قلوبنا من كلّ شرك ونفاق وحسد وحقد وغلٍّ مما لا تحب ومن كل سوء، اللهم اجعلنا كما تحب لا كما يحب لنا هوى النفس والشيطان الرجيم، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – أي أعلمتك عل عدل، بصورة عادلة. قدّمت لك حقائق صادقة. وأعلنت إليك ما إليه المآب.
2 – – نهج البلاغة ج2 ص215.
3 – تحف العقول ص410.
4 – هداية العلم في تنظيم غرر الحكم للإمام علي بن أبي طالب ص 215 وص232.
5 – هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام).

زر الذهاب إلى الأعلى