خطبة الجمعة (46) 2 ذو الحجة 1422هـ – 15-2-2002 م

مواضيع الخطبة:

الأحاديث
التي تبين بعض تعاليم الجمعة – ذكرى وفاة الإمام محمد الجواد- التغييرات الدستورية

من غاضه أن تناقش الأمور السياسية والأمور الإدارية وأن يكون الرأي حراً في هذا المجال فهو قد اتخذ قراراً بنفي المرحلة القائمة وأخلاقيتها ، وعلى هذا فلا نرتقب أن يضيق صدر السلطة في هذا المجال أبداً وهي ترّسم الخطوات لهذه المرحلة .

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا يدرك جلاله، ولا يوصف جماله، ولا يحدُّ كماله، لا يطرأ عليه فوت، ولا يعرضه موت، وكل من عداه، وما عداه محدود، وله أجل مرصود، ويوم موعود..
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق غير مخلوق، رازق غير مرزوق. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ما حاد عن طريق ربّه، وما قصّر في تبليغ رسالته، وما رغب عن جميل موعوده. صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والصبر على طاعته، وإن خشن الطريق، وقلّ سالكوه، والنأي عن معصيته، وإن مُهّد الدرب، وكثر عاشقوه، فإن طريق الطاعة آخذ بأهله إلى خير، وطريق المعصية سالك بأصحابه إلى شر، وخاتمة الأول الجنة، والثاني النار، وشر الشر النار وغضب الجبار، وخير الخير الجنة، والرضوان من الرحمن.

أما بعد فقد قال عزّ من قائل في كتابه المجيد:
{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.

ليس مشياً وإنما هو السعي، والسعي أكثر جديّة من المشي، والهدف الذي يطلق القدم ساعية أكبر من الهدف الذي يطلقها ماشية، فالسعي إلى ذكر الله وليس إلى طقس شكلي، ولا إلى تجمّع دنيويّ بعيد عن القيم وأخلاقيات السماء، إنه ذكر الله وهو غاية الغايات، غاية كلّ عبادة، وربّما أطلق الذّكر هنا كما عليه تفاسير على الجمعة وخطبتيها أو على الجمعة وحدها أو على الخطبتين وحدها والقريب والله العالم أنّ ذكر الله هنا الجمعة و الخطبتان.

(وذروا البيع): دعوا الدنيا قدّموا الجمعة قدّموا ذكر الله على الدنيا، على التجارة على كلّ أمر آخر فإنّ كلّ أمر آخر لا يستقيم بدون قيم الجمعة ، وبدون أخلاقيات الجمعة بدون وعي الجمعة بدون ذكر الله سبحانه وتعالى، و ما لم تأخذ الدنيا مسارها على درب الله سبحانه وتعالى فإنها لا يمكن أن تستقيم في نفسها فضلا عن أن تستقيم في نفسها ، ومن أجل الآخرة.

(ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون): إدراك هذا الأمر يحتاج إلى وعي، يحتاج إلى معرفة، وعند العلم تفلحون تماما بأنّ ذكر الله عزّ وجل أهمّ من ملايين تكسبها الأمة الإسلامية من جهد أكثر من مليار مسلم في ساعات الجمعة.
وقال سبحانه: {ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}. فعبادة الله، مناسك الديانة، طاعته سبحانه وتعالى ، تعظيم الشعائر وراءه خلفية من تقوى الله، المعظّم للشّعائر متّق، و غير المعظّم للشعائر متساهل، لا يستطيع قلبه أن يشعّ بذكر الله، ولا يحتضن قلبه تقوى الله.

أذكّر بهذا من أجل أن نتأدّب بآداب الجمعة، ومن أجل أن نراعي أحكامها، أقرأ للأخوة المؤمنين والمؤمنات طائفة من الأحاديث التي نستطيع أن نستبين منها تعاليم من تعاليم الجمعة، وليست أيّ مسألة أخرى أهمّ من مسألة العبادة وضبطها،نحن أصحاب عبادة ، قبل أن نكون أصحاب سياسة، نحن أصحاب طاعة لله عزّ وجل قبل أن ندلي بأيّ رأيّ في أيّ مسألة أخرى، وعلينا أن نكون سياسيين ولكنّ سياسيّون عابدون، سياسيّون لا يقدّمون على الله أحدا أبدا.

لا كلام في الخطبتين:

من حديث صحيح السند : (إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلم (أي المأموم ) أو تُكلّم ، ما بينه وبين أن يقام للصلاة(أو بينه وبين أن تقام الصلاة)، …) عن أبي عبدالله (ع).
من حديث صحيح آخر: (لا بأس أن يتكلم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبتين يوم الجمعة ما بينه وبين أن تقام الصلاة..) عن أبي عبدالله (ع). ويفهم من هذا أنّه مادامت الخطبة قائمة فلا كلام.
وفي رواية أخرى عن الصادق (ع) عن آبائه عليهم السلام: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له). أي لا ثواب في جمعته، لا قبول لجمعته، وإن أسقطت عنه فرض الظّهيرة.

فالكلام أثناء الخطبتين يدور أمره بين الكراهة، و الكراهة المشدّدة و الحرمة، وعدد من الفقهاء يذهب إلى الحرمة والنصوص فيما يرى غير قاصرة عن تقرير الحرمة.
أقول الكلام عن حرمة الكلام ، وعدم حرمته ما لم يُفسد الكلام وضع الخطبتين ، ويمنع الآخرين من السماع ، ويهتك حرمة الشعيرة وإلا كان الحال أشدّ كما هو واضح.

عدم التخطي لرقاب الناس:
بالسند إلى الباقر عليه السلام: (أن عليّاً عليه السلام كان يقول: لا بأس بأن يتخطى الرجل يوم الجمعة إلى مجلسه (يجتاز بين صفوف الجالسين للصلاة) حيث كان، فإذا خرج الإمام (يعني إذا جاء المنبر بعد الأذان) فلا يتخطأنّ أحدٌ رقاب الناس( ليكون وقت الخطبة وقت هدوء)، وليجلس حيث يتيسر(ما ذكرته حكمة وليس علّة)، إلا من جلس على الأبواب، ومنع الناس أن يمضوا إلى السّعة، فلا حرمة له أن يُتخطأ – أو يتخطأه).

كلٌّ قبلة الآخر:
في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل واعظ قبلة. يعني إذا خطب الإمام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس أن يستقبلوه).
وعن علي بن جعفر (رضي الله عنه) أخي الإمام الكاظم عليه السلام قال سألته – يعني الكاظم عليه السلام عن القعود في العيدين والجمعة والإمام يخطب،(يعني كيف يقعد المأموم) كيف يصنع، يستقبل الإمام أو القبلة؟ المأموم في الخطبتين خطبتي الجمعة والعيدين يستقبل القبلة أو يستقبل الإمام؟قال: يستقبل الإمام.

إشعارا بالجدية ، وهو أكثر للتوجّه ، وإتاحة فرصة الإصغاء كما يلتمس ذلك حكمة لمثل هذا الحكم.

الخطبتان في حكم الركعتين:
في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتى ينزل الإمام).
فمن منطلق هذا الحديث يحرّم بعضهم كلّ ما حرّم في الصلاة إلا ما أُستثني.

لا صلاة والإمام يخطب:
في الصحيح الذي رواه محمد بن مسلم قال: (سألته(والرواية مضمرةوالمعنيّ هو أحد المعصومين عليهم السلام) عن الجمعة فقال بأذان وإقامة….. إلى أن قال: ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر…….).

كن سبّاقاً للخير:
بسند صحيح فيما أظنّه وأستقربه كثيرا عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: (إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر).
هذه الرواية تقول بإجزاء لحوقك بالجمعة ولو في الركوع من الركعة الثانية ، فأنت بهذا تدرك الجمعة ويسقط عنك الفرض . وهذا كلام في غير الفضل . سقوط الفرض مسألة .ومستوى الفضل مسألة أخرى.
وفي الرواية عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقرّبون معهم قراطيس من فضة (ربّما هذه تشبيهات لواقع آخر لا نعلمه) وأقلام من ذهب، فيجلسون على أبواب المسجد – أو المساجد – على كراسيّ من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني (فلان هو الأول في دخول المسجد للجمعة فلان هو الثاني.. وهكذا، وهذه تعني مراتب في الفضل والتقدّم في الثواب) حتّى يخرج الإمام ( وخروج الإمام معناه دخوله المسجد صعوده المنبر للخطبة)، فإذا خرج طووا صحفهم (الملائكة هنا تطوي صحفهم ، فمن جاء من بعد لا يدخل في التسابق)، ولا يهبطون في شيء من الأيّام إلا يوم الجمعة، يعني الملائكة المقرّبين).
وفي الصحيح: قال أبو عبد الله عليه السلام: فضّل الله يوم الجمعة على غيرها من الأيام، وإن الجنان لتزخرف وتزيّن يوم الجمعة لمن أتاها (أي من أتى الجمعة) ، وإنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة، وإن أبواب السماء لتفتح لصعود الأعمال).

اللهم صل وسلم على البشير النذير والسراج المنير محمد وآله الطاهرين واغفر لنا ولوالدينا ومن يعنينا أمره ومن له حق خاص علينا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا من المبادرين لطاعتك، السبّاقين في ميادين عبادتك، المتحلّين بحلية أوليائك ، والمقبولين لديك، وهب لنا من لدنك رحمة يا كريم.

بسم الله الرحمن الرحيم

( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا خالق من دونه ، ولا موت ولا حياة إلا بيده ، ولا رزق إلا من عنده وبتقديره ، و لا ضر ولا نفع إلا بإذنه . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنه محمداً عبده ورسوله اختاره لأعظم رسالة ، وأجتباه لأكبر مهمة ، و جعله سبب رحمة ، وسبيل نجاة وجنة . اللهم صل وسلم على عبدك المصطفى وآله النجباء وزدهم جميعاً تحية وكرامة وسلاماً .
عباد الله اتقوا الله ، واستعينوا على انفسكم متكلين على الله بطلب البصيرة في الدين والدنيا ، وليكن من دأبكم تقليب الأمور ، ووزن الدنيا وشأنها ، والآخرة وخطرها ، والموازنة بين ما هو ضرر زائل ، وما هو ضرر مقيم ، وما هو نعيم عامرٌ ، ونعيم لا يزول ، واسعوا جادين في تمتين العلاقة بالله سبحانه بإخلاص العبودية له ، والاستقامة على طاعته ، فإنها العلاقة المقدمة على كل العلائق ، والتي لا نفع عند النظر لأي علاقة لا تقتضيها ، ولا تنشد بسبب إليها . ,إن علاقة الأبوة والبنوّة والأخوّة ، وهي من أشد العلائق ، وأوثقها رباطاً إن نفعت فإنما تنفع إلى حين بإذن الله ، وإذا شطت عن طريقه أعقبت هلاكاً وخسراناً ، وأنتجت حسرة وندامة . هذا شأن علاقة الأبوة والبنوة والأخوة فضلاً عن العلاقات الأخرى .
اللهم صل وسلم على أمينك على وحيك ، وحبيبك من خلقك ، المصطفى المسدد أبي القاسم محمد . اللهم صل وسلم على أول الوصيين لخاتم المرسلين علي أمير المؤمنين ، اللهم صل وسلم على الصديقة زوجه الطاهرة ، والدة الأئمة البررة ، فاطمة الزهراء الفاخرة .اللهم صل وسلم على الإمامين التقيين ، والبدرين الزاهرين ، والسبطين الهاديين الإمام الحسن بن علي والإمام الحسين . اللهم صل على الحجج البالغة ، والأنوار الساطعة ، أئمة الهدى علي بن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي العسكري الراشدين السعداء0
اللهم صل وسلم على مظهر النور بعد الظلمة ، والحق بعد الباطل ، والعلم بعد الجهل ، والعدل بعد الظلم الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر . اللهم انصره نصراً عزيزاً ، وافتح له فتحاً قريباً ، واجعله رحمةً للمؤمنين ونقمة على الكافرين . اللهم سدد وأيد و انصر فقهاء الإسلام وعلماءه العاملين من المؤمنين المتقين ، والمجاهدين في سبيلك والذائذين عن حرمات دينك يا أقوى من كل قوي ويا أعز من كل عزيز .

ذكرى وفاة الإمام محمد الجواد :

أيها المؤمنون والمؤمنات تستوقفنا ذكرى وفاة الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام لنسجل كلمة بهذه المناسبة الأليمة . وهي أن خسارة الأمة لأي إمام من الأئمة المعصومين عليهم السلام خسارة لأبوة صادقة شاملة وعياً وهدى ورشداً وعلماً وتوجيهاً وحناناً وشفقةً وعدلاً وإحساناً وتضحيةً وإيثاراً ..أما خسارة الأمة لخط الإمامة فهي خسارة لهويتها وإنتمائها الحضاري ، ووجودها الأصيل ، ودورها الريادي ، وعزتها وكرامتها وسيرها إلى الله عز وجل … وتمثل هذه الخسارة يتماً مقيماً وعميقاً على كل المستويات ، تنبسط آثاره الضارة بيّنة في كل جنبات الحياة .

بعد هذا أؤكد على نقاط مما هو محل الإهتمام :

أولاً : تعاني كل البلاد الإسلامية من تمزق داخلي ووهن في الدائرة العامة لها على مستوى كل قطر قطر ، وهي محتاجة إلى الوحدة الداخلية في كل بلد ، والوحدة الشاملة ، والاعتصام بحبل الله ، وقيم دينه وتعاليمه ، ومؤشرات منهجة ، فإن تأخذ بذلك ينتهي التمزق ، ويذهب الوهن ، و إلا فلا مخرج , كل الحلول الأخرى آنية و قاصرة ومضطربة .

ثانياً : كثيراً ما يقابل في المصطلحات السائدة بين الوطنية والإسلام ، بما قد يُشعر أو يُراد منه بأن الوطنية تنافي الإسلام ، والإسلام ينافي الوطنية . وهذا صحيح لو اتخذ الوطن معبوداً من دون الله ، وكان التقديس والتحميد له ، واتخذ مثلاً أعلى وإلهاً مطلقاً ، حينئذ ما هو دين غير ما هو وطنيٌ 100% .. , و ما هو وطنيٌ هو ليس ديناً بالكامل وبالمطلق ، أما حسب الفهم الذي نتبناه والوعي الرشيد ، الوعي لمعنى الوطنية ، والفهم الصحيح للإسلام فالأمر ليس كذلك ، إن الوطنية من الإسلام ، والإسلام يعني المصلحة الوطنية ، والمصلحة الوطنية تصب في صالح الإسلام . نحن نفهم من الوطن الإسلامي أنه وطنٌ آمن بالإسلام وارتضاه منهجاً وطريقاً وقدّمه على كل الأطروحات الأخرى ، الوطن الإسلامي وطنٌ يؤمن من أعماقه بالخط الإسلامي وبالقيم الإسلامية ، فإذن هو لا يسعى من خلال هذا الفهم والتوجه إلى ما يضاد الإسلام ، ولا يرى في مصلحته أنها تقع في شيء يخالف الإسلام . والإسلام رحمة ، الإسلام للبناء ، الإسلام للتقدم ، الإسلام لإعمار الدنيا ، لإعمار الذات الإنسانية ، ولأن تفعم القلوب بالنور ، ولأن تزدهر الأنفس بالطمأنينة . هو للأمن ، للتقدم العلمي ، للتقدم التكنولوجي ، للتقدم في كل المسارات الصالحة ، وإسلامٌ هو هذا لا يمكن أن يتقاطع مع مصلحة أي وطنٍ رشيد .

ثالثاً : صارت التغييرات الدستورية بالوضع إلى حالةٍ وسطية بين مرحلة تطبيق الدستور وتعطيله ، لم ترجع بنا التغييرات الدستورية إلى مستوى الدستور الأول ، ولم تتجمد بنا بالكامل في نقطة تعطيل الدستور ، وإنما هي مرحلة وسط كان الأمل أن يكون الأمر على خلاف ذلك ، وأن تتقدم هذه المرحلة على مرحلة تطبيق الدستور .
فالمجلس النيابي له الرقابة ، و حظه في المسالة التشريعية المشاركة الجزئية مع تقدم المجلس المعين في هذا المجال في موقع الرئاسة ، هذا وأُذّكر بأن الرأي الإسلامي في أن ما تملكه المجالس النيابية والمعينة إبتداءً ، ليس أن تشرّع في قبال تشريع الله سبحانه وتعالى ، وإنما تعظّم الاحكام الشرعية التي يستقيا المختصون من الكتاب والسنة في أبواب وفصول ومواد ، أو تباشر عملية الاستنباط للأحكام الشرعية وتطبيقاتها الكلية مع التأهل لذلك ، وتعطيها هيئة القوانين الحديثة ، وأما التطبيقات فهي تحتاج إلى خبرة كبرى فقهية وغير فقهية .

رابعاً : البحرين لم يطل الوقت على خروجها من فتنة داخلية مرهقة ، ولا يصح لها أبداً أن تعود لمثل ذلك . والمحاسبة على إبداء الرأي في ما هو محل التشاور لا مكان له في ظل أخلاقية المرحلة المعاشة و إلا فهو نفي لها ، من غاضه أن تناقش الأمور السياسية والأمور الإدارية وأن يكون الرأي حراً في هذا المجال فهو قد اتخذ قراراً بنفي المرحلة القائمة وأخلاقيتها ، وعلى هذا فلا نرتقب أن يضيق صدر السلطة في هذا المجال أبداً وهي ترّسم الخطوات لهذه المرحلة . واختلاف الرأي ، وحرية الكلمة في باب الموضوعات ، وحلول المشاكل ، والمطالبة بالحقوق والواجبات من مقومات هذه المرحلة ، وسدّ الباب دون ذلك نفيٌ لهويتها .

خامساً : ما كان يُتوقع من طريقة للتعديل الجزئي للدستور ، ومن نوع العلاقة بين المجلسين ، كما بُيّن في الأسبوع السابق ، وإن جاء الواقع على خلافه ، إلا أنه لا ينبغي لهذه الأمر أن يُحطّم العلاقات السياسية ، أو يؤثر على وضع الإستقرار بسوء . و يجب أن تُتحاشى القلاقل ، فإنها بئس الوضع الذي يشل حركة الأوطان ، ويُحطّمها ، ويُشقي كل من فيها صغيراً كان أو كبيراً ، وفي أي موقعٍ كان .

سادساً : تكبُر مسئولية الحكم في البحرين في ظل المجلسين والصلاحيات التشريعية المشتركة بالنسبة لسلامة خط التشريع ومراعاته لثوابت الشريعة ، وقيم الدين ، ومصلحة المواطنين ، أكبر مما لو انحصرت المسألة التشريعية في المجلس المنتخب . لو كان المجلس المنتخب يمتلك كامل الصلاحية التشريعية من غير مشارك لكانت المسئولية تنحط بكاملها على كاهله ، وكانت محاسبته عسيرة وشديدة إذا مال عن الخط ، أما المحاسب الأول الآن فهو النظام ، لأن النظام صار بما آلت إليه التعديلات الدستورية أملك في المجال التشريعي من المجلس النيابي ، ولذلك يكون النظام هو المسؤول الأول أمام الشعب ، إذا كان للشعب صوتٌ ورأيٌ ، حين تنحرف المسيرة التشريعية عن الخط الحضاري والمصلحة الوطنية . ومن هنا يتوجّه الطموح الشعبي لأن يلاحظ التعيين مصالح الشعب وقناعاته ، وموضوعية الرأي عند الشخص المعين ، وكفاءة الخبرة ، ونظافة الخلق ، وسلامة السلوك ، ورعاية الدين .

سابعاً : إن الشعوب والأمم تلتقي في بعض مطالبها ، وتختلف على مطالب أخرى ، فإذا كانت مطالب المأكل والملبس والمسكن والمشرب ، وتوفير فرص العمل والمساواة فيها ، والعدل في توزيع الخدمات المدنية مطالب مشتركة ، فإن من خصائص المجتمعات الإيمانية ، كهذا المجتمع المتميز في إيمانه أن لها مطالب قدسية ترتبط بمصيرها الأكبر ، وهي مطالب روحية تتصل بقيم الدين ، وخُلق العفة والطهارة ، والجو الإيماني النقي ، وحرية الشعائر الدينية ، وعلوم الكتاب الكريم ، والسنة المطهّرة وعقيدتهم وفقههما وثقافتهما التي تستقيم بها الحياة ، وتطهر أجواؤها .

ثامناً : صار الدور الذي يمكن أن يلعبه المجلس النيابي المنتخب ضيقاً ، وبالرغم من ذلك فإنه يتحتم على هذا المجتمع المسلم أن يفي لإسلامه في كل عملية انتخابية ، وذلك بالحضور الناشط والفاعل إعلاماً وتصويتاً ، وقصر الصوت الانتخابي على الكفاءة العالية والتدين الصادق ، ويٌحجب عن القاصر الفاسق القريب ، تحقيقاً للمكن من مصلحة الوطن والدين ، اللتين يلتقيان في النظرة الوطنية الواعية ، والفهم الإسلامي الصحيح .
فالمؤمنون مطالبون بأن يقدّموا ولاءهم لله سبحانه على ولاء المكان والقبيلة والقرابة والصداقة الدنيوية وعلى كل ولاء آخر ، ولا يقدموا حسباً ولا نسباً ولا مصلحة على مصلحة الدين التي بها إنخفاظ مصلحة الوطن .

اللهم صل وسلم على رسولك وصفيك الهادي محمد بن عبد الله وآله أولياء الله ، واغفر لنا ولجميع أهل الإيمان ، ولوالدنيا ولكل ذي حقٍ خاصٍ علينا وذوي قرابتنا ومودتنا من المؤمنين والمؤمنات ، ولا تعدل بنا عن الصراط ، ولا تزل أقدامنا في الحياة ، وآمنا في الدنيا وبعد الممات ، و احشرنا في زمرة محمدٍ وآله الهداة ، وسلم عليهم تسليما كثيراً يا رحيم يا كريم .

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون

زر الذهاب إلى الأعلى