خطبة الجمعة رقم (255) 26 شهر رمضان المبارك 1427هـ – 20 أكتوبر 2006م

مواضيع الخطبة:
متابعة في موضوع الولد + شر مستطير + خطاب للمرشح والناخب + يوم القدس العالمي

 

وإن المشاركة في الانتخابات وإيصال المرشح الصالح إلى المجلس النيابي وظيفة شرعية لا تفريط فيها، والمقاطعة تُعطي فرصة للمتسلقين والنفعيين والحكوميين بأن يتصرفوا في مصير الشعب بكل حرية وبلا قيد، وسلبيتي من العملية الانتخابية فيما أقدّره أنا وفيما أفقهه أنا تشركني في الإثم.

 

الخطبة الأولى

 

الحمد لله الظاهر لكل شيء بلا مظهر له من غيره، ولا ظهور لشيء إلا به، والباطن الذي لا يُدركه شيء في بطونه، فلا عقل يدرك حقيقة ذاته وصفاته، ولا وهمَ ينفذُ إليه أو يحوم حوله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا فلنتّق الله، ونكن على وعي دائم حاضر بأنْ لا نفع ولا ضر إلا بيده، ولا مُنقذ منه، ولا شفيع إلا بإذنه، وأن الأمر والنهي له، ولا تنظُّر في أمره، ولا مراء في نهيه، ولا مكابرةَ لما يريد. ألا فلنأتمر بأمر الله، وننته بنهيه فإن الاستكبار على الله سفهٌ عظيم وخسران مبين جسيم. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الأخيار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أما بعد فمع جولة أخرى في موضوع الولد ومعطيات بعض النصوص في هذا الموضوع:
تقول الآية الكريمة:{هنالك دعا زكريا ربّه قال ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} وفي الصافات:{رب هب لي من الصالحين} وفي الفرقان:{والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}.
إنه الولد ولكن ليس كل ولد. الأمنية الصحيحة هو الولد الصالح، وليس مطلق الولد، فإن من الولد من يسوء، والولد الذي يشرّف والذي يمثّل امتداداً يسرّ أباه، ويسرّ أمه، وتقرّ عينهما به إذا كانا صالحين إنما هو الولد الصالح، الولد الصالح هو الذي يمثّل الامتداد الطيّب، وعظيم على المرء الصالح أن يكون امتداده ولداً سيئاً طالحاً. فالدعاء الديني ومن الأنبياء والأولياء لا يأتي بطلب الولد مطلق الولد وإنما يأتي بطلب الولد الصالح.
الآية الكريمة تقيّد الذرية بأنها طيبة {هب لي من لدنك ذرية طيبة}، الآية الثانية تقيّد ما يطلب العبد أن يهبه له ربّه من بنين وبنات أن يكونوا صالحين {رب هب لي من الصالحين}، الآية الثالثة أن تكون الذريات والأزواج قرة أعين، وقرة عين المؤمن لا تكون إلا في الإيمان ولا تكون إلاّ في الهدى والخير والصلاح.
“في بيان التّنزيل لابن شهرآشوب عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: ما سألت ربّي أولاداً نضر(1) الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربّي أولاداً مطيعين لله وجلين منه حتّى إذا نظرت إليه وهو مطيع قرّت عيني”(2).
لا يسرّ أبا الحسن عليه السلام أن يكون ولده قبيح الوجه، ولا يسرّ أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون ولده قصير القامة لصيقاً بالأرض، هو ملتفت إلى أهمية أن يكون الولد نضر الوجه وحسن القامة ولكن هناك ما يشغله عن هذه الصفات المحبوبة مما هو أكبر منها: صفاء الروح، سلامة القلب، صحّة النفس، وهو الشيء الذي يعني الطاعة لله تبارك وتعالى.
أول ما يهمّه في ولده ويركّز نظره عليه هو أن يكون ولداً صالحاً سليم القلب سليم الروح. وسلامة البدن مطلوبة وهي محل سعي العقلاء.
“مرّ عيسى بن مريم عليه السّلام بقبر يعذب صاحبه، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب، فقال: ياربّ مررت بهذا القبر عام أوّل وهو يعذّب، ومررت به العام وهو ليس يعذَّب؟!.(3)
فأوحى الله جلّ جلاله إليه: ياروح الله قد أدرك(4) له ولد صالح فأصلح طريقاً وأوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه”(5). نجا الرجل من عذاب قبره بالعمل الصالح من ولده، وكان وراء هذا العمل الصالح اهتمام كبير وسهر دائم والتفات مستمر من الأب الروؤف من أجل صلاح الولد، وما كان يشغل الأب عن صلاح ولده الروحي أن يكون القوي الشديد في بدنه.
ومن جهة أخرى نقرأ:
“ولد السّوء يهدم الشّرف ويشين السّلف”(6).
حين يُذكر الرجل المؤمن الصالح من بعد موت أو حتى في الحياة بولد سوء فإنما يأتي هذا الذكر ليؤثر سلباً على شرف الوالد، إنه ليشين السّلف، ويسقط بقيمتهم بعض الشيء، ويظهر مرآة سيئة لهم، فيلحق الوالدين من شين الولد وسوئه يسيئهما.
وعن البنات:”نعم الولد البنات المخدّرات من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النّار”(7).
البنات المخدّرات المربّيات على العفّة والطهارة والحياء، البنات المتأدّبات بأدب الإسلام، والسالكات طريق فاطمة وزينب عليهما السلام. أما البنات المتهكّتات فإذا كان للوالدين في تهتكهن نصيبٌ من عدم العناية التربوية، ومن عدم الاهتمام الكافي لتربيتهن فإن المصيبة الكبرى على البنت وعلى الأم والأب.
“إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى يوم القيامة”(8).
فالعناية العناية بالأناث بما يصلح ويقوِّم ويهدي ويرشد، عناية تلتفت إلى ضرورات البدن وحاجاته ومن قبل ذلك إلى ضرورات الروح وحاجاتها.
وعن العدل بين الأولاد، والإسلام كله عدل يعمّ السماء والأرض، وعدل يتمشّى في كل جزئية من جزئيات البناء الإسلامي عقيدة وتشريعاً وأخلاقاً:-
“اعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف”(9).
الأب حين يكون برّ الولد وعنايته منصبّتين على الأم دونه يكون في خاطره، والأم حين تجد من الولد الاهتمام الكبير بالأب دونها يكون في خاطرها، إنهما ليحبان أن يعدل الأولاد بينهما في الحب وفي البرّ، وكل منهما يتطلّع إلى بر ولده وخيره، هذا التطلّع يفرض على الأبوين أن يعدلا بين الأولاد وإلا فإذا انطلق الظلم مع التربية الأولى إلى نفس الولد فإن هذه النفس ليُخاف عليها كثيراً أن تنبني على الظلم. والظلم قد يبدأ بالغريب ولكنه قد لا ينتهي إلا بأقرب الأقربين.
الحديث الآخر:”إنّ الله يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتّى في القُبَل”(10). جمع قبلة.
“أبصر رسول الله رجلاً له ولدان فقبّل أحدهما وترك الآخر فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: فهلاّ واسيت بينهما؟!”(11) ويأتي باختلاف يسير في مصادر أخرى، هذا الاختلاف “فقال له: فهلّا…”.
نجد الحرص الإسلامي ودقّته ونفاذ بصيرته في الأمر الصغير فضلاً عن الأمر الكبير.
إن الإسلام ليهمّه أن يكون العدل هو القاعدة وهو القانون وهو الحاكم في كل المساحات الكبيرة في كل المساحات الصغيرة.
“عن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطيّةً فقالت أُمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى تُشهد النبيّ – صلّى الله عليه وآله وسلّم – فأتى النّبيّ فقال: إنّي أعطيت ابني من عمرة عطيةً فأمرتني أن أُشهدك، فقال: أعطيت كلّ ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم، لا أشهد على جور”(12).
إنه شيء من جور، وإن لم يصل الأمر إلى حالة التحريم إلا أن الصورة والواقعة تمثّل شيئاً من جور، ويربأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه عن أدنى درجات الجور حتى تلك الدرجات التي لا يلاحظها العرف العام وقد لا يلاحظها العرف الأخص.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا هب لنا من لدنك رحمة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله قبل الخلق والرزق، وعندما خلق ورزق، وحين يحيي ويميت، ويُمرض ويَشفي، ويُفقر ويُغني وعلى كل حال حمداً لا يبلغه حمد، ولا يشبهه حمد، وهو فوق كل حمد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تُسبِّح له السماوات والأرض وما فيهن من شيء وما بينهن، ولا تجد الأشياء من دونه رفداً ولا مدداً، ولا تشرك بلسان تكوينها به أحداً أبداً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، والاهتداء بما بيَّن، والانتفاع بما وعظ، والأخذِ بما أذِن، والاجتناب عمّا إذا أتاه آتٍ أثم، ولنعمل للتي هي أبقى، وأعظمُ أجراً. وإن صاحب الدنيا، وصاحب الآخرة ليقضيان عمرهما المقدّر في هذه الحياة أكلاً وشُرباً، وفَرَحاً وحزناً، وصحة ومرضاً ليذهب صاحب الآخرة بقلبه السليم وعمله الصالح إلى الجنة، ويذهب صاحب الدنيا بقلبه السقيم، وعمله السيء إلى النار. فما بال أحدنا يختار عاقبة النار على الجنة، والعذاب على النعيم، والشقاء على سعادة الأبد بلا حد؟!
