خطبة الجمعة (276) 26 صفر 1428هـ – 16 مارس 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع التوحيد+ مشرّق ومغرّب لا يلتقيان

لن يتسنى لأي حكومة في أي بلد من بلدان الإسلام منذ اليوم أن تراهن على سذاجة هذه الأمة وتنازلها عن حقوقها، وفتور إرادتها الإيمانية، وروح الاعتزاز بالانتماء للإسلام.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا شريك له في خلق ولا رزق، ولا تقدير ولا تدبير، ولا وزير له ولا ظهير، ولا تبديل لما كتب من أحد ولا تغيير، وهو على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله وإماءه المحكومين لأمره، الخاضعين لقدرته علينا جميعاً بتقوى الله، والجِدّ في طاعته، وعدم التعرّض لغضبه بمعصيته، وأن لا نقضي في أمر الحياة، وإنفاق العمر بالهوى، فلابد من تأمُّلٍ وفكر ورويّة في القضاء في هذا الأمر الخطير حتى لا يؤول العمر إلى خسار، ويتحوّل إلى وبال، وقد وُفِّق للخير من عرف ما لروحه ولبدنه، وما لآخرته ولدنياه فأعطى كلاًّ حقّه، ووفّى له وزنه، فلم يبخس من ذلك شيئاً، ولم يقدّم مهماً على أهم، ولم يتوقَّ خطيراً بما هو أخطر.
رزقنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات السداد والرشد والحكمة، وانتهى بنا إلى أعظم الصلاح والنجح والفلاح، وغفر لنا ولهم ولوالدينا، وجميع أرحامنا ومتعلقينا، ومن علّمنا علماً نافعاً في ديننا، ومن أحسن لنا إحساناً خاصّاً من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة إنه غفور رحيم، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الكرام فلعلّ هذا الحديث هو ختام الحديث التنبيهي لقضية التوحيد التي تغنى بها الفطرة التي فطر الله الناس عليها:-
قوله تبارك وتعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ…}(1) الأرض ساكنةٌ موات، وموتها هو سرّ سكونها، لا حركة ولا أي مظهر من مظاهر الحياة، أرضٌ قاحلة جافّة، ينزل عليها الماء بقدر الله فتواقعها هزّة الحياة، وتتفتّق عن حياة تملأ السمع والبصر، لتُغذّي أحياء الأرض المتحرّكة عليها.
لحظة تتفتّق فيها الأرض عن الحياة هي لحظة خلق عجيب تتكرّر في الوقت القصير بلايين المرّات على هذه الأرض، فالأرض لا تكفّ في أي لحظة من اللحظات عن الشهادة على قدرة الله عزّ وجل، على الخلق والإحياء بعد الموت.
من يتقدّم من خلق الله يُرجع إلى نفسه هذه الظاهرة من الحياة، وليقول عن نفسه بأنه المصدر الأوّل الذي يُحدث الحياة بعد الموت على وجه الأرض؟!
ليس من أحدنا وهو يرجع إلى نفسه في هذا الأمر إلا وتقول له نفسه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ…}(2) الماء لا يستغني عنه نبات ولا حيوان ولا إنسان، وإذا شحّ قامت حروب فضلاً عن أن يتلاشى وينفذ إنه لا حياة لمخلوقات الأرض بلا ماء أبداً. هذا السر من أسرار الحياة، هذا السبب من أسباب بقاء الإنسان على وجه الأرض، بيد من عطاؤه؟ بيد من خلقه؟ بيد من قوانينه؟ أهناك يد غير يد الله تملك شيئاً من هذه الظاهرة، وهذا السبب؟!
{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}(3) ولماذا لا تنزلونه أنتم؟ لأنكم لستم الوجود القادر على كل شيء، لستم الوجود الخلاّق بالأصل، لستم الذين تملكون بالأصل ظاهرة الخلق والموت والحياة، لأنكم صفرٌ في ذاتكم، عدم في ذاتكم، وهذا يستوي فيه معكم كل مخلوق حتّى أعظم الملائكة وأعظم الأنبياء، فلا خالق ولا رازق لهذا السبب من أسباب الحياة ككل الأسباب إلا لله سبحانه وتعالى.
الله الظاهر كيف يخفى؟
أرأيت كيف ننسى الشمس ونحن تحت أشعتها الساطعة؟! منها الغفلة، وأن يغلب على النفس أمر من الأمور. وإذا كانت الشمس تظهر بشعاعها في وقتٍ وتغيب في وقت، وتبدو في رقعة وقد تغيب عن رقعة، وقد يجلّيها الغمام، فإن أنوار الله حاضرة وبصورة دائمة في داخلك، حاضرة في النبتة الصغيرة، في الشجرة العظيمة، في الحجر الصّمّاء، في كل شيء في هذا الكون، في كل خلية، في كل ذرة، ولكن كما تغيب عنا ذاكرة الشمس والالتفات إلى الشمس يغيب عنا الالتفات في زحمة هذه الحياة، وفي زحمة المضلاّت المفتعلة في هذه الحياة ذكر الله تبارك وتعالى من باب النقص في القابل لا الفاعل.
{إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}(4) تبقى الحبّة وهي على استعداد الحياة سُبات الموت وتبقى النواة وهي على قابلية الحياة كذلك حتى يأتيها إذن الله تبارك وتعالى لأن تتفتق عن حياة، ولأن تسلك درب النمو، ودرب العطاء، ودرب الإنتاج فيكون ذلك.
{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ}(5) حبّة التفاح وُزنت وزناً خاصّاً لتُعطي تفاحاً، وكل أصل الفاكهة وزناً خاصاً ليُعطي ذات تلك الفاكهة، وكل حيوان منوي لإنسان أو حيوان وُزن الوزن الخاص، وقُدِّر التقدير الخاص ليُعطي الناتج المناسب معه، الجنس مقدّر، النوع مقدّر، الصنف مقدّر، الشخص مقدّر، كل شيء موزون بقدر في علم الله، وحكمة الله، وإبداع الله.
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ(6) (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}(7) هناك الظاهر السطحي للزراعة بوضع البذرة في الأرض وسقيها وإسمادها، وهناك حقيقة الزرع، وحقيقة الإنبات وهي توليد الحياة في النبتة، وإعطاؤها ظاهرة الحياة بعد الموت، الحقيقة الكبرى في الزرع لا يمكن أن يدّعيها أحد، وأنه صانع لها غير الله تبارك وتعالى.
أما الظاهرة السطحية والتي يمارسها الإنسان فإن الإنسان لم يمارسها كذلك إلا بعطاء الله، وتوفيق الله، وفاعلية من الله.
“إنّ رجلاً قام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربّك؟ قال: بفسخ العزم (العزائم – خ ل) ونقض الهمم، لمّا هممت حال بيني وبين همّي…”(8).
فإذاً أنا لا أملك تدبيري، أنا لا أصنع نفسي، أنا لا أنزّل وجودي بصورة متدفقة وأتحكّم فيه كما أريد، وإلا لما حال بيني وبين همّي شيء، بينما أجدني أُغلب على نفسي، ويحول بيني وبين أن تفعل إرادتي، وأن يبقى همّي من يحول، فإذاً لست الذي يملك نفسه.
وقد يصل الهمّ إلى حدّ العزيمة، والعزيمة قد تكون أنضج درجات إرادة الفعل، أو هي كذلك ومع ذلك يكون التراجع، ولو كنت الذي أملك نفسي لما حال بيني وبين ما عزمت عليه شيء، وقد تبقى العزيمة، وإرادة الفعل إلا أن الأسباب تحول بيني وبين ما أريد، فأنا لا أملك داخلي ملكاً أصليّاً، ولا أملك الخارج.
“إنّ رجلاً قام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربّك؟ قال: بفسخ العزم (العزائم – خ ل) ونقض الهمم، لمّا هممت حال بيني وبين همّي، وعزمت فخالف القضاء عزمي، فعلمت أنّ المدبّر غيري”(9).
وهل ذلك الربُّ المدبر مثلي؟ ويساويني في الفقد الذاتي؟ وفي الفقر الذاتي؟ يستحيل. فالمدبّر غيري وهو فوق ما أتصوّر ومن أتصوّر، فوق كل المحدودين لكونه غير محدود وغنيّاً بذاته لا يسترفد الوجود والحياة والعلم وكل الكمال من غيره.
أجئنا من الطبيعة الخرساء؟ أقرَّرت الطبيعة الخرساء أن تقوم على أساس من هذا النظام الدقيق المحكم الرصين الذي يحكم كل جزئية فيها، وكل خلية وكل ذرّة، إلى جنب علاقات ما فيها كلّه؟ ثم وهل تملك الطبيعة الخرساء الصماء أن تفعل؟!
عن الصادق عليه السلام:”فأمّا أصحاب الطّبائع فقالوا: إنّ الطبيعة لا تفعل شيئاً لغير معنى ولا تتجاوز عمّا فيه تمام الشّيء في طبيعته(10)، وزعموا أنّ الحكمة تشهد بذلك فقيل لهم: فمن أعطى الطّبيعة هذه الحكمة والوقوف على حدود الأشياء بلا مجاوزة لها(11)، وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التّجارب؟(12) فإن أوجبوا للطّبيعة الحكمة والقدرة على مثل هذه الأفعال(13)، فقد أقرّوا بما أنكروا لأنّ هذه هي صفات الخالق(14)، وإن أنكروا أن يكون هذا للطّبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل لخالق حكيم”(15).
تبقى مسألة خطيرة: لماذا الكفر والعالم كلّه آيات؟
الإنسان كل جزء منه مليء بالآيات، زخّار بالآيات، وكل ما تقع عليه عينه زخّار بالآيات، فكيف يكفر الناس؟
الآيات الكريمة تجيب:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}(16) هذا التكذيب، هذا الاستهزاء ناتج لأي شيء؟ لأنهم أساءوا السوء، ارتكبوا السوء، لازموا السوء، ومن السوء أن أُنكر ما أعلم، أن أستكبر على ما أعلم، أن أجادل بالباطل، أن أتّبع الهوى، أن أسقط في سلوكي، أن أباشر الرذائل.
{وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}(17) هناك خلفية ظلم وراء هذا الجحد، والظلم واسع المساحة. أي خروج على الحق هو ظلم، أي تعدّ عن العدل هو ظلم، لمّا أُجادل بالباطل في المسألة الصغيرة فهذا ظلم، ويجرّني في الأخير إلى الكفر، إلى الجحود.
{وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ}(18) {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}(19) الظلم والعلو راجع في الآية للجحد، يعني هذا الجحد ما جاء من فراغ أو من فقد الدليل، وإنما جاء للظلم والعلو. هناك خلفية علوّ وراء الجحد، فمع استيقان النفس للحقيقة إلا أنها لا تملك إلا أن تجحدها بعد أن سقط مستواها بسوء الاختيار، وبفعل السوء.
الله عزّ وجل يقول {سَأَصْرِفُ} بالقوانين العادلة، بالعلاقات السببية العادلة، عن طريق العلّية والمعلولية، الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق عن الاهتداء والاستفادة بأنوار الآيات ودلالتها، والله هو المالك للأسباب والعلل والمعلولات، ولا يتقيد فعله بهذه العلاقة التي أوجدها تبارك وتعالى، ولكن أفعاله سبحانهجارية عن طريق السببية وعن طريق العلّية، وفي الغالب العلل المجعولة هي التي تفعل بإذنه، والله عز وجل أملك من أن تتقيد إرادته ومشيئته بهذه العلل.
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ…}(20).
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اعصمنا من أن تزل لنا قدم عن طريقك، أو يميل بنا هو عن صراطك، وأن نتخذ من دونك يا إله الحق، ولا إله بالحق غيرك إلهاً كذباً، وربّاً زيفاً، وأن نشرك بك أحداً، أو أن نطلب من دونك ملتحداً، اللّهم ارزقنا الهدى وثبّتنا عليه، ووفقنا لاتباعه، وباعد بيننا وبين الباطل أبدا، اللهم ارزقنا خير الدارين، وجنّبنا شرّهما يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمد لله منقذ من لا منقذ له، هادي من لا هاديَ له، مَهرَبِ من لا مهرب له، غياث المستغيثين، مجيبِ السائلين، مفرِّجِ كرب المكروبين، مذلّ المستكبرين، ناصر المستضعفين. إرادته ماضيةٌ لا يردها شيء، ومشيئته نافذة لا يعطلها شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
عباد الله الذين خلق فملك علينا بتقوى الله، واستحضار رقابته التي لا تغيب وعلمه الذي لا يغفُل، ومن كان له ذلك عُصِمَ من أن يستولي عليه الشيطان الرجيم، وتخدعه النفس الأمَّارة بالسوء، وأن يسقط في الضلال، ويغلبه أهل الباطل على عقله ودينه وحِكمته، وأن تأسره الشهوات، وتستبدَّ به المطامع، وتجرفه تيارات الانحراف. ومن غَفَلَ عن ذكر الله، ونسي عظمته وقدرته وجبروته لم يكن له عاصمٌ من نفسه، ولا ركن يأوي إليه من شيطان يغويه، وعدوٍّ يُضلّه، ونفس توسوس إليه، وزينة دنياً تسحره.
بك نستعيذ ربَّنا من كلِّ هوىً وغوى وضلال وفتنة صارفة عن ذكرك، ملهية عن عظمتك، منسية لأخذك وبطشك وأليم عقابك، شاغلة عن حمدك وشكرك ونعمائك.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم على عبدك وحبيبك وخاتم أنبيائك ورسلك محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً.
أما بعد أيها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات الأخيار فإلى هذا الحديث:-
مشرّق ومغرّب لا يلتقيان:
الشعب والحكومة عندنا مشرّق ومغرّب لا يلتقيان.
الشعب يرفض الظلم والتهميش والطبقية الفاحشة وانحدارة الأخلاق وغيرها من المشكلات الماكثة المضرّة بوضع الوطن والمواطن. والحكومة تصرّ على بقاء الدستور غير العقدي حاكماً، وعلى الإمعان في سياسة التمييز والتمسّك بآخر مستجدّ في هذا السياق وهو المحميات الطائفية والطبقية والقبائلية، وتصر على الإمعان في سياسة تمام التجنيس الإضراري، وتضاعف القوانين الجائرة المضيّقة للحريات، وتدنّي الأجور للطبقة الشعبية العامة، والسكوت على أسرار ورموز أخطر تقرير على أمن البلد والسلم الأهلي والإخوة الإسلامية، والتوزيع غير العادل للثروة والخدمات المدنية، وتحويل الأرض إلى إقطاعيات خاصة على حساب سائر أبناء الشعب والمصلحة العامة، وإحلال لغة الأمن والقوة محل لغة الإصلاح، وعلى خنق الحرية الدينية والسياسية، والسكوت المشجِّع على ظواهر من مثل ظاهرة السحاق واللواط المحرَّمين، وظاهرة المخدرات والهتك العلني للحياء الإسلامي، ومواجهة الشريعة والدعوة الإعلامية الفاحشة كما في الحادث في ربيع الثقافة أو القباحة والقذارة والخرافة والسخافة والمجون والفاحشة والغواية والسقوط حيث الدعوة العملية واللفظية الصريحة للزنا باسم الحبّ على المسرح المكشوف في تحدٍّ سافر لدين هذا البلد وحرماته وقيمه وأحكام شريعته وذوقه وحيائه وطهره وعفافه.
تأتي الكلمة من فقيه المسرح في سؤال عن مباشرة الأجنبي للأجنبية عن حب بأن هل هذا زنا؟ بأن هذا ليس بزنا، الزنا ما كان مباشرة عن غير حبّ، أما المباشرة عن حبٍّ فليس بزنا. هذه فتوى مسرح البحرين الذي رعته وزارة الإعلام لنساء البحرين ورجالها، لشبابها وشاباتها، هذه هي التربية الإسلامية الأمينة، هذه هي المواجهة الحضارية للغزو الثقافي الكافر!!
وهذا الذي تسمع إنما هو في بحرين الإسلام والإيمان، وفيها كذلك كما عن صحيفة الوطن السعودية ليوم الأحد الحادي عشر من شهر مارس الحالي أنه ترددت أنباء عن إقامة حفل زواج للجنس الثالث قرب شجرة تاريخية لمنطقة برّيّة جنوب البحرين تُعرف باسم شجرة الحياة، الأمر الذي أثار ردّ فعل غاضباً لبرلمانيين إسلاميين كما هو التعبير عن الصحيفة المذكورة.
وفي البحرين نفسها تنتشر ظاهرة الطالبات المسترجلات المعروفات باسم (البويات) في المدارس الثانوية الحكومية كما عن نائب معلن اسمه، وفي البحرين كذلك الصالونات التي توفّر خدمة التدليك والتي اعتبرها نائب آخر محطّة لاستقبال من يمارسون اللواط المحرَّم شرعاً.
وأؤكد أن الشعب أقوى إيماناً، وأصلب إرادة، وأشد تمسّكاً بدينه، وإصراراً على ثوابته ومقدسات شريعته، وإصراراً على حقوقه، وأوعى بصيرة في أمر دينه ودنياه من أن يذهب مستغفلاً في الاتجاه الخاطئ الفاحش المنكر الذي تحاول الخطط والألاعيب السياسية،وأساليب الشدة والإغواء أن تسلك به إليه.
وهو غير قابل بحسب وعيه وإيمانه وإرادته أن يذوب في مستنقع التحلّل والزيغ الفكري، وأن يخسر دينه، وهو معاند دون أن تُسلب منه أسباب معيشته وحرّيته وكرامته، أو أن يتنازل عن انتمائه وهداه والتزامه ودوره الفاعل في هذه الحياة. هذا الشعب شعب دنيا ودين، ولن يقبل أبداً أن يُسلب منه حقّه في الدين أو الدنيا، وإذا كانت تثار مشاكل دينية من أجل أن ينصرف إليها الرأي العام فإن الرأي العامّ على وعي وهو سيبقى مطالباً بتصحيح وضع الدين ووضع الدنيا الذي ينحرف باستمرار على يد الخطط السياسية الجائرة.
هذا الشعب لا تنسيه دنياه دينه، ويعرف أن دينه يهتمّ بدنياه، فيطالب بحقوق دنياه كما يطالب بحقوق دينه.
هذا الشعب شعب دنيا ودين، ولن يقبل أبداً أن يُسلب منه حقّه في الدين أو الدنيا، وهو غير قابل للتنازل عن حقه فيهما تحت أي ظرف من الظروف، وغير قابل للاستغفال والتدجين.
والحكومة التي تريد لنفسها الراحة لابد أن تفكر في راحة الشعب قبل ذلك، والحكومة التي تريد أن تُحترم لابد أن تبدأ هي باحترام شعبها، والحكومة التي تريد أن تحاسب الناس على قضية الأمن لابد أن لا تعمل على تقويض أمن الناس، وأمن هذا الشعب كما هو أمن دم، وأمن معاش، هو أمن عرض وخلق ودين.
الأساس أن تقام الحكومة لأمن المجتمع لا أن تقام المجتمعات لأمن الحكومات، يعني أن المنظور الأول في قضية الأمن هو المجتمع الذي من أجل أمنه وتقدمه تقوم الحكومات، والتي إذا أخلصت لمجتمعاتها كان أمنها من أمن تلك المجتمعات، وضرورة من ضروراته، ولا تتم هذه الملازمة حتى يكون ذلك الإخلاص، وتأخذ الحكومات بالعدل ورعاية أمن مجتمعاتها من كل الأبعاد ومنها البعد الديني والخلقي والمعاشي، وبعد الحريات الإنسانية الكريمة، ولا تغالط في إعلامها، وتقلب الحقيقة بأن تجعل أمنها هو المحور الذي تضحّي من أجله بأمن المجتمع، ولا ترى للحفاظ عليه إلا ظلم الشعب وإضعافه بتمزيقه واستعداء بعضه على بعض.
إنه إذا أرادت الحكومة أن تتجنب المتاعب فعليها أن تجنّب شعبها المتاعب، والفرصة متاحة أمام الحكومة عبر قناة مجلس النواب بالاستجابة لمطالب الشعب الملحّة، واحترام مصالحه المهمّة، وقضاياه المركزية، وانتمائه الإسلامي، وشريعته المقدّسة من خلال التفاعل الإيجابي مع كل ذلك عبر تلك القناة، وإلا فإن المسافة تتباعد بصورة خطيرة بين الحكومة والشعب إلى حد فقدان الثقة بالكامل، والغربة التامة بين الطرفين، وفي ذلك ما فيه من الأزمات والكوارث.
والنواب لا يتحملون خطأ الحكومة بصورة مطلقة، لكنهم يتحملون مسؤولية هذا الخطأ في فرض التأييد له، وفي فرض السكوت عليه، وعدم مواجهته سواء أضرّ هذا الخطأ بمعيشة الناس وأوضاع حياتهم الدنيوية، أو أضرّ بدينهم وقيم هذا الدين الكريم، وقدسيته وحرمته.
ولا يقبل الشعب من نوّابه أي موقف متخاذل في قضاياه الدينية والدنيوية كما لا يقبل لهم أن يكونوا فريقين: فريقاً قد يدافع عن قضايا الجسد وينسى الروح، وفريقاً قد يدافع عن قضايا الروح وينسى الجسد، أو فريقاً لا يعرف إلا قضايا الشيعة لأنه شيعي، وفريقاً لا يعرف إلا قضايا السنة لأنه سني، على تقدير أن يقبل واقع بعض القضايا هذا التقسيم.
وإنه لعار على المجلس النيابيَ وتشكيلته إسلامية في غالبيتها العظمىَ أن يُقهر الإسلام ويُهان ويُفترى عليه ويُزوّر ويتعدّى على أوضح أحكامه، وتُستباح الساحة للأنشطة الإباحية من أي نوع وهم يستطيعون دفعاً أو تصحيحاً أو تداركاً أو أي نوع من أنواع الإنكار فلا يفعلون.
وأخيراً إن بقاء الحكومة والشعب مغرّباً ومشرّقاً لا يلتقيان فيما يتصل بأمر الدين والدنيا نهايتها مأساوية بالنسبة للجميع، فهل تنتظر الحكومة من الشعب أن يدير ظهره لقضايا دينه ودنياه، ويترك لها أن تصنعه كما تهوى، أو يهوى نفر منها ليكون البهيمة المسيّرة بلا إرادة للمسلخ أو النار؟! أَوَ لاَ تعرف الحكومة أن هذا مستحيل ولن يكون أبداً؟! الحق أن على الحكومة أن تلتمس حلاً لهذا التباعد المستمر لا يقوم على وهم الانتظار لانتكاسة شعبية على مستوى العقل والإرادة والدين.
ولن يتسنى لأي حكومة في أي بلد من بلدان الإسلام منذ اليوم أن تراهن على سذاجة هذه الأمة وتنازلها عن حقوقها، وفتور إرادتها الإيمانية وروح الاعتزاز بالانتماء للإسلام.
وهنا مسؤولية عامة لابد من التذكير بها تعمّ أئمة الجمعة والجماعة والخطباء والرواديد والكتّاب والنوّاب وكل مؤمن ومؤمنة في هذا البلد يستطيع أن يشارك في رد المنكر ولو بكلمة واحدة.
المطلوب من الجميع اليوم هو التركيز على هوية هذا الشعب الرافضة لما قيل عنه بأنه فن رائع وكبير يتحدّى بطبيعته أن يفهمه الإسلاميون والمتديّنون.
وهو فنّ ساقط هابط، داعٍ ومغذٍّ للرذيلة والفحشاء مما حرّم الله، وهو فنّ كاذب على الله ورسوله، ونسأل متى كانت أساليب الحيوانات الدونية في ممارسة الجنس المكشوف فنّاً راقياً يُعيّر من لا يعرفه!!
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا مالك الخير وواهبه، ولا مالك للخير غيره هب لنا الخير يا كريم، يا دافع الشرّ ورافعه ولا قادر على دفع الشر ورفعه سواه ادفع عنا الشر يا رحيم. اللهم إنا نسألك خير ما نرجو وما لا نرجو، ونعوذ بك من شرّ ما نحذر وما لا نحذر، نسألك ربنا خير الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من شرّهما يا من لا يخيّب سائله، ولا يؤيس آمله، وهو الولي الحميد.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 39/ فصلت.
2 – 68/ الواقعة.
3 – 68 ، 69 ، 70/ الواقعة.
4 – 95/ الأنعام.
5 – 19/ الحجر.
6 – هذا الذي تزرعون.
7 – 63/ الواقعة.
8 – ميزان الحكمة ج 3 ص 130.
9 – ميزان الحكمة ج 3 ص 130.
10 – يعني نحن نلاحظ الطبيعة متوفرة في كل أجزائها على النظام الدقيق الرصين المحكم، وأن كل شيء قد توافق في طبيعته مع دوره وغايته. هذا يعترف به الملاحظون للطبيعة.
11 – هل الطبيعة قدّرت الأشياء تقديرا، وحددتها تحديدا، وأعطتها الوزن المعيّن، ولاءمت بين ما عليه طبيعتها، وما يراد لها من غايتها؟ وهل قدّرت لكل شيء دوره وموقعه؟ ووضعته في الموضع المناسب لنظام الكون العام؟
12 – تضمّ التجارب المعطاءة الموفّرة للخبرة إلى العقل الكبير، إلى العقل المدبّر، المفكّر وتراهما يعجزان عن صنع ما عليه نظام الذرة، وما عليه نظام الجزيء الصغير من أي جسم ومن النظام الذي يحكم الجسم كلّه.
13 – التي تتجاوز قدرة العقول والتجارب.
14 – فهم اعترفوا بالخالق إلا أنهم بدل أن يقولوا بأنه الله قالوا بأنه الطبيعة، أعطوا الطبيعة الحكمة والعقل والتدبير والإبداع والهندسة الدقيقة والنظام الفائق الرائع الذي يتجاوز حد العقل البشري، ويتجاوز الخبرة البشرية، أعطوا الطبيعة كل هذا وأنكروه على الله تبارك وتعالى. وما هي الطبيعة؟ شجر، حجر، رمل، أجرام سماوية.. إنهم أقروا بالخالق من خلال الإقرار بصفاته ولكنهم خالفوا العقل والفطرة بأن أعطوا عنوان الخالق للطبيعة وهو أمر سفه بوضوح.
15 – المصدر ص 131.
16 – 10/ الروم.
17 – 49/ العنكبوت.
18 – 33/ الأنعام.
19 – 14/ النمل.
20 – 146/ الأعراف.

زر الذهاب إلى الأعلى