خطبة الجمعة (63) 2 ربيع الثاني 1423هـ – 14-6-2002م

مواضيع الخطبة:

العمل التطوعي – التجنيس – سياسة الإنسان والقطعان –
صحافة الشتم – مبادرات العرب لفلسطين

دخولك المؤسسة الإسلامية لكي تشارك في الدفع بالعملية التوعوية أو السياسية الصحيحة، هو من الجهاد الواجب العيني إذا لم يكن هناك العدد الكافي الذي يقوم بالوظيفة

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق وملك، ودبّر وحكم، فكما لا خلق إلاّ منه لا ملك إلاّ له، وكما لا مدبّر غيره لا حكم إلاّ له. فكلّ حكم من دون إذنه ظلم، وكل أمر لا يرجع إلى أمره تعدّ، وكل ردّ لحكمه كفر، وكل استكبار على أمره فسق. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، مستغن عن كلّ شيء، ولا يستغني عنه شيء، خالق غير مخلوق، رازق غير مرزوق، رافد غير موفود، قاهر غير مقهور، لم يسبقه عدم يجعل له بداية، ولا يلحقه عدم يجعل له نهاية. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه من بين العباد، وهدى به إلى السداد والرشاد، صلى الله عليه وآله الأمجاد.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وأن نشح بأنفسنا عن النار، وركوب الطريق إليها بملازمة الأشرار، وموادة أهل الكفر، والأخذ من الدعاة إلى الشيطان، وأهل الريب والشك ممن فسدت فطرتهم، واختلّ عندهم المنهج العلمي، وكان مركبهم الهوى. ألا من صغى لناطق عن الله فقد عبد الله، ومن صغى لناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان. والنطق بما يسيء إلى الدين، ويهدم الإيمان والخلق، ويشيع الريب والشك في أرقى العقائد وأصحّها وأشدّها بناءً واستحكاما، ويسقط الحياء، ويجرّ إلى المفاسد، ويزيّن الباطل ويقبّح الحق هو نطق الشيطان من أين أتى، وصاحبه إذاعة من إذاعاته، ومركز إغواء وبثّ باطل من مراكزه. اللهم صلّ على محمد وآل محمد وأعذنا من متابعة الهوى، ومصَاحبة أهل الفتنة والضلال.
أما بعد ..
فالحديث في موضوع العمل التطوعي ضمن الاسترشاد بمجموعة من النصوص الكريمة. والتطوع هو التبرع، والتطوع في الدين هو عمل خير غير ملزم، فمن صلّى فوق فرضه صلاة ندبت إليها الشريعة فهو متطوع، ومن صام زيادة على الواجب صوماً ثابت الاستحباب، أو تصدّق الصدقة المستحبة، أو سعى في صلح بين زوجين مؤمنين مما لا يجب عليه فهو متطوّع.

فكل عملِ خير يتحمّل المسلم كلفته مما لم يلزمه شرعاً يكون به متطوعا مطوّعاً.
وإذا كان العمل التبرعي لغير الله قد لا يُجازى، إلاّ أنه لا يوجد أي عمل من أعمال الخير والبر والتقوى يمكن أن يذهب سدى وبلا جزاء من الله العظيم إذا كان العمل من أجله.

فالتبرع بأعمال الخير مما يدخل في العبادات أو منافع العباد، وتحسين الأوضاع الدينية والدنيوية للمؤمنين إنما يعني طاعة فوق الواجب، وهي طاعة مكافأة من الله سبحانه بخير الجزاء وأكرم العطاء، وليس أنها عمل مجاني لا يتلقى صاحبه عليه أجراً كما هي الحالة في التعامل بين الناس. إنّ الإنسان يمكن أن يأخذ ولا يعطي، أما الله سبحانه فشأنه العطاء دون الأخذ، ولا يضيع عنده عمل عامل من ذكر أو أنثى.
ففي العلاقة مع الله عزّ وجل لا يوجد من الإنسان أي عمل من الأعمال المجانية، فكل عمل خير يعمله العبد مما وجب أو لم يجب يعمر داخله ويثري ذاته ويرفع من مستواه، ويجزى به سمواً في ذاته وعطاءً من نعم جليلة ليس لها من نفاذ.

ألوان من التطوّع:-

هناك ألوان من التطوّع، تذكر النصوص بعضها على نحو المثال وليس على نحو الحصر، (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما) وهذا هو السعي الواجب، لكن ومن تطوع خيراً فان الله شاكر عليم، فهذا التطوع عمل لم يتعلق به وجوب، ولكن قد تعلّق به الاستحباب، أنت تستطيع أن تتركه فلا تعاقب عليه ولكن هل إذا جئت به ذهب مجاناً، لا (ومن تطوع خيراً فان الله شاكر عليم) تطوعك يشكره الله وكم يقدر عطاء الشكر الإلهي؟! إذا شكر الله عبداً هل يبقيه شقياًّ بأي مستوى من المستويات؟ شكر الله العبد رفعه عز وجل إليه إلى ساحة رحمته والى مزيد من فيوضاته والى الكثير من إكراماته سبحانه وتعالى. وهو عليم، وليس من عمل خير بخاف على الله عز وجل. تعمل خيراً لأبيك، تعمل خيراً لولدك وقد يحل في نفسه شّراً، وقد يخلص واحد من الناس للحاكمين، ويذوب في مصلحتهم، ويسهر ليله ويكد نهاره من أجل مصلحة حاكم من الحكام، ألا أنه يحمل في الأخير على سوء الظن، فيجزى عكس ما كان عليه أمله، أما الله فلا يأتي في علمه خطأ، وكتاب ربي لا يضِّل ولا ينسى.
في آية أخرى (ومن تطوع خيراً فهو خير له) أنت تجني ما زرعت، وتحصد ما غرست، (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) ومن تطوع خير في الفدية، فدية العاجز عن الصيام هي مد من الطعام لكل يوم، هذا هو حد الواجب، وإذا أضفت إلى المد مدّاً، فقد تطوّعت، وتطوّعك هذا لا يعني المجانية على الإطلاق، إنما يعني زيادة خير على خير، ويعني تعاملاً لائقاً مع المحسن العظيم، ويعني رصيداً ضخماً يأتي مقابل هذا العمل الضئيل القليل.
(الذين يلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلاّ جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) العبد المؤمن لا يجد إلاّ القليل من الصدقة يسهم به في سبيل الله، فيصغر في عين غير المؤمن لقلة ما يعطي وهو عند الله عظيم، هذا القليل الذي لا يطيق المعطي غيره، يصدر عن نية مخلصة فيكبر عمل الكثيرين وان زاد عطاؤهم، ربما كسب العبدُ جنة الخلد بعشرة فلوس. وقد تكون هي خاتمَة عمله لتكون مدخله إلى جنة الرضوان.

عطاء مستوعب دائم:-

( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) مثقال الذرة هذا قد يكون من عمل الخير الواجب وقد يكون من العمل الخير المستحب، مما يسمى الإتيان به في الشريعة تطوعا، خطوة واحدة تريد لها أن تنقلك إلى عمل صلح، إلى أمر بمعروف ونهي عن منكر، إلى مسح دمعة يتيم، إلى ما شاء الله من أعمال البرّ والإحسان، تنساها، وقد تجد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم أن ليس لك ما ينقذك من هول يوم القيامة إلا هذه الخطوة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) عمل الخير من واجب وتطوع يأتي في سياق سباق شريف، سباق كريم، سباق جاد، سباق العقلاء، سباق الحكماء، سباق الأفذاذ، سباق الأنبياء، سباق الأولياء، سباق أهل الرؤية الكونية الفسيحة الصادقة، سباق الأنفس الطاهرة، سباق العقول المتوقدة، سباق النظرة الثاقبة، سباق أهل التقييم الدقيق لدور الإنسان في الحياة، لقيمة هذه الحياة، لقيمة الحياة الآخرة، (والسابقون السابقون، أولئك المقربون، في جنات نعيم) مقربون إلى من؟ ليس إلى ملك من ملوك الدنيا، ليس إلى دولة قوية من دول الدنيا، ليس إلى أسرة نبي، بل ليس إلى نبيّ كريم، مقربون إلى الله، مقربون إلى الله، مقربون إلى الله، مالك الأمر كله، لا يئوده حفظ السماوات والأرض ولا تضيق قدرته عن طلب
يرفع من مستوى العبد، يسره ويعلي شأنه.
(وأمّا الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذاً) إلاّ ما شاء ربك ليس للتقييد الذي يعني انتهاء النعيم والسعادة فيما يفهمه المفسرون وانما
هو تأكيد على إطلاق المشيئة مشيئة الله سبحانه وتعالى، وأن ليس هناك ما يحكم مشيئه، والذيل ذيل الآية يؤكد على الاستمرار عطاءً غير مجذوذ، فهو عطاء ليس له انقطاع.
وفي الكلمة المنقولة عن رسول الله (ص) (لان يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس) تذوبون أو لا تذوبون أمام هذا الوعد الصادق من الصادق الأمين. أمام هذه الكلمة الحقّة ممن لا ينطق عن الهوى. انظروا على ما تطلع الشمس، على ملك الملوك، على كنوز الأرض، على كل أسباب الحياة.

دعوة كريمة من ربّ غنيّ كريم:-

(أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) 61 المؤمنون. دعوة من الله أن سارعوا في الخيرات، ما وجب وما استحب. فاستبقوا الخيرات. ولا يكن سباقك على مال يفنى تنازع فيه ابن عمك وابن خالك وأباك وأخاك وولدك، وإن أذهب ذلك دينك ومروءتك.
(فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إنّ الله على كلّ شيء قدير) أين المفر؟! ولا يضيع عمل. يأتي بكم بكل عملكم، بكل خواطركم، بكل نياتكم، بكل تطلعاتكم، بكل مشاعركم، بذاتكم، وذاتكم مشاعر، ذاتكم أفكاراً، ذاتكم خواطر، ذاتكم تطلعات، ذاتكم أحاسيسَ حقٍّ أو باطل. ذاتك بكل ما استجمعت حاضرة عند الله، وتجزى الذات بحجم الذات (فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا، إنّ الله على كل شيء قدير).
(سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض – أنت تسابق على خمسين قدماً من أرض لا تدري تسكنها يوماً واحداً أو لا تسكنها، تسابق على وظيفة قد يكون فيها نارك، وتسابق على علاقة قد يكون فيها هلاكك، أما دعوة الله – (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) نحتاج لكي يكون عملنا صالحاً إلى قاعدة تجعل هذا العمل صالحاً وهي الإيمان بالله والرسل واليوم الآخر. لينطلق العمل من منطلق الاتجاه إلى الله، فان أي اتجاه آخر لا يعني إلاّ الانتكاسة، ولا يعني إلاّ الانحدار. اتجاه واحد، هو الاتجاه الصاعد، وهو الاتجاه إلى الله، (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) 21 الحديد ، فان وفقت إلى عمل تطوعي فاشكر الله، أن جعلك على طريق رحمته وفضله العظيم.

جهاد واجبٌ لا تطوع:-

ما نسميه بالعمل التطوعي مما يدخل في الدعوة الى الله، مما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يدخل في مواجهة الباطل والانحراف الفكري والانحراف الخلقي، مما يمثل دفاعاً عن الإسلام، ومشاركة في تصحيح الفكر عند الشباب المسلم، وأخذاً بالناس على الطريق، ومواجهة الكفر العالمي، فيما يتعمّده من غزو فكري وخلقي، وفيما يشنه من حملات تدميرية على نفسية الإنسان المسلم وأخلاقه وكينونته الإنسانية الرسالية، هذا الذي نسميه عملاً تطوعياً هو من التسمية الخطأ مئة في المئة. انه جهاد واجب أيها الأخوة. دخولك المؤسسة الإسلامية لكي تشارك في الدفع بالعملية التوعوية أو السياسية الصحيحة، هو من الجهاد الواجب العيني إذا لم يكن هناك العدد الكافي الذي يقوم بالوظيفة، هذه المشاركات المالية والمشاركات الفكرية بالكتابة والإلقاء والاتصالات الثنائية، والاتصالات الجماعية من أجل تركيز الوعي الرسالي هو من الواجب الكفائي، فان وجد العدد الكافي الذي يقوم بالوظيفة سقط الواجب عن جميع المسلمين، وان لم يوجد العدد الكافي والمسلمون قادرون على أن يغطوا الحاجة فكلهم آثمون، عاصون لله عز وجل فأنت القادر الذي لا تشارك عاص لله آثم خائن لأمانة الدين. ونحن نسمي هذا العمل عملاً تطوعياً بالخطأ الصريح.
ماذا تعني الآية الكريمة؟ (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير – الإسلامُ يُسحق، الإسلام يجهز عليه، الإسلام يغرّب، وتغرب في بلاده، نغزى في قعر دارنا، يملك علينا شبابنا وشاباتنا، يدخل السوء على كل فرد فرد في منزله، الفحشاء تنتشر، العبث الأخلاقي يمتد في شرق الأرض وغربها، دين الله محارب، خطط ومؤامرات ومشاريع كلها تصب مصباً واحداً في مواجهة دين الله، وأنت تستطيع أن تصحح بعض التصحيح، أنت تمتلك من الطاقات والمواهب التي رزقك الله إياها ما يسمح لك بأن تدرأ عن الإسلام بعض الشر، أيستحب لك أن تدرأ هذا الشر، أم هو الواجب؟! انه واجب ومن أهم الواجبات – ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون) 104 آل عمران (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون).
هناك جهاد بالسيف، هناك جهاد بالكلمة، هناك جهاد بالمال، جهاد بالوقت،
جهاد بالجاه، والجهاد في كل الساحات وكل الساحات مستغرقة بالغزو، فيجب أن تستغرق. (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالك وأنفسكم في سبيل
الله) نجاهد بأموالنا وأنفسنا ولا نجاهد بكلمة؟! ولا نجاهد بحضور احتفال؟! ولا نجاهد بدفع أبنائنا إلى مشاريع التعليم الصيفي الديني؟! ولا نساهم في محاربة الموضات التحلّلية، ولا تجاهد الفتاة في الرجوع إلى لبس العفاف والستر والكرامة. (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في
سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) فالتطوع في هذه الأعمال لا يعني أصل المشاركة، وبالجهد المتعارف إنما يعني ذلك أمر واجب حتمي،التطوع في هذه الأعمال حينما تبلغ من الجهد حد الطاقة يعني إلى أقصى حد. حينما تبذل أقصى ما يتسع له وسعك هذا يدخل في التطوع، أما بذل الجهد المتعارف فهو واجب(1).
اللهم صل على حبيبك المصطفى وآله الشرفاء وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ورغبنا في مغفرتك واعمر حياتنا بالجهاد في سبيلك والمسابقة إلى رحمتك وجنتك وكرامتك. اللهم واغفر لنا ولوالدينا ولذوي قرابتنا ومن يهمنا أمره ومن كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام والمؤمنين والمؤمنات أجمعين يا كريم.
.
بسم الله الرحمن الرحيم
((والعصر إنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر))

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يغذونا بنعمه، ونصبح ونمسي في ملكه وتحت قبضته، ومنه مبتدؤنا وإليه مردُّنا، ولا ربَّ لنا سواه، ولا رازق لنا عداه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، ذلّ لعظمته فأعزّه، وتواضع لكبريائه فرفعه، ولجأ إلى قدرته فحماه، واستغنى بفيضه فكفاه. صلى الله عليه وآله الهداة.
عباد الله عليكم بتقوى الله فهي باب فرج، ومخرج من كلّ سوء. ” ومن يتّقِ اللهَ يجعل له مخرجاً. ويرزقْه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ….” وبالتقوى يتبدل العسر يسراً، وتندكّ الصعوبات، وتنزاح العوائق” ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً…”، وبها تعود إلى النفس عافيتها وتتخلص الذات مما اعتراها من قبيح “ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويعظم له أجراً”.
اللَّهمّ صلّ وسلّم على البشير النّذير والسّراج المنير عبدك المصطفى ورسولك المجتبى محمد نور الهدى وآله النجباء. اللََّهم صلّ وسلّم على إمام المتّقين عليٍّ أمير المؤمنين. اللَّهمّ صلّ وسلّم على كريمة رسولك، وقرينة وليّك أمَتِكَ الزكية فاطمة المرضية. اللَّهمّ صلّ وسلّم على الإمامين الرشيدين والوليين المخلصَين الحسن بن علي الزّكيّ وأخيه أبي عبد الله الحسين. اللَّهمّ صلّ وسلّم على بدور الإيمان في الأرض، والخلفاء في النَّاس بالحقّ علي بن الحسين السّجّاد ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري أئمة الهدى والعدل. اللَّهمّ صلّ وسلّم على الإمام المؤمَّل والعدل المنتظر مميت البدع ومحيي السنن، والقاضي على الفتن العبد الصالح محمد بن الحسن. اللَّهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه واكشف به كرب المؤمنين واستبدلهم به من الضيق فرجاً، ومن الفقر غنى، ومن الذّلِّ عزّاً ومن الخوف أمناً، ومن كلّ شرٍّ خيراً يا رحمن يا رحيم.
اللَّهمّ الموالي له المعادي لأعدائه المقتفي لأمره، السالك منهجه، الممهد لدولته أيَّده وسدِّده وادفع عنه وانصره وأعزّه، وأيّد وسدّد وانصر فقهاء الإسلام وعلماءه العاملين المخلصين، والمجاهدين في سبيلك من حماة دينك وحفظة شريعتك.
اللَّهمّ إنا نستغفرك ونستهديك ونسترشدك ونتوب إليك ونتوكل عليك.
أما بعد أيّها المؤمنون فهذه وقفة مع بعض الأمور التي تأبى المسؤولية الشرعية تجاوز الحديث عنها:-
1.أخيراً وجدنا أنّ التجنيس بدوافع سياسيَّة معيّنة يخرج من كونه مخالفة يُتستَّر عليها إلى كونه قانوناً تقتضي الأمانة الوطنية وأمانة الحكم تطبيقه… وقانون التجنيس المفتوح في بلد هو الأضيق مساحة من بين بلدان المنطقة والأضعف اقتصاداً لمواطنين في بلدان لا تشكو من ضيق في المساحة ولا شحٍّ في الإقتصاد لا يعبِّر عن دافع الأخوة الإسلامية ولا العربية بقدر ما يعبر عن محاولة لتهميشٍ أشدّ للمواطنين، وتقريرٍ لمصيرهم من الخارج. ولذلك فهو قانون مرفوض شعبياً لما يحمله من تهديد مباشر بالإلغاء الكامل لموقع المواطن ورأيه.
نحن في بلد يبحث المواطن فيه عن أرض لسكناه فلا يجد، وعن مهنة تتيسر له منها لقمة العيش الشريف فلا يجد، وليس من بلدان الخليج الشقيقة بلد آخر يعاني مثل ما يعانيه بلدنا، فإذاً لا يمكن أن يقال بأنّ قانون الجنسية المزدوجة من أجل حل مشكلة الأخوة في الخليج وأن أهدافه أخوية وإنسانية… إن المواطنين هنا فهموا حالاً أن أهدافه انتخابية دائمة ومن أجل التهميش لصوت المواطن بل إلغاء قيمته عملياً وبصورة كاملة. نحن نريد هنا استفتاءاً عاماً على قانون الجنسية، على مشروع الجنسية المزدوجة، ولتجرب الحكومة حظ هذا المشروع عند الاستفتاء العام.
2.بلدنا ينفتح على استيراد الفكر الساقط – الخلق الساقط – السياحة المبتذلة… ونرى أنه تُعمَّم فيه فوضى الجنس. صار الجنس الحرام لا يرضى له أناس بأن يحبس في أرقى الفنادق وأفخم الشقق أو أن يتربع الموقع الكبير فيها، وإنما فيما يظهر يراد له أن يغطي كل الساحات العلنية المكشوفة، من زقاق، مناطق مأهولة، من شوارع عامة، من سواحل من حدائق عامة ومنتزهات، ويراد له أن يدخل المتاجر والجامعات والمعاهد، يراد له أن لا يترك شبرا من أرض الوطن الطاهر، بلد الأصالة الإسلامية إلا ودنسه. نسأل فمن المسؤول؟ سؤال يحتاج إلى جواب. وجوابه لا بد أن يكون رسميا وأرجو أن لا يكون هذا الجواب من بعض الجهات الرسمية لتكريس أكبر لهذه الظاهرة المقيتة. وهل بُني على أن شعب البحرين نَسي قيمه وتخلى عن دينه أو هي عملية استفزاز مقصودة من البعض؟ وعملية اصطناع المبررات للفوضى الأمنية؟! بلد يحتاج إلى الأمان، بلد حرص الشعب كل الحرص على أن يستجيب لأول بادرة تلوح بأمان واستقرار، بلد لا يتحمل أكثر مما يتحمل، بلد أي فتنة داخلية يمكن أن تغرقه في البحر، بلد لا يصح فيه عرض العضلات والاستفزاز لإغراقه في مشاكل أمنية من جديد.
هناك سياستان:-
3.سياسة الإنسان وسياسة القطعان. قطعان الغنم. الإنسان مستوى غير مستوى الغنم والبقر، بهيمة الأرض تتقمم، وتلتهم أي شيء يسد جوعتها بلا أن يدخل في حسابها حساب القيم والدين والشرف والكرامة. أما الإنسان والإنسان المسلم بالخصوص فهو في لحظة تعارض بين الجوع، بين القتل، بين المرض، بين التشرد، وبين الدين، لا يختار إلا الدين. الإنسان المسلم عندما يقف بين خيارين إما أن يعيش عيشة البهائم بلا عزٍّ ولا كرامة ولا عفة ولا شرف ولا دين مكترشا، شبعاً ممتلئما متخما، أو أن يحتفظ بدينه على جوع ومسغبة، وعلى خوف على ماله ونفسه، إنه يختار الدين زائداً الخوف والفقر، على الشبع زائداً عيش الخسّة والسقوط والرذيلة. وسياسة الشعوب الغربية التي قد أُقنعت على خلاف ما هي عليه من إنسانية لا يصح أن تساس الشعوب الإسلامية على طريقتها. الشعوب الغربية لها إنسانيتها كما هو الشعب المسلم، لكن تلك الشعوب قد مر زمن وتطاول الزمن على إقناعها بأنها أجساد فقط، وبأن الهمّ الوحيد لها ينصب على البطن والفرج والظهر، وركز في نفسها أن الجد الأكبر قرد، وأن البنين لا يزيدون كرامة على الجد الكبير، فإذا كانت السياسة المادية، وسياسة إشباع البطون من الفروج سياسة تليق بالغرب فهي سياسة لا تليق بالمجتمع المسلم. والإسلام لن يموت، والشباب المسلم يتزايد عدداً وصلابة، والشباب المسلم لن يسمح في يوم من الأيام بأن يُسلب دينه من أجل لقمة عيش، وإذا كان الأمن هو الشيء الأهمّ وإذا كان الوئام الوطني والوفاق الوطني هو المطلوب، ونحن نطلبه ونصر عليه ونؤكد عليه، فإن هذا كله لن يحصل أبدا حين يستهدف الدين، وحين تداس القيم. فكلّي دعوة جادة ومخلصة للمسؤولين وهم مسلمون وأبناء تاريخ إسلامي مجيد وهم ليسوا من أبناء غرب كافر أوشرق ملحد، هم مسلمون أبناء مسلمين. كلّي دعوة جادة لهم بأن لا يسمحوا للسياسة أن تنحرف عن خط الإسلام، وأن تستهدف القيم الإسلامية وتدوس كرامة الإنسان المسلم، ففي هذا حفاظ على ذاتهم الإسلامية، وحفاظ على الذات الإسلامية لهذا الشعب كله.
4.هل نبقى بلا ديموقراطية ولا دين؟ عرفنا أننا بقينا من غير ديموقراطية… والحديث عن الديموقراطية كما يقولون حديث واهم، وإذا تُصوِّر أنها وجدت يوماً هنا فقد كفنت ودفنت. فرغنا أنه لا ديموقراطية على الأرض، لكن هل لا دين أيضاً على الأرض؟ نحن لا نرضى بالديموقراطية ثمنا للدّين، نحن لا نعطي الدين بأي ثمن، لا بحرية جسدية ولا بديموقراطية ولا بأن تبوؤني مركز الحكم، فكيف الجمع بين سلب ما يراد بديلا وما هو المبدل عنه وهو الأسمى، والذي لا تنازل عنه أبداً؟! أقول أتبقى الأرض بلا ديموقراطية بُشِّر بها وبلا دين هو قدرنا، وهو شعارنا وهو مصيرنا؟! ونحن نذهب والدين يبقى، نحن نموت والدين يحيى، ولا تنازل أبدا عن الدين.
5.أقول صحافة الشتم لا تُشترى ولا تقرأ…. أمدّ سبابي بما يساعده على سبّي؟! أعينه على نفسي؟! أُقر أكثر ذلة من إقرار العبيد بصحة سبّي وشتمي؟! صحافة الشتم لا تشترى ولا تقرأ. ونحن نعرف أن صحافة التفرقة الطائفية المشينة وإثارة روح الشحناء بين الأخوة من أبناء الإسلام وفي هذه الظروف السياسية الحرجة التي تعيشها الأمة ويراد أن تستفرد القوى الأجنبية الطاغية فيها بكل بلد من بلاد الإسلام على حدة إنما تنطلق – أي تلك الصحافة – من خدمة الأهداف الأجنبية القذرة وتشارك في جريمة الإجهاز على وجود الأمة المسلمة الواحدة. و تجعل الأخ يتفرج على مصير أخيه كيف يصادر. والأخوة المجاهدون المخلصون السّنة في أي ساحة من ساحات الجهاد يعرفون جيداً جهاد أخوتهم الشيعة وإخلاصهم وأخوّتهم لهم ولا يعيرون كتابات التفريق أي اهتمام. نعم هي كتابات يمكن أن تغشّ السذج هنا وهناك من أبناء الشارع العاديين، ومن تربّى على الطائفية البغيضة والحقد بلا تبيُّن. وهو أمر ضار جدا وبالغ الضرر.
6.حميد كرزاي وظاهر شاه أخوان يرتضعان من ثدي واحد – الثدي الأمريكي – أحدهما يتنازل للآخر لتثبيت الحكم الأمريكي في أفغانستان. وغداً تُحكم العراق بالطريقة نفسها، وبالحكم نفسه والعملية مستمرة حتى استكمال كل البلاد الإسلامية ممن تمانع من الهيمنة الغربية والأمريكية، والحكومات تدري وتوقّع، والأمة التي أخرسها حكم الحديد والنار على مدى قرون بدت وكأنها فاقدة للإرادة.
7.تاريخ الموقف العربي من القضية الفلسطينية تمثَّل في اثنتين وعشرين مبادرة – كما يقول بعض الخبراء – من الجانب العربي وقد سلكت هذه المبادرات فيما يظهر مسلك العد التنازلي في مستوى الإرادة وموقف الحزم من القضية. والسؤال ما هو الباعث؟! هو الضعف الموضوعي، أو الضعف النفسي، أو الحرص على الكرسي، أو معاداة الأمة عند البعض أو هو شيء آخر؟ هذا وذاك كله ممكن لكن المؤكد أن ضعفاً موضوعياً يميز هذه الأمة التي صنعت تاريخا مجيداً لا ينسى… ضعفاً بعيداً عن قصور الأنظمة وتقصيرها وتآمر بعضها لم يكن هو السبب، والمؤكد كذلك أن المبادرات البطلة لا بد أن يكون وراءها عللاً مرضيَة من نوع وآخر، وأقول البطلة لأنّ كل مبادرة تمثل استجابة صريحة لمطامع إسرائيل، وفرض الإرادة الأمريكية يخرجها الإعلام الرسمي بطولة فائقة وموقفاً متقدماً من المواقف الجريئة المنقذة، وحنكة سياسية عجيبة، وإحراجاً صعباً للعدو الإسرائيلي.
اللّهمّ صلّ وسلّم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وأرحامنا ومن يعنينا أمره ومن كان له حقّ خاص علينا من المؤمنين والمسلمين وجميع أهل الإيمان والإسلام. اللَّهمّ أصلح كل فاسد من أمور المسلمين وجنبنا الفتن والمحن ومصائر السوء والعواقب الوخيمة يا رحيم يا كريم.

(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_ والجهاد يستبطن بذل الجُهد، وتحمل حاله الَجهْد والتعب والمشقة، فالأمر بالجهاد على هذا أمر يتحمل المشقة والنصب في سبيل الله.

زر الذهاب إلى الأعلى