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إنا نستهديك ونسترشدك ونلجأ إليك ونتوكل عليك.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الصادق، وجعفر بن محمد الباقر، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، الفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى موضوعات اليوم:
شرٌٌّ مستطير:
مضامين تقرير البندر شرٌ خطير مستطير، ومؤامرة لتخريب الوطن وحرقه بالفتنة.
هذا التقرير الذي يتضمن تآمراً على طائفة وشعب، وتخطيطاً مرهِباً ومرعباً ضد المواطنين يدين الحكومة بوثائقه وتحويلاته المالية وتواقيعه، وعلى الحكومة أن تدافع عن نفسها بعد تحقيق محايد أو مشترك يكشف عن كل الحقائق والملابسات وكل الشبكة الرهيبة المشترِكة في المخطط المؤامرة.
مواراة القضية ودسُّها في التراب لو كان فهو جريمة أخرى تقع تبعتها على الحكومة. والسكوت الشعبي عنها تفريط في حق النفس والوطن والحاضر والمستقبل، ويجب أن لا تُعطى من قبل كل العلماء، ومن قبل كل الفعاليات السياسية وكل النشطاء فرصة لدفن القضية ونسيانها لتظهر في يوم من الأيام بمخططها المرعب تفجيراً هائلاً يحرق كل أوضاعنا الإيجابية، وزلزالاً مدمّرا لا يبقي على شيء، وبعد أن تكون المؤامرة قد أدت جميع أغراضها الخبيثة.
وإلى حد الآن فإن الشعب قد تيقّن بأنه متآمر عليه ومستهدف وعلى الحكومة أن تثبت العكس.
وقد انكشف أن التجنيس السياسي الذي يضج منه الشعب هو أحد أعمدة المخطط الخفي الرهيب الذي تُدار حركته في الظلام، ولكن تبرز مشاريعه شاخصة على الأرض. واستمرار التجنيس على وتيرته أو أقل كذلك، وبصورة غير منضبطة قانونيا، ومراعى فيها مصلحة الوطن لا غير تأكيد للمخطط الرهيب.
خطاب للمرشح والناخب:
لا كلام لنا مع مرشح أو ناخب نفعيٍّ لا يقيم للدين وزناً، ولا يُعطي للشعب قيمة فذاك شخصٌ يقرر له موقفه هواهُ لا دينه وعقله ومصلحة شعبه. كلامنا مع مرشح وناخب لهما دين، وعندهما غيرة على الوطن، واهتمام بحق الإنسان:
أولاً: أيها المرشح المحترم:
1. إذا كنت ممن يراعي الدّين والشعب فاعطِ الفرصة لمن هو أكفأ منك للترشح وتحمل مسؤولية النيابة، وحتى لو كان أخوك ليس أكفأ منك ولكن قد سبقك إلى الترشّح فافسح له المجال ولا تخلق معركة في الصف الواحد.
2. قد يدفعك للترشح من لا يريد لك خيراً ولا حرص له على مصلحتك فهناك دوافع ودوافع تُحرِّك بعضاً من الناس للدفع ببعض الأشخاص للترشح، وقد يتقاضون على ذلك ثمناً على حسابك – أيها المدفوع للترشح – من جهة لها مصلحة باللعب في الانتخابات. احذر عزيزي أن يستغلَّك أحد في هذا المجال. وكم من غاشٍّ لبس ثوب الناصح الأمين؟!
وقد يكون الغرض هو تبديد الأصوات المؤمنة وإعطاء فرصةِ نجاح لمن تريد الحكومة أن يصل إلى موقع النيابة مثلاً.
وما كان دفعك للترشح لتنجح وإنما لينجح بك مرشح حكومي خُطِّط لإنجاحه وذلك على حساب أتعابك ومشاكلك فلا تنخدع.
3. من وجد نفسه أنه سيكون في النيابي كالطالب المتخلِّف في صفه لا يحسن أن يطرح سؤالا وجيهاً، ولا يملك أن يجيب إجابة مقنعة أو أن يقدّم رأياً ذا بال… من وجد نفسه أنه لا يجيد إلا أن يرفع إصبعه مع هذه الجماعة أو تلك الجماعة فليحترم نفسه وليتخلَّّ عن هذا الطموح.
4. في الحق أن الترشُّح يحتاج إلى مستوى علمي وسياسي قادر على إعطاء الرأي الصحيح في المسائل الدقيقة، وإلى فهم فقهي يقي من مخالفة الشريعة، ونزاهة دينية بالغة يمتنع معها الضعف أمام الاغراءات، وجرأة شديدة تكفي للإصحار بالحق، وحكمة ورشد تكون الكلمة بهما في موضعها، وقدرة بيان تُظهر الرأي جليّاً، وقوة برهان تُدعِّم الرأي وتردّ عنه الشبهة والمغالطة، ومعرفة بدقة اللغة القانونية التي تُصاغ بها القضايا ليؤمن من ضياع الرأي في مرحلة صوغ القرارات والمواد، وإلى مداراة لا يضيع بها الحق، وصلابة إيمانية لا يميع معها الموقف، ولا يُتنازل عنه للحسابات الصغيرة البعيدة عن تقوى الله.
هذه بعض صفات يحتاجها المرشح على الإخوة الأعزاء من المرشحين المؤمنين أن يراعوها خيراً لهم في دينهم ودنياهم.
5. منازلة المرشحين المؤمنين لبعضهم البعض وتصادمهم يحمّلهم مسؤولية ضخمة، مسؤولية شق الصف المؤمن، وتبديد الأصوات وبعثرتها، وفتح الطريق لمن لا تهمّه مصلحة الشعب ولا أمر الدين لمن كانت دوافعه نفعية، أو لمن كان عميلا لهذه الجهة أو تلك الجهة إلى المجلس النيابي.
6. وبالمناسبة أُحيّي الشاب المؤمن المهذب يوسفَ بنَ عبدالله بن عبدالنبي العصفور الذي كان مرشّحاً لهذه الدائرة وتخلّى بكل اختيار ليسجّل موقفا نموذجياً لبقية الإخوة في المناطق التي يتزاحم فيها المرشحون المؤمنون، والشاب يحمل من الكفاءة ما يحمل، وله من الإيمان الشيء الكبير. شكراً لهذا الشاب المؤمن ولحرصه على وحدة الصف، ولترفّعه على مثل هذه النزاعات.
ثانياً: أيها الناخب المحترم:
1. أنت المصلي الصائم فلا يصح لك أن تقدّم نسباً ولا مصاهرة ولا جواراً ولا صداقة على دينك في إعطاء صوتك لهذا المرشح أو ذاك.فليكن الله وأنت تضع ورقتك الانتخابية في صندوق الانتخاب بين عينيك. ولتضمحل حينذاك كل العلاقات، ولتتجاوز كل المصالح، وليكن نظرك الوحيد إلى الله سبحانه وتعالى.
2. في الانتخاب امتحان لعقل الناخب ووعيه ودينه وشعوره بكرامته وكرامة الآخرين. حجم الناخب من حجم المنتخب، وذوق الناخب من ذوق المنتخب، ودين الناخب من دين المنتخب، وعقل الناخب من عقل المنتخب، فانظر من تريد أن تكون.
3. كانت المظاهرة ضدّ قانون الأحوال الشخصية دفعاً للضرر عن الدين، والتصويت اليوم للمرشَّح الصالح فيه دفع ضرر أكبر عن الدين وجلب منفعة له. هناك كنت تدافع عن قضية واحدة هي قضية الأحوال الشخصية، وتصويتك للمرشّح الصالح دون المضادّ له ينقذ قضايا إسلامية كثيرة من التشويه، ويدفع كثيراً من المفاسد، وفيه جلب مصالح، فإذا كنت قد خرجت ذلك اليوم في المظاهرة فلتخرج اليوم للتصويت للمرشّح الصالح.
4. إعطاء الصوت لمرشح يضر بالناس في دينهم أو دنياهم جريمة أو غفلة لا يرتكبها مؤمن. وإيصال مرشح حكومي إلى المجلس النيابي نقض للغرض أساساً. إنما كان المجلس النيابي لملاحقة أخطاء الحكومة، للمراقبة، لإنكار منكرها، للعود بها إلى السكة الصحيحة، وللتشريع الصالح، وحين يأتي النواب حكوميين نكون أمام حكومة مضاعفة الأخطاء والتجاوزات.
5. الناخب شريك النائب في عدله وظلمه، وما أخطرها من قضية. كلمة الحق التي يقولها النائب في المجلس أنت شريك في ثوابها بعد أن أوصلته إلى هناك، وكلمة الباطل حين يقولها فأنت شريك له في الإثم، كل ناخب هو شريك للنائب في ما كسبه من حسنة في المجلس ومن سيئة، فاجمع على نفسك أيها الناخب غير الدقيق سيئات لا تُعدّ ولا تحصى حين تنتخب مرشّحاً ليس يرضاه الله عزّ وجل. أنت تصلي وتصوم وتُكتب عليك سيئات من خلال نائبك.
إن صوتك للمرشح غير الصالح رصاصة في قلب دين الله والوطن.
6. وإن المشاركة في الانتخابات وإيصال المرشح الصالح إلى المجلس النيابي وظيفة شرعية لا تفريط فيها، والمقاطعة تُعطي فرصة للمتسلقين والنفعيين والحكوميين بأن يتصرفوا في مصير الشعب بكل حرية وبلا قيد، وسلبيتي من العملية الانتخابية فيما أقدّره أنا وفيما أفقهه أنا تشركني في الإثم.
7. إنه أمر بيدنا أن نُعطي المجلس النيبابي دوراً إيجابياً بمقدار ونجعله مناصراً لقضايانا أو نُفرِّغه من مضمونه الإيجابي ونجعله مضاداً لنا. هل نشارك في العملية الانتخابية وبفعالية ووعي لنوصل نوّاباً صالحين، إذا فعلنا ذلك كنا قد أعطينا المجلس دوراً إيجابيّاً بلا إشكال، وقد أوصلنا للمجلس من يدافع عن مصالحنا الدينية والدنيوية، أما إذا تفرجنا على العملية الانتخابية، ووقفنا منها الموقف السلبي أو شاركنا فيها لندفع بمرشّحين غير صالحين إلى المجلس فحينذاك سنكون قد فرّغنا المجلس من مضمونه الصالح، وأوصلنا محامين ضدّنا إلى المجلس النيابي. وكم سنضر بمصالحنا إذا أخذنا بأحد هذين الخيارين؟! الخيار الرشيد فيما أرى – وللآخرين أن يروا رأيهم – أن نشارك وبقوّة وأن تكون مشاركتنا من أجل نوّابٍ صالحين أكفاء يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم(13).
8. هناك أوراق رابحة تلعب بها الحكومات وبعض الفئات لتخريب عملية الانتخاب وإفسادها على الشعوب، من هذه الأوراق وكما تعرفون (ورقة الطائفية، ورقة المناطقية، ورقة القبلية، ورقة الفئوية، ورقة التبعية للحسينيات والجمعيات والمؤسسات العامة الأهلية). كل هذه أوراق بيد الحكومات والفئات المغرضة توظّفها لإفساد العملية الانتخابية من أجل تحقيق مآرب انتهازيتها.
9. على الناخبين الذين يُفرِّطون بعدم الإدلاء بأصواتهم للنائب الصالح أو بإعطائهم أصواتهم لغير الأكفأ والأكثر إخلاصاً أن يلوموا أنفسهم غداً قبل أن يلوموا المجلس النيابي الذي شاركوا في رداءته والهبوط بمستواه ومكّنوا للعناصر السيئة أن تتحكم فيه. المجلس النيابي من صناعة الناخبين، المجلس النيابي في مستواه من مستوى الناخبين، هو في مستوى أمانته أو خيانته من مستوى أمانة أو خيانة الناخبين، وهو في وعيه وعدم وعيه من درجة وعي الناخبين وعدم وعيهم.
10. علينا أن ننتخب نواباً لا نحتاج غداً لأن نلاحقهم من أجل أن يستقيموا ويقفوا الموقف المشرف من قضايانا “أرسل حكيماً ولا توصه”.
11. النواب ثلاثة: نائب لك منه صوته ولا يملك رأيا، ولا قدرة له على مناقشة، ولا يدخل في أخذ ولا رد، وإذا دخل في ذلك أساء وأضر، هذا نائب، نائب آخر لك منه رأيه وصوته وقوة حجته وجرأة موقفه، ولك منه أمانته الدينية وصلاحه، فهنيئا لك أن تختار هذا النائب، ومن لا يراهن على مجلس نيابي تكون كتلة كبرى من نوابه من هذا الوزن. إذا استطعنا أن نوصل كتلة نيابية، تيّارا نيابيا مؤثرا صالحا من هذا المستوى أو ما يقرب فقد فعلنا لأنفسنا الكثير من الخير.
وهناك نائب هو عليك بكله وليس لك منه شيء، إن كان قوي الحجة فحجته لغيرك، وإن كان جريئا فجرأته عليك، هذا النائب العدو حذار حذار من أن تختاره.
يوم القدس العالمي:
1. إنه يوم للأمة؛ لوحدتها، وقوتها، ووعيها، وحيوية إرادتها، وتعزيز ثقتها بنفسها، وشحذ عزيمتها، وعزتها وكرامتها ونصرها، وروح النهضة والمقاومة فيها، وإنه يوم للقضية؛ للإصرار على القضية، للتمحور حولها، لذكرها، لحضورها، وانتصارها.
والأمة اليوم تتعرض للتفتيت، والقضية اليوم يستهدفها الطمس والتغييب، ويراد لها أن تُدفن وتُنسى فالحاجة إلى يوم القدس حاجة ملحّة.
والأمة اليوم تتعرض لتربية الإذعان والاستسلام والذوبان، والقضية تتعرض للتآكل والتآمر والمساومات الرخيصة التي تحفظ الكرسي الهزيل المهزوز قبال العزة والكرامة والقيم والانتماء والأصالة ومصلحة الأمة ووجودها.
2. إنه يوم لمقاومة اليأس والقنوط وروح الإحباط التي تزرعها الأنظمة الرسمية في نفوس أبناء الأمة، ولرفض العمالة والتحالفات الظلامية مع القوى المستكبرة والمقسمة للأمة لصالح أعدائها.
3. إنه لتحية الصمود الإسلامي الذي يجسّده حزب الله لبنان، وحماس وكل جماهير الأمة المؤمنة الواعية في وجه المخططات الاستكبارية المدمرة وحملات الإبادة المعنوية لإرادة الصمود لأبناء الأمة الغيارى والمجاهدة. الأمر الذي يذهب إليه الوهم الأمريكي والإسرائيلي الكاذب.
4. يوم القدس لإحداث فاصل مائز بين تخاذل عدد من أنظمة الأمة الحاكمة في موقفها الاستسلامي والتآمري على مصلحة الأمة وهويتها وبين موقف الجماهير الباسلة الذي يصر على مقارعة المعتدين. إنه لخلق حاجز من وعي الجماهير وثوريتها وحضورها الفاعل في قضاياها عن التلاعب الرسمي من كثير من أنظمة الحكم في الأمة بهذه القضايا والمساومة الرخيصة عليها وتصفيتها لصالح أعداء الأمة.
واليوم هو يوم القدس العالمي والجماهير المؤمنة والمقاومة مدعوّة للمشاركة فيه بكل جدية وانضباط وإخلاص والعمل على إنجاح أهدافه.
إنه يوم من تخطيط قائد عظيم قدّر كيف سيكون مسار القضية بيد الكثير من الأنظمة الرسمية في الأمة فأراد أن لا تكون القضية رهن الإرادة الخائرة لتلك الأنظمة وأن يكون لإرادة الأمة حضورها الفاعل في كل قضاياها(14).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الأخيار، ربنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا إنا نسألك خير ما نرجو وما لا نرجو، ونعوذ بك من شر ما نحذر وما لا نحذر، يا من لا خير إلا منه، ولا شر إلا بعد إذنه، يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(15)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – جمع ناضر الوجه.
2 – ميزان الحكمة ج 10 ص 703.
3 – يطرح كلامه في صيغة سؤال.
4 – بلغ، رشد.
5 – المصدر نفسه.
6 – المصدر نفسه.
7 – المصدر ص 706.
8 – المصدر نفسه.
9 – المصدر نفسه.
10 – المصدر ص 707.
11 – المصدر نفسه.
12 – المصدر نفسه.
13 – هتاف جموع المصلين بـ (معكم معكم يا علماء).
14 – هتاف جموع المصلين بـ (لبيك يا روح الله).
15 – 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى