خطبة الجمعة (84) 3 رمضان 1423هـ – 8-11-2002م

مواضيع الخطبة:

الغرور -الإيمان المطلوب  –  العقبة الأولى والثانية

كان الاستقطاب للساحة الإسلامية في البحرين وغيرها لاتجاهات غير الإسلامية كما تعرفون، وما أن بدأ الإنسان المسلم يرى شيئا من إسلامه، ويسمع صوت الإسلام حتى بدأ الرفض للدخيل، وبدأت العودة للإسلام فكان ما نسميه بالصحوة. والصحوة تعني استيقاظ الإنسان المسلم على شيء من عظمة إسلامه

الخطبة الأولى

الحمد لله مالك الموت والحياة، مصرّف الدهور، ومدبر الأمور، وباعث من في القبور. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له وليّ من الذل وكبره تكبيرا.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ رؤوف بالمؤمنين رحيم ودود، صلى الله عليه وآله وزادهم شرفاً وكرامة وسرورا.

عباد الله اتقوا الله {إن المتقيين في ظلال وعيون، وفواكه مما يشتهون. كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون، إنا كذلك نجزي المحسنين} وبرهان التقوى العمل الصالح، والوقوف عند الشبهات، فضلاً عن التجافي عن المحرمات.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا واخواننا المؤمنين والمؤمنات التقوى، ووفقنا للطاعة والزلفى.

أما بعد فعودة إلى الحديث عن شهر رمضان المبارك، وفيه وقفة مع أكثر من نص:

1. قوله تبارك وتعالى:
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. عند المهمات الوطنية يأتي نداء أيها المواطنون، يا أهل اليابان هبوا للدفاع عن اليابان، يا أهل البلد الفلاني هبوا دفاعاً عن بلدكم، يأتي نداء يا أيها الأتراك لقضية تهم الأتراك، وترتبط بهم بما هم أتراك، يا أيها العرب لتحفيز الشعور بالعروبة من أجل قضية تهم العرب بما هم عرب.

هل ترون من نداء يحمل مضمونا أغنى من مضمون يا أيها الذين آمنوا؟! يصلح قاعدة للتكليف والسمو أكثر، أو مثل نداء يا أيها الذين آمنوا؟! هل ترون نداءا له من المضمون والقداسة والسمو والرفعة والصدق والأصالة والنتيجة الرابحة كما لمضمون يا أيها الذين آمنوا؟ هل يحفزك للعمل لتحمل المسؤولية، للانطلاق على الدرب الصعب نداء كنداء يا أيها الذين آمنوا؟ هل يقف عقلك مع الاندفاعة وتقف فطرتك مع الاندفاعة، ويقف وجدانك الطاهر مع الاندفاعة، وتقف مصلحتك مع الاندفاعة كما يقف كل ذلك مع الاندفاعة المترتبة على نداء يا أيها الذين آمنوا؟ لئن كان أحدنا يوازي بين مضمون أي نداء وبين مضمون هذا النداء فهو ليس بالمؤمن الحق، وكلما وجد أحدنا فتورا في نفسه، وانخفاضا في درجة الاندفاعة والانطلاقة وهو يسمع هذا النداء مهما كان المنادى من أجله، ومهما كانت صعوبته، ومهما كانت مشقة الطريق؛ فإن عليه أن يعود لإيمانه فإن إيمانه يشكو من ضعف. أما النبي صلى الله عليه وآله، عليٌ عليه السلام، الأئمة، الأصحاب الذين دخلهم الإيمان صدقا وحقا، حينما يسمعون نداء يا أيها الذين آمنوا تنطلق حناجرهم وتجيب قلوبهم سواء انطلقت الحناجرة أو لم تنطلق لبيك اللهم لبيك.

صعود جبل، دخول محيط، أن يتكئ على السيف ببطنه ليخرج من ظهره، أن يلقي بنفسه من شاهق، أن يقتحم غمرة الموت وقبل أن يلتفت إلى ما هو المنادى من أجله يقول وبدون أي شرط لبيك اللهم لبيك. الإيمان إيمان بالمالكية المطلقة من قبل الله للعبد، وبالمملوكية المطلقة المكتوبة على العبد والثابتة عليه، وهي مملوكية لله سبحانه وتعالى. الإيمان إيمان بخالق، رازق، مدبر، لا تقوم حياتي إلا به، ولا خير ولا ضر يمكن أن يصل إلي إلا بإذنه، إيمان بالكامل الغني غير المحتاج، بالرؤوف الرحيم، بالعليم الخبير، بما هو أعلم مني بنفسي، وأشفق علي من نفسي، إذاً لماذا لو آمنت حقا وصدقا لا أبادر بقولي لبيك اللهم لبيك صادقاً؟! ولكنه ضعف الإيمان.

• الإيمان قاعدة السمو والتكليف.

أنت حين تؤمن بالله فأنت تؤمن بالمثل الأعلى المطلق الذي لا يساويه مثل أعلى وهذا يضعك على طريق السمو والرفعة، وحين تؤمن بالله تؤمن بواجب الشكر له، وتؤمن بأن عليك أن تضع الخطى على الدرب إليه، وهذا منشأ التكليف فإن الصعود مُكْلِفٌ، وإن البناء والأخذ بالذات إلى الآفاق العلوية يحتاج إلى صبر وجهد مضنيين. والصوم حسب قوله سبحانه (لعلكم تتقون) إنما هو ليقظة الروح وحيويتها.

الأحاديث المتلقاة عن طريق أهل البيت عليهم السلام وغيرهم تؤكد فوائد جمة للصوم، منها الاجتماعي، ومنها الصحي، ومنها غير ذلك، إلاّ أن الآية الكريمة تركز على أمر واحد وهو (لعلكم تتقون) لا إلغاء لتلك الفوائد وإنما لأن الهدف الأكبر من كل عبادة، ومن كل جهاد ومن كل الحياة بناء هذه الذات، والتي لا تنبني قويمة، ولا تنبني متينة إلا على درب الله، ومن خلال منهج الله، والصوم وحدة في المنهج الإلهي التربوي العظيم. فلا يكونن لنا هدف من شهر رمضان أكبر من هذا الهدف (لعلكم تتقون) والنفس التي تتقي الله عز وجل تكون قد رأت من عظمته ما يجعلها تتقيه، وتكون قد سمت وشفّت ورقّت وطهرت بالمقدار الذي يؤهله لأن تتقيه.

ولا يقظة مع الصوم عن المباح، والإفطار على المحرم كالغيبة والنميمة والكذب وأكل المال الحرام. أما الكذب على الله ورسوله فهو مفطّر كما تعرفون. الصوم الذي يبني الروح، الذي تشفّ معه… تتخلّص بمعونته بفضل الله عز وجل من كثير من قذاراتها، ومن كثير من ظلماتها هو صوم ليس عن المباح فقط، كالأكل والشرب، وإنما هو عن كل محرم، كيف تصفو نفس؟! وكيف ترقى روح تمتنع عن الأكل إلا أنها تمارس الغيبة، تقارف المحرم؟! فالصوم عملية مجاهدة واسعة على مستوى كل الأبعاد من أجل رقي الروح… من أجل صفائها.

2. عن الرسول (ص): لو يعلم العبد ما في رمضان لود أن يكون رمضان السنة. الآن رمضان شهر واحد، لو علم أحدنا ما في رمضان من الخير، من البركة، من المغفرة، من فرص النمو والرقي، من عطاءات ذي الجلال والإكرام، من نتائج كبيرة رابحة يراها العبد في نفسه في الدنيا، ويراها يوم الحساب لود أن يكون رمضان السنة كل السنة، وأن يكون الصوم ليس لشهر واحد إنما لتمام السنة.

إنما نزهد في الآخرة، ونقدم الدنيا جهلاً، ولأننا نبصر بعين البدن، ولا نبصر بين الروح. أما الذين يقدمون الآخرة على الدنيا فلأن لهم بصيرة ترى الدنيا على ماهي، وترى من الآخرة الشيء العظيم. فالمسألة مسألة معرفة وتربية، مسألة بصيرة، فمن اكتسب البصيرة قدم الأهم على المهم، ومن فقد البصيرة تشاغل بما هو دونْ ونحن نتشاغل بما هو دون… بهذه الدنيا عن الآخرة لأن ليس لنا البصيرة الكافية، وليس لنا المعرفة التامة. فهذا يلقى علينا واجبا؛ وهو أن ندرس الإسلام، أن نتأمل كثيرا، أن نبني ثقافة في ضوء القرآن والسنة، أن نربي فينا بصيرة ترى الخير خيرا والشر شرا، وترمي بلحاظها إلى البعيد من دون أن تقف دائما عندما هو على بعد خطوات من موقف الشخص.

وإذا كانت السنة كلها رمضان فهي مرهقة للبدن، متطلبة جهدا، تأخذ من الإنسان ما تأخذ من بدنه، وتفرض عليه صبرا شديدا مقاوما، فمن أين له أن يتوفر على كل هذا الصبر؟ والكثير منا يعاني من صوم شهر رمضان وحده، الحديث يقول: (لو يعلم العبد ما في رمضان…) الأمر يقوم على العلم وعندما تكبر الغايات وعندما يشتد الشوق إلى الغاية تكون الخطى ميسورة، ويكون الصعب سهلا، الذين يجاهدون بأنفسهم ويلاقون الموت سعيا على الرأس لا سعيا على القدم، ويطلبون الموت بإرادتهم في سبيل الله لا يعانون ما يعانيه الجبناء، ولا يعانون ما يعانيه الجاهل، وقد لا يكون الشخص شجاعا بطبيعته ولكن بما يعرف من مقام الجهاد، وبما يحصل له من تصديق بوعد الله يتحول إلى انسان شجاع (1).

3. عن زين العابدين (ع) دعاء 45: السلام عليك –يخاطب الشهر الكريم- ما كان أطولك على المجرمين، وأهيبك في صدور المؤمنين. العمل الصالح، الاستقامة ترفع مستوى الذات، تجعل لها من القابليات ما يتحمل التكاليف الصعبة. والإجرام يسلك بالذات إلى الطريق المنحدر، يهوي بقابلياتها، يسقط من وزن الإنسان شيئا فشيئا، يأتي على قابليات الذات لتكون القابليات المنهدة، وليكون الكيان الإنساني المبني بناء رصيناً شيئا مهلهلا، فمن أراد أن يبني ذاتا قوية وشخصية متينة فلن يجد الطريق الصالح لهذا البناء أكثر من طريق الإيمان. يطول شهر رمضان على المجرمين لأن النفس التي تتركز في داخلهم نفس حيوانية، نفس مأسورة للشهوات والرغبات الدنيوية، لا يحملون العقل الحكيم، وليس لهم نظر إلى الله و إلى الآخرة، وليس لهم المستوى الانساني الذي يصبر على درب المعنويات، وشهر رمضان من جهة أخرى له هيبة كبرى في صدور المؤمنين. يثقل شهر رمضان والدين كله يثقل على النفس بمقدار ما تهبط، وتفقد الروح حضورها، والمجرم في تباعد دائم عن الله عز وجل وخسارة مستمرة للبصيرة، والمؤمنون تملأ صدورهم الهيبة من شهر رمضان ومن أي تكليف آخر يأتي من الله عز وجل، هيبة من الله، وإجلالاً لله، خوفا من التقصير، وهم يعيشون دائما الشعور بأن شكرهم ليس بالشكر، وأن طاعتهم ليست بالطاعة التي تليق بالتعامل مع الله سبحانه وتعالى.

4. عن أبي عبدالله عليه السلام: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك – وعدد أشياء غير هذا وقال-: لا يكون يوم صومك كيوم فطرك). لا يصح أن يستوي اليومان: يوم الصوم ويوم الفطر. والإنسان المسلم في كل يوم يعيش الشعور الكبير بالمسؤولية، وفي كل يوم يخوض معركة جهاد مع الذات، وفي كل يوم تملأ صدره هيبة ذي الجلال والإكرام، ولكن شهر رمضان لأنه موسم مختار من الله سبحانه وتعالى، ولأنه مدرسة الروح التي عبئت بالأجواء المساعدة، ولأنه التجربة التي تتكثف فيها العبادة والتي نودي فيها المؤمنون يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام فُرض، ثبت، وجب ولأنه الشهر الذي تغل فيه الشياطين، ويكثر فيه نزول الملائكة كما قد يكون في الأخبار، كان يوم الصوم غير يوم الفطر، ومسؤولية يوم الصوم أكبر من مسؤولية يوم الفطر على أن يوما ما من العمر لا يستهان فيه بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، ونفس الأتقياء دائما في نظر إلى الله، وتعيش الشعور بمراقبة الله. لكن أنتم تجدون أن النفس تكتسب فيها الروح حضورا أكبر، والشعور بالمحاسبة في شهر رمضان للكلمة، للنظرة، للهاجس تكون أشدّ، لا أدري من أين يأتي هذا الشعور الخاص عند الصائم سواء كان صومه في شهر رمضان أو كان صومه في غير شهر رمضان. من أين يأتيه هذا الشعور المرهف؟ هذا الحس الدقيق، ذو الحضور الفعّال، شعور الروح، شعور القيمة الإنسانية، شعور الارتباط بالله، شعور الآخرة. كأنّ هناك ربطا تكوينيا بين يوم الصوم وبين حضور الروح وفاعليتها،وهو مما يزيد في المسؤولية، لأن التحمل للمسؤولية يكبر عند الإنسان حين تحضر روحه، وحين تكون هذه الروح أكثر درجة في الصفاء.

5. عن رسول الله (ص): أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب.

هذا الذي نستكثره ونستعظمه هو أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه، وأما الأمور الأخرى فتعني ملاحقة كل جارحة لتوضع على الطريق المرضي لله من بصر، سمع، يد، رجل، لسان، بشر، جلد، أي جزء، أي حاسة، أي لحظة، لا بد من ملاحقتها لتكون على طريق الطاعة لله عز وجل وطلب رضوانه. صوم أعمق هو الصوم عن الاشتغال بغير الله في داخل الإنسان، أن يكون قلب الإنسان مع الله، روحه متجهة إلى الله، الجمال الذي يشغله جمال الله، الهيبة التي تأخذ عليه كل أركانه هي هيبة الله، الرضا الذي لا يشتغل بدونه هو رضا الله، هذا صوم عن المخلوقين، صوم عن الدنيا، واتجاه بالكامل، وانشداد بالتمام إلى الله، هذا هو صومهم صلوات الله وسلامه عليهم فيما نراه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا واخواننا المؤمنين والمؤمنات منهم، ولا تجعلنا من عدوّهم، واغفر لنا جميعاً في الدنيا والآخرة واكتبنا في الصالحين يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ ما كان وما يكون، وما كبر أو صغر، وما ظهر أو بطن، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذلت لقدرته الصعاب، وتسببت بلطفه الأسباب، وجرت بمشيئته الأشياء، وقهرها منه القضاء.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رسالته خالدة، وشريعته ثابتة، وطاعته واجبة، صلَّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

عباد الله أوصيكم ونفسي الغافلة بتقوى الله، ومجاهدة الهوى، والشيطان الرَّجيم، وأن لا يكون لنا مبتغىً فيه غضب الجبار، ولا مطمع من مطامع الأشرار، ولا موقف يجرُّ إلى العار، ومهاوي النار.

ولننظر إلى أنفسنا فإنها أغلى من الدنيا فلا تُشترى بها، ولا نذوب فيها، ولا نسقط أمام زينتها وإغرائها.
اللهم أعنّا على أنفسنا، ولا تجعل للدنيا سلطاناً عليها. اللهم صلّ وسلّم على السراج المنير، والبشير النذير، والصادق الأمين محمد وآله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على يعسوب الدين، وإمام المتقين، عليٍ أمير المؤمنين. اللهم صلّ وسلّم على أمتك الزكية فاطمة الهادية المهدية. اللهم صلّ وسلّم على الإمامين الرشيدين، والسبطين الطاهرين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين، اللهم صلّ وسلّم على أئمة الهدى، وقادة الورى علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأولياء الأتقياء.

اللهم صلّ وسلّم على الإمام الرضي، والقائد المهدي، المجتبى والمؤتمن محمد القائم بن الحسن. اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، واملأ به الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً يا عزيز يا حليم.

اللهم عبدك الموالي له، المعادي لأعدائه، الممهد لدولته، والفقهاء الأتقياء، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين في سبيل الله وفقهم لمراضيك، سدد خطاهم، اكتب لهم النصر والغلبة على كل معاد لدينك، وضارٍ بعبادك.

أما بعد فهذه بعض قضايا وملاحظات:
القضية الأولى: شعبٌ معزول أم مسؤول؟

1. جرت الانتخابات وانتهت وأسأل:

الانتخابات تعطي للشعوب إجازة من حيث المسؤولية أم تضاعفها….. الذين صوتوا للنواب هل انتهى دورهم السياسي ودخلوا في عطلة؟ وأعطوا التفويض الكامل في التصرف في المصير دنياً وآخرة، أم أنّ هؤلاء تضاعفت مسؤوليتهم وصاروا اليوم يتحمّلون من مسؤولية الدين والدنيا، ومسؤولية حاضر هذا الوطن ومستقبله أكثر مما كانوا يتحمّلون؟ الصحيح هو الثاني، وأنّ مسؤولية الناخبين قد كبُرت، وأنّ الشعب قد تضاعفت مسؤوليته، وأن النوم لا يصح في حقه، وأن لا عطلة ولا إجازة من حيث مسؤوليته.

اليوم صارت القوانين تسن باسمه ولو بنحو من الشراكة المحدودة، كان القانون أمس يسن باسم الحكومة، ومن قبلها، ويعتذر الشعب أن القانون يفرض عليه فرضا، واليوم هناك بعض شراكة وإن كانت الشراكة المحدودة وهناك فرصة التعبير والنقد عند النواب، وإعلان الرأي، فإن يقصر نائب في ذلك أو يعطي صوته لقانون غير عادل؛ لقانون يضر بدنيا الناس أو دينهم فقد أعطى كل ناخبيه صوتهم لهذا القانون إذا لم يلاحقوا، يراقبوا، يحاسبوا النائب. على أن النواب وإن انتخبهم من انتخبهم ولم ينتخبهم آخرون إنما يدخلون المجلس ليمثلوا الشعب بكامله، من نطق ومن صمت، وعلى الكل يوم أن يعطي النائب صوته لغير الحق أن ينطق، ولا يجوز لأيٍّ أن يسكت ما دامت تسع الكلمة. واليوم تكون الممارسات السياسية والإدارية ممضاه من نوابه ما لم يعلنوا الرأي فيها، ويكشفوا عن سقيمها من صحيحها.

النواب لهم دور رقابي، وإن لم يصل من ناحية عملية فعلية إلى حد إسقاط الثقة لما يحف بالقرار، من معوقات كما هو معروف، إلا أنه مع ذلك يوجد دور رقابي يمكن أن يخجل، يمكن أن يحرج، يمكن أن يعري؛ وهذا كله مطلوب حين تكون أخطاء، وحين تكون مخالفات تضر بهذا الشعب الذي من مسؤوليته أن يطالب النواب كل النواب عن تمثيله التمثيل الذي ينطلق من مصلحته وضميره ودينه.

2. التنويب من شعب مسلم، من شعب مؤمن تنويب لمصلحة الدين والدنيا. نحن لسنا دنياً بلا دين، ولا دينا بلا دنيا، والمسلم دائما ليس دنياً بلا دين، ولا دينا بلا دنيا، الإسلام يعمر الآخرة من خلال إعماره للدنيا، والعرب خرجوا من محنتهم الاقتصادية، وخرجوا من أسرهم في الدنيا ومن ذلتهم، وخرجوا من وهنهم وضعفهم ببركة الإسلام، فالإسلام يطلب للإنسان القوّة على كل الأصعدة النافعة، والنواب مطالبون في هذا البلد المسلم المؤمن أن يحملوا الهمّين معاً: هم المواطنين للدنيا، وهم المواطنين للآخرة. نحن لسنا رهبانا، ونحن لسنا خرافا لا تطلب أكثر من العلف، والنواب سينادون بالعلف مهملين الجانب الروحي، ومهملين سلامة الدين هم ليسوا نوابا لهذا الشعب، والنواب الذين سيترهبنون لينسوا الدنيا دنيا المواطنين هم ليسوا نواب هذا الشعب.

3. كان الاستقطاب للساحة الإسلامية في البحرين وغيرها لاتجاهات غير الإسلامية كما تعرفون، وما أن بدأ الإنسان المسلم يرى شيئا من إسلامه، ويسمع صوت الإسلام حتى بدأ الرفض للدخيل، وبدأت العودة للإسلام فكان ما نسميه بالصحوة. والصحوة تعني استيقاظ الإنسان المسلم على شيء من عظمة إسلامه، وعلى شيء من معناه هو، بما هو إنسان، وبما هو إنسان مسلم بالخصوص. والانتخابات في البلاد الإسلامية تعلن حقيقة رفض المجتمع المسلم بعد الصحوة لغير الإسلام، وإصراره على الإسلام، انتخابات الجزائر، انتخابات تونس، انتخابات تركيا، انتخابات باكستان، الانتخابات في أي بلد مسلم إذا أعطيت شيئا من الحرية فهي قادرة أن تقوم برهانا صارخا على الرفض الجماهيري الواسع من النخب وغير النخب لغير الإسلام، وأن الخيار الوحيد أصبح لا يتجاوز غير الخيار الإسلامي في فؤاد الإنسان المسلم وعلى يديه كذلك. وهذه الصحوة وهذا الخيار، وهذا الواقع علقم في فم الكافرين، وشيء مر لا تصبر عليه الحضارة المادية.

4. فلا بد من جهد عالميُّ ومحليُّ على مستوى البلاد الإسلامية كلّها وهو مكثف، ومخطط له على جميع الأصعدة للعودة بالأمة إلى حالة السبات. بدأتم تستيقظون، وفي يقظتكم خطر على الحضارة المادية، فلا بد من المخدرات التي تعود بكم إلى حالة السبات، فهل تملكون مقاومة لكل المخدرات الثقافية؟ والمخدرات السلوكية؟ ومخدر المال؟ ومخدر الجاه؟ ومخدرات قد لا نملك لها عدّاً؟ تحتاجون إلى صحوة حقيقية، تحتاجون إلى عقل يفكر، تحتاجون إلى فطرة نابهة، تحتاجون إلى نباهة ويقظة والتفات إلى عظمة هذه الأمة وأين تكون مصلحتها.

القضية الثانية: شعار حقوق المرأة:

1. هذه المزايدة على من؟ هناك مزايدة تملأ الساحة العربية كلها على المستوى الرسمي وغير الرسمي، تتعلق هذه المزايدة بحقوق المرأة، هذه المزايدة على من؟ سيبقى الإسلام أكبر راع لحقوق الإنسان ذكره وأنثاه…. والله سبحانه وتعالى وعزّ وجل ليس صديق الرجل وليس صديق المرأة، ليس صديق الرجل على حساب المرأة، وليس صديق المرأة على حساب الرجل، الله رب العباد جميعا، وهو أرأف بهم من أنفسهم، رسول الله صلى الله عليه وآله أرأف بالناس من أنفسهم فضلا عن الله سبحانه وتعالى، هذه المزايدة على الله؟! المزايدة على رسول الله؟! على الإسلام؟! وهم إنما يرفعون هذا الشعار دائما في وجه الإسلام، وفي وجه الإسلاميين، وكأن الإسلاميين خلقوا جفاةً، وخلقوا بلا ضمير، وخلقوا كلهم غلظة على الأم والأخت والبنت والزوجة، عجباه!!

سيبقى الإسلام أكبر راع لحقوق الإنسان ذكره وأنثاه…. روحه وبدنه…. والغرب الذي يفتك بالملايين من أجل النفط والتسويق لبضائعه… ويتاجر بالجنس لا يمكن أن نصدِّق بأنه مخلص للمرأة.

وكذب جدّاً من كل الذين يمتصون خيرات الشعوب ويقهرونها ويذلونها بما فيها من رجال ونساء، وكذب من كل الفئات التي تناصرهم أن يقولوا بأنهم أنصار المرأة. من هو نصير المرأة؟ تمتلئ خزائن الأرض من أموال شعوبهم، تمتلئ المصارف في الغرب من ثروات شعوبهم، أوليس من هذه الشعوب التي تمتص خيراتها عنصر المرأة؟! أين الشفقة على المرأة؟! أنا لا أستطيع أن أصدق أن نفعيا مخلص للمرأة، لا تجتمع روح النفعية وروح الإخلاص أبداً.
والعملية عملية استغفال واستغلال للمرأة باسم حمايتها.

2. إذا كانت المطالبة في حدود الإسلام فهي لا تستوجب المطالبة بتشريعات وضعية فرنسية وأمريكية وبريطانية. ولا تستقيم مع هذا التغريب العملي لوضع المرأة.

وإذا كانت المطالبة بتشريعات أخلاقية مستوردة فهي تستهدف.

* خلق روح عدائية عند المرأة المسلمة لقيم إسلامها وأحكامه تمهيداً لفصلها عن الدين، وحين تنفصل لا بد أن ينفصل الرجل لأن الرجل من تربيتها، رجل الجيل الثاني، رجل الجيل الثالث هو صناعة المرأة من جيل اليوم، فحين تنفصل المرأة في هذا الجيل عن الإسلام، فكل الرجال من الجيل الثاني والثالث يكونون قد انفصلوا عن الإسلام، هذا هو المطلوب.
* تحقيق مكاسب سياسية في مواجهة الإسلاميين – في الحملات الانتخابية وغيرها- بتصويرهم أنهم يقفون ضد حقوق المرأة، حين ينادون بحقوق المرأة في الإسلام، وعلى الطريق الإسلامية… فالشعار حماية المرأة والمطالبة نتائج انتخابية وغير انتخابية على حساب الإسلاميين، والشعوب بكاملها، وصرف الأمة عن همومها الرئيسة… وخلق معركة وهمية لتفتيت طاقات المجتمع..

* الملاحظُ أن الغيارى على حقوق المرأة وحماتها الادعائيين في الكثير، من الماديين المثقفين بالثقافة الغربية، وأصحاب الولاء الأجنبي، وتدخل فيهم حكومات تعاني شعوبها حتى الطفل والطفلة منها الأمرَّين. -والكلام على مستوى الساحة الإسلامية العامة وليس على مستوى هذا البلد الخاص-. غريب أن يكون هؤلاء – حسب دعواهم – هم الأحرص على إحقاق الحقوق، وحفظ العدالة من كل المؤمنين، ومن الرسل، وحتى من الله العدل الحكيم تبارك وتعالى عما يصفون.

* ويلٌ للسياسة… من يُستعدى على من؟ والتفريق بين من ومن؟ والبعثرة لأي كيان؟ البعثرة لكيان الأسرة، الاستعداء للولد على أمه، للأم على ولدها، للزوج على زوجه – من ذكر وأنثى- للأخ على أخيه، اتقوا الله. لا توجد بعثرة للمجتمع أخطر من هذه البعثرة، والله عزّ وجل يقول:”ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” إلى آخر الآية الكريمة. هذا هو الهدف الإسلامي، أن يخلق الأسرة كيانا متراصا، رباطه رباط الإيمان والحب والود والتفاني والإيثار، والقوم يأتون ليخلقوا العداوة في داخل الأسرة، وليثيروا الزوج ضد زوجه من ذكر وأنثى ليصطادوا في الماء العكر. السياسة(2) خبيثة، فهي تضحي بالملايين، وترمي في البحر بكل القيم، وتخلق الفوضى من أجل مصلحة كرسي، أو من أجل حفنة من المال.

أليس كلما تركزت القيم المادية وابتعدت الأحكام عن شريعة الله تفاقمت مشاكل الأسر، وارتفعت معدلات الطلاق؟ ماذا تقول الأرقام عن وضع المرأة في الغرب، يا عشاق الغرب؟ والذين تقدمون المرأة فيها نموذجاً لبنت الإسلام؟ ألستم تنقلون الإحصائيات المرعبة عن الغرب، وعن تشتت الأسر في الغرب، وعن غلظة الرجل الغربي على زوجه التي تصل إلى الضرب، والإهمال الشديد، ألستم تنقلون حالة عن الغرب ينسى فيها الأب ابنه، وينسى فيها الإبن أباه؟ وقد تقطعت الأرحام هناك بفعل الاتجاه المادي؟ أليست بنت الغرب تضج مما هي عليه من فقد الدفء العاطفي، ومن احترام الكرامة الإنسانية، أليست تفتش عن ذاتها؟

القضية الثالثة: شهر رمضان بين الفندق والمسجد:

1. حسب الصحافة لقد أعدّت الفنادق من البرامج الشيء الكثير الذي تستقبل به شهر رمضان. وهذا من برامجها:
* جلسات مفتوحة على مستوى الجنسين على مائدة الأغاني المطربة، والمسامرات المازحة والأكلات المتنوعة، والبرامج الترفيهية على إجمالها وإبهامها بل وإطلاقها.. وعودة إلى القديم من الفن العراقي الذي يقوده الفنان الفلاني لترقص الأمة على كوارث العراق وآلامه، وتضحك استقبالاً للحرب المدمرة له على يد الأمريكان والشركاء الشرفاء.

وبرامج الفنادق والمسارح والرقص واللعب تستكثر على الإسلام في بلاده شهراً واحداً من شهور السنة يخاطب فيه أبناءه، وتصر على أن تستلب منه كل السنة كاملة، وكل دقيقة وثانية حتى لا يعود محمد (ص)، ولا يعود القرآن، فتعود والقوة والعزّة للأمة والكرامة والمجد العريض.

2. يمكن أن يكون من برامج المسجد والحسينية تحريكاً لوضعهما ما يأتي، على أنه مطروح كمثال فحسب قابل لكثير من التطوير والإضافة والحذف، لا ليُتقدَّم وجبة واحدة، وإنما ليفرّق وجبات متنوعة متغيرة في الليالي المختلفة.
* تجويد خاشع _ لربع ساعة.

* تأملات قرآني – لربع ساعة.

* من سيرة المعصومين (ع) – لربع ساعة.

* كربلاء – نسيم ولهيب – أبيات شعرية مختارة – لربع ساعة.

* خاطرة من وحي الحاضر – من خمس دقائق إلى عشر.

* حضارتان تتحاوران – لمدة ثلاثين دقيقة.

* ساعة مهارة – وتُعلّم فيها مهارة من المهارات النافعة خاصة مما يتصل بإصلاح أمور المنازل من كهرباء وغيرها..

* رحلة إلى السماء – دعاء ومناجاة – ربع ساعة.

* دينك يريدك قويّاً – رياضة لساعة واحدة.

* عروض رسالية ملتزمة – لساعة واحدة

* بين يدي مفسِّر فاهم – لثلاثين دقيقة

* نافذة على الآخرة – لمدة ربع ساعة

* رجال قمم صالحون – لمدة ربع ساعة

* سحور الأخوَّة – ويكون على طريقة الغدَاء المشترك تسهيلا للأمر.

* هذه أمّتنا – جغرافيا وتاريخ وعادات وتقاليد وأوضاع وشؤون مختلفة للبلاد الإسلامية المتعددة -لمدة نصف ساعة. وقد يستوفد شخص أو أشخاص من بلاد مختلفة ليعطوا صورة في هذه الأمور عن بلدانهم.

* مع محاضر رسالي – لمدة 45 دقيقة

* مع الساجدين – نافلة الليل في صلاة انفرادية مشتركة ترويضاً على هذه العبادة، ونشر لها.

* من بلد إلى بلد – زيارات جماعية لشخصيات وحسينيات وأنشطة.

اللهم تمم لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين إيماننا، ونوِّر قلوبنا، واصرف عنا كيد الشيطان
الرجيم، وسلّم لنا ديننا ودنيانا واغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا، ومن كان له حق خاص علينا منهم يا كريم يا رحيم.
اللهم اغفر لنا ولهم ما قدّمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا، وما أنت أعلم به منا يا أرحم من استرحم، يا خير الغافرين.

(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فعلاً في الموقف الذي آمن به، وكبرت غايته عنده.
2- القائمة على حب الدنيا المفصولة عن القيم الخلقيَّة وتقوى الله.

زر الذهاب إلى الأعلى