خطبة عيد الأضحى المبارك 10 ذو الحجة 1425هـ – 21 يناير 2005م

مواضيع الخطبة:

حياة الدنيا وحياة البعث والنشور والقيام + الإسلاميون والديموقراطية (تكملة)


الخطبة الأولى

الحمدلله الذي لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا تلتبس عليه اللوابس، ولا يفوت علمه شيء، ولا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير.
أشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، والصبر على ما قد تستثقله النفس البطيئة عن خيرها من طاعته، وعما قد تهفو إليه وتستمرئه النفس الأمارة بالسوء من معصيته. ولا تستثقل نفسٌ من طاعة الله شيئاً إلا جهلاً بحقه، ولتفريطٍ في ترويضها على طريق الكمال. ولا تتعلق بشيءٍ من معصيته إلا سفهاً منها، ولتهاونٍ في تأديبها عن الحرام. فلنأخذ بالنفس على طريق معرفة الله واستشعار عظمته، وجميل منه وإحسانه، وجليل مثوبته، وكبير عقوبته. ولنجدَّ في تهذيبها من الرذائل، وترويضها على اكتساب المآثر والفضائل، فالنفس كلما نقت وكملت اتجهت إلى الله وطابت لها طاعته، وكلما خبثت ودخلها النقص انحرفت عنه جلّ وعلا، وهانت عليه معصيته.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وصحح رؤانا، وأيقظ عزائم الخير فينا، وقوِّ على طريق طاعتك إرادتنا، وثبطنا عن معصيتك، وكره إلينا ما فيه غضبك.
اللهم صل على محمدٍ وآل محمد، أفضل ما صليت على أحد من أنبيائك ورسلك وأوليائك وأصفيائك.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأطايب، فإن يوماً ينتظرنا على كل طريق، ونحن نسعى إليه بكل نفسٍ في زفيرٍ وشهيق. يومٌ لحياةٍ بين حياتين، هما: حياة الدنيا وحياة البعث والنشور والقيام. حياةٌ هي برزخٌ بين الحياتين، فمتى لحظة هذه الحياة؟! لا أدري، لا يدري، لا تدري. الكل في توقعٍ، والكل في انتظار، والباب قد يطرقه طارق الرحيل في أي لحظةٍ من ليلٍ أو نهار، وكل ساعة، بل كل لحظةٍ وطرفة عين يحتمل فيها النداء بالرحيل. وما الأمر إلا كن فيكون.
وقد ينسينا الأمر الكبير هذا تدفق حيويةٍ في شابةٍ أو شابة،طموحات الدنيا، صراعاتها، هموما، ومشاكلها، ومآسيها.. ولكن وإن نلبث كذلك غافلين، لابد أن تستلفت نظرنا خاطرة النداء بالرحيل، ولحظة الإرغام على مغادرة هذه الحياة. هناك لحظة نرغم فيها على مغادرة الحياة، خاطرة هذه اللحظة تدخل القلوب بين حينٍ وحين، وتفرض نفسها عليّ وعليك بين فينةٍ وأخرى، لتستبدّ بنا مشاعر عالمٍ آخر، لا يبقى لنا فيه شيءٌ من ضرورات دنيانا الحاضرة، التي نجمع لها ونسعى وراءها بكل جدٍ واجتهاد فعند مفارقة النفس الأخير تنقطع حاجاتنا في هذه الدنيا، فلا حاجة إلى طعامٍ ولا شراب، ولا هواءٍ، ولا غرفٍ، ولا أسرّةٍ، ولا لباسٍ، ولا رياش. وعندئد لا هموم من هموم الدنيا، ولا معاناة من معاناتها، وإنما تستجد مكانها همومٌ وأحزانٌ ومخاوف مما يتصل وشأن الآخرة، وعالم الروح وما يناسبهما.
متى لحظةٍ الموت؟ أبعد خمس دقائق، أبعد عشرين سنة؟ لا أدري، لا تدري، لا يدري. وسواءٌ نسينا يوم رحيلنا من هذه الحياة أو كنا على ذكرٍ دائمٍ منه، فإنه يوافينا ونوافيه، وهو قدرٌ جارٍ علينا لا يدفع ولا يمنع، ونحن ليومنا مودعون، وعلى غدنا مقبلون.
كل لحظة، كل نفسٍ يعني توديعاً لهذه الحياة، وإقبالاً على الحياة الأخرى. واليوم المنتظر زخّارٌ بالخير والشر الذي يصنعه حاضرنا في هذه الحياة، وإن ساعة الخاتمة التي تسبق المعاينة للموت لا توبة فيها. حينما تعاين نفسٌ الموت، وتبلغ الروح الحلقوم، فلا توبة ولا أوبة. مسرح التوبة والأوبة قبل تلك اللحظة.
وإن ساعة الخاتمة التي تسبق المعاينة للموت ساعةٌ مصيريةٌ حاسمة، تحدد نوع المستقبل الكبير الممتد، فيكون تابعاً لما ترسمه من طريق السعادة والشقاء. فأن تكون ساعة طاعةٍ وإقبالٍ على الله سبحانه وتعالى، فتلك السعادة، أو تكون ساعة معصيةٍ وإدبارٍ عنه عزّ وجل إلى ضلالٍ، فذلك هو الشقاء.
لقد جاء زلزال المحيط الهندي، وكان الناس أصنافاً وأشتاتاً فيما كانوا يعملون وقته، فربما جاء على أناسٍ وهم في فسقهم وفجورهم غارقون، وعلى آخرين قد شغلهم ذكر الله عن ذكر الناس، والتوجه إليه عن كل ما عداه، فما أعظم الفرق بين ساعة أولئك وساعة هؤلاء! وما كان لأحدٍ ممن ظلم نفسه وقد أحاط به الموت، وبلغت روحه مبلغ النَفسَ، وأيقن بالمنية التي أنشبت مخالبها فيه أن يتوب توبةً مسموعة، أو أن يؤوب أوبةً مقبولة. وهل الباقون من بعد أهل الزلزال – في أي مكانٍ – في منجىً حتميٍ من حدث الزلزال وغير الزلزال، مما قد يفاجئ الناس أفراداً وجماعات في أي حينٍ من الأحيان؟! نعم، يأتي الموت على الناس مصلين صائمين تالين ذاكرين متفقهين محسنين، ويأتي عليهم سارقين زانين مغتابين كاذبين ظالمين مسيئين، ليذهب كلٌ بعمله، وتقوده خاتمته إلى سعادته وشقائه.
أيها المؤمنين والمؤمنات، تعالوا لا ننس الآخرة، فإن يومها لا ينسانا، ومن نسي الآخرة ضلَّ عمله عن الطريق، واستنزفت مشاعره مشاغل الدنيا الصغيرة.
تعالوا لا يشغلنا عن يومها شاغل، فإن يوم الرحيل ربما انتزعنا على بغتةٍ من كل شاغل. تعالوا لا نقل للآخرة عندنا مواعيد للدنيا، عندنا مهماتٌ دنيوية، فإن كل ذلك يتبخر حتماً بالموت في لحظةٍ غير محسوبةٍ ولا متوقعة.
يقول رجائي – رحمه الله –: “لا تقل للصلاة عندي شغل، وقل للشغل عندي صلاة”.
تعالوا نعمل في الدنيا ونعمرها، ونستخرج خيرات الأرض ونغن بها، ونطلب الصحة والقوة، ولكن من أجل الآخرة.
الموت شيءٌ وهو أن تفارق الروح البدن، والوفاة شيءٌ آخر، وهي أن تُسْتكَملَ الروح قبضاً وحفظا، لتُستنطق وتُبعث، وتُنشر، وتُحشر، وتُجازى، وهما حقيقتان متغايرتان ثابتتان، ومحاولة هروب الشعور منهما لا تغني، ولا يلغيهما أن يُنسِيَ الإنسان نفسه أنه سيموت، أنه سيتوفى، ولن يحمِيَ من آثارها أن يتسلّى الإنسان بالأوهام والآمال.
وفكرة الموت والوفاة في طرح الدين لالتسلبنا راحة الحياة وتقلقنا فيها، ولا لتهير العزيمة، وتقتل الأمل، وإنما لتقوّم الحياة، وتعطينا الطمأنينة، وتنشر العدالة، وتشدّ العزيمة، وتحيي الأمل، وتبعث الرجاء، وترشّد الخطى، وتمنع من الزيغ، وتحمي من الظلم ومن الانهيار، وهي لا تمنع من لذةٍ إلا ما أعقبتها حسرة – أي لذةٍ تمنع منها فكرة الآخرة؟! اللذة التي تعقبها حسرة، هذه اللذة التي تمنع منها لذة الآخرة، وتحول بينك بينها فكرة الآخرة، ولا من خيرٍ إلا ما كان في باطنه الشر.
فكرة الآخرة تهذّب ولا تعرقل وتنقي وتقوّم ولا تعطل. وفكرة الآخرة تحمي الأغرار من الأشرار (1)لخوف النار وغضب الجبار، وتذود المجتمعات الآخذة بها من شقاء اليوم قبل شقاء الغد.
والموت لاذلال كل جبارٍ عنيد، وكسر غرور المغرورين، “وقهر عباده بالموت والفناء”. والوفاة لأن تعدّ للمستقبل بتهذيب النفس والاستقامة.
وإذا قست النفوس فلم تهتز لموت الأفراد، جاءت آيةٌ لتحصُدَ الألوف ومئات الألوف، لينتبه غافل، ويستيقظ نائمون، وهكذا يفعل الزلزال والبركان والفيضان، وإن لم تكن يقظةٌ فحجة. حدث الزلزال والبركان والفيضان والوباءات، هي أجراسٌ مزلزلة، تقتحم عليك مشاعرك وتنقلك من كل ما يشغلك من الدنيا، لتلفت نظرك إلى فكرة الآخرة.
ألا إن الربح كل الربح أن نطلب الآخرة بالدنيا، ولا نطلب الدنيا بالآخرة، ولا نكون فيها بهائم تعتلف وتكترش ثم تموت. أحياة الإنسان هي أن يعتلف ويكترش ويموت، وانتهى الأمر؟! لا، إن لنا لحياة طويلة في امتداد. نحن جئنا لا لننتهي، جئنا لنموت، ولكن لا لننتهي، لأن الموت ليس النهاية. الموت معه وفاة، والوفاة أن تبقى الروح محفوظة عند ربها لتحاسب.
اللهم صل على محمدٍ وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم لا تجعل الدنيا همّنا، واجعل حظنا منها فوز الآخرة ورضاك عنّا يا كريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4))


الخطبة الثانية

الحمدلله الأول والآخر، والباطن والظاهر، الذي لايُدرك في بطونه، ولا يخفى في ظهوره، وليس له نظير ولا شبيه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وطلب الكرامة بها، لا بما تواضع عليه أهل الجاهلية والهوى، ففي كلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”فمن أخذ بالتقوى هطلت عليه الكرامة بعد قحوطها، وتحدّبت عليه الرحمة بعد نفورها، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها، ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها.”(2) بعد أن تكون البركة رذاذا خفيفا تتحول بالتقوى إلى وابل غزير على الفرد، على الأسرة، على الأمة، على الإنسانية بكاملها.
فما أعظم التقوى وهي تتدفق على صاحبها بالكرامة تدفقاً، وتعطف عليه الرحمة عطفا، وتفجر النعم تفجيرا، وتجعل البركة عليه وابلا غزيرا.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وارزقنا التقوى وخيرها وبركاتها، وجنبنا المعاصي وتبعاتها، واكتبنا عندك محسنين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على خاتم رسلك وأنبيائك محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
وعلى الأئمة المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرك المنتظر القائم، وحفه بملائتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الملأ الكريم المؤمن المبارك فبعد التذكير بأهمية الأُضحية وثوابها وما ينبغي لنا من إحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وآله التي يحيى بها المجتمع المؤمن نأتي إلى متابعة لحديث
 (الديموقراطية والإسلاميون) وكان قد تقدم فيه كلام:
تقدّم في خطبة الجمعة السابقة أن هناك وضعا طبيعيا للمجتمع المسلم، ووضعا استثنائيا.
هناك مجتمع مسلم يؤمن بالإسلام في كل ما جاء به، ويأخذ به في كل مجالات الحياة. مجتمع خال من الفئات المعارضة للإسلام، والمنادية بأطروحات أخرى. مجتمع لم تؤثر عليه الثقافة الجاهلَّية، ولم تلوّن أفكاره ولا مشاعره. هذا مجتمع يمثّل الحالة الطبيعية للمجتمع الإسلامي.
مجتمع آخر يؤمن بالإسلام بدرجة وأخرى، وفيه مخلصون ومؤمنون بالإسلام إيمانا كاملاً، ولكن فيه فئات قد بهرها الطرح الجاهلي، وتسلل إلى عقولها وأفئدتها، وقبلت به مستغفلة أو معاندة. مجتمع لا يخلو من دعوات لتحكيم غير الإسلام في الشأن العام. هذا المجتمع يمثل حالة استثنائية للمجتمع المسلم.
والتعامل مع المجتمع الأول يختلف مع التعامل مع المجتمع الثاني فإن اختلاف الموضوعين يخالف بين الحكمين. هذه نقطة نحتاجها في الحديث.
النقطة الأخرى: أن الحاكمية حاكميتان: حاكمية شرعية، وحاكمية فعلية، قد تجتمع الحاكميتان لشخص وقد تفترقان.
النبي الأعظم صلى الله عليه وآله كانت له الحاكميتان، الحاكمية الشرعية والحاكمية الفعلية، فلقد كان النبي صلى الله عليه وآله حاكما بأمر الله عز وجل قبله الناس أو لم يقبلوه، بايعوه أو لم يبايعوه، فهو حاكم من الناحية الشرعية على كل تقدبر.
وقد كان يمارس الحكومة فعلا وعلى الأرض ذلك بمبايعة المؤمنين له، وإعطائهم له النصرة.
والحكومة دائما تحتاج إلى بيعة ونصرة، وتحتاج إلى ألسن، وسيوف.
أمير المؤمنين عليه السلام كان حاكما بالنظر الشرعي في زمن أبي بكر وعمر وعثمان، ولكنه لم يكن حاكما من ناحية فعلية، واجتمعت له الحكومة الشرعية والفعلية بعد عثمان، وعاش أئمة أطهار بعد أمير المؤمنين عليه السلام والحسن بن علي عليه السلام أئمة شرعيين ولكن ليست لهم حكومة فعلية في الأرض.
ثبوت الحكومة شرعا لايتوقف على رأي أقلية ولا أغلبية ولا على سيف ولا رمح، أما الحكومة الفعلية فيمكن أن تتوقف على رأي الأغلبية، وعلى السيف والرمح. هذه نقطة.
وقد فرغنا من أن الأغلبية في الإسلام لاتُعطي الشرعية، ولا تولدها ولا تستبعها. الشرعية إما ثابتة قبل الأغلبية أو مفقودة قبل الأغلبية، وبعد الأغلبية.
أما صناديق الاقتراع التي يرتضيها الفقهاء ففي الحالة الطبيعية للمجتمع الإسلامي التي تحدثنا عنها تمثل أسلوبا من أساليب البيعة. إذا كان المجتمع مجتمعا إسلاميا، لا يهوى غير الإسلام، ولايأخذ بغير الإسلام، وكل انشداده للإسلام فلماذا صناديق الاقتراع؟
تأتي مسألة صناديق الاقتراع لا للتصويت على النظام، لا للتصويت على الأخذ بالأطروحة، وأن الأطروحة الحاكمة هي الإسلام أو غير الإسلام، إنما يأتي التصويت في هذه الحالة على الحاكم، على الفقيه المتولي، وذلك حين يكون عندنا أكثر من فقيه، وكل منهما كفؤ أو يوى لنفسه الكفاءة، وكل منهما قد رشّح نفسه للحكومة، فحينئذ نحتاج إلى صناديق الاقتراع لتعين الحاكم الفعلي من هذين الشخصين اللذين يتمتع كل منهما بالحاكمية الشرعية أو يرى لنفسه ذلك. هذان فقيهان كفؤان ومتساويان أو غير متساويين، فلاختلافهما على الحكومة الفعلية يكون الاقتراع.
أما في حالة المجتمع الذي تدخل في نسيجه فئات لاتؤمن بالحكم الإسلامي، وتؤمن بأطروحات أخرى، فالحكم عند الله للإسلام، وليس لأطروحة أخرى، لكن كيف يكون الحكم من ناحية فعلية للأطروحة الإسلامية في هذا المجتمع الذي فيه تيّار صغر أو كبر يؤمن بغير الإسلام ويحارب من أجل الاسلام؟ هنا يأتي دور صناديق الاقتراع لتحديد مسألتين:
المسألة الأولى: مسألة الأطروحة الحاكمة، الحكم للإسلام أو لغير الإسلام، وهذا قد صوّت عليه في إيران، وتحت إشراف السيد الإمام ذلك لوجود بعض الأصوات النشاز، ولوجود توجّه عالمي جاهلي لرفض الإسلام، فحتى يُسكت الإمام هذه الأطراف طرح مسألة حكم الإسلام للتصويت.
فيكون التصويت في الحالة الاستثنائية للمجتمع الإسلامي على مسألتين: مسألة أن يكون الحكم للإسلام أو لغيره.
ثم مسألة من هو الحاكم الذي يحكم باسم الإسلام. فصناديق الاقتراع يمكن أن يأتي دورها في الحالة الطبيعية، وكذلك في الحالة الاستثنائية.
في الحالة الطبيعية لتعيين شخص الحاكم، وفي الحالة الاستثنائية لإعطاء الأطروحة الإسلامية الحكم الفعلي، ولتعيين شخص الحاكم.
أكتفي بهذا القدر لضيق الوقت، وسأحاول أن أكمل بقايا الحديث في خطبة الجمعة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا، ومن أحسن إلينا إحسانا خاصاًّ من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. اللهم اجعل حبنا من حبك، وبغضنا من بغضك، ورضانا من رضاك، وغضبنا من غضبك، وإرادتنا من إرادتك، وهوانا في طاعتك، وارحما برحمة الدنيا والآخرة ياكريم يارحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــ
1 – متى يستوي الفكر عند المرء؟! متى يتوقّد فكره؟! متى يتم إدراكه للمصلحة والمفسدة؟! بعد ردحٍ من العمر طويل، لكن إذا دخلته فكرة الآخرة مبكراً وخاف الله، حماه ذلك من كثيرٍ من كيد الأشرار الذين يريدون به سوءاً
2 – ميزان الحكمة ج.1 ص 630

 

زر الذهاب إلى الأعلى