خطبة الجمعة (48) 16 ذوالحجة 1422هـ – 1-3-2002م

مواضيع الخطبة:

حديث عن الهداية في ضوء القرآن  –  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  –  العدل والأمن مطلبان لكلّ مواطن .

الأقلية أو الأكثرية غير الحاكمة وخاصة تلك التي تمدّ يد التعاون مرة بعد الأخرى، وتبرهن على وفائها لوطنها المشترك، لا ينبغي أن تُبني سياسية الوطن على الحذر منها والشك فيها.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أحاط بكلّ شيء علما، ووسِع كلّ شيء رحمة. أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كلّ شيء قدير. وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، من تابعه فاز، ومن كابره خاب، أرسله ربه الكريم بهدى الآخرة والأولى؛ فلا هدى لمن عانده، ولا نور لمن ضادّه. صلّى الله عليه وآله صلاة نامية زاكية دائمة.
عباد الله أوصيكم ونفسي من قبلكم بتقوى الله وأن لا نموت إلّا على هداه، ولا نقصد إلا إلى رضاه؛ فلا هدى إلا هدى الله، ولا نافع إلّا رضاه. من سعى من أجل الدنيا أعطاها أكثر ممّا تعطيه، ومن كان للآخرة سعيه أخذ من الدنيا مالا يفسده، وخرج منها بما يصلحه، وهذا هو غاية ما يرجى منها، وما يستهدفه عاقل فيها. وإنّ للدنيا لسانا فصيحا، وقولا بليغا في التعبير عن خسران من تعلّق بها، وسفه من ركن إليها، فما أكثر ما تبثّه من العبر، وما تقدّمه من العظات! ولكنّ أكثر الناس لا يعقلون.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعلنا بالدنيا من المخدوعين، ولا بآمالها من المغرورين يا رحيم يا كريم.
أمّا بعد فإنّه كما تحتاج دروب المادة إلى بصر يُهتدى به فيها، فإنّ دروب المعنى تحتاج إلى بصيرة تُمثّل ضياء السائرين في هذه الحياة، وكما أنّ البصر نعمة، وفقده خسارة، فالبصيرة نعمة وهي أكبر، وفقدها خسارة وهي أخطر. وكل مِن البصر والبصيرة هدىً من الله، ولا هدى إلا منه، والهدى يشهد بمقدّمة من الإنسان الزيادة والنقصان، وقد تحلّ الضلالة محلّ الهدى، وقد يطرد الهدى الضلال.
وحياة الأفراد لا يقوم تقدّمها إلا على هدى، كما أنه لا تقدّم للأمم بلا هدىً وبصيرة.
وهداية الشيء: إراءته الطريق الموصِل إلى مطلوبه، أو إيصاله إلى ذلك المطلوب، والأول هو نوع من الإيصال غير المباشر.
وهذا حديث عن الهداية في ضوء القرآن والحديث بصورة مقتضبة سريعة:

أ- الهداية الإلهية الشاملة:
(قال ربّنا الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى). فما من شيء في وجوده، ولا آثاره، ولا في سلوكه إلى غايته، إلا وهو محتاج إلى هدىً من الله، وهو يسير في طريقه على هدىً من الله. أيّ خطوة من خطى الإنسان في خلقته إنما تعتمد على هدى الله، وخطى الإنسان في مجال إعمال الإرادة إمّا أن تهتدي بهدى الله فيصل الإنسان إلى غايته، وإما أن يزيغ فيسقط ويضل ويهوي.
(الله نور السماوات والأرض).
عن العباس بن هلال قال: (سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزّ وجل (الله نور السماوات والأرض) فقال هاد لأهل السماء، وهاد لأهل الأرض). ما من شيء في السماء إلا وهدايته إلى غايته من الله، وما من شيء في الأرض إلا واهتدائه إلى غايته بهدى من الله، وما من شيء يخرج من ظلمة العدم إلى نور الوجود إلّا بهدىً وفيض من الله.

ب- هداية إلاهية للإنسان:
تلك هداية عامة تعمّ كلّ شيء في هذا الكون، هنا هداية خاصّة للإنسان.
(إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا).
عن الصادق (ع) (إنّا هديناه السبيل….) قال: عرّفناه إمّا آخذا وإمّا تاركا. عُرّف سبيل الخير، والطريق إلى الله، فإمّا أن يشكر بأن يسلك الطريق ويأخذه، وأمّا أن يكفر نعمة الله الذي أراه الطريق وهداه إليه، فيترك هذا الطريق ليضلّ ويسقط.
وأيضا جاء عنه عليه السلام: علّمه السبيل -بمعنى إنّا هديناه السبيل- فإمّا آخذ فهو شاكر، وإمّا تارك فهو كافر. وهذا الكفر قد يكون كفرا مستوعبا وقد يكون كفرا جزئيّا، قد يكون كفرا بالطريق من أوّله إلى آخره من العقيدة إلى الأحكام الفوقية، وقد يكون جزئيا موضوعه هو هذا الحكم أو الأكثر من الحكم الواحد.
(وهديناه النجدين) قال: (نجد الخير، ونجد الشر).

ج- هداية خاصة إضافيّة:
هناك هداية خاصة، الهدايتان السّابقتان هدايتان ابتدائيّتان من الله عزّ وجل، أفاض الأولى على كلّ موجود، وأفاض الثانية على الإنسان، تأتي هداية أخرى خاصة، وهي جزائية، مقدّمتها فعل الخير عند الإنسان، أن يستجيب للهداية الأولى، أن يستفيد من رصيد الهدايات المتوفرة لديه فطرة واكتسابا، كلّما كانت من الإنسان استجابة للهدايات المتوّفرة إليه، وكان انتفاع بالرصيد الموفور لديه، كلّما تنزّلت عليه هدايات جديدة وإنارات أكبر وإضاءات أكثر، في مقام الفكر، في مقام الشعور، في مقام العمل.
(إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء). محاولة الرسول صلى الله عليه وآله أن يضيف إلى هدايات الإنسان الأولى هدايات أخرى من خلال أخذه على طريق العقيدة الصحيحة والشرع القويم، هذه محاولة الرسول، أن ينادي في الإنسان فطرته، أن ينبّه من الإنسان روح الإيمان في داخله، لينقاد إلى الله وعلى طريقه، وبهذا الانقياد تكبر الهداية، وتتّسع الإضاءة، ويكون التقدّم والترقي. هذه هي محاولة الرسول صلى الله عليه وآله، وكلما اكتسب المسلم جديدا من الهداية دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله أن يستفيد جديدا من هذا الرصيد الإضافي ليستفيد من جديد إضافات وإضافات. هذه الهدايات الخاصة ليست بيد الرسول، الرسول سبب، عليه أن يخاطب في الإنسان فطرته، أن يحاول تربيته التربية القويمة، أن يستعمل كلّ الوسائل المؤثّرة التي تأخذ بالإنسان على درب الاستقامة، أمّا أن يصنع للإنسان الاستقامة فذلك ليس بيد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، إنّ مالك القلوب واحد أحد فرد صمد هو الله وحده. (إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء).
(ومن يؤمن بالله يهد قلبه).هذا مؤمن مهتد ولكن بإيمانه هذا يهدى هدى جديدا، فهذه هدايات إضافية فوقية، وهي خاضعة بلا شك إلى قانون إن لم نكتشفه نحن ولم نعرف كيف هي العلاقة بين علٍّته ونتيجته فعلمه عند الله وضبطه عند خالقه.
د- أسباب الهداية الخاصة:
هذه الهداية الخاصة لها أسباب أو لا؟ تقدّم أنّ مقدّمتها استجابة الإنسان للخير، استفادة الإنسان مما يملكه من هدايات فطرية ومكتسبة قد كسبها في حياته.
النصوص:
(ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، مؤمن بالله بقدر ما تجد من آيات، استجب لهداية الدلائل والآيات، لا تستكبر على الدليل، معطيات البرهان اخضع لها، حينئذ تأتيك هدايات جديدة، من تعبيرات القرآن (هدى للمتّقين)، التقوى تقود إلى هدى جديد، تتقي الله في الأمر الكبير، تتقي الله في الأمر الصغير، في علاقتك مع زوجك، في علاقتك مع ابنك، في علاقتك مع صديقك، في علاقتك مع كلّ الدينا، هذا التقوى تضيف إليك جديدا من الهداية، وتنوّر الروح. (يهدي إليه من أناب)، توبتك سبب لهداية جديدة،(ومن يعتصم بالله فقد هدى إل صراط مستقيم)، استمسك بأحكام الله، استمساك بأيّ حكم من أحكام الله يضعك على طريق هدايات جديدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) أخلص السعي لله فإنّ الله أرحم وأرؤف بك من نفسك بما لا يقاس.
(هدي من تجلبب جلباب الدين) من كلماتهم عليهم السلام.
(هدي من أسلم مقادته إلى الله ورسوله وولي أمره). ولي الأمر من مثل أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام،ومن مثل منصوب أمير المؤمنين عليه السلام كمالك الأشتر الأخذ بأمره ونهيه سبب هداية من الله.

هـ:- أسباب تضل:
(يضل الله الظالمين)، إذا ظلمت فارتقب أن ينزل مستوى إيمانك، إذا اقترفت ذنبا فتوقع أن بعدا ما في روحيّتك وفي نفسك وفي وجدانك يفصل بينك وبين الله، وأنّ المسافة تتباعد بين المرء وبين معرفة الله عزّ وجل بقدر ما ظلم، وبقدر ما عصى، وكلّ معصية ظلم. (يضلّ الله الكافرين)، (يضلّ الله من هو مسرف مرتاب)، طبيعة الإسراف طبيعة المعصية طبيعة الظلم تتسبب في البعد عن الله عزّ وجل هناك قانون المقدّمة الإيجابية تعطي نتيجة إيجابية، المقدّمة السلبية تعطي نتيجة سلبية، لا يمكن أن يأتي تأثير السمّ كما يأتي تأثير الدواء، كما أنّ للطاعة أثرا في علم الله، وفي قوانين الله، أكلك التفاحة له أثر تناولك الدواء له أثر، تناولك السم له أثر، المعصية لها أثر بحسب قانون الله عزّ وجل، الطاعة لها أثر، أنت بحسب وضعك الروحي و النفسي وكينونتك الإنسانية تتأثّر سلبا بالمعصية، وتتأثّر إيجابا بالطاعة، وهو قانون، (وما يضلّ به إلا الفاسقين) والضمير راجع على مثل البعوضة فما فوقها، وهو مثل للهداية، لكنّ هذا المثل للهداية يضلّ الفاسقين، والقرآن الذي هوهداية الهدايات إنّما الهداية به للمتّقين.

و:- وهي أسباب مانعة:
هذه الأسباب التي تضل مانعة بلا شك من الهداية.
(إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين)، ما دمت تبقى على ظلمك، تصر على ظلمك، أستمر على ظلمي وأصرّ على ظلمي، فلا هداية لي من الله حتى تنالني الهداية، أنا أعطيت إرادة التحرك في اتجاه الله، أنا ظالم الآن، وأنت متوفّر من فيض الله على إرادة التحرّك في اتجاه الله، فعليّ أن أتحرك في اتجاه الله بالتوبة والندم على ظلمي فحينئذ ينفتح باب الهداية، أمّا وأنا مصرّ على ظلمي مقارف للذنب باستمرار فأنا بنفسي أغلق باب الهداية على نفسي،(إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين)، القوم الكافرين، القوم الفاسقين، من هو مسرف كذّاب، من هو كاذل كفّار.

ز:- الإنسان ووظيفة الهداية:

1- الإنسان سبب لا علة يا أخوة، علينا أن نسعى لهداية الآخرين، لهداية كلّ من نحب، وعلينا أن نحب كل الناس ونحب للناس كل الناس الهداية لكنّنا لن نأتي علّ، تامة في هداية الآخرين، وإنما كلّ ما نملكه هو أن نقع سببا في هذا الطريق(إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
عن الرسول صلى الله عليه وآله:(بعثت داعيا ومبلّغا وليس إليّ من الهدى شيء-أنا لا أملك أن أصنع الهدى للناس وفي قلوب الناس-، وخلق إبليس مزيّنا وليس إليه من الضلال شيء). عندك عنصر الإرادة، لا كلمة الرسول تقهرك على الهداية صلى الله عليه وآله، ولا تزيين إبليس يقهرك على الغواية، بين تأثير كلمة إبليس ووسوسة إبليسوضلالتي أن أستجيب، وبين تأثير هدايات الرسول صلى الله عليه وآله وبين أن أهتدي أستجيب، وأملك أن أستجيب وأملك أن لا أستجيب وذلك بتمليك من الله.

2- سببية الإنسان:(ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعا) 32 /المائدة.
الإحياء في معناه الظاهري إعطاء الحياة السارية في الجسد التي بها الحركة والنمو، وسياق الآية يدلّ على ذلك بحسب ظاهره، لكن عن سماعة: قال – الإمام الصادق (ع): (من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها، ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها).
وعن حمران: قال -الصادق (ع): من حرق أو غرق، ثم سكت الإمام عليه السلام، -قد يكون لفظ الرواية هذا (من حرق أو غرق) يعني قتلها من حرق أو غرق الذي هو القتل الجسدي، يعني الآية تعني القتل الجسدي- ثمّ قال: تأويلها الأعظم -يعني ومعناها الكبير الأضخم الأعمق- أن دعاها فاستجابت له. أن دعاها للإيمان، أن دعاها للهدى،فاستجابت له، وهنا أحياها وكأنّما أحيا الناس جميعا، هنيئا هنيئا لمن دعا وهدى.

3- مردود ضخم:
أمير المؤمنين عن الرسول (ص): (وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجل خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت…).
روي أن داود عليه السلام خرج مصحرا منفردا، فأوحى الله إليه: ياداود ما لي أراك وحدانيا؟ فقال: إلهي اشتد الشوق مني إلى لقائك، وحال بيني وبين خلقك -بعد ما أستطيع أن أعايش الخلق وقد وقعت بصيرتي على شيء من جمالك-جاءت خاطرة المحبوب الأكبر فتنتهي العلاقة مع الآخرين-، فأوحى الله إليه: ارجع إليهم فإنّك إن تأتي بعبد آبق أثبـتّك في اللوح الحميد). إن تأتي بعبد من عبيد الله آبق، هارب من رحمة الله، نحن نهرب من رحمة الله، نحن نهرب من لطف الله، يا داود أئتني بعبد من هؤلاء العبيد الذين يهربون من رحمتي ومن لطفي، ومن سعتي كرمي، (إن تأتي بعبد آبق أثبـتّك- وليس أثبًّتك- في اللوح الحميد).

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا وكل ذي حق خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات، واجعل سفينتنا هداك، ومقصدنا رضاك، ومنقلبنا الجنّة يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

بسم الله الرحمن الرحيم.
(إنّا أعطيناك الكوثر. فصلّ لربّك وانحر. إنّ شانئك هو الأبتر).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يحتاج إلى حمد حامد، ولا عبادة عابد، ولا يضره جحود جاحد، ولا يعرضه زيادة ولا نقص، إذ لا يزيد الكامل، ولا ينقص المتعالي عن كل من عداه، المالك لأمر كل من سواه، وما سواه. أوجد الأشياء وهو غنيُ عنها، مقدّر لها غير مالكة لذاتها، ولا لأحد من دونه سبيل عليها، مستجيبة لقدرته، مقهورة لأمره، وهي عدم لولا رفده. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وحده لا شريك له، لا صانع معه، ولا مدبر من دونه، ولا رازق عداه، ولا إله سواه، ولا طاعة لأحد إلا بإذنه. واشهد ان محمداً عبده ورسوله أرسله هادياً ومسِلّماً ،ومبشراً منذراً، وقائداً ودليلاً. اللهم صل وسلم علبه وآله، وزدهم من أفضالك وكراماتك مالاً يبلغ عده العادون، يا حنّان يا منّان يا اجود الأجودين، وأرحم الراحمين .
عباد الله اتقوا الله، وهو أحق أن يٌخاف ويٌتقى، وأجدر من يرهب ويخشى، وهو أشد عذاباً وأبقى. وارغبوا في ما وعد به عباده الصالحين، فهو أصدق من وعد وأوفى، وأكثر عطاءً وأهنأ، وأسع رحمة وأرجى، وله الآخرة والأولى. أيها الناس لا تنسوا غداً المُعقِبَ للحياة، وإن العباد غداً لفريقان ((فأمنا من آمن أوتي كتابه بيمينه. فسزف يحاسب حساباً يسيراً. وينقلب إلى أهله مسروراً. فاما من أوتي كتابه وراء ظهره. فسزف يدعو ثبورا )) 7- 12 الانشقاق .
اللهم صل وسلم على عبدك المشكور، ذي العمل المبرور، رسولك المشهور، محمد وآله البدور، اللهم صل وسلم على علي ذي فاروق الأمة، وأبي الأئمة، العابد الزاهد، فارس الكتائب، علي بن أبي طالب. اللهم صل وسلم على كريمة النبي، وزوج الوصي وأم الحسنين الزكي والأبي .

اللهم صل وسلم على شمسي الهداية، ونوري الولاية، الحسن الزكي بن الزكي، والحسين الرضي بن الرضي علي .
اللهم صل وسلم على الخلفاء الاصفياء، والقادة الأولياء، والأئمة النجباء علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي العسكري الهداة الأتقياء .
اللهم صل وسلم على سليل الطاهرين، وولي الصالحين، وإمام المتقين، المهدي بن الحسن مظهر الحق المبين. اللهم عجل ظهوره، وبارك مقدمه، وزد مغنمه، وأنصره نصراً عزيزاً، وأفتح له فتحاً قريباً، وأقهر به اعداءك، وأعزز
به أولياءك يا رحيم يا كريم .
اللهم من كان سعيه من سعيه، وقصده من قصده، وعمله على التمهيد لدولته فتوّل رعايته وكفايته، وكلاءته، ومكّن له، ولا تخذله يا قوي يا عزيز، يا علي يا عظيم، اللهم واحفظ وسدد خطى الفقهاء الأتقياء، والعاملين المخلصين العلماء، والمجاهدين الساعين لنصرة دينك يا من هو على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير .

أما بعد فإن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل الإسلام أوضح من أن يذكر ن وما ذكر إلا لتخلفنا عنه مع مسيس الحاجة إليه في كل الزمان والمكان، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابة (( ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)) وقد قال عزّ من قائل ((لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون))
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((لتأمرن بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليلحيّنكم الله كما لُحيت عصاي هذه)) واللحا هو الألياف، لحاء الغصن أليافه، فإذا لحيت عنه أليافه تيَبّس وفقد الرواء، وفقد قابلية النماء، فهو التجمد وهو الموت والإقتراب من الهلاك .

وعن عليه وآله آلاف التحية و السلام من ربّه الكريم ((لتأمرّن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمّنكم عذاب الله)) حتى البرئ ؟ نعم، حتى البرئ وذلك لسكوته عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو في الحق ليس ببريء لأنه تخلّف عن أعظم الفرائض، وقد يعمّ العذاب حتى البرئ من طفلٍ أو غير قادر، بنظامٍ يخصّ العالم الإجتماعي في الحياة الدنيا .
فواصحٌ جداً أن الإخلال بوظيفة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر تستوجب إلى جانب العقوبة الأخروية كوارث عامة إجتماعية ومصارع اممٍ وجماعةٍ وأقطار .

ولا يكفي أن نمتلك الإرادة الكافية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا بد من التوفر على أسباب نجاح هذه الوظيفة، ومن ذلك أن نعلم المعروف، ونعلم المنكر، والأساليب الشرعية للأمر والنهي، و التدرّج المطلوب فيهما. وفي المعروف والمنكر العامين وفي ما بتصل بالحالة الإجتماعية الواسعة تصعب مسألة التشخيص بدرجة كبيرة وتدّق كثيرا، مسالة أن هذا معروفٌ ويجب الأمر به، وهذا منكرٌ ويجب النهي عنه، هذا الوظيفة في المجال الإجتماعي وفي العلاقات العامة تصعب جداًَ وتحتاج إلى الخبرة والإختصاص، الخبرة الميدانية، والخبرة الفقهية، تصعب مسألة التشخيص بدرجة كبيرة وتدّق كثيرا، وتدخل حالة التزاحم بين المهم والأهم بما يتجاوز حالة الدّقة في فهم الموضوع الخارجي، إلى ضرورة التوفر على الثروة الفقهية في مجال التزاحم، وميدان المقاصد الشرعية المتفاوته. لا يكفي أن أكون دقيقاً في موضوع الفهم الخارجي .. لا يكفي …

وتحقق الموضوع خارجاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفتح الباب على مصارعيه أمام كل الأساليب في ممارسة هذه الوظيفة، وإنما يتقيد الأسلوب بالإذن الشرعي، والذي يعتمد في ما يعتمد عليه على المردود الإيجابي والسلبي لهذا الأسلوب أو ذاك، والمحصلة النهائية لهذا التقابل في الآثار .

والشيء المحقق الذي لا بد منه هو أن تكون هذه الأمة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر …. وليس من العذر أنني لا أمتلك القدر الفقهي الكافي، أو القدرة على التشخيص الموضوعي في الميدان، هل عملت ؟ يقول: لا، لماذا لم تعمل ؟ إن قال علمت ولم أعمل فهو معاقب، وإن اعتذر بالجهل: لمـَم لم تتعلم ؟ .. والشيء المحقق الذي لا بد منه هو أن تكون هذه الأمة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، والشيء وإذا كان ينقصها فقهُ هذا الميدان المهم الذي يرتبط به مصيرها، ولا يسلم لها دين، أو دنياً بتخليها عنه، فحتم عليها أن تتفقه فيه، وأن تأخذ من أساليبه بأقربها إلى دفع المنكر وتحقيق المعروف بعيداً عن المضاعفات المؤلمة والمحزنة لوحدة الأمة وتماسكها .

ويعرف اناس ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يعرفون أن المعروف هو كل قويم جميل من الفكر و الشغور والسلوك، وأن المنكر هو كل معوّج قبيح من ذلك كله. والكلمة في الجمال والقبح، وفي الإستقامة والإنحراف للعقل الفطري، وشرع الله الحق. والإنحدار عن درب المعروف، والميل إلى درب المنكر هو إنحراف عن العقل والرشد والهدى والمصلحة، واستغراق في الجهل والضلال، والسفه والمفاسد .

وتطبيقاً للدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف أوجه هذا النداء لدولنا الإسلامية من غير تخصيص :
أولاً: التأسيس لعلاقات الوفاق الداخلي في أي بلد، وبعيداً عن تأثيرات الوضع العالمي وتقلباته، لا ينفصل مطلقاً عن التأسيس لعلاقات سياسية عادلة .

ثانياً: قد تنفق الدول على الإقناع الإعلامي بالعدل، اضعاف ما تنفق على تحقيق العدل نفسه، وترتكب من الصعوبات للأول اضعاف ما يتطلبه الثاني، على أن عدل ساعة يحقق من الإقناع بهذه الصفة، ما لا يتتحققه الدعاية الإعلامية لسنوات، مما لا يلبث أن يتبخر في لحظة واحدة .

ثالثاً: الأقلية أو الأكثرية غير الحاكمة وخاصة تلك التي تمدّ يد التعاون مرة بعد الأخرى، وتبرهن على وفائها لوطنها المشترك، لا ينبغي أن تُبني سياسية الوطن على الحذر منها والشك فيها. فإن من قالت مواقفه في الأزمات الواحد تلو الآخر، إنه الذي لا يُسلمك، وإذا طالب لا يطالب إضراراً وتعنتاً، ولذلك يبدي التعاطف والمباركة عند أول بادرة من حسن النيّة، لا يصحّ في ميزان العدل والإنصاف إلاّ أن تتخذه أخاً وعوناً فيكون تخطيطك معه، واحتراسك لك وله، لا منه مما يشعره أنه مشكوك منبوذ .

رابعاً: العلاقات السياسية العادلة كفيلة بأن تجعل الأقلية أو الأكثرية الحاكمة في أي بلد إسلامي أو غير إسلامي أمنها امناً للحكم، وتقدّمها تقدّماً له، وقوتها دعماً لقوته لأنها في ظل العدل في العلاقات السياسية المقننة على مستوى الوطن كله من غير تسميات طائفية وعرقية و ما إلى ذلك سيكون شعورها بالمواطنة والمصلحة الوطنية العامة قويّ الحضور والفاعلية من غير أن يتوّلد لديها شعور الصراع على المصالح المتعارضة .

الحكومة في أي بلد محتاجة إلى الأمن وهي تبحث عنه والشعب في أي بلدٍ محتاجٌ إلى الأمن على نفسه، هذا محتاجٌ للأمن على وجوده، إلى الأمن على عرضه، على ماله، على شرفه، على دينه، على دنياه. الأمن ليس محتاجٌ من طرفٍ واحد وإنما الأمن محل الحاجة من كل الأطرف، وهذا الأمن ليس له من طريق أقصر، و لا أقدر على الإيصال، و لا أقل كلفة، من طريق العلاقات المقننة المستقرة العادلة، فإذا ما وجدت هذه العلاقات مع حسن النية والوفاء في التطبيق الخارجي في كل قانونٍ قانون، فحينئذٍ نكون جميعاً في بلداننا الإسلامية كلها قد عثرنا على الطريق الأكثر إيصالاً، والأقل كلفةً، والأضمن بقاءً، للعلاقات الإجتماعية المستقرة، وللوفاق والوئام والإنسجام، فهل تفعل الدول الإسلامية فتكون بذلك قد وفرت على نفسها كثيراً من الراحة، وكثيراً من المال، وكثيراً من المال، وكثيراً من النصب والتعب والشكوك، يكفي .. يكفي .. يكفي .. نصف العدل، عن أضعاف ما تبذله الدول للإعلام للإقناع بالعدالة، الذي صار يجابه بوعيٍ كبير من الشعوب، فلا تخدع الشعوب ساعة، إلا وتفيق بعد ذلك ..

على كل حال الأمن والإستقرار وليس بما هو الأمن والإستقرار وإنما بما هو مقدمةٌ للتقدم، وبما هو مقدمةٌ للرقي، مطلوب من الدول الإسلامية، وعلى الحكومات أن تثق، وعلى الشعوب تثق، بأن الأمن الداخلي لن يعثر عليه شعب من الخارج، ولن تعثر عليه حكومة من الخارج، مصنع الأمن والإستقرار داخلي، وعلى أيدي المواطنين كلهم حكومةً ومحكومين، ومن غير ذلك لا يكون أمن ولا إستقرار.

اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وترّحم على محمد وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت على إبراهيم وآل إبرا هيم إنك حميد مجيد، واغفر لنا ولوالدينا ولكل ذي حق علينا و إخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأقبلنا فيمن قبلتهم من عبادك المذنبين ممن وفقتهم للأوبة، وكتبت لهم التوبة يا كريم يا رحيم. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأخذل الكافرين والمنافقين يا عزيز يا علي يا عظيم .

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَىوَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} 9/النحل

زر الذهاب إلى الأعلى