عندما هتف الشيخ والجماهير بسقوط العلمانية

 

عندما هتف سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم والجماهير من خلفه بهتاف ” تسقط العلمانية ” في خطبة صلاة الجمعة الماضية ( 29/6/2007 )، لم ينطلق في ذلك من منطلقات سياسية، ولم يكن بصدد تحديد الأولويات السياسية، بل انطلق في ذلك من منطلقات إستراتيجية، وحدّد موقفاً دينياً. إذ من الواضح أنّ العلمانية في منطلقاتها وأهدافها تتعارض مع الإسلام، فهي تهدف إلى إقصاء الإسلام عن الحياة، وحصره في المسجد. وكلّ من يفهم الإسلام وما يقدّمه من رؤية شاملة لمختلف جوانب الحياة، لا بدّ أن يكون موقفه موقف الرفض والمعارضة للعلمانية.

ولكن مع ذلك، إذا وقفت العلمانية عند حدود الفكر والقناعة الشخصية عند أصحابها، فلا أظن أن الرموز الدينية يهمّهم حينئذٍ مواجهتها وإسقاطها، وإن كان يهمّهم توعية أبناء الأمّة وتحصينهم تجاهها. أمّا إذا حاولت أن تفعّل أهدافها الأيديولوجية، وتقوم بدور المواجهة والإقصاء للدين – في بلاد مسلم كالبحرين -، فلن يقف الإسلاميون مكتوفي الأيدي أمام هذه المحاولات، بل سيقفون بكلّ قوة في مواجهتها وإسقاطها، لأنّ الدين وأطروحته الحياتية، هو أهم ما يمتلكه الإنسان المسلم الرسالي، ولا يسعه أن يفرّط فيه أبدا.

وإذا كان يحلو للبعض أن يقرن دائماً بين العلمانية والوطنية، فليعلم بأنّ الإسلام الذي يمثّل قناعة غالبية أبناء الشعب، هو مكوّن أساسي من مكونات مقولة الوطنية، وأنّ الذي يسيء للإسلام ويسعى لإقصائه من واقع الحياة، فهو يسيء للشعب المسلم ويعمل على إلغاء قناعاته وضربه في مقدّساته، وهذا ما لا يرضى به أيّ وطني شريف.

فهتاف ” تسقط العلمانية ” جاء ردّت فعل غاضبة على نداءات الإقصاء للدين المتكرّر في الفترة الأخيرة، فهو صرخة اعتراض على المنطق العدائي للعلمانية تجاه الإسلام، وصرخة تحذير من أنّ الانشغالات السياسية – وربما التوافقات السياسية – لن تمنع من المواقف المبدئية، ولن تؤثّر على مستوى الاهتمام بالقيم والمبادئ الدينية. بل سيبقى موقف الرموز الدينية والإسلاميين على نحو العموم، الموقف الصلب والصادق في مختلف المجالات وعلى مختلف الساحات. ففي الوقت الذي يهمّهم شأن الناس ومصالحهم الحياتية، ومعالجة الملفات السياسية العالقة، يهمّهم كذلك شأن الدين وحركيّته في الحياة، بل لا معنى للتمييز بين هذين الشأنين في المنظور الإسلامي.

ولا يعبّر هذا الهتاف عن عداوات شخصية، أو انقلاب على التوافقات السياسية التي تصبّ في مصلحة الشعب، وتخدم وحدته الوطنية، وتكون بالطبع في دائرة المصلحة الإسلامية العليا، والمعايير الشرعية، التي تمثّل إطاراً مقدّساً للواقع كلّه. ويخطأ من يظن أنّ نضال الشعب وتضحياته كانت من أجل التحرّر من سلطة الشرع الأقدس، والاستعاضة عنها بتشريعات البشر ” تحت قبّة البرلمان ” ضمن لعبة الديمقراطية. كلا وحاشا، فالشعب المسلم في هذا البلد إنّما تحرّك وناضل من أجل حياة كريمة يظلّلها الإسلام، وتتأطر بالأطر الحديثة لأساليب الحكم وتداول السلطة، ضمن توافق مشترك بين الحاكم والمحكوم. فالديمقراطية التي نفهما وطالبنا بها، هي أسلوب متحضّر لإدارة الحكم وتداول السلطة يكون للشعب وصناديق الاقتراع القول الحسم في ذلك. ولكن لا يختلف اثنان من أبناء هذا الشعب المسلم الكريم في أنّ الديمقراطية التي يطالبون بها لا ينبغي أن تصادر أو تعارض دينهم وهويتهم التي يفتخرون بها. فالديمقراطية عندما طالب بها هذا الشعب الأصيل، لم يطالب بها بما هي منتج غربي خاص، نستورده بمقاساته الغربية، بل بما هو منتج بشري عقلائي عام، نمارسه في بلدنا بما لا يتعارض مع ديننا وتقاليدنا وأعرافنا الأصيلة. هذا ما يفهمه الشعب ويطالب به، وما يخالف ذلك فهو تقليد أعمى للغرب، وانسلاخ عن الهوية، لا يشرّف أحداً من أبناء هذا الشعب الأصيل، ولم ولن يطالبوا به أبدا.

فعلى العلمانيين الوطنيين في هذا البلد أن يفهموا الرسالة، ويقرئوا الواقع بدقّة، ويدركوا أن مواجهة الدين لا تمثّل مصلحة وطنية، بل مصلحة الوطن تكمن في الانسجام مع قناعات الشعب واحترام مقدّساته، وتكاتف الجهود في الدفع نحو تحقيق مصالحه الأساسية، وتسريع حركة الإصلاح الشامل والجاد، من أجل حياة كريمة لجميع أبناء الشعب. وإذا كان للعلمانية بيئتها ودارها وهي ديار الغرب، ولا يطمع الإسلاميون هناك أن يحرّكوا الإسلام في الحياة الاجتماعية، ولا يطالبوا بأكثر من أن يسمح لهم بأن يعيشوا الإسلام في حياتهم الشخصية. فإنّ للإسلام بيئته وداره وهي ديار المسلمين، ومن الطبيعي أن يعيش المسلمون الإسلام في مختلف جوانب حياتهم، وأن لا يسمحوا بإقصائه ومحاربته. وعلى العلمانيين أن يتفهّموا هذا الواقع، وينسجموا مع مقتضياته. ولا أعرف كيف يحقّ للعلمانيين أن ينفعلوا وتثور ثائرتهم عندما هتف الشيخ والجماهير بسقوط العلمانية، وفي المقابل على الإسلاميين أن يسكتوا ويتقبّلوا الضربات المتتالية، ونداءات الإقصاء المتوالية لدينهم العزيز، وهوية هذا الشعب الكريم؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